سرود محمود شاكر
باحث في مجال حقوق الإنسان ومدرب معتمد دولي
(Surd Mahmooed Shakir)
الحوار المتمدن-العدد: 8429 - 2025 / 8 / 9 - 23:59
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
مقدمة
يُحتفل باليوم العالمي للسكان الأصليين في التاسع من اب من كل عام، وهو مناسبة أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار 49/214 في ديسمبر 1994، تخليدًا لأول اجتماع لمجموعة العمل المعنية بالسكان الأصليين عام 1982. في عام 2025، يأتي الاحتفال تحت شعار "الشعوب الأصلية والذكاء الاصطناعي: صون الحقوق، وبناء المستقبل"، وهو شعار يعكس تحولًا في الاهتمام الأممي نحو دمج التكنولوجيا الحديثة، وبالأخص الذكاء الاصطناعي (AI)، في حياة الشعوب الأصلية بطريقة تحترم حقوقها وتعزز ثقافتها ومعارفها التقليدية. يهدف هذا المقال إلى استكشاف هذا الشعار في إطار رؤية الأمم المتحدة، مع التركيز على الاتفاقيات والإعلانات الدولية، وتسليط الضوء على الفرص والتحديات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي في سياق حماية حقوق الشعوب الأصلية، مع الاستناد إلى مصادر موثوقة.
الشعوب الأصلية: أهميتها وتحدياتها
تُمثل الشعوب الأصلية، التي يُقدر عددها بحوالي 476 مليون فرد يعيشون في 90 دولة، حوالي 6.2% من سكان العالم، وهم يتحدثون الغالبية العظمى من اللغات العالمية التي تصل إلى 7000 لغة، ويمثلون 5000 ثقافة مختلفة. هذه الشعوب هم ورثة ثقافات فريدة ومعارف تقليدية تحافظ على التنوع البيولوجي والثقافي، وتساهم في مواجهة تحديات عالمية مثل تغير المناخ. ومع ذلك، فإن هذه المجتمعات تواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك الفقر المدقع، التهميش، وانتهاك حقوقها الأساسية، حيث يُشكلون 15% من أفقر سكان العالم[1].
شعار 2025: الذكاء الاصطناعي وعلاقته بالشعوب الأصلية
اختارت الأمم المتحدة شعار "الشعوب الأصلية والذكاء الاصطناعي: صون الحقوق، وبناء المستقبل" ليوم 2025، لتسليط الضوء على الدور المزدوج للذكاء الاصطناعي كأداة للتمكين والتحدي. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في الحفاظ على اللغات الأصلية المهددة بالانقراض، وتوثيق التاريخ الشفوي، ورسم خرائط للأراضي التقليدية، ودعم جهود مكافحة تغير المناخ باستخدام المعارف التقليدية. على سبيل المثال، في جزر بولينيزيا، يُستخدم الذكاء الاصطناعي لدمج المعارف المحلية في مراقبة صحة الشعاب المرجانية، بينما في أراضي الإنويت، تُطوّر نماذج رقمية للتكيف مع تغير المناخ[2].
ومع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي يحمل مخاطر كبيرة إذا لم يُطوّر بمشاركة الشعوب الأصلية. فقد يؤدي إلى إعادة إنتاج الصور النمطية، تشويه الثقافات، أو انتهاك حقوق الملكية الفكرية وسيادة البيانات. ولهذا، شدد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على ضرورة تطوير الذكاء الاصطناعي بطرق شاملة وأخلاقية، تضمن مشاركة الشعوب الأصلية في صياغة وتطبيق هذه التقنيات[3].
رؤية الأمم المتحدة والإطار القانوني الدولي
تعتمد رؤية الأمم المتحدة على إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية (UNDRIP) لعام 2007، وهو صك دولي شامل يؤكد على حقوق الشعوب الأصلية في تقرير المصير، والأراضي، والثقافة، والموارد الطبيعية. ينص الإعلان في المادة 31 على حق الشعوب الأصلية في السيطرة على معارفها التقليدية وحماية ملكيتها الفكرية. في سياق الذكاء الاصطناعي، يُعتبر هذا الحق حاسمًا لضمان عدم استغلال البيانات الثقافية أو المعارف التقليدية دون موافقة مسبقة ومستنيرة[4].
كما تدعم الأمم المتحدة هذه الحقوق من خلال مبادرات مثل العقد الدولي للغات الشعوب الأصلية (2022-2032)، الذي يهدف إلى الحفاظ على اللغات الأصلية التي تُشكل 40% منها مهددة بالانقراض. وتسعى اليونسكو، من خلال برامج مثل نظام المعارف المحلية والأصلية (LINKS)، إلى دمج المعارف التقليدية في السياسات العالمية، بما في ذلك تطبيقات الذكاء الاصطناعي[5].
حقوق السكان الأصليين: منظور الحقوق المدنية و السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية
تؤكد الاتفاقيات الدولية، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ICESCR)، بالإضافة إلى إعلان UNDRIP، على مجموعة شاملة من الحقوق للشعوب الأصلية، والتي تتقاطع مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي في سياق شعار 2025. يمكن تصنيف هذه الحقوق كما يلي:
1. الحقوق المدنية والسياسية
تشمل هذه الحقوق، وفقًا للمادة 1 من ICCPR وUNDRIP، الحق في تقرير المصير، المشاركة السياسية، والحرية من التمييز. في سياق الذكاء الاصطناعي، يجب أن تشارك الشعوب الأصلية في تصميم وتنفيذ التقنيات التي تؤثر على مجتمعاتهم. على سبيل المثال، يمكن أن تُستخدم الذكاء الاصطناعي لتعزيز التمثيل السياسي من خلال منصات رقمية تمكّن الشعوب الأصلية من التعبير عن آرائها، ولكن غياب الوصول إلى التكنولوجيا قد يعيق هذه المشاركة، مما يستلزم ضمانات قانونية للوصول العادل[6].
