سرود محمود شاكر
باحث في مجال حقوق الإنسان ومدرب معتمد دولي
(Surd Mahmooed Shakir)
الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 09:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة
تُعدّ قضية خور عبد الله من القضايا الحدودية المعقدة التي أثارت جدلاً واسعاً بين العراق والكويت، نظراً لأهميتها الاستراتيجية والاقتصادية كممر مائي رئيسي يربط العراق بالخليج. يهدف هذه المقالة إلى استعراض الحقيقة التاريخية لخور عبد الله، وتفاصيل اتفاقية 2012 بين العراق والكويت، وقرار المحكمة الاتحادية العراقية لعام 2023 الذي أبطل قانون تصديق الاتفاقية، مع تحليل إمكانية إلغاء الاتفاقية من طرف العراق وفق القانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، والتداعيات المحتملة، بما في ذلك إمكانية اللجوء إلى محكمة العدل الدولية. يعتمد الموضوع على مصادر موثوقة ويتبع منهجاً تحليلياً نقدياً لتقديم رؤية شاملة ومتوازنة.
1. الحقيقة التاريخية لخور عبد الله
خور عبد الله هو ممر مائي يقع في أقصى شمال الخليج ، يفصل بين شبه جزيرة الفاو العراقية وجزيرتي بوبيان ووربة الكويتيتين، ويمتد إلى داخل الأراضي العراقية مشكلاً خور الزبير، الذي يضم ميناء أم قصر، المنفذ البحري الرئيسي للعراق. تاريخياً، كان خور عبد الله محل نزاع بين العراق والكويت منذ أوائل القرن العشرين، حيث لم تحسم الاتفاقيات المبكرة، مثل المعاهدة الأنجلو-عثمانية لعام 1913 واتفاقية العقير لعام 1922، مسألة الحدود البحرية بشكل نهائي.
في عام 1932، حدد رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد الحدود بين العراق والكويت في رسالة إلى المندوب السامي البريطاني، وفي عام 1963، وافق العراق على هذه الحدود، معترفاً بالكويت كدولة مستقلة. ومع ذلك، استمر الخلاف حول السيادة على خور عبد الله، خاصة بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990، الذي أدى إلى تدخل الأمم المتحدة. أصدر مجلس الأمن قرارات 687 (1991)، 773 (1992)، و833 (1993)، التي أقرت ترسيم الحدود بين البلدين، بما في ذلك تقسيم خور عبد الله على أساس خط الوسط، مما جعله منطقة حدودية مشتركة. أكدت هذه القرارات على حق الملاحة لكلا البلدين وفق القانون الدولي، بما يتماشى مع اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) لعام 1982.
2. اتفاقية خور عبد الله (2012)
تم توقيع اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله بين العراق والكويت في 29 نيسان 2012، وصادق عليها البرلمان العراقي بقانون رقم 42 لعام 2013، ونشرت في جريدة الوقائع العراقية (العدد 4299) بتاريخ 25 تشرين الثاني 2013. .
تهدف الاتفاقية إلى تنظيم الملاحة البحرية والمحافظة على البيئة البحرية في خور عبد الله، مع ضمان مصالح الطرفين دون التأثير على الحدود المرسومة بقرار مجلس الأمن 833. تشمل الاتفاقية 16 مادة، تحدد الممر الملاحي من النقطتين الحدوديتين 156 و157 إلى النقطة 162، وتنظم مرور السفن، مع التأكيد على أن السفن ترفع علم جنسيتها فقط.
أثارت الاتفاقية جدلاً واسعاً في العراق، حيث اعتبرها البعض تنازلاً عن السيادة العراقية، خاصة أنها تقسم خور عبد الله مناصفة بدلاً من اتباع خط التالوك (أعمق ممر ملاحي)، مما قد يقيد حرية الملاحة العراقية إلى ميناء أم قصر. في المقابل، دافع آخرون عن الاتفاقية، معتبرين أنها استكمال لالتزامات العراق الدولية بموجب قرارات مجلس الأمن، وأنها تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية وتجنب العقوبات الدولية.
3. قرار المحكمة الاتحادية العراقية (2023)
في 4 أيلول 2023، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا العراقية قراراً بعدم دستورية قانون تصديق الاتفاقية (رقم 42 لعام 2013)، مستندة إلى المادة 61/رابعاً من الدستور العراقي، التي تشترط أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب للمصادقة على المعاهدات الدولية. وجدت المحكمة أن التصويت على الاتفاقية تم بأغلبية بسيطة، مما يجعل قانون التصديق غير دستوري. أكدت المحكمة قرارها في 14 أيلول 2023، مما أثار جدلاً واسعاً داخل العراق وردود فعل كويتية وصفت القرار بأنه “شأن داخلي”.
