اخلاق الشعبي وصفاته

رحيم فرحان صدام

الحوار المتمدن-العدد: 8095 - 2024 / 9 / 9 - 00:53
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

بالغ علماء الرجال في الثناء على عامر الشعبي ووصفوه بالأخلاق الحسنة والصفات الكريمة وعدوه من كبار الائمة واعيان الفقهاء ورأس المحدثين (1)، ونعتوه بالزهد والورع والصلاح (2)، وليس كذلك ، ونحن يكفينا أن نعرّف بأنّه كان مؤدِّباً لولد الخليفة عبد الملك بن مروان (65 - 86 هـ / 623 – 705 م)، وأنّه كان قاضياً أيضاً له بالكوفة في عهد الحجّاج ومن بعده لبني أُمية . وكان ضعيفا في أداء مهام القضاء فما قام له ولا قوي عليه . وفي أيّام قضاءه لعبد الملك حدثت قصة تخاصم رجل مع زوجته جميلة بنت عيسى بن جراد - وكانت جميلة كاسمها - عنده ، فنظر إليها الشعبي ، فحكم للزوجة على زوجها ، فقال الهُذَيْل الاشْجَعي (3) :
فُتن الشعبي لمّا *
رفع الطرف إليها قتلته بقوام *
وبخطي حاجبيها وبنان كالمداري *
وبحسن مقلتيها كيف لو أبصر منها *
نحرها أو ساعديها لصبا حتى تراه *
ساجداً بين يديها بنت عيسى بن جراد *
ظُلم الخصم لديها فقضى جوراً علينا ثم لم يقض عليها قال للجلواز قدّمها *(4)
وأحضر شاهديها فشاعت القصة والأبيات حتى بلغت الخليفة عبد الملك ، وروى أنّ الشعبي أتى قصر عبد الملك فقرع الباب ، فقال الآذن : من هذا ؟ فقال : الشعبي فقال : ( فُتن الشعبي لما ) إلى آخر ما جرى بينهما بدون أيّ حياء ، كما ذكر مرور الشعبي بامرأة فسمعها تنشد ( فُتن الشعبي لما ) . إلى غير ذلك ممّا يروى عن مجونه كحضوره وليمة فرأى أهلها سكوتا ، فقال : مالي أراكم كأنكم في جنازة ؟ أين الغناء ؟ وأين الدفّ ؟.(5)
فضلاً عن ما تقدم فإنّ الشيخ المفيد اتهمه بأنه : " معروفا بالكذب سكيرا خميرا مقامرا عيارا ، وكان معلما لولد عبد الملك بن مروان وسميرا للحجاج" . (6)
فضلاً عما تقدم فقد روى أنه سرق من بيت المال في خفه مائة دينار ، وهو ما يتنافى مع الاخلاق التي وصفه بها اغلب علماء الحديث . (7)
فالرجل أُموي الهوى والنعمة ، وماجن الأخلاق ، ومع ذلك فقد وصفه ابو عبيدة بأنه من حلماء العرب . (8)

