أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميساء المصري - نحو لحظة شمشون: هل تتهيأ إسرائيل لسيناريو السقوط الكبير؟















المزيد.....

نحو لحظة شمشون: هل تتهيأ إسرائيل لسيناريو السقوط الكبير؟


ميساء المصري
(Mayssa Almasri)


الحوار المتمدن-العدد: 8371 - 2025 / 6 / 12 - 00:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يقال في التوراة ، إن الشخصية التوراتية شمشون قام بدفع أعمدة معبد فلسطيني، مما أدى إلى إسقاط السقف وقتل نفسه و في واحد من أكثر تصريحاته إثارة للقلق والجدل، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن "سقوط إسرائيل سيؤدي إلى سقوط العديد من أجزاء العالم". هذه العبارة، التي قد تبدو للوهلة الأولى استفزازية أو حتى دراماتيكية الطابع، ليست مجرد تهويل سياسي أو تعبير عن حالة طوارئ موضعية، بل تعكس ذهنية استراتيجية مأزومة تتطور داخل مركز القرار الإسرائيلي في ظل التحولات العميقة التي يشهدها ميزان القوى في الشرق الأوسط، وخصوصًا على الصعيد الإستخباري والأمني.
حين يجاهر نتنياهو بتعبير "سقوط إسرائيل"، فهو لا يشير فقط إلى إحتمالية خسارة معركة أو هزيمة في حرب، بل إلى إهتزاز العمود الفقري الذي قامت عليه الدولة العبرية منذ تأسيسها، وهو الردع القائم على التفوق النوعي، سواء في المعلومات، أو السلاح، أو الدعم الدولي.
السقوط، في ذهن نتنياهو، هو إنهيار منظومة الردع النفسي والسياسي والدولي التي جعلت من إسرائيل كيانًا محصنًا في محيط عربي وإسلامي تعتبره عدائيًا بطبيعته. هو لحظة إنكشاف تام تجعل من إسرائيل هدفًا مفتوحًا، لا تملك أمامها سوى خيار شمشوني نهائي: إما البقاء بالقوة الكاسحة أو الإنهيار مع الجميع.
هذا التصور المتطرف لا يمكن فصله عن السياق الأمني المتغير الذي تعيشه إسرائيل اليوم. فلأول مرة منذ عقود، باتت ترى خصمًا استراتيجيًا بحجم إيران يحقق اختراقات نوعية في الجبهة الأكثر حساسية: جبهة الإستخبارات. إيران، التي كانت لسنوات طويلة في موقع الدفاع أمام الآلة الإستخبارية الهائلة للموساد، وتُظهر قدرة متزايدة على استهداف الداخل الإسرائيلي مباشرة، سواء عبر الهجمات السيبرانية، أو عبر شبكات تجسس وتجنيد تم ضبط بعضها داخل الخط الأخضر. كما أن طهران استطاعت توسيع مسرح العمليات إلى نطاقات لم تكن متوقعة، من البحر الأحمر إلى العمق الأوروبي والأفريقي، حيث المصالح الإسرائيلية باتت مكشوفة أكثر من أي وقت مضى.
هذا التقدم الإيراني لا يُلغي، بطبيعة الحال، القدرات الخارقة التي ما يزال يمتلكها جهاز الموساد، والذي أظهر في المقابل أنه لا يزال قادرًا على اختراق عميق ومميت، كما حصل في عمليات اغتيال قادة من "حماس" في غزة وسوريا، وآخرهم حادثة إسماعيل هنية، وفي عمليات استهدفت الحرس الثوري وأذرعه في لبنان وسوريا، وحتى في داخل إيران نفسها وشكلت صدمة للمراقبين. لكن الصورة الكلية لم تعد من طرف واحد. إسرائيل لم تعد قادرة على الإحتكار الكامل للمعلومة والسيطرة التامة على ساحة المواجهة غير التقليدية، بل أصبحت في موقع من يرد أحيانًا، ويتفاجأ أحيانًا أخرى، ما يشكل تغيرًا جذريًا في طبيعة الصراع.
من هذا المنظور، فإن تصريح نتنياهو ليس مجرد تحذير، بل هو إعلان وجودي بأن مناعة إسرائيل لم تعد كما كانت. وهو في الوقت نفسه رسالة متعددة الإتجاهات. أولًا إلى الداخل الإسرائيلي، حيث يواجه نتنياهو أزمات متراكمة سياسية واجتماعية، ويحتاج إلى إعادة تعريف "الخطر الوجودي" لتوحيد الجبهة الداخلية حوله. ثانيًا، إلى العواصم الغربية، وخصوصًا واشنطن ترامب، التي بدأت تشهد تصدعات في إلتزامها التأريخي تجاه إسرائيل، سواء من ناحية الدعم العسكري أو الغطاء الدبلوماسي، وهو ما يقلق القيادة الإسرائيلية بدرجة غير مسبوقة. ثالثًا، إلى الخصوم، وعلى رأسهم إيران، الذين يفسرون تراجع الردع الإسرائيلي كمؤشر على فرصة استراتيجية يجب استغلالها.
غير أن ما يجعل هذا التصريح بالغ الخطورة، هو أنه لا ينبع فقط من رؤية آنية، بل يتقاطع مع عقيدة قديمة تعرف في الأوساط الأمنية الإسرائيلية بـ"عقيدة شمشون"، وهي تقوم على مبدأ أن إسرائيل، إذا واجهت تهديدًا وجوديًا حقيقيًا، فلن تسقط بمفردها، بل ستأخذ معها محيطها وربما العالم إلى هاوية فوضوية. هذه العقيدة غير المعلنة صراحة، لكنها مضمرة في الخطاب العسكري والسياسي، تنطوي على إحتمال استخدام القوة التدميرية القصوى، بما فيها السلاح النووي، إذا ما وصلت إسرائيل إلى قناعة بأنها أمام نهاية الكيان.
لكن المفارقة الكبرى تكمن في أن إعتماد هذا النوع من الخطاب يشير إلى تآكل الثقة بالنفس، لا إلى تعزيزها. فالدولة التي تثق في تفوقها لا تهدد بالفناء، ولا تلوّح بكارثة كونية إذا خُدشت. بل العكس، مثل هذا الخطاب عادة ما يصدر عن دول فقدت القدرة على الحسم وباتت تلوّح بحلول إنتحارية. وإذا كانت إسرائيل قد اعتادت في السابق أن تتحدث بلغة "الردع الهادئ"، فإن لجوء نتنياهو إلى خطاب "السقوط الجماعي" يدل على أن القلق الإسرائيلي أصبح يتجاوز الأمن اليومي ليصل إلى عمق الوجود نفسه.
في لحظة كهذه، يبدو أن منطقة الشرق الأوسط تقف على حافة مرحلة جديدة، تتراجع فيها مركزية التفوق الإسرائيلي المطلق، ويصعد فيها أعداؤها إلى مواقع لم تكن متاحة لهم من قبل. والمفارقة أن هذا الصعود لا يعتمد فقط على الصواريخ أو الميليشيات، بل على عنصر أكثر خطورة وتأثيرًا: المعلومة. الحرب الإستخبارية باتت هي الساحة الحقيقية، ومن يسيطر عليها يمتلك القدرة على التحكم بالقرار، والتوقيت، والمصير.
لكن الأهم أن المؤشرات لم تعد محصورة في إسرائيل وحدها. فالتطورات الأخيرة، وعلى رأسها إعلان السفارة الأميركية في بغداد عن خطط إخلاء محتمل بسبب تهديدات متصاعدة، تعكس إدراكًا أميركيًا مبكرًا بأن الشرق الأوسط بات يدخل فعليًا في مرحلة الخطر الوجودي. ليس فقط خطر الحروب التقليدية أو الصراعات المذهبية، بل خطر الإنهيار الجيواستراتيجي الكامن في تحالفات مشبوهة، ونُذر تفكيك، وتمدد غير مسبوق لمشاريع قوى كبرى تسعى للهيمنة تحت عناوين الأمن أو الشراكة.
إن التحذير الإسرائيلي من "سقوط العالم" قد لا يكون محصورًا داخل عقل تل أبيب، بل ربما يتقاطع – أو يُوظَّف – ضمن استراتيجية صهيونية–أميركية أوسع ترى في إنهيار المنطقة فرصة لإعادة هندسة خرائطها السياسية والإجتماعية. هنا يصبح السؤال الحقيقي: هل نحن أمام مجرد إنهيار كيان؟ أم أمام مشروع يعيد تشكيل الشرق الأوسط من جديد... ولكن وفق منطق الفوضى الخلاقة من جديد؟
وبذلك، يصبح تصريح نتنياهو عن سقوط إسرائيل ليس فقط اعترافًا بأزمة داخلية، بل إعلانًا مشفّرًا عن بداية تصدع إقليمي شامل. فالفوضى لم تعد نظرية، والخطر لم يعد بعيدًا، والسقوط لم يعد مجرد خيال.