القرار أدى إلى توترات دبلوماسية، حيث طالبت الكويت العراق باتخاذ إجراءات لمعالجة “المغالطات التاريخية حسب الادعاء الكويتي ” في حيثيات القرار، وأكدت التزامها بالحدود المرسومة بقرار 833. كما دعا مجلس التعاون الخليجي العراق إلى احترام الاتفاقية كجزء من التزاماته الدولية. من جهة أخرى، أثار القرار غضباً شعبياً في العراق، حيث نظمت تظاهرات في عدة مدن العراق للمطالبة بإلغاء الاتفاقية، معتبرين أنها تنتقص من السيادة العراقية.
4. إمكانية إلغاء الاتفاقية وفق القانون الدولي
4.1 اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (1969)
تنظم اتفاقية فيينا (1969)، التي صادق عليها العراق والكويت، آليات إبرام المعاهدات وإلغائها. تنص المادة 27 على أن “القانون الداخلي لا يجوز أن يُستخدم كمبرر لعدم تنفيذ معاهدة”، مما يعني أن قرار المحكمة الاتحادية لا يلغي الاتفاقية دولياً، حيث إنها مودعة لدى الأمم المتحدة وملزمة.
- المادة 46: مخالفة الأحكام الداخلية الجوهرية
تنص على أن المعاهدة باطلة إذا كان رضاء الدولة ينتهك حكماً دستورياً جوهرياً بصورة واضحة. يمكن للعراق الاستناد إلى قرار المحكمة الاتحادية (مخالفة شرط الأغلبية الثلثين)، لكن المادة 27 تضعف هذا الادعاء دولياً، إذ يجب إثبات أن المخالفة كانت معلومة للكويت.
- المادة 48: الخطأ
تتيح المطالبة ببطلان المعاهدة إذا استند الرضاء إلى خطأ في واقعة جوهرية. يمكن للعراق أن يجادل بأن افتراضات خاطئة حول تأثير الاتفاقية على الملاحة شكلت أساس رضاه، لكن إثبات الخطأ صعب بسبب طول المفاوضات.
- المادة 49: الاحتيال
تتطلب إثبات تضليل متعمد من الكويت، وهو أمر غير مدعوم بأدلة حالياً، مما يجعل تطبيقها غير مرجح.
-المادة 50: الفساد
تنص المادة 50 على أن “الرضاء بالمعاهدة إذا تم نتيجة فساد (مثل الرشوة) يكون باطلاً”. ادعى سياسيون عراقيون، مثل القاضي وائل عبد اللطيف، أن توقيع الاتفاقية تم تحت تأثير رشاوى كويتية، مما يشكل أساساً للطعن بموجب هذه المادة. .
ومع ذلك، لم يتم تقديم أدلة موثقة تدعم هذه الادعاءات، مما يجعل تطبيق المادة 50 صعباً في الوقت الحالي، حيث تتطلب إثباتاً واضحاً للفساد أمام هيئة دولية مختصة.
- المادة 51: الإكراه على ممثل الدولة
تتطلب إثبات تهديد مباشر على المفاوضين العراقيين، وهو ادعاء غير مدعوم بأدلة موثقة.
- المادة 52: الإكراه بالقوة
يمكن للعراق أن يجادل بأن الاتفاقية وقّعت تحت ضغط دولي بعد حرب الخليج، لكن إثبات الإكراه غير المشروع بعد عقدين من المفاوضات صعب.
- المادة 62: التغيير الجوهري في الظروف
تتيح إنهاء المعاهدة إذا تغيرت الظروف بشكل جوهري. يمكن للعراق الاستناد إلى تطوير ميناء الفاو وزيادة أهمية خور عبد الله اقتصادياً كتغيير جوهري، وهي المادة الأكثر قابلية للتطبيق إذا دعمت بأدلة اقتصادية.
4.2 آليات الإلغاء
تنص المادة 54 على أن إنهاء المعاهدة يتطلب موافقة الأطراف أو أحكام المعاهدة. تشير المادة 14 من الاتفاقية إلى تسوية الخلافات ودياً أو عبر المحكمة الدولية لقانون البحار (ITLOS)، مما يجعل الإلغاء الأحادي غير ممكن دون مفاوضات أو تحكيم دولي.
5. إمكانية اللجوء إلى محكمة العدل الدولية
محكمة العدل الدولية (ICJ) تختص بالنزاعات بين الدول بناءً على القانون الدولي. يمكن للعراق رفع دعوى بناءً على المواد 46، 48، 50، أو 62 من اتفاقية فيينا، أو استناداً إلى مخالفة الاتفاقية لـ UNCLOS (خط التالوك). لكن الاختصاص يتطلب:
- موافقة الكويت: الكويت لم تقدم إعلاناً عاماً بقبول اختصاص ICJ، وبالتالي يجب موافقتها على الدعوى، أو الاستناد إلى شرط تحكيم في الاتفاقية (الذي يشير إلى المحكمة الدولية لقانون البحار ITLOS).