2. الحقوق الاقتصادية
تتضمن الحقوق الاقتصادية، وفقًا لـ ICESCR وUNDRIP (المادة 21)، الحق في العمل اللائق، مستوى معيشي كافٍ، والاستفادة من مواردهم الطبيعية. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يدعم الشعوب الأصلية من خلال توفير فرص اقتصادية، مثل تطوير أدوات رقمية لتسويق الحرف التقليدية أو إدارة الموارد الطبيعية. ومع ذلك، فإن الاستغلال غير الأخلاقي للبيانات الأصلية، مثل استخدام معارف الشعوب الأصلية في الزراعة أو الطب التقليدي دون تعويض، ينتهك هذه الحقوق[7].
3. الحقوق الاجتماعية
تشمل الحقوق الاجتماعية، كما نصت المادة 25 من ICESCR، الحق في التعليم والصحة. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز الوصول إلى التعليم من خلال منصات تعليمية مخصصة لتعليم اللغات الأصلية أو توفير خدمات صحية عن بُعد في المناطق النائية. على سبيل المثال، تُستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في أستراليا لتقديم خدمات صحية للشعوب الأصلية في المناطق الريفية. ومع ذلك، يجب ضمان أن تكون هذه التقنيات متاحة ومصممة بما يحترم السياقات الثقافية[8].
4. الحقوق الثقافية
تُعد الحقوق الثقافية، كما وردت في المادة 27 من ICESCR والمادة 11 من UNDRIP، حجر الزاوية لحماية الهوية الأصلية، بما في ذلك اللغات، التقاليد، والمعارف التقليدية. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في توثيق اللغات المهددة بالانقراض أو إنشاء أرشيفات رقمية للروايات الشفوية. على سبيل المثال، مشاريع مثل Google’s Indigenous Language Preservation تستخدم الذكاء الاصطناعي لحفظ لغات الشعوب الأصلية في أمريكا اللاتينية. ومع ذلك، فإن غياب سياسات سيادة البيانات قد يؤدي إلى استغلال هذه المعارف دون موافقة المجتمعات الأصلية[9].
إن دمج هذه الحقوق في تطوير الذكاء الاصطناعي يتطلب نهجًا شاملاً يضمن المشاركة العادلة، حماية البيانات، وسد الفجوة الرقمية، بما يتماشى مع التزامات الدول بموجب الاتفاقيات الدولية.
التحديات والفرص
الفرص:
1. الحفاظ على التراث الثقافي: يمكن للذكاء الاصطناعي توثيق اللغات والروايات الشفوية، مما يعزز الحقوق الثقافية.
2. مكافحة تغير المناخ: دمج المعارف التقليدية مع تقنيات الذكاء الاصطناعي يدعم الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، مما يساهم في الحقوق الاقتصادية.
3. تمكين المجتمعات: توفير أدوات تعليمية وصحية رقمية يعزز الحقوق الاجتماعية والمشاركة السياسية للشباب الأصليين.
التحديات:
1. الإقصاء الرقمي: محدودية الوصول إلى التكنولوجيا تعيق تمتع الشعوب الأصلية بحقوقهم المدنية والاجتماعية.
2. انتهاك الملكية الفكرية: استغلال المعارف التقليدية دون موافقة ينتهك الحقوق الثقافية والاقتصادية.
3. التحيزات التقنية: قد تُعيد نماذج الذكاء الاصطناعي إنتاج الصور النمطية، مما يؤثر سلبًا على الحقوق المدنية والثقافية.
التوصيات
1. المشاركة الشاملة: إشراك الشعوب الأصلية في تطوير الذكاء الاصطناعي لضمان احترام حقوقهم المدنية والسياسية.
2. حماية البيانات: وضع سياسات لحماية سيادة البيانات الثقافية بما يتماشى مع الحقوق الثقافية والاقتصادية.
3. سد الفجوة الرقمية: توفير البنية التحتية والتدريب لتعزيز الحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
4. التعاون الدولي: تعزيز التعاون لدعم مشاريع الذكاء الاصطناعي التي تحترم جميع فئات الحقوق.
خاتمة
يُمثل اليوم العالمي للسكان الأصليين في عام 2025 فرصة لإعادة التفكير في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لدعم الشعوب الأصلية، مع ضمان احترام حقوقهم المدنية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية. من خلال الالتزام برؤية الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية مثل UNDRIP، ICCPR، وICESCR، يمكن للعالم أن يضمن أن تكون التكنولوجيا أداة للتمكين لا للإقصاء. إن دمج المعارف التقليدية في التطورات التكنولوجية مع حماية شاملة للحقوق سيسهم في بناء عالم أكثر عدالة وتنوعًا.
المراجع
1. الأمم المتحدة، رسالة الأمين العام بمناسبة اليوم الدولي للسكان الأصليين 2025.
2. جسور بوست، "في يومهم الدولي.. نداء عالمي لضمان العدالة الرقمية للشعوب الأصلية"، 9 أب 2025.
3. اليونسكو، اليوم الدولي للشعوب الأصلية في العالم.
4. إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية (UNDRIP)، 2007.
5. الأمم المتحدة، منشور على منصة X، 9أب 2025.
6. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، 1966.
7. العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ICESCR)، 1966.
8. منظمة الصحة العالمية، "الذكاء الاصطناعي والخدمات الصحية للشعوب الأصلية"، 2024.
9. اليونسكو، "حماية اللغات الأصلية باستخدام التكنولوجيا"، 2023.
#سرود
#سرود_محمود_شاكر (هاشتاغ)
Surd_Mahmooed_Shakir#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