سرود محمود شاكر
باحث في مجال حقوق الإنسان ومدرب معتمد دولي
(Surd Mahmooed Shakir)
الحوار المتمدن-العدد: 8413 - 2025 / 7 / 24 - 15:25
المحور:
القضية الفلسطينية
مقدمة
أصدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تقريره حول مؤشر أسعار المستهلك (CPI) لشهر حزيران 2025، وهو مؤشر يعكس التغيرات في أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية في الأراضي الفلسطينية. يهدف هذا التقرير إلى تحليل البيانات الواردة في التقرير بطريقة علمية وأكاديمية، مع التركيز على الجوانب الاقتصادية ، لتقديم صورة موضوعية عن التغيرات في مستويات الأسعار في مناطق فلسطين المختلفة (قطاع غزة، الضفة الغربية، والقدس الشرقية).
الإطار المنهجي
مؤشر أسعار المستهلك هو أداة اقتصادية تُستخدم لقياس التغيرات في تكلفة سلة محددة من السلع والخدمات الأساسية التي تستهلكها الأسر. يتم حساب المؤشر بناءً على بيانات الأسعار التي يتم جمعها من مصادر متعددة، ويُعبّر عن التضخم أو الانخفاض في الأسعار مقارنة بفترة أساسية. في هذا التقرير، تم جمع البيانات بالشيكل الإسرائيلي (NIS)، مع متوسط سعر صرف الدولار الأمريكي في حزيران 2025 عند 3.49 شيكل/دولار. يتم توزيع المؤشر على المناطق الفلسطينية بناءً على أوزان استهلاكية محددة: 66% للضفة الغربية، 21% لقطاع غزة، و13% للقدس الشرقية، استنادًا إلى بيانات الإنفاق والاستهلاك للأعوام 2016-2017.
النتائج الرئيسية
1. التغيرات الشهرية في مؤشر أسعار المستهلك (حزيران 2025 مقارنة بأيار 2025)
- فلسطين (الإجمالي): سجل المؤشر ارتفاعًا بنسبة 3.45%، مدفوعًا بشكل رئيسي بالتغيرات في أسعار السلع الأساسية في قطاع غزة. يعكس هذا الارتفاع زيادة كبيرة في تكلفة المعيشة على مستوى الأراضي الفلسطينية.
- قطاع غزة: شهد المؤشر ارتفاعًا حادًا بنسبة 5.54%، ويرجع ذلك إلى الزيادات الكبيرة في أسعار السلع الأساسية. على سبيل المثال، ارتفع سعر البصل الناشف إلى 240 شيكل/كغم، والثوم الناشف إلى 800 شيكل/كغم، والسكر إلى 223 شيكل/كغم، مع زيادات مماثلة في أسعار الوقود (البنزين 250 شيكل/لتر، والسولار 78 شيكل/لتر) والخضروات والفواكه.
- القدس الشرقية: سجل المؤشر ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 0.35%، نتيجة زيادة أسعار بعض السلع مثل البطاطس (18.92%)، والفواكه الطازجة (3.72%)، واللحوم الطازجة (1.85%)، على الرغم من انخفاض أسعار الخضروات المجففة بنسبة 2.67%.
- **الضفة الغربية: سجل المؤشر انخفاضًا طفيفًا بنسبة 0.27%، بسبب انخفاض أسعار الدجاج الطازج (8.77%)، والفواكه الطازجة (4.15%)، والخضروات المجففة (3.46%)، والديزل (1.39%)، رغم ارتفاع أسعار الخضروات الطازجة بنسبة 5.72%.
2. التغيرات السنوية (حزيران 2025 مقارنة بحزيران 2024)
- فلسطين (الإجمالي):ارتفع المؤشر بنسبة 51.41%، مما يشير إلى تضخم كبير في الأسعار على مدار العام.
- قطاع غزة:سجل ارتفاعًا استثنائيًا بنسبة 108.60%، مما يعكس تفاقم تكلفة المعيشة بشكل غير مسبوق.
- القدس الشرقية :ارتفع المؤشر بنسبة 1.83%، مما يشير إلى تضخم معتدل.
- الضفة الغربية:ارتفع المؤشر بنسبة 0.70%، وهو أقل معدل تضخم بين المناطق.
