أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عماد حسب الرسول الطيب - 9. البرجوازية الصغيرة بين التأرجح الطبقي وعجز القيادة الثورية














المزيد.....

9. البرجوازية الصغيرة بين التأرجح الطبقي وعجز القيادة الثورية


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8440 - 2025 / 8 / 20 - 04:47
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


تعتبر البرجوازية الصغيرة إحدى أكثر الطبقات تقلباً وتذبذباً في مسار التاريخ الاجتماعي، فهي بحكم موقعها الوسيط بين رأس المال والعمل تتأرجح دائماً بين نزعات راديكالية شكلية وبين ميل دائم للاندماج في بنية النظام القائم. هذا الموقع الوسيط يجعلها عاجزة عن صياغة أفق تاريخي مستقل، فتظل مرتهنة للتناقضات الداخلية التي تمزقها: من جهة سعيها للحفاظ على ملكيتها الصغيرة وحدود استقلالها الاقتصادي، ومن جهة أخرى عجزها عن مواجهة تركيز رأس المال وتحكمه في السوق. هذه الديناميكية لا تقتصر على المجال السياسي، بل تمتد إلى الاقتصاد حيث يتحول قادتها سريعاً إلى شركاء في شبكات الاستهلاك والديون، أو موظفين بيروقراطيين في أجهزة الدولة. هذا ما يفسر التحول السريع للعديد من قيادات الحركات التحررية إلى موظفين في أجهزة الدولة أو مستفيدين من علاقاتها مع رأس المال العالمي، كما حدث مع عدد من زعامات الحركات القومية العربية التي ما لبثت أن تحولت إلى بيروقراطيات مرتبطة عضوياً بالإمبريالية.

هذا التحول البنيوي ليس حكراً على التجارب العربية. ففي أمريكا اللاتينية، تحولت العديد من الحركات الراديكالية إلى أحزاب إصلاحية تدير النظام بدلاً من تغييره، كما ظهر جلياً في مسار حزب العمّال البرازيلي الذي انتقل من برنامج إصلاحي جذري إلى مدير لسياسات نيوليبرالية. كما حدث أيضا في فنزويلا حيث تحولت النخب الثورية إلى طبقة بيروقراطية طفيلية، ما قوض الطابع التحرري الأصلي للحركة وحوّلها إلى آلية لإعادة إنتاج البنية القائمة بدل تحطيمها.

تتحول المؤسسات الديمقراطية الشكلية إلى أدوات لإدارة الأزمة لا لحلها، حيث تُستخدم الانتخابات والبرلمانات كصمامات أمان لتفريغ الغضب الشعبي. ففي لحظات التوتر الطبقي، تقدم البرجوازية الصغيرة نفسها كوسيط "عقلاني"، لكنها في الجوهر تعمل على تجميل آليات السيطرة القائمة بدل قلبها رأساً على عقب. ولذلك نرى أن البرامج الإصلاحية التي تتبناها أحزابها تتماهى سريعاً مع حدود الملكية الخاصة وقوانين السوق، مما يحوّل خطابها الراديكالي السابق إلى إصلاحية جوفاء. وفي السياق الجنوبي، تُستدعى هذه البرامج دوماً تحت لافتات الديمقراطية الليبرالية، في حين تبقى علاقات الاستغلال الأساسية على حالها.

في لحظات الأزمات الكبرى، يتضح أن السياسات الاقتصادية التي تتبناها البرجوازية الصغيرة لا تتجاوز إدارة النظام نفسه عبر إجراءات تقشفية تفرض على الجماهير، بينما تبقى علاقاتها مع رأس المال الكبير قائمة. وهو نمط يتكرر في الجنوب العالمي حيث تتحول الأحزاب اليسارية إلى مديرة لبرامج صندوق النقد الدولي تحت شعارات "الواقعية" و"الإصلاح التدريجي". من هنا يتأكد أن ضعفها البنيوي يجعلها عاجزة عن تبني استراتيجية ثورية متسقة، بل تُحشر دائماً في موقع دفاعي عن الامتيازات المحدودة التي تملكها.

يكمن الفارق الجوهري بين البروليتاريا والبرجوازية الصغيرة في أن الأولى بحكم موقعها في علاقات الإنتاج لا تملك سوى قوة عملها، وبالتالي فهي الطبقة الوحيدة القادرة على تجاوز حدود الملكية الخاصة وإلغاء استغلال الإنسان للإنسان. أما الثانية، فموقعها الوسيط يجعلها أسيرة أوهام الصعود الفردي والاندماج التدريجي، وهو ما يفسر ميلها المستمر إلى الحلول التوفيقية والشعارات الشعبوية التي تفرغ الحراك الجماهيري من مضمونه الثوري.

إن أزمة البرجوازية الصغيرة تتعمق اليوم مع أزمات الرأسمالية العالمية، حيث تجد نفسها عاجزة عن حماية امتيازاتها الهشة أمام هجوم رأس المال العالمي. وهذا ما يفسر تصاعد نزعاتها الشعبوية والانعزالية كرد فعل يائس على عجزها التاريخي. إن تعمق هذه الأزمة في عصر العولمة المالية يجعل من البرجوازية الصغيرة أكثر هشاشة وأقل قدرة على لعب أي دور تقدمي، الأمر الذي يكشف مجدداً أن القيادة التاريخية لأي مشروع تحرري لا يمكن أن تأتي إلا من الطبقة العاملة المنظمة.

إن بناء هذا البديل يتطلب اليوم أربع مهمات مركزية:

أولا: بناء الحزب الثوري بقيادة البروليتاريا كأداة مستقلة للصراع الطبقي، يعبّر عن مصالحها التاريخية ويؤطر نضالها في مواجهة هيمنة البرجوازية.

ثانيا: تنظيم الطبقة العاملة في مواقع الإنتاج، حيث تتبلور القوة الحقيقية القادرة على تعطيل تراكم الرأسمال وشل آلياته، وربط هذه القوة بالبرنامج الثوري لبناء البديل.

ثالثا: تطوير أدوات الديمقراطية المباشرة من مجالس ولجان ونقابات ثورية، تعيد السلطة إلى المنتجين وتكسر احتكار الدولة البرجوازية للقرار السياسي.

رابعا: إحياء الأممية البروليتارية على أسس طبقية صلبة، لمواجهة رأس المال المالي العالمي وتجاوز الحدود القومية التي تستخدمها البرجوازية لتفتيت النضال وتفريق قواه.

عجز البرجوازية الصغيرة البنيوي يضعها في موقع التذبذب الدائم، بينما وحدها البروليتاريا المنظمة قادرة على فتح الأفق التاريخي نحو التحرر الشامل.

"إما أن تنتصر الاشتراكية أو تتغول البربرية".
روزا لوكسمبورغ

النضال مستمر،،



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 8. التحالفات الطبقية: بين ضرورة الثورة وفخ الهيمنة البرجوازي ...
- 7. البيروقراطية كأداة للهيمنة الطبقية
- 6. الانفصال عن الجماهير: كيف تتحول الأحزاب الثورية إلى أجهزة ...
- 5. الانفصال عن الجماهير: حين تتحول الأحزاب إلى نخب سياسية
- 4. الهيمنة على الوعي الطبقي: أدواتها، آثارها، وسبل المواجهة ...
- 3. تسلل البرجوازية الصغيرة إلى الأحزاب الشيوعية: آليات وأدوا ...
- 2. التناقض البنيوي: لماذا تتأرجح البرجوازية الصغيرة بين الثو ...
- 1. البرجوازية الصغيرة: الموقع الطبقي ووظيفتها في الصراع الاج ...
- دم الشهداء لا يجف: من تفكيك منظومة القتل والنهب إلى بناء سلط ...
- من تفريغ الغضب إلى تصفية الوعي
- الثورة بين الشعارات والممارسة: تفنيد مزاعم التطبيع
- 30. نحو وعي نقابي طبقي جذري
- 29.الحياد النقابي: شعار فارغ لتصفية المعركة الطبقية
- 28. ترويض العمل النقابي عبر القوانين الدولية: وهم الحماية
- ماركسية بلا ماركس: تفكيك المنهج الزائف في خطاب تاج السر عثما ...
- 27. الماركسية ليست إصلاحًا: مراجعة نقدية لخطاب تاج السر عثما ...
- 26. من هندسة الانقسام إلى بناء التنظيم القاعدي
- 25. تحالف القامعين: كيف تواطأت قوى الهبوط الناعم مع قانون قم ...
- من صراع الطبقات إلى واقعية الترويض: سقوط النظرية في فخ التكي ...
- من -الطنين- إلى -الإنكار-: تفنيد ماركسي لمقال تاج السر عثمان


المزيد.....




- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تتضامن مع الجامعة العامة للفل ...
- الغضب الشعبي ينفجر في مدينة تيسة، إقليم تاونات
- الذكرى ال 79 لتأسيس الحزب الشيوعي السوداني
- الملكية الفكرية كأداة للهيمنة: عن عبد الرحمن خالد والمتحف ال ...
- تركيا: إحراق سيارة أمام البرلمان قبيل اجتماع بحث نزع سلاح حز ...
- نتنياهو بين مطرقة اليمين المتطرف وسندان صفقة وقف النار!
- الليبراليون والاستبداد
- إزالة نصب تذكاري في بولندا بموجب قانون الرموز الشيوعية
- أستراليا تلغي تأشيرة نائب إسرائيلي من اليمين المتطرف
- الفصائل الفلسطينية عقب اجتماع القاهرة: نتجاوب مع مقترحات الح ...


المزيد.....

- مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عماد حسب الرسول الطيب - 9. البرجوازية الصغيرة بين التأرجح الطبقي وعجز القيادة الثورية