الهوامش
(1) الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير بن غالب (ت 310هـ/ 922م) ، المنتخب من ذيل المذيل ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار المعارف ، ( القاهرة – 1977م) ص 635 ؛ ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي القرشي ، (ت597هـ/1204م)، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، دار صادر، الطبعة الأولى، ( بيروت - 1358هـ). 4/560.
(2) العجلي : أحمد بن عبد الله بن صالح ( ت261هـ / 874 م)، معرفة الثقات، تحقيق عبد العليم عبد العظيم البستوي ، ط1، مكتبة الدار، ( المدينة المنورة- 1985).ج2 ، 12-13؛ الذهبي، شمس الدين: محمد بن أحمد بن عثمان التركماني (ت 748هـ/1357م) ، سير أعلام النبلاء، أشرف على تحقيق وخرّج أحاديثه: شعيب الأرناؤوط، ، دار الرسالة ، ط9، (بيروت ـ 1993). 2/294 –295 0
(3) هذيل بن عبد الله بن سالم بن هلال الأشجعي: شاعر ماجن هجاء، من أهل الكوفة ، توفى نحو سنة (120 هـ / 738 م)، له هجاء في ثلاثة من قضاتها: عبد الملك بن عمير، والشعبي، وابن أبي ليلى. يراجع عنه المرزباني أبو عبيد الله محمد بن عمران (ت 384هـ / 994م)، معجم الشعراء ، تصحيح وتعليق : الأستاذ الدكتور ف . كرنكو ، الناشر : مكتبة القدسي، دار الكتب العلمية، الطبعة : الثانية، (بيروت- 1402 هـ / 1982م). (ص: 482).
(4) البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر (ت 279هـ/ 885م): انساب الاشراف ، تحقيق: سهيل زكار ورياض الزركلي ، الناشر: دار الفكر ، الطبعة: الأولى،( بيروت- 1417هـ / 1996م). ج 13 ص 215 – 216 ؛ ابن عبد ربه، أبو عمر أحمد بن محمد الامو بالولاء (ت 328هـ/935م)، العقد الفريد، شرح وضبط: أحمد أمين، أحمد الزين، إبراهيم الأبياري، مكتبة النهضة المصرية، (مصر -1962م ).(1/ 83) ؛ أبو سعد الآبي: منصور بن الحسين الرازي، (ت 421 هـ / 1030 م)، نثر الدر في المحاضرات ، تحقيق: خالد عبد الغني محفوظ ، الناشر: دار الكتب العلمية ، الطبعة: الأولى، ( بيروت- 1424هـ /2004م) .(2/ 110) ؛ ابن عساكر، علي بن الحسن الشافعي، (ت 571هـ/1277م) ، تاريخ مدينة دمشق، دراسة وتحقيق: علي شيري، دار الفكر (بيروت ـ 1995).ج 25 ص 405 ؛ ابن أبي الحديد، عز الدين عبد الحميد بن هبة الله المدائني (ت 656هـ/1263م): شرح نهج البلاغة، كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ()، جمعه: الشريف الرضي، تحقيق: محمد أبو الفضل، المكتبة العصرية، (بيروت-1959م).ج 17 ص 66 – 67؛ الأبشيهي : شهاب الدين أبو الفتح محمد بن أحمد بن منصور (ت: 852 هـ/ 1448م) ، المستطرف في كل فن مستظرف ، عالم الكتب ، الطبعة: الأولى، ( بيروت-1419 هـ).ج 1 ص 179.
(5) الثعالبي، عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور ، (ت 429هـ/1035م): اللطف واللطائف، دار المسيرة ، ( بيروت – بلا ت ) ص 29.
(6) المفيد، محمد بن محمد بن نعمان (ت 413هـ/1020م)، الفصول المختارة ، تحقيق : السيد علي مير شريفي ، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، ( بيروت -1414ه/ 1993م ). ص 216.
(7) البلخي : أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي (ت: 319 هـ / 931م): قبول الأخبار ومعرفة الرجال ، تحقيق: أبو عمرو الحسيني بن عمر بن عبد الرحيم، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت ، الطبعة: الأولى، 1421 هـ / 2000 م. (1/ 201) ؛ الطبري الامامي : محمد بن جرير بن رستم المتوفى بعد سنة (411هـ / 1020 م) ، المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، تحقيق ، الشيخ أحمد المحمودي ، الناشر مؤسسة الثقافة الاسلامية لكوشانبور ، المطبعة : سلمان الفارسي ، الطبعة الأولى، قم- 1415 ه‍ . ص 181 – 184 ؛ الكراجكي : أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان (ت 449هـ / 1057م) ، التعجب من أغلاط العامة في مسألة الإمامة ، تحقيق : فارس حسون كريم . ص 153 – 154؛ ويقارن مع ابن عساكر، تاريخ دمشق (25/ 419) .
(8) معمر بن المثنى (ت 209هـ / 824 م) ، الديباج، تحقيق: عبد الله بن سليمان ، الناشر: مكتبة الخانجي ،( القاهرة- 1411ه / 1991م). ص 116.

#رحيم_فرحان_صدام (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل