|
الأردن و تحديات الهوية السياسية في زمن المال والقوة
ميساء المصري
(Mayssa Almasri)
الحوار المتمدن-العدد: 8349 - 2025 / 5 / 21 - 01:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في عالم مضطرب تتبدل فيه التحالفات، وتسقط فيه الدول من حسابات النفوذ العالمي،وسيادة المصالح الصرفة وصعود الفردانية السياسية ، نستذكر مقولة الملك الحسين بن طلال بكل ما تحمله من معاني وأهداف: "الأردن وُجد ليبقى." ليست هذه العبارة مجرد شعار، بل كانت إعلان مبكر لنهج سياسي وفكري يدرك من خلاله طبيعة التحديات الوجودية التي واجهت الأردن وقتها. فالدولة التي وُلدت في منطقة صراعات، وعلى تماس دائم مع القضية الفلسطينية، ووسط مشاريع إقليمية كبرى مختلفة، لم تُمنح ترف الإستقرار إقليميا ،لتتكرر المقولة في التصريحات الأخيرة لثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر عام 2023 وأهمية موقع الأردن الإستراتيجي في بقاء الشرق الأوسط منطقة آمنة . وفي مقاربة بين الأمس واليوم منذ زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لدول الخليج العربي وفشل قمة بغداد، دخلت المنطقة مرحلة جديدة من المكاشفة والفرز، بعد إختفاء المفاهيم السياسية التقليدية مثل "الأمن القومي العربي" وغيرها، لتحل محلها اعتبارات المصالح الضيقة، وصفقات المال والقوة العارية، وتكريس مبدأ "كل دولة لنفسها". بما يضمن لها البقاء في لعبة القوة الإقليمية لتتجاوز الإقتصاد والسياسة إلى عمق الهوية. ليواجه الأردن، مفترقاً حرجاً في تأريخه السياسي الحديث، في مواجهة استهداف متصاعد لوجوده، سواء على المستوى السياسي أو الجغرافي أو الهوياتي. هذا الإستهداف لا يُترجم فقط من خلال التحديات الخارجية، بل في عمقه يرتبط بتراكمات داخلية . والتأريخ لا يمكن أن يصادر الواقع. فاليوم،الأردنيون يطالبون بالإصلاح. والقدرة على حماية الوطن من التآكل الداخلي والإختراق الخارجي. وإذا كانت الدولة اليوم تقف وحدها في مواجهة مشروع استهداف وجودها، فإن هذه المواجهة لن تُكسب إلا بتحصين الداخل، واستعادة الثقة بين المواطن والدولة، بإختصار، لا مستقبل للدولة دون هويتها السياسية الوطنية. و دون إصلاح جذري يعيد للمواطن كرامته، وللوطن سيادته، وللهوية الأردنية دورها الفاعل في تحديد المسار. لطالما ارتكزت الهوية السياسية الأردنية – ولو ضمنياً – على دور الوسيط بين العرب والغرب، وبين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعلى عمقها الجيوسياسي كدولة مواجهة ناعمة. لكن مع تحلل الغطاء العربي الجماعي، والهرولة نحو التطبيع الكامل، تراجعت قيمة الأردن على طاولة "صفقات المصالح" .وبالنتيجة أصبح الأردن مكشوفاً أكثر من أي وقت مضى، دون غطاء عربي حقيقي، ودون حليف دولي مستعد للدفع دون مقابل. ان الهوية السياسية لأي دولة تتغذى على دورها الفاعل. لكن في زمن صارت فيه العملة الوحيدة المقبولة هي "المال والنفوذ"، يجد الأردن نفسه يعاني من تراجع الوزن النسبي، اقتصادياً وعسكرياً، وهو ما ينعكس على قدرته في فرض مصالحه. ويصبح التحدي هنا في كيف يمكن لهوية سياسية أن تفرض وجودها، إذا كانت أدواتها محدودة، في معادلات القوة؟ و ثمة فجوة آخذة في الإتساع بين ما يريده الأردنيون كهوية وطنية سياسية قائمة على الإستقلالية والكرامة والسيادة، وبين النهج السياسي الذي يتماهى أحياناً مع ضغوط الخارج. لتترسخ القناعة بأن الهوية السياسية تغيب لصالح مسارات لا تعبر عن الشعب. الهوية السياسية هنا ليست مجرد شعار، بل مسألة بقاء.وهذا أخطر التحديات تفكك الهوية السياسية لا يبدأ من الخارج فقط، بل من الداخل إما أن نعيد إنتاج هويتنا السياسية من خلال إصلاح حقيقي وشراكة شعبية تضمن التماسك الداخلي ، أو يرتهن لقرارات لا يملك أدوات التأثير فيها .في عالم المصالح الكبرى من "الاشقاء "، لا خيار أمام الأردن إلا بتقوية داخله، وبناء هوية سياسية تعكس كرامة الناس وتطلعاتهم. ورغم صعوبة المشهد الإقليمي ، إلا أن الأزمة تفتح نافذة أمل. فان بناء الهوية السياسية الأردنية مهمة ، بل وضرورية، إذا ما اعتمدت الدولة نهجاً إصلاحياً صادقاً، يعيد للمواطن كرامته، ويستند إلى الشراكة الحقيقية، لا إلى التحالفات المؤقتة مع الخارج. إنّ أول خطوة نحو حماية الأردن هي الإعتراف بأن الهوية السياسية عقداً يُبنى بين الدولة ومواطنيها. والولاء يُقاس بالقدرة على إنتاج وطن عادل وآمن وحر، في زمن إختفى فيه الغطاء العربي، وإنهارت فيه قواعد التضامن، وبرزت مفردات السوق السياسية: "كم تدفع؟ ماذا تكسب؟ من تخدم؟"، لم يعد أمام الأردن سوى أهم خيار وهو بناء هويته السياسية من الداخل، بمواطنيه، وعبر إرادتهم الحرة والمصالحة الوطنية لجبهة قوية . فلا أحد سيحمي هذا الوطن إن لم نحمه نحن.
#ميساء_المصري (هاشتاغ)
Mayssa_Almasri#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التهجير الناعم.. والإقليم المباح
-
الكيان الصهيوني والسعودية ..صفقات سلاح ولوبي وديناميكية إقلي
...
-
الكابوس الاسرائيلي : العدد
-
عهر سياسي ليس أكثر
-
تطبيع ملزم بأموال عربية ..
-
الأردن : الفساد و إشكالية رجل الدولة ورجل السياسة والإقتصاد.
-
جاسوس نتنياهو ... من مجرم الرصاص المصبوب الى دسائس أمنية شخص
...
-
كتاب بولتون ..إحذروا أحجية الجهل العالمي
-
خطة الضم ...الأردن وفلسطين ..والتدرج الزمني لنتنياهو ...
-
الأردن ..ما بعد صدمة كورونا
-
ماذا لو أصيب ترامب بالكورونا ؟؟؟
-
حرب أسعار,صراع ديوك,غطس في النفط , وحرق دول..فمن الخاسر الأك
...
-
لغز قروض البنك الدولي ....ولعبة الحكام بالشعوب
-
وزراء الخارجية العرب مغيبون.. و شعوب متهمة بمعاداة السامية..
...
-
من البتراء حتى مكة ... سنوات التيه العربي والبيع على المكشوف
...
-
الأردن : أسلحة صامتة ..لحرب هادئة .
-
الأردن .. وما خفي إعلانه من صفقة القرن .
-
صفقة القرن ..فخ للأردن .. وبالون إختبار بحجم الشرق الأوسط .
-
كورونا ...القاتل المقبل للعرب
-
حرة عربية ..ترد على تصريحات السفير الأمريكي ضد الأردن .
المزيد.....
-
ترامب يؤكد رغبة حماس في هدنة بغزة ويعلن إرسال أسلحة دفاعية ل
...
-
-شهر واحد لتدمير كل شيء-.. ما العملية الأوكرانية السرية لإبا
...
-
ليبيا - بنغازي: ماذا وراء استقبال المشير الليبي خليفة حفتر و
...
-
هل التقى الرئيس السوري فعلاً بنتنياهو؟
-
موريتانيا: خطوة مفاجئة من حزب تواصل قبل الحوار الوطني المرتق
...
-
الحوثيون يعلنون غرق ناقلة بضائع عقب هجومهم عليها قبالة اليمن
...
-
نتنياهو يسلم ترامب رسالة ترشيحه لجائزة نوبل ويؤكد: نعمل مع و
...
-
تلغراف: مركز أبحاث بلير عمل على خطة -ريفييرا ترامب- لغزة
-
خبير عسكري: المقاومة تعتمد خططا محكمة وتتفوق بهندسة الواقع ا
...
-
عاجل | نتنياهو: التقيت وزير الخارجية روبيو وأجريت معه محادثة
...
المزيد.....
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
-
مغامرات منهاوزن
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
صندوق الأبنوس
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|