|
مراجعات في قاموس اللهجة العامية في السودان (٤)
عبد المنعم عجب الفَيا
الحوار المتمدن-العدد: 8439 - 2025 / 8 / 19 - 04:54
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
فيما يلي نواصل تقديم استدراكاتنا على معجم الدكتور عون الشريف قاسم الذي صدر في مجلد واحد ضخم سنة ١٩٧٢ تحت عنوان (قاموس اللهجة العامية في السودان). ونوكد ان هذه الاستدراكات تضيف ولا تنال من قيمة هذا المعجم الفريد في بابه.
جَلَب وجلابة: يقول في مادة جلب: "جلب فصيحة سودانية، جلب الابل، ساقها من مكان لاخر لبيعها. والجلابة سودانية القافلة أو الذين يجلبون. ولعل التسمية من اشتغالهم بالجلب اي التجارة". ونضيف ان اصل معنى كلمة جلابي وجلابة في اللهجة العامية السودانية، تاجر وتجار بدون زيادة أو نقصان. وهي مشتقة من الفعل جلب يجلب جلبا فهو جالب وجلاب والاخيرة صيغة مبالغة، نسب إليها فقيل جلابي وجلابة. واصل الجلب هو سوق البهيمة الى السوق لبيعها. جاء بكتاب طبقات ود ضيف الله: "ان رجلا.، جلب سعية الى سنار فباعها". ص 122. ويقول أيضا في موضع آخر: "فان الشايقية الجالبين الخيل قالوا هو الفقيه، شيخ". ص 227. وهذا هو المعنى الذي ورد بالمعاجم العربية. يقول معجم لسان العرب: "جلب: الجَلْبُ: سوق الشيء من موضع الى آخر. والجلَب: ما جُلب من خيل وابل ومتاع. وما جلب القوم من غنم. والأجلاب: الذين يجلبون الإبل والغنم للبيع. يقال جلبت الشيء جلبا فهو مجلوب". وقد وردت كلمة جلابة بمعنى تجار في كتاب الطبقات أكثر من مرة ومنها قوله: "قال نحن طلاب نقرا القرآن في خلوات الشيخ بدوي ختت جلابة بين المغرب والعشاء فيها ستماية جمل بلا الزمل والخيل". ص 120. وقوله في مكان آخر: "الجلابة تبيت عنده في العيلة فونج وتقيل عنده في الجديد وتبيت في ألتي". ص 342.
جنيبة: الجنب والجنبة في الفصحى واللهجة السودانية هي الجانب والشق والناحية والقرب وكل هذه المعاني اثبتها عون الشريف في مادة جنب. ولكن هناك كلمة ترد كثيرا في شعر الدوبيت وشعر المناحات الشعبي السوداني، وهي كلمة جنيبة، تحتاج إلى المزيد من البيان لما ذكره عون الشريف حيث يقول: "وجنب الفرس في الفصحى واللهجة السودانية ان يركب على فرس ويقود أخرى، فإذا فترت الفرس الراكب عليها تحول إلى الفرس المجنوب، فهو جنيب ومجنوب. قال ود شوراني يتغزل: جنيبة الفارس الفوق النحاش فشار". واقول جاء بالمعجم الوسيط لمجمع القاهرة: "الجنيب: المقود الي الجنب من الخيل وغيرها. والجنيبة: الدابة تقاد". وللمساهمة في توضيح معنى الجنيب والجنيبة، نستلف مصطلح في المالية والاقتصاد وهو مصطلح تجنيب والذي يعني تخصيص مبالغ نقدية مقطوعة للصرف على الأولويات. هذا بالضبط ينطبق على مفهوم تجنيب الفرس. الفرس المجنبة هي المدخورة والمعتنى بها عناية خاصة، والتي ولا تسرج الا في الشدائد ويوم الحرابة. وهذه الفرس تسمى تحببا جنيبة ويكني بها شعراء الدويبت عن المحبوبة المنعمة، "نؤم الضحي" على النحو الذي جاء في قول ود شوراني أعلاه: جنيبة الفارس الفي النحاس فشار. ونضيف الي هذا الشاهد قول الشاعر القومي ابراهيم ود الفراش: كلما تهف لي بركب براي جنيبة موسى باشا الفي السراي وقوله في الدعاء بشفاء محبوبته: تبقالي طيبة، متل باشا عموم فوق راسه هيبة، جنيبة الرتبو دق ام كتيبة. وام كتيبة من أسماء طبل "النحاس" الذي يقرعه زعيم القبيلة أو الحاكم للحرب أو الدعوة للاجتماع لأمر جلل.