3. التغيرات النصف سنوية (النصف الأول من 2025 مقارنة بالنصف الأول من 2024)
- فلسطين (الإجمالي): ارتفع المؤشر بنسبة 27.55%، مدفوعًا بشكل رئيسي بالزيادة في قطاع غزة بنسبة 67.65%.
- القدس الشرقية : ارتفع بنسبة 1.65%.
- الضفة الغربية: ارتفع بنسبة 0.51%.
تحليل اقتصادي
1. التضخم في قطاع غزة
الارتفاع الحاد في مؤشر أسعار المستهلك في قطاع غزة (5.54% شهريًا و108.60% سنويًا) يعكس اضطرابات كبيرة في توافر السلع الأساسية. الزيادات الكبيرة في أسعار السلع الغذائية (مثل السكر، البصل، والثوم) والوقود تشير إلى قيود شديدة على العرض، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل فلكي. هذا الارتفاع يؤثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للأسر، مما يزيد من الضغوط الاقتصادية على السكان.
2. التضخم المعتدل في القدس الشرقية
الزيادة الطفيفة في القدس الشرقية (0.35% شهريًا و1.83% سنويًا) تشير إلى استقرار نسبي في الأسعار مقارنة بقطاع غزة. ومع ذلك، فإن ارتفاع أسعار اللحوم والفواكه الطازجة يعكس ضغوطًا موسمية أو تغيرات في الطلب المحلي.
3. الانخفاض في الضفة الغربية
الانخفاض الطفيف في مؤشر الأسعار في الضفة الغربية (-0.27% شهريًا) يعكس تحسنًا محدودًا في توافر بعض السلع مثل الدجاج والفواكه، إلى جانب استقرار أسعار اللحوم عند مستويات مرتفعة. ومع ذلك، فإن الارتفاع السنوي الطفيف (0.70%) يشير إلى أن الأسعار لا تزال مرتفعة مقارنة بالعام السابق.
4. التباين الإقليمي
يبرز التقرير التباين الكبير بين المناطق الفلسطينية، حيث تكون التغيرات في قطاع غزة هي المحرك الرئيسي للتضخم على المستوى الإجمالي. هذا التباين يجعل استخدام متوسط المؤشر العام على مستوى فلسطين غير دقيق لتمثيل التغيرات الإقليمية، مما يتطلب تحليلًا منفصلاً لكل منطقة.
التداعيات الاقتصادية
- القدرة الشرائية: الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية، خاصة في قطاع غزة، يؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية للأسر، مما يزيد من صعوبة تلبية الاحتياجات الأساسية.
- التضخم المستورد: استخدام الشيكل الإسرائيلي كعملة لتسعير السلع يعرض الأسعار لتقلبات سعر الصرف، مما قد يزيد من التضخم في حال انخفضت قيمة الشيكل مقابل الدولار.
الاعتماد على السلع المستوردة:قيود العرض في قطاع غزة تعكس اعتمادًا كبيرًا على السلع المستوردة، مما يجعل الأسعار حساسة للتغيرات في سلاسل التوريد.
تداعيات الفقر والجوع في قطاع غزة: الأثر الاقتصادي والاجتماعي
تشير الزيادة الحادة في مؤشر أسعار المستهلك في قطاع غزة بنسبة 5.54% خلال شهر حزيران 2025، و108.60% على أساس سنوي، إلى تفاقم تكلفة المعيشة، مما يؤدي إلى تفشي الفقر وانعدام الأمن الغذائي بين السكان. ارتفاع أسعار السلع الأساسية، مثل السكر (223 شيكل/كغم)، البصل (240 شيكل/كغم)، والوقود (250 شيكل/لتر للبنزين)، يحد من قدرة الأسر على تلبية احتياجاتها الغذائية والمعيشية، مما يؤثر بشكل غير متناسب على الفئات الأكثر هشاشة. الأطفال يعانون من نقص التغذية، مما يهدد نموهم البدني والعقلي ويزيد من مخاطر الأمراض المزمنة. النساء، وخاصة الحوامل والمرضعات، يواجهن صعوبات في الحصول على أغذية غنية بالعناصر الغذائية، مما يؤثر على صحتهن وصحة أطفالهن. الأشخاص ذوو الإعاقة يواجهون تحديات إضافية بسبب محدودية الوصول إلى الموارد والخدمات الأساسية، مما يفاقم من تهميشهم الاجتماعي. بالنسبة لعموم السكان، تؤدي الضغوط الاقتصادية إلى تدهور مستويات المعيشة، وزيادة الاعتماد على المساعدات الخارجية، وارتفاع معدلات البطالة، مما يعزز التوترات الاجتماعية ويقلل من التماسك المجتمعي. هذه التداعيات تتطلب تدخلات اقتصادية عاجلة لتعزيز الأمن الغذائي، ودعم الفئات الضعيفة، وتحسين الوصول إلى السلع الأساسية بأسعار ميسورة.