#ميساء_المصري (هاشتاغ)       Mayssa_Almasri#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأردن و تحديات الهوية السياسية في زمن المال والقوة
- التهجير الناعم.. والإقليم المباح
- الكيان الصهيوني والسعودية ..صفقات سلاح ولوبي وديناميكية إقلي ...
- الكابوس الاسرائيلي : العدد
- عهر سياسي ليس أكثر
- تطبيع ملزم بأموال عربية ..
- الأردن : الفساد و إشكالية رجل الدولة ورجل السياسة والإقتصاد.
- جاسوس نتنياهو ... من مجرم الرصاص المصبوب الى دسائس أمنية شخص ...
- كتاب بولتون ..إحذروا أحجية الجهل العالمي
- خطة الضم ...الأردن وفلسطين ..والتدرج الزمني لنتنياهو ...
- الأردن ..ما بعد صدمة كورونا
- ماذا لو أصيب ترامب بالكورونا ؟؟؟
- حرب أسعار,صراع ديوك,غطس في النفط , وحرق دول..فمن الخاسر الأك ...
- لغز قروض البنك الدولي ....ولعبة الحكام بالشعوب
- وزراء الخارجية العرب مغيبون.. و شعوب متهمة بمعاداة السامية.. ...
- من البتراء حتى مكة ... سنوات التيه العربي والبيع على المكشوف ...
- الأردن : أسلحة صامتة ..لحرب هادئة .
- الأردن .. وما خفي إعلانه من صفقة القرن .
- صفقة القرن ..فخ للأردن .. وبالون إختبار بحجم الشرق الأوسط .
- كورونا ...القاتل المقبل للعرب


المزيد.....




- مصر.. أغنية جزائرية يستشهد بها علاء مبارك ويعلق مثيرا تفاعلا ...
- كوخ إسكتلندي -سرّي- من الحرب العالمية الثانية يُعرض للبيع.. ...
- شاهد لحظة سقوط صاروخ قرب منشأة عسكرية إسرائيلية رئيسية في تل ...
- تقرير: فكرة ترامب حول فتح حسابات مصرفية استثمارية للأطفال لي ...
- مراسلتنا: موجة جديدة من الهجمات الآن تنطلق من إسرائيل باتجاه ...
- هل تغيّر الضربة الإسرائيلية لإيران معادلة الحرب في غزة؟
- ما هي الصواريخ البالستية وفرط الصوتية؟
- إسرائيل تحشد قواتها في الشمال على الحدود مع سوريا ولبنان
- الجيش الإيراني: إطلاقنا الصاروخي القادم سيكون بنحو ألفي صارو ...
- طيران -الشرق الأوسط- اللبنانية تعلق الرحلات من وإلى بيروت


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميساء المصري - نحو لحظة شمشون: هل تتهيأ إسرائيل لسيناريو السقوط الكبير؟