كبوتة: يقول: "كبوتة سودانية أناء من السعف له فم تحمل النساء فيه عطورهن.. . قال الكباشي : وأرض الله مي كبوتة". نعم الكبوتة هي كما وصفها، تصنع من سعف مزخرف ولها غطاء من جنسها، وكانت بمثابة حقيبة اليد الحديثة التي تحملها النساء اليوم. محل المراجعة هو القول: "أرض الله مي كبوتة". الحقيقة هذه عبارة تجري مجرى المثل وليست صادرة عن شخص بعينه. حينما كنا أطفالا ونترك اللعب وناتي لنزاحم امهاتنا وهن يعملن في اشغالهن المنزلية، يطلبن منا الانصراف واللعب بعيدا قائلات: امشوا العبوا بعيد، أرض الله دي كبوتة". والمعنى ان أرض الله واسعة وليست ضيقة كما الكبوتة. يقصدن ان هناك متسع للعب في البيت وخارجه بعيدا عنهن.
كبر: يقول في مادة كبر بتشديد الباء: "كبر القصب سودانية قطعه بالمنجل وحصده". واقول الصحيح هو ان القصب يسكب وينجر، ولا يكبر.، وسكبه ونجره يكون بالطورية ونحوها. وأما الكبر بضم الكاف والباء، فيكون للأشجار وتستخدم فيه الفاس. كَبَر الشجرة يكْبرها كَبرا قطعها بالفأس. والكَبُر مكان كانت به غابة فكُبِرت ونظفت فصارت أرضا زراعية أو مكانا للسكنى. والكبر بهذا المعنى اسم للعديد من الأماكن والقرى في مختلف انحاء السودان. جاء في كتاب الطبقات: "حميد الصاردي وصارد من جذام ولد بالكَبُر". ص 185. ويقول الدكتور يوسف فضل محقق الكتاب: "هناك أكثر من موقع واحد بهذا الاسم والسبب في ذلك ان الاسم يشير الى موضع قطع عنه الشجر ونظف للزراعة وسكن الناس حوله. وقد علمت ان الكَبُر هذه تقع جنوب الخرطوم وبالقرب من المسلمية..، وكانت في مبدأ الأمر غابة كثيفة". ص185 واقول وفي شمال كردفان هناك أكثر من قرية تحمل اسم الكَبُر.
كشح: يقول: "كشح فصيحة سودانية، كشح القوم: فرقهم وطردهم. كشحه بالماء سودانية دفقه فيه". واقول الأول المعنى الفصيح الذي شرح به الكلمة غير مستعمل في العامية السودانية. كشح في كلامنا تعنى دلق الماء ونحوه على اطلاقها، اما عن قصد أو نتيجة زلة. وهو فعل متعدي. يقولون: كشح الماء بلا باء التعدية. كشح موية الغسيل اي دلقها. وكشح فوقه موية الغسيل اي دلقها فوقه. ويقولون : كشح الوسخ أو القمامة، رماه بعيدا. ويقولون كشح الاكل البائت، اي دفقه ورماه في القمامة.
كرو : يقول: "كرو سودانية جرح قديم في الساق، لا يندمل بسرعة ويلزمه العلاج الطويل". ونضيف الي ذلك المثل الذي يصور افتتنان الناس بكل جديد وحديث، ابلغ تصوير، وهو قولهم: " الجديد في الكرو حلو".
كوز: يقول: "الكوز اناء كالابريق لكنه أصغر منه، وهو أرامي الأصل". ولم يزد. واقول هذا ليس هو الكوز الذي نعرفه في السودان، إذ ليس ثمة شبه في الصورة بين الكوز والابريق. الابريق له رقبة طويلة وفم كمنقار الطائر، ويستخدم في السودان على سبيل الحصر في الاستجمار والوضوء. يقول صاحب اللسان في الابريق: "والعرب تشبه أباريق الخمر برقاب طير الماء. قال عدي بن زيد: بأباريقَ شِبه أعناقِ طيرِ الماء* قد جِيبَ فوقهن حنيفُ ". وأما الكوز فلا رقبة له ولا منقار، ويستخدم في السودان كما في مختلف الدول العربية، في شرب الماء وغرفه. جاء بالقاموس المحيط للفيروزابادي: "الكوز معروف، والجمع كيزان واكواز، والشرب بالكوز. وبني كوز، بطن في بني اسد". وجاء بمعجم لسان العرب:" كاز الشيء كوزا جمعه، والكوز من الأواني معروف، وهو مشتق من ذلك. والجمع كيزان واكواز وكوزة". وأما قول عون الشريف، الكوز ارمي الأصل، فمختلف عليه. يقول معجم لسان الغرب: "وقال ابو حنيفة: الكوز فارسي. قال ابن سيده: وهذا قول لا يعرج عليه، بل الكوز عربي صحيح".
كاس: يقول: "كاس: سودانية، مشي كثيرا يبحث عن شيء. وفي الفصحى كاس البعير، مشى على ثلاث قوائم وهو معقرب. والكوس الابطاء في السير". انتهى. واقول كاس (الف بلا همزة) في العامية السودانية بحث عن الشئ وفتش عنه على نحو مطلق وليس فقط بالبحث مشيا. وكاس يكوس كوسا لفظ عربي فصيح ورد بالمعاجم العربية القديمة بعدة معاني ليس من بينها بحث وفتش. ولكن علينا أن نعلم أن المعاجم لم تشتمل على كل معاني الالفاظ التي جمعتها كما أن هناك الكثير من الالفاظ العربية افلتت من جامعي اللغة القدماء .
لب وبطن: يقول في مادة لبة: "لبة الخبز قلبه. وفي الفصحى لباب الجوز ونحوها، ما في جوفه، لب في كردفان صدر الوادي". واقول اولا اسم هذه المادة كان يجب أن يكون تحت كلمة لب، ذلك ان الغالب عندنا ان نقول لب الشي لا لبته. وثانيا لم يذكر لب البطيخ وهو أشهرها، وهو غير حبه، وإنما ماؤه ومادته. وأما في مصر، فيطلقون على حب البطيخ لب. وأما قوله: "لب في كردفان صدر الوادي" فهذا مستوى دلالي آخر لكلمة لب. لب الوادي يعني بطن الوادي. وكلمة لب، بالضم، لدى قبائل البقارة جنوبي غرب كردفان ودارفور تعني قلب كل شي. وما قولهم لب الوادي الا مثال واحد فقط. فهم يقولون: لب البيت وغيره، اي داخله. واما في شمال كردفان والاقاليم الأخرى، فيستخدمون بطن محل لب. يقولون بطن البيت، داخل البيت، وبطن الحلة اي داخل الحلة. وورد هذا الاستعمال المجازي في القرآن في قوله تعالى: (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة). الفتح-24. جاء في كتاب الطبقات: "فسمعت قايلا من بطن الخلوة يقول: الجذبة ماكناه". ص 166. الخلوة بيت من قُطية (كوخ) خارج الحوش يكون للضيوف او للاختلاء للعبادة، وبطن الخلوة داخل الخلوة.
ايده لاحقة: يقول في مادة لحق: "ايده لاحقة سودانية مستجاب الدعاء". ولم يزد. واقول هذا معنى واحد فقط من معاني عبارة: ايده لاحقة. والعبارة تعني على العموم في اللهجة العامية السودانية: طول الباع وسعة النفوذ.
لسن: يقول: "لسن سودانية. السن، أكثر الكلام وجادل. اللسان الة النطق والذوق. لسانه فلقة: سليط اللسان". واضيف الي ذلك أن لسن في اللهجة السودانية اسم أيضا، فهي تعني لسان ومنطق. يقولون: فلان ما عنده لسن، اي ما عنده كلمة بمعنى عهد. ولسن بمعنى لسان فصيحة معجمية. وملسن وتعني أيضا سليط اللسان، وقد تفيد لعان.