- أدلة قوية: الاستناد إلى المادة 46 يتطلب إثبات مخالفة دستورية واضحة معلومة للكويت، والمادة 50 تتطلب أدلة فساد، والمادة 62 تتطلب إثبات تغيير جوهري في الظروف.
- البديل: المحكمة الدولية لقانون البحار (ITLOS): بما أن النزاع يتعلق بالملاحة البحرية، فإن ITLOS قد تكون الجهة الأنسب وفق المادة 14 من الاتفاقية.
6. التداعيات المحتملة لإلغاء الاتفاقية
- قانونياً: الإلغاء الأحادي قد يعتبر خرقاً لقرار مجلس الأمن 833، مما يدفع الكويت لرفع دعوى أمام ITLOS المحكمة الدولية لقانون البحار أو مجلس الأمن.
- سياسياً: قد يؤدي إلى توترات مع الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي، مما يعيق جهود العراق لتعزيز العلاقات الإقليمية.
- اقتصادياً: قد يؤثر على الملاحة إلى ميناء أم قصر وميناء الفاو، مما يضر بالصادرات النفطية والاقتصاد الوطني.
7. توصيات
- مفاوضات ثنائية: فتح حوار دبلوماسي مع الكويت لتعديل الاتفاقية، مع التركيز على خط التالوك وضمان حرية الملاحة.
- إعداد ملف قانوني: تشكيل لجنة من خبراء القانون الدولي لدراسة الاستناد إلى المواد 46، 48، 50، أو 62، مع جمع أدلة موثقة.
- اللجوء إلى ITLOS المحكمة الدولية لقانون البحار: إذا فشلت المفاوضات، يمكن رفع القضية إلى ITLOS بناءً على المادة 14 من الاتفاقية (اتفاقية فيينا ).
- تعزيز القدرات البحرية: تطوير موانئ العراق (مثل ميناء الفاو) لتقليل الاعتماد على خور عبد الله.
- تجنب التصعيد: الحفاظ على العلاقات الإقليمية عبر الحلول الدبلوماسية بدلاً من الإلغاء الأحادي.
الخاتمة
تُظهر قضية خور عبد الله تعقيد التوازن بين السيادة الوطنية والالتزامات الدولية. قرار المحكمة الاتحادية العراقية (2023) أثار آمالاً شعبية باستعادة السيادة، لكن إلغاء الاتفاقية يواجه عقبات قانونية بموجب اتفاقية فيينا، خاصة في غياب أدلة قوية للفساد (المادة 50) أو التغيير الجوهري في الظروف (المادة 62). المواد 46، 48، 49، 51، و52 توفر أسساً نظرية للطعن، لكن نجاحها يعتمد على أدلة موثقة وموافقة الكويت على التحكيم. يُفضل اتباع نهج دبلوماسي مع الكويت، مع الاحتفاظ باللجوء إلى المحكمة الدولية لقانون البحار ITLOS أو محكمة العدل الدولية CJ كخيار أخير.
المصادر
1. قرارات مجلس الأمن 687، 773، 833 (1991-1993)، الأمم المتحدة، un.org
2. جريدة الوقائع العراقية، العدد 4299، 25 نوفمبر 2013
3. مركز الروابط للدراسات، “اتفاقية خور عبد الله اعتداء كويتي صارخ على السيادة العراقية”، rawabetcenter.com
4. وكالة الأنباء العراقية، “اتفاقية خور عبد الله: بين الالتزام الدولي والسيادة الوطنية”، ina.iq
5. قرار المحكمة الاتحادية العراقية، 4 أيلول 2023، iraqfedcourt.iq
6. الجزيرة نت، “الكويت: طعن العراق على حكم أبطل اتفاقية خور عبد الله شأن داخلي”، 16 أبريل 2025
7. اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (1969)، untreaty.un.org
8. مجلة واسط للعلوم الإنسانية، “مدى أحقية العراق في إبطال اتفاقية خور عبد الله”، wjfh.uowasit.edu.iq
9. مركز رع للدراسات، “تداعيات إبطال اتفاقية خور عبد الله”، rcssegypt.com
10. تقرير الأمم المتحدة حول قرار 833 (1993)، un.org
11. دراسة قانونية، “تطبيق المادة 62 من اتفاقية فيينا على النزاعات الحدودية”، un.org
12. نص اتفاقية خور عبد الله (2012)، الأمم المتحدة
13. ميثاق محكمة العدل الدولية، icj-cij.org
14. اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (1982)، un.org
15. تقرير اقتصادي، “أهمية خور عبد الله للاقتصاد العراقي”، rawabetcenter.com
#سرود
#سرود_محمود_شاكر (هاشتاغ)
Surd_Mahmooed_Shakir#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