سرود محمود شاكر
باحث في مجال حقوق الإنسان ومدرب معتمد دولي
(Surd Mahmooed Shakir)
الحوار المتمدن-العدد: 8374 - 2025 / 6 / 15 - 17:52
المحور:
الصحافة والاعلام
مقدمة
يُعد عيد الصحافة العراقية مناسبة وطنية تُحيي ذكرى انطلاقة الصحافة العراقية مع صدور أول جريدة عراقية، "الزوراء"، في 15 حزيران (يونيو) 1869. يُحتفل بهذا اليوم سنويًا لتكريم دور الصحفيين في نقل الحقيقة وتعزيز الوعي المجتمعي، ولكن يأتي هذا الاحتفال وسط تحديات كبيرة تواجه الصحفيين العراقيين، من انتهاكات لحقوقهم إلى قيود على حرية التعبير. في هذه المقالة، نستعرض تاريخ عيد الصحافة العراقية، حقوق الصحفيين وحرية التعبير وفق الاتفاقيات الدولية والدستور العراقي والقوانين الوطنية ، مع الاستناد إلى مصادر موثوقة.
أولاً: تاريخ عيد الصحافة العراقية
يُعتبر 15 حزيران 1869 تاريخًا محوريًا في الصحافة العراقية، حيث صدرت جريدة "الزوراء" في بغداد بأمر من الوالي العثماني مدحت باشا. كانت "الزوراء" أول جريدة رسمية تصدر باللغتين العربية والتركية، وتُرجمت صفحاتها العربية من التركية، مما يعكس السياق السياسي والثقافي للعراق تحت الحكم العثماني. صدرت الجريدة بأربع صفحات، وتناولت أخبار الدولة العثمانية، القوانين، والإصلاحات الإدارية، لكنها كانت تخضع لرقابة صارمة وتعبر عن وجهة نظر السلطة الحاكمة[1].
مع مرور الزمن، تطورت الصحافة العراقية من أداة للسلطة إلى منبر للتعبير عن هموم الشعب. في عام 1922، صدرت جريدة "الوقائع العراقية" كأول جريدة رسمية للدولة العراقية الحديثة، ونشرت التشريعات والبيانات الرسمية[2]. وفي عام 1936، بدأ الصحفيون العراقيون محاولات لتأسيس نقابة صحفيين لحماية حقوقهم، لكن هذه المحاولات واجهت عقبات سياسية حتى تأسست النقابة رسميًا لاحقًا[3]. يُحتفل بعيد الصحافة العراقية سنويًا في 15 حزيران لتكريم هذا الإرث التاريخي، ولكنه يأتي في ظل تحديات كبيرة تواجه الصحفيين.
ثانياً : حقوق الصحفيين وحرية التعبير وفق الاتفاقيات الدولية
تُعد حرية الصحافة وحقوق الصحفيين جزءًا لا يتجزأ من حقوق الإنسان الأساسية المكفولة في الاتفاقيات الدولية. من أبرز هذه الاتفاقيات:
1. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948): تنص المادة 19 على أن "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت دون تقيد بالحدود"[4].
2. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966): كررت المادة 19 التأكيد على حرية التعبير، مع السماح بتقييدات محدودة تتعلق بالأمن القومي أو النظام العام، شريطة أن تكون قانونية ومتناسبة[5].
3. إعلان ويندهوك (1991): اعتمدته اليونسكو لتعزيز حرية الصحافة، ودعا إلى بيئة إعلامية حرة وآمنة للصحفيين، وهو الإعلان الذي يُحتفل بذكراه في اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 أيار)[6].
4. قرارات مجلس الأمن الدولي: مثل القرار 1738 (2006)، الذي يدعو إلى حماية الصحفيين في مناطق النزاعات المسلحة، ويؤكد أنهم يُعتبرون مدنيين يجب حمايتهم بموجب القانون الدولي الإنساني[7].