لكع: يقول: "لكع سودانية اسرع. لكع (شمال) لطخ". واقول لكع في اللهجة السودانية تأتي في الغالب متعدية الي مفعول: يقولون لكع الحمار يلكعه لكعا، حثه على السير الإسراع، ويكون ذلك بالدبل على البطن بالرجلين وبالضرب بالتصويت: عر. يقولون: هيا ورح الكع تأخرنا. اي الكع الحمار. وأما لكع بمعنى لطخ، فمعروفة على نطاق واسع من السودان. يقولون : لكع جلابيته بالطين.، خلاها كلها لكع لكع. اي بقع بقع.
متخ ومتح: يقول: "متخ سوانية لان. نقول طفل ممتوخ لانت اعضاؤه بفعل المرض. وفي الفصحى عود متيخ، طويل لين". اقول لم أقف من قبل على متخ بمعنى لان في العامية السودانية على النحو الذي شرحه. ولكني اقول إنه لم يذكر المعنى الشائع والمتداول لكلمة متخ وهو من المتح. يقولون: متخ الملاح اي الايدام بمعنى لعقه ولحسه بيده. ومتخ العسل وكل طعام محلى غير جامد. ومن أمثالهم: اخوك ان كان ليك عسل ما تبقى له متاخ". والمعنى لا تثقل عليه ولا تستاثر بكل فضله. وعلى الرغم من أن كلا من المتخ والمتح وردتا في المعاجم العربية القديمة على انفراد الا أنهما جاءتا في معنى واحد متحد وهو المتح. يقال متح الماء من البئر ومتخه بمعنى. (انظر: معجم لسان العرب).
متلاب: يقول: "متلاب سودانية، جنى بقر الوحش. قال الحمري، عندو فرد بقيرة تحتها متيليب". واقول المتلاب معروف على نطاق واسع، وهو ولد البقر الاليف المعروف، وهو العجل الرضيع حديث الولادة. وقول الحمري المستدل به واضح جدا في الدلالة على ذلك. فهو يقول عنده بقرة واحدة يجري تحتها عجل صغير رضيع. ومتيليب تصغير متلاب.
مد : يقول: "مد بالكسر سودانية وفي الفصحى مد بالضم مكيال للعيش والذرة وخلافه". ونضيف الي ذلك المد بالكسر مستخدم حتى اليوم في المكاييل في كردفان ودارفور وغيرها، وهو يساوي ملوة. والملوة مستخدمة في مناطق بحر النيل وغيرها.
المريسة: يقول: "مريسة سودانية، مشروب من ناقع الذرة، وهو ما مرسته، اي نقعته في الماء ومريته باليد حتى تتحلل اجزاؤه، في الماء من التمر ونحوه". اقول قوله المريسة مشروب من ناقع الذرة غير صحيح. المريسة خمر بلدية تصنع من الذرة المخمرة وهي عملية مكونة من عدة مراحل، وليست هي مجرد ذرة منقعة في الماء. وخمر المريسة السودانية اشبه بالبوزة. وأما حديثه عن اشتقاق اسم المريسة من مرس يمرس العربية، فصحيح. لأن يمرس أو يمرص في كلامنا بمعنى يعصر الشيء بيده حتى يتفتت ويذوب في الماء. نقول مثلا مرص يمرص الكسرة. أي يعجنها ويعصرها (الكسرة بالموية). ومعنى المرس أو المرص هذا قد أثبته معجم لسان العرب حيث جاء: "مرس التمر يمرسه إذا دلكه حتى ينماث فيه.. مرست أو مرثت التمر وغيره في الماء إذا أنقعته ومرثته بيدك. وفي حديث عائشة رضي الله عنها: كنت أمرسه بالماء أي أدلكه وأديفه". واقول يلخلط الكثيرون في السودان بين الأصل الاشتقاقي العربي للمريسة الخمر البلدية، وبين لفظ مريس بمعنى القطعة التي تتعثر فيها المراكب في النهر من جهة، وبينها وبين لفظة مريسي بمعنى هبوب المريسي التي تهب في مناطق النوبة بمصر والسودان.
