كتاب تطور الفكر السياسي الشيعي (دراسة نقدية) القسم الثاني

رحيم فرحان صدام

الحوار المتمدن-العدد: 8424 - 2025 / 8 / 4 - 09:38
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

نواصل بحثنا مع الأستاذ احمد الكاتب الذي ادعى :" إيمان الإمام علي بالشورى دستوراً للمسلمين بصورة واضحة، في عملية خلافة الإمام الحسن، حيث دخل عليه المسلمون، بعدما ضربه عبد الرحمن بن ملجم، وطلبوا منه أن يستخلف ابنه الحسن، فقال: لا، إنا دخلنا على رسول الله فقلنا: استخلف، فقال: لا، أخاف أن تفرقوا عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون، ولكن إن يعلم الله في قلوبكم خيراً يختر لكم». وسألوا علياً أن يشير عليهم بأحد، فما فعل، فقالوا له: إن فقدناك فلا نفقد أن نبايع الحسن، فقال: لا أمركم ولا أنهاكم. أنتم أبصر.
وقد ذكر الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا (۲۰۸ – ۲۸۱ه) في كتاب مقتل الإمام أمير
المؤمنين عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال: قلت: يا أمير المؤمنين، إن فقدناك، ولا نفقدك، نبايع للحسن؟... فقال: ما أمركم ولا أنهاكم. فعدت فقلت مثلها فرد علي مثلها" (١).

ان اعتماد الكاتب على ابن ابي الدنيا في كتاب مقتل الامام امير المؤمنين هو يدل على عدم معرفة بتوجهات وميول المؤرخين لا سيما ان ابن ابي الدنيا هو مولى بن امية (2) خصوم الامام علي عليه السلام فكيف يعتمد الخصم في الرواية المخالفة للإمام ؟ ام على قلوب اقفالها .
وقد وردت الرواية بالصيغة الاتية :
"حدثنا الحسين نا عبد الله قال حدثني أبي رحمه الله عن هشام بن محمد عن شيخ من الأزد حدثهم عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال دخلت على علي أسأل به فقمت قائما لمكان ابنته أم كلثوم كانت مستترة فقلت يا أمير المؤمنين إن فقدناك ولا نفقدك نبايع للحسن فقال علي ما آمركم ولا أنهاكم ". (3)
ان الرواية غير صحيحة ؛ لأنها مقطوعة السند اذ فيها شيخ من الأزد مجهول ، فضلا عن ان المؤلف يمثل رواية الامويين خصوم الامام علي فلا يمكن الاعتماد عليه اذ انفرد بها ، وقد الف ابن ابي الدنيا كتابين عن اهل البيت عليهم السلام :
الكتاب الاول : ( مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام) والغرض من تأليفه نفي استحقاق الامام للخلافة بعد وفاة النبي محمد عليه السلام ، ومحاولة اثبات شرعية الخلفاء الراشدين قبله لا سيما الخليفة ابي بكر على لسان الامام نفسه على حد زعمه اذ قال ما نصه :" حدثنا هارون بن معروف حدثنا جرير بن عبد الحميد عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن سبيع قال قيل لعلي ألا تستخلف يا أمير المؤمنين قال لا ولكني أترككم إلى ما ترككم رسول الله قال فما تقول إذا لقيت الله قال أقول اللهم تركتني فيهم ما بدا لك أن تتركني وتوفيتني وتركتك فيهم فإن شئت أفسدتهم وإن شئت أصلحتهم". ( 4 ) ؛ لذلك يجدر الحذر من روايته ؛ لأنه منحرف عن اهل البيت فلا تقبل روايته عنهم .
الكتاب الثاني ( مقتل الحسين) (5) والهدف من تأليفه الكتاب محاولة تبرئة الخليفة الاموي يزيد بن معاوية من مقتل الامام الحسين عليه السلام ، قال الجورقاني :" وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا(6) ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ ، وَغَيْرِهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ يَزِيدُ حَيْنِ أَتَاهُ قَتْلُ الْحُسَيْنِ: «قَدْ كُنْتُ أَرْضَى مِنْ طَاعَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِدُونِ قَتْلِ الْحُسَيْنِ، رَحِمَ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، عَجَّلَ عَلَيْهِ ابْنُ زِيَادٍ، أَمَّا وَاللَّهِ لَوْ كُنْتُ صَاحِبَهُ، ثُمَّ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى دَفْعِ الْقَتْلِ عَنْهُ إِلَّا بِبَعْضِ عُمْرِي، لَأَحْبَبَتُ أَنْ أَدْفَعَهُ عَنْهُ»." ( 7)
وردت الرواية عن أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ : سلمى بْن عَبْد اللَّه بْن سلمى، البَصْرِيّ المسكن ، الاخباري العلامة ، وهو تابعي من الطبقة الثالثة ، و كان من اصحاب الخليفة ابي جعفر المنصور ، واغلب روايته عن البصريين ، توفي سنة ( 167هـ / 784 م) ( 8 ) الذي كان خطيبا قاصا وعالما بالأخبار والآثار الا انه متروك الحديث . ( 9 ) واتهمه بعضهم بأنه " يَرْوِي عَن الْأَثْبَات الْأَشْيَاء الموضوعات "(10) ؛ ولذلك يمكن القول ان الرواية موضوعة لغرض تبرئة يزيد بن معاوية من المسؤولية عن مقتل الامام الحسين عليه السلام ؛ ولذلك ذكرها الجوزجاني في كتابه .
يتضح مما تتقدم ان ابن ابي الدنيا يمثل وجهة النظر الاموية فلا يمكن الاعتماد على روايته فيما يخص اهل البيت لا سيما انه يعتمد الرواة المنحرفين عنهم .