تُلزم هذه الاتفاقيات الدول الأعضاء، بما فيها العراق، بتوفير بيئة آمنة للصحفيين، وضمان حقهم في الوصول إلى المعلومات ونشرها دون خوف من الانتقام. لكن الواقع العراقي يُظهر فجوة كبيرة بين هذه الالتزامات والتطبيق العملي.
ثالثاً : حرية التعبير في الدستور العراقي
يُعتبر الدستور العراقي لعام 2005 إطارًا قانونيًا يُكرس مبادئ حرية التعبير وحقوق الصحفيين. تشمل المواد المتعلقة بهذا المجال:
1. المادة 38: تكفل حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وحرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر، وحرية التجمع والتظاهر السلمي، شريطة ألا تخل بالنظام العام والآداب العامة[8].
2. المادة 36: تؤكد على حرية الاتصال والمراسلات البريدية والهاتفية والإلكترونية، وتحظر انتهاكها إلا بقرار قضائي[9].
3. المادة 13: تنص على أن أحكام الدستور تُعد القانون الأعلى، ولا يجوز سن أي قانون يتعارض معها[10].
رغم هذه النصوص الدستورية، فإن تطبيقها يواجه عقبات، حيث يتعرض الصحفيون لانتهاكات من قبل جهات رسمية وغير رسمية، بما في ذلك الاعتداءات، الاعتقالات، وإغلاق المؤسسات الإعلامية[11].
رابعاً : القوانين العراقية المتعلقة بالصحافة
تتضمن التشريعات العراقية قوانين تهدف إلى تنظيم العمل الصحفي وحماية الصحفيين، لكن بعضها يُستخدم لتقييد حريتهم:
1. قانون حماية الصحفيين (2011): يهدف إلى توفير الحماية الأمنية للصحفيين وضمان حقوقهم، ويُلزم الجهات الحكومية بتسهيل عملهم. لكنه يتضمن فقرات مبهمة، مثل اشتراط الكشف عن مصادر المعلومات في حالات غير محددة، مما أثار انتقادات نقابة الصحفيين العراقيين[12].
2. قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 (المعدل): يحتوي على مواد تُستخدم ضد الصحفيين، مثل تجريم "القذف والتشهير"، والتي تُفسر بطريقة فضفاضة لملاحقة الصحفيين الذين ينتقدون المسؤولين[13].
3. قانون حق الحصول على المعلومات: شرع هذا القانون في إقليم كردستان العراق، ويُعتبر نموذجًا إيجابيًا لتسهيل عمل الصحفيين، لكنه غير مطبق بفعالية [14].
تشير تقارير منظمات دولية، مثل "مراسلون بلا حدود"، إلى أن هذه القوانين لا توفر الحماية الكافية، بل تُستخدم أحيانًا لتقييد حرية الصحافة. في عام 2022، تراجع العراق إلى المرتبة 172 في مؤشر حرية الصحافة العالمي، مقارنة بالمرتبة 163 في 2021، مما يعكس تدهور البيئة الإعلامية[15].
خامساً : التحديات التي تواجه الصحفيين العراقيين
على الرغم من النصوص القانونية الدولية والوطنية ، يواجه الصحفيون العراقيون تحديات خطيرة:
1. الانتهاكات والعنف: منذ عام 2003، قُتل أكثر من 360 صحفيًا وإعلاميًا في العراق، مما يجعله من أخطر البلدان للعمل الصحفي. في عام 2017، سجل المرصد العراقي للحريات الصحفية مقتل 21 صحفيًا خلال عام واحد[16].
2. الإفلات من العقاب: تُعد ظاهرة الإفلات من العقاب إحدى أكبر العقبات، حيث نادرًا ما يُحاسب مرتكبو الجرائم ضد الصحفيين، مما يشجع على تكرار الانتهاكات[17].
3. الرقابة والضغوط السياسية: تُمارس الأحزاب السياسية