مرفعيب ومرفعين: يقول في مادة مرفعين: "مرفعين سودانية حيوان قيل هو الذئب، ويقال فيه أيضا مرعفيب، وهي حامية الأصل". واقول لم يذكر مرفعيب وهي لغة في مرفعين. مرفعين بالعين، سائدة في مناطق بحر النيل والجزيرة وربما الشرق، ومرفعيب بالباء، سائدة في غرب السودان. والمرفعين أو المرفعيب هو الذئب أو الضبع بلا أدنى شك، وهو اسم شائع جدا في السودان، ولا ادري لماذا قال المؤلف: "قيل هو الذئب". وأما مرعفيب فلم اسمعها، ولكني لا انفيها. يقول شاعر الحركة الوطنية السودانية الاستقلالية يوسف مصطفى التني: مرفعينين ضبلان وهازل * شقوا بطن الاسد المنازل.
مغد: يقول في مادة مغدة: "مغدة سودانية (غرب) نبات بري له ثمر احمر اللون الطماطم". اقول اولا كان يجب ان يكون اسم هذه المادة مغد، اسم جنس لنبات. واحدته مغدة. وهو نبات بري لبلابي متسلق ينمو عالة على الشجر وثمره يشبه الباذنجان لكنه في حجم الموز أخضر اللون ثم يتحول إلى احمر قاني حينما ينضج ولا يشبه الطماطم سوى في هذا الاحمرار. وثمر المغد لا يؤكل. وام مغد بلدة بشمال الجزيرة بمحلية الكاملين. وام مغد تعني ذات المغد. جاء بمعجم لسان العرب في معاني مغد: "والمغد الباذنجان، وقيل هو شبيه به ينمو في أصل العضة، وقيل هو جنى التنضب. وقال ابو حنيفة: والمغد شجر يتلوى على الشجر، أرق من الكرم. وورقه طوال دقاقٌ ناعمه، ويخرج جراء مثل جراء الموز، الا انها أرق قشرا وأكثر ماء. وحبه كحب التفاح، والناس ينزلون عليه فيأْكلونه، يبدأ أخضر ثم يصفر ثم يخضرّ اذا انتهى". وما ذكره ابو حنيفة في هذا الاقتباس الماخوذ من لسان العرب هو الصحيح، ما عدا قوله: يبدأ أخضر ثم يصفر. فالصحيح يبدأ أخضر ثم يحمر. والمغد الذي نعرفه في السودان لا يؤكل وليس به حلاوة، وكنا أطفالا نلعب به فقط. وأما قول لسان العرب وقيل انه جنى التنضب فليس صحيح والتنضب شجر معروف في السودان بهذا الاسم ولا شبه بينه والمغد. وأما قول لسان العرب وقيل انه الباذنجان غير صحيح هو الآخر، ولكن ثمرته تشبه الباذنجان وان كان في حجم المَوْز كما سبق البيان. ولكن وفقا لبعض المراجع المتخصصة، ينتمي كل من المغد والباذنجان إلى الفصيلة النباتية الباذنجانية والتي تسمى سولانيم Solanum في اللاتينية. ملح وملاح: يقول في مادة ملح: "الملح في قولهم: بينا عيش وملح. الملح المقصودة ليس المادة المعروفة. وإنما الملح في الفصحى الرضاع، وقيل الحرمة والذمام، انظر: المحكم في أصول الكلمات العامية ص ١٥٧ واقول عبارة : بينا عيش وملح، عبارة مصرية. وأما العبارة السودانية فهي: بينا ملح وملاح". يقولون في العامية السودانية: فلان ما بخونه، اكلت معه الملح والملاح. يعنون بالملح والملاح، العشرة. الملح ملح الطعام، والملاح بالضم هو الايدام في العامية السودانية. ونرى انه مشتق من الملح.