الهوامش
(۱) أحمد الكاتب ، تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه ، دار الجديد، جميع الحقوق محفوظة ، طبعة بيروتية أولى، ۱۹۹۸. ص24؛ وينظر: ابن أبي الدنيا، أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد الاموي مولاهم البغدادي (ت281هـ/894 م). مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، المحقق: إبراهيم صالح ، الناشر: دار البشائر – دمشق ،الطبعة: الأولى، 1422هـ / 2001 م.(ص: 60). ص ٤٣.
(2) ابن عدي : عبد الله بن عدي بن عبد الله الجرجاني ( ت 365 هـ / 975 م)، الكامل في ضعفاء الرجال، تحقيق د.سهيل زكار، دار الفكر، ط3، (بيروت-1409هـ/ 1988 م). (5/ 5).
(3) ابن أبي الدنيا : مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب .(ص: 49).
(4) ابن عدي : الكامل في ضعفاء الرجال. (5/ 5).
(5) ابن النديم : أبو الفرج محمد بن إسحاق (ت385هـ/995م)، الفهرست ، دار المعرفة ،( بيروت - 1398هـ/1978 م). ص 185 ؛ الذهبي، شمس الدين: محمد بن أحمد بن عثمان التركماني (ت 748هـ/1357م)، تذكرة الحفاظ ، الناشر: دار الكتب العلمية ، الطبعة: الأولى ، (بيروت- 1419هـ/ 1998م).2: 224.
(6) الرواية غير موجودة في كتبه المطبوعة، ويبدو انها في كتابه (مقتل الحسين) وهو من كتبه الضائعة حتى الان ، ينظر: الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن (ت 460هـ/1067م)، كتاب الفهرست، الناشر : مؤسسة نشر الفقاهة، تحقيق، الشيخ جواد القيومي، الطبعة الأولى، ١٤١٧ه. ص170.
(7) ينظر: الجورقاني، الحسين بن إبراهيم بن الحسين بن جعفر، أبو عبد الله الهمذاني (ت 543هـ / 1148م) ، الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير ، تحقيق وتعليق: الدكتور عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، الناشر: دار الصميعي للنشر والتوزيع، مؤسسة دار الدعوة التعليمية الخيرية، الطبعة: الرابعة، الرياض -1422هـ/ 2002 م. (1/ 423) .
( 8 ) يراجع عنه:- الجاحظ : أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، (ت 255هـ/ 868 م) ، البيان والتبيين، تحقيق : عبد السلام محمد هارون ، دار الجيل،(بيروت ـ د.ت) ، جـ1 ، ص367 ؛ ابن حجر: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852هـ/1459م)، تقريب التهذيب ، تحقيق محمد عوامة ، دار الرشيد ، سوريا 1407هـ/1986م ، جـ6، ص785.
( 9 ) الذهبي: ميزان الاعتدال في نقد الرجال، دراسة وتحقيق: الشيخ علي معوض، الشيخ عادل أحمد، شارك في تحقيق : د. عبد الفتاح أبو رسن، دار الكتب العلمية، (بيروت ـ 1995). جـ4 ، ص497 .
( 10 ) ابن حبان ، محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي ، (ت 354هـ/960م) ، المجروحين من المحدثين ، تصحيح عزيز بيك القادري والنقشبندي ، ط1، المطبعة العزيزية ، حيدر اباد الدكن ، ( الهند - 1979). (1/ 359) .

#رحيم_فرحان_صدام (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل