أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميساء المصري - الأردن .. يا أصحاب القرار لا مناطق رمادية بعد اليوم















المزيد.....

الأردن .. يا أصحاب القرار لا مناطق رمادية بعد اليوم


ميساء المصري
(Mayssa Almasri)


الحوار المتمدن-العدد: 8436 - 2025 / 8 / 16 - 15:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما يجري في المنطقة ليس مجرد تصعيد تقليدي أو فوضى أمنية عابرة، بل هو انقلاب جيواستراتيجي شامل على مفاهيم السيادة، والهوية، والوجود العربي ذاته. مشروع "إسرائيل الكبرى" لم يعد حبيس الأوراق أو أروقة اليمين المتطرف، بل بات اليوم عنوانًا لتحرك واقعي ممنهج، تنفّذه إسرائيل بأذرعها السياسية والعسكرية، وبغطاء أمريكي – أوروبي واضح، وتواطؤ خفي من بعض الأنظمة العربية التي تفضل البقاء في الظل على مواجهة زلزال التغيير الذي يضرب المنطقة. نحن لا نعيش أزمة صراع حدودي، بل انهيار الخرائط ذاتها، حيث تتحول الدول المحيطة إلى الخاصرة الرخوة في المعركة، والضحية المستهدفة التالية في سياق ترحيل الفلسطينيين، وتمزيق الدولة الوطنية، وإعادة هندسة الشرق الأوسط على أساس الأمن الإسرائيلي المطلق.
منذ السابع من أكتوبر 2024، حين دشّنت إسرائيل عقيدتها الأمنية الجديدة، بدأ العد التنازلي لمشروع التهجير الكبير. غزة لم تعد كيانًا سياسيًا قابلًا للحياة، بل أصبحت مختبرًا لفرض المعادلة بالقوة، حصار، اجتياح، إبادة، ثم تهجير مقنّع تحت عنوان "الحل الإنساني". هذا "الحل" ليس سوى ترحيل صامت لسكان القطاع، والتمهيد لتهجير لاحق في الضفة الغربية، بحيث يتم دفع الفلسطينيين تدريجيًا نحو الشرق أي الأردن في مشهد يعيد إنتاج النكبة بأساليب أكثر برودًا وتنظيمًا، وبتواطؤ دولي وإقليمي يبرر الجريمة بالمساعدات، ويُغلف الترحيل الإجباري بالشعارات الإنسانية.و رغم كل ما يشاع عن ترحيل غربي للسودان والصومال وغيرها .
تسريبات متقاطعة تكشف أن الترتيبات بدأت فعليًا. مناطق في جنوب وشمال شرق الأردن، تُحضّر لتكون مستقبلًا محطات استيعاب "مؤقتة" للاجئين، ضمن خطة تفترض استمرار الحرب وتحوّل التهجير إلى واقع لا مفر منه. في المقابل، تعقد إسرائيل اجتماعات مكثفة مع مراكز التخطيط والجيش، تبحث علنًا في ما يسمى "البديل الشرقي" كحل نهائي لقضية اللاجئين، وكرؤية جذرية لإغلاق ملف فلسطين إلى الأبد. هذا المخطط لا يستأذن أحدًا ، ولا ينتظر موافقة من عمّان، بل يتحرك على قاعدة فرض الأمر الواقع، تحت شعار الأمن القومي الإسرائيلي.
في عمّان ، رفضت الدولة الأردنية هذه الطروحات رسميًا، لكنها تواجه ضغوطًا لا هوادة فيها، وتطالب بمقدار "المرونة" في التعاطي مع ملفات ما بعد غزة. التحذيرات الداخلية بدأت تتسرب إلى الرأي العام، وتشير إلى تسلل تدريجي لعائلات فلسطينية عبر الحدود، في غياب استراتيجية وقائية شاملة، ما يعني أن فرض واقع ديموغرافي جديد قد يحدث قبل أن تصدر عمّان قرارًا برفضه أو قبوله.
الشارع الأردني بدأ يلتقط الإشارات سريعًا. الترقب الشعبي، عودة شعارات المقاومة، وتحوّل بعض التيارات السياسية إلى خطاب ما قبل الإنفجار، كلها مؤشرات على أن الأرض تغلي، وتحذيرات لكتاب الدولة في اشارة للترقب والتساؤل الضمني أو التاريخي في لحظة مصيرية. حتى العشائر، التي لطالما كانت ركيزة الاستقرار، بدأت تحذر من تجاوز الخطوط الحمراء، وتربط ولاءها بإستمرار رفض مشروع التوطين. أما المخيمات الفلسطينية، فباتت تخشى أن تتحول إلى ممر للتهجير، أو ورقة ضغط في لعبة إقليمية لا تأخذ حسابًا لا للكرامة ولا للهوية.