ملخ : يقول في مادة ملخ: "ملخ يده: وثاها اي الحق بها وهنا ووضما لا يبلغ ان يكون كسرا. قال الفراش في جمله: من جبد الرسن ملخ ضراعي". واقول الملخ للعضلات والكسر للعظام. وملخ ايده، وايده اتملخت، أصابها تمزق في عضلات المفصل. يقولون املخت، ويقولون انسلت بمعنى. والملخ يكون أيضا في الدواب والحمير على وجه الخصوص. يقولون: الحمار اتملخ فهو مملوخ، ويكون ذلك في الغالب في إحدى رجليه الأمامية. وأما قول الشاعر الشعبي ابراهيم ود الفراش في جمله: "من جبد الرسن ملخ ضراعي". فهذا الملخ ليس حقيقيا وإنما جاء من باب المبالغة. وجبد في قوله جبد الرسن أصلها جذب، حدث فيها ابدال وقلب. جاء بمعجم لسان العرب: "الملخ: قبضك على عضلة. يقال امتلخ الكلب عضلته، وامتلخ يده من يد القابض عليه. وملخ الشيء ملخا وامتلخته، جذبته في استلال. وامتلخت الشيء اذا سللته رويدا. وفي حديث أبي رافع: ناولته الذراع فامتلخت الذراع". انتهى. وتستعمل مفردة الملخ في العامية السودانية مجازيا لوصف فدع اليد في المرأة الحسناء. والفدع فصيحة. يقولون: ايدها مملوخة اي كأن بها ملخ من كثرة التثني والدلال. يقول لسان العربي في هذا المعنى: "والملخ: التثني والتكسر ". والفدع في الحسناء جدع اليد الي الخلف في المشي. يقولون في شعر الغزل السوداني: ايدها مملوخة، وايدها مفدوعة.
ماعون: يقول :"ماعون فصيحة سودانية الاناء مطلقا. وفي غرب السودان الماعون كورة صغيرة". واقول ليس صحيحا الماعون في غرب السودان الكورة، الماعون هو الماعون في كل انحاء السودان، ويشمل كل إناء او وعاء، ولعله لا تجري كلمة ماعون اليوم على السنة الناس الا في غرب السودان ووسطه الغربي (كردفان). واذا كانت المعاجم العربية وكتب التفاسير قد شرحت معنى الماعون في الآية ، بأنه ما ينتفع به من متاع كالقدر والفاس ونحوها، فإن الماعون في اللهجة العامية السودانية مقصور على الأوعية والاواني المنزلية مثل الصحن والكوز الابريق والجردل والسعن والقرب جمع قربة، والجراب والكيس ونحوها. وماعون ما تزال حية في الذاكرة واللغة اليومية في السودان، ولم اسمعها أو اطالعها في اللهجات العربية الأخرى.
ميس: يقول: "ميس سودانية: النهاية التي يستقر عندها المتسابقون . ولعلها من ميس الفرنسية بمعنى منصوب أو مقام". واقول لم يحدد المؤلف اللفظة الفرنسية التي يقول ان كلمة ميس السودانية اخذت منها. والميس في السودان لعبة للصبيان تلعب في الليالي المقمرة. وميس لفظة عربية وردت في المعاجم العربية القديمة. يقول لسان العرب الميس: "شجر ضخام صلب يتخذ منه الرحال واكوار الابل والموائد". ومن الجائز جدا انهم كانوا يتخذونه في البادية مثابة أو تاية يثيبون إليها للنوم والاستجمام وتناول الطعام ويعلقون عليها رحالهم ويتركونها هناك الي حين عودتهم من النجعة، مثلما كان يفعل العرب الرحل أو السيارة في السودان. واغلب الظن انه مع مرور الزمن تحولت كلمة ميس من اسم على الشجرة إلى الدلالة على الفريق أو الحي الذي يعودون إليه من رحلة النجيع بحثا عن الكلأ. ومن هنا نفترض انه جاء اسم اللعبة السودانية. والميس في هذه اللعبة، هي النقطة التي ينتهي عندها السباق، وتحدد هذه النقطة بكوم من التراب يضغون فوقه أغراضهم وملابسهم لكي يصير معلما بارزا يرده المتسابقون. وتبدأ اللعبة بأن يقسم المشاركون الي فريقين، ويرشح الفريق البادئ لاعبا يسمى العريس لينطلق عدوا نحو الميس بينما يجاهد لاعبو الفريق المنافس الامساك به واعاقته من الوصول أو الورود كما يعبرون إلى الميس، ويعمل أعضاء فريقه على مساعدته في ذلك بتعطيل أعضاء الفريق الآخر. فاذا نجح العريس في الورود الي الميس يعد فريقه فائزا. واذا تم الامساك به وتعطيه قبل الوصول إلى الميس، ينتقل الدور الي الفريق الآخر ليسمي عريسه، ليبدأ محاولة ورود الميس هو الآخر، وهكذا.