إحصائيات عن نسبة الأسر التي لا تحصل على مواد غذائية أساسية في قطاع غزة:
1. انعدام الأمن الغذائي الحاد: وفقًا لتقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) الصادر في مايو 2025، يعاني 100% من سكان قطاع غزة (حوالي 2.1 مليون شخص) من انعدام الأمن الغذائي الحاد، مما يعني أن جميع الأسر تقريبًا تواجه صعوبات في الحصول على المواد الغذائية الأساسية بشكل كافٍ ومنتظم.
2. نسبة الأسر المعتمدة على المساعدات: تقرير برنامج الأغذية العالمي (WFP) في أبريل 2025 يشير إلى أن حوالي 80% من سكان غزة (أي ما يقارب 1.6 مليون شخص أو حوالي 320,000 أسرة، بافتراض متوسط حجم الأسرة 5 أفراد) يعتمدون بشكل أساسي على المطابخ الخيرية للحصول على الطعام، نظرًا لتوقف معظم مصادر الغذاء الأخرى.
3. نقص الحصص الغذائية الكاملة: بحسب برنامج الأغذية العالمي، العائلات الفلسطينية في غزة غالبًا لا تحصل على الحصص الغذائية الكاملة بشكل مستمر، مما يعني أن نسبة كبيرة من الأسر (تصل إلى 93% وفقًا لتقارير مايو 2025) تعاني من نقص حاد في الغذاء، مما يجعلها غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية اليومية.
4. الأطفال والأمهات: تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) في مايو 2025 يشير إلى أن 92% من الأطفال الرضع (من 6 أشهر إلى سنتين) وأمهاتهم لا يحصلون على الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية الأساسية، مما يعكس تأثيرًا كبيرًا على الأسر التي تضم أطفالًا صغارًا ونساءً حوامل أو مرضعات.
5. سوء التغذية الحاد: وفقًا لتقرير IPC في مايو 2025، يُتوقع أن يحتاج حوالي 71,000 طفل و17,000 أم إلى علاج عاجل لسوء التغذية الحاد، مما يشير إلى أن نسبة كبيرة من الأسر (خاصة تلك التي تضم أطفالًا ونساءً) تواجه نقصًا حادًا في الأغذية الغنية
الخاتمة
تشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لشهر حزيران 2025 إلى تفاقم التضخم في الأراضي الفلسطينية، مدفوعًا بشكل رئيسي بالارتفاع الحاد في أسعار السلع في قطاع غزة. في حين تظل الأسعار في الضفة الغربية والقدس الشرقية مرتفعة نسبيًا، إلا أنها أقل حدة مقارنة بغزة. هذا التباين يتطلب سياسات اقتصادية مرنة تتناول التحديات الإقليمية بشكل منفصل. يوصى بتعزيز جهود تحسين توافر السلع الأساسية، ودعم القدرة الشرائية للأسر، وتطوير آليات لتخفيف تأثير قيود العرض على الاسعار وتدخل المجتمع الدولي لفك الحصار عن قطاع غزة وبصورة عاجلة.
المراجع
الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، تقرير مؤشر أسعار المستهلك لشهر حزيران 2025.(https://www.pcbs.gov.ps/site/512/default.aspx?lang=en&ItemID=6024)
#سرود
#سرود_محمود_شاكر (هاشتاغ)
Surd_Mahmooed_Shakir#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