الدولة الأردنية تقف اليوم أمام معادلة شديدة التعقيد وصعبة التنفيذ. من جهة، الرفض الشعبي العارم والتهديد الوجودي الواضح، ومن جهة أخرى، الضغوط الدولية المتزايدة، والانكشاف الاقتصادي الداخلي، وانعدام الدعم العربي الفعّال.والإحتراب المحيط بها والذي يزداد تهديده من الجانب السوري واللبناني والعراقي ، و إسرائيل تمضي في تنفيذ مخططها دون أي اعتبار للرفض العربي أو القانون الدولي رغم أنف الجميع . الولايات المتحدة تخلّت تمامًا عن ادعاء الحياد، وتعمل على فرض حلول "وظيفية" تذيب القضية الفلسطينية في المحيط الإقليمي. ووسط هذا الانهيار، يجد الأردن نفسه محاصرًا في زاوية ضيقة من الجغرافيا والسياسة، بلا غطاء إقليمي حقيقي ولا مظلة دولية عادلة، ليُجبر على التعامل مع مأزق سيادي بالغ الخطورة لا بصفته صاحب قرار ، بل كمن تُرك وحيدًا أمام عاصفة إقليمية عاتية، يُدفع دفعًا إلى خيارات مفروضة، إما أن يتخذ قرارًا تاريخيًا بالمواجهة، أو يُساق نحو المصير ذاته ، وتُنتزع منه القدرة على الاعتراض، ويُختزل دوره إلى توقيع على مخطط أُعدّ مسبقًا.
المشروع الإسرائيلي لا يقف عند حدود الأردن، بل هو خطة متكاملة تشمل إعادة تشكيل الخارطة من جنوب لبنان إلى شرق سوريا، وصولًا إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن. احتلال غزة ليس هدفًا بحد ذاته، بل بوابة للسيطرة الكاملة على معادلة فلسطين، تمهيدًا لخلق شرق أوسط يُعاد رسمه على مقاس الأمن الإسرائيلي. تفكيك الضفة وتحويلها إلى جيوب منزوعة السيادة، وضم أراضيها تدريجيًا، وتسويق الأردن كـ(خزان جغرافي ديموغرافي)، ليست مواقف متطرفة، بل قرارات استراتيجية تتبلور في قلب تل أبيب، وتُناقش في العلن دون خجل.
في هذا السياق، يصبح السؤال الجوهري: هل يتحرك الأردن لحماية نفسه من الداخل والخارج؟ أم يُترك لينزلق تدريجيًا إلى سيناريو أخر؟ المؤشرات لا تطمئن. موجات التهجير قد تبدأ فجأة، والاختراقات الأمنية قد تُفتعل بحرفية، وقد تستخدم أدوات كمبرر لتدويل الوضع الأردني لاحقًا، ضمن صفقة إقليمية ترسم ملامح ما بعد الدولة الوطنية.
ليس أمام الأردن ترف التردد. اللحظة مفصلية، والتهديد وجودي، والصمت لم يعد خيارًا آمنًا، بل خطرًا استراتيجيًا. إن لم تتحرك عمّان الآن، ضمن تحالف عربي حقيقي يواجه مشروع إسرائيل الكبرى قبل أن يكتمل، فإن السيناريوهات البديلة ستكون كابوسية: تفكيك تدريجي للدولة، فقدان السيادة على القرار الديموغرافي، ثم تحوّل الأردن من دولة إلى وظيفة، ومن هوية إلى مساحة عبور.
الرسالة إلى صانع القرار الأردني باتت أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، لا منطقة رمادية بعد اليوم. إما أن تكون سدًا منيعًا في وجه هذا الزحف التوسعي، أو تتحول، ببطء وصمت وتحت عنوان "العقلانية"، إلى البوابة الخلفية لدفن القضية الفلسطينية... ومعها باقي الدول المحيطة . وإن لم يُواجه هذا المشروع في لحظته التأسيسية، فلن تبقى دولة للتفاوض عليها، ولا هوية للدفاع عنها، ولا شعب قادر على المقاومة.
المعادلة الآن حاسمة، مواجهة أو اندثار. الحياد لم يعد مجديًا، والرهان على الوقت ليس إلا انتحارًا مؤجلًا. من لا يردع "إسرائيل الكبرى" اليوم، سيُفاجأ بها على عتبات الدول حولها، ولكن بعد أن يكون الوقت قد فات.فهل نفعل؟...



#ميساء_المصري (هاشتاغ)       Mayssa_Almasri#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فخ الغاز والدم نحو فيتنام الشرق الأوسط وعزل مصر الكامل
- الأردن على خط النار بين الضم الزاحف وشرعنة الإقليم
- الأردن بين فخ إسرائيلي ناعم وحدود مفتوحة على الخطر
- ورقة الدُّرْز، الجبل الذي ستزرع فيه إسرائيل علمها.
- الفلسطيني في دول الشرق الأوسط… اللاجئ الذي خُطف مرتين
- العراق: من يملك مفاتيح المرحلة المقبلة؟
- التطبيع أولًا... والفاتورة إيرانية المصدر
- هدنة غزة بين مراوغة ترامب وسقوط نتنياهو
- العمامة والكيباه: متى يأتي إنفجار الشرق الأوسط الأخير؟
- رقعة شطرنج الشرق الأوسط: من يسقط أولاً؟
- من مصر إلى إيران :هل تخون الشعوب ؟؟
- نحو لحظة شمشون: هل تتهيأ إسرائيل لسيناريو السقوط الكبير؟
- الأردن و تحديات الهوية السياسية في زمن المال والقوة
- التهجير الناعم.. والإقليم المباح
- الكيان الصهيوني والسعودية ..صفقات سلاح ولوبي وديناميكية إقلي ...
- الكابوس الاسرائيلي : العدد
- عهر سياسي ليس أكثر
- تطبيع ملزم بأموال عربية ..
- الأردن : الفساد و إشكالية رجل الدولة ورجل السياسة والإقتصاد.
- جاسوس نتنياهو ... من مجرم الرصاص المصبوب الى دسائس أمنية شخص ...


المزيد.....




- تحليل.. لماذا يُعدّ إقناع بوتين بالجلوس مع زيلينسكي الاختبار ...
- مواجهة في الظل بين تل أبيب وطهران.. هكذا تعمل إيران على إعاد ...
- نظام -العقوبات الثانوية- الأمريكية .. أداة ضغط لتحييد الطرف ...
- الولايات المتحدة: -إيرين- يزداد قوة بعد أن تطور إلى إعصار خط ...
- ضباط استخبارات إسرائيليون: قتل الصحفيين ضروري لإطالة أمد الح ...
- أوروبا تتظاهر بـ42 ألف فعالية ضد العدوان الإسرائيلي على غزة ...
- مقتل شرطي باشتباك مع مسلحين جنوب شرقي إيران
- أميركا توقف تأشيرات الزيارة لفلسطينيي غزة
- خبير أمني: استهداف الصحفيين في غزة حملة ممنهجة وليس خطأ عارض ...
- الذراع المتواري لبوتين.. في أي طريق يمشي مهندس السيطرة الروس ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميساء المصري - الأردن .. يا أصحاب القرار لا مناطق رمادية بعد اليوم