المراجع والمصادر: ١ عون الشريف قاسم، قاموس اللهجة العامية في السودان، المكتب المصري الحديث، القاهرة، ط٢ ١٩٨٥ ٢محمد النور ود ضيف الله، كتاب الطبقات في خصوص الاولياء والصالحين والعلماء والشعراء في السودان، تحقيق وتعليق وتقديم: الدكتور يوسف فضل حسن، دار التاليف والترجمة والنشر- جامعة الخرطوم، الطبعة الرابعة 1992. ٣ ابن منظور المصري، معجم لسان العرب، دار احياء التراث العرب، بيروت، الطبعة الثالثة. ٤ الفيروزآبادي، معجم القاموس المحيط، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثالثة 2008. ٥ اسماعيل بن حماد الجوهري، معجم الصِحاح، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى 2005. ٦ جلال الدين السيوطي، المزهر في علوم اللغة وانواعها، دار الفكر الطباعة والنشر، بدون تاريخ ٧ المعجم الوسيط، مجمع القاهرة للغة العربية.
١٨ أغسطس ٢٠٢٥
#عبد_المنعم_عجب_الفَيا (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مراجعات في قاموس اللهجة العامية في السودان (٣)
-
مراجعات في قاموس اللهجة العامية في السودان (٢)
-
مراجعات في قاموس العامية السودانية
-
أمبرتو ايكو: التمييز بين التأويل واستعمال النص
-
أمبرتو إيكو : آليات القراءة وحدود التاويل
-
نظريات القراءه وجماليات التلقي
-
معاداة السامية : تعني معاداة العرب وكل شعوب الشرق الأوسط!
-
مكانة افلاطون وارسطو في تاريخ الفلسفة
-
انجلز والدفاع عن فلسفة هيجل
-
ذكريات د. إحسان عباس في السودان (١٩٥١
...
-
د. يوسف ادريس : حين داهمنا البوليس السياسي في بيت السودان وق
...
-
الدور السياسي في نشاة خطاب ما بعد الحداثة
-
نظرية -الفوضى- والعلم -ما بعد الحديث-
-
حداثة القديم: بين المتنبي وإليوت
-
جوته والإفادة من تكنيك السرد في -ألف ليلة وليلة- والتناص معه
...
-
رمزية زليخا وحاتم في شعر جوته
-
قصيدة -النثر- والبلاغة الكلاسيكية*
-
عصف ذهني: تأسيس الشعر الأوربي في بداياته على الشعر العربي بن
...
-
عصف ذهني: تأسيس الشعر الأوربي في بداياته على الشعر العربي بن
...
-
عصف ذهني: تأسيس الشعر الأوربي في بداياته على الشعر العربي بن
...
المزيد.....
-
الكرملين يكشف ما دار في المكالمة الهاتفية بين بوتين وترامب خ
...
-
ضجة بسبب سماح شركة ميتا بدردشات -رومانسية- مع الأطفال
-
حراك دبلوماسي يُسرّع احتمال قمة بين بوتين وزيلينسكي
-
منظمات تنتقد قرار واشنطن وقف التأشيرات لسكان غزة وتحذر من إض
...
-
هل يحرك اجتماع زيورخ رياح التسوية في السودان؟
-
زعيم كوريا الشمالية يدعو لتعزيز قدرات بلاده النووية سريعا
-
الأمين العام لحلف الأطلسي: عضوية أوكرانيا في الناتو ليست قيد
...
-
تقديرات بفقدان 300 ألف سوري خلال حكم عائلة الأسد
-
ماذا يعني ظهور قوات النخبة القسامية في عمليات شرقي غزة؟
-
مستويات قياسية للرطوبة العالمية مع زيادة الاحترار والانبعاثا
...
المزيد.....
-
السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية)
/ رحيم فرحان صدام
-
كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون
/ زهير الخويلدي
-
كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي
/ تاج السر عثمان
-
كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي
/ تاج السر عثمان
-
برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية
/ رحيم فرحان صدام
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
المزيد.....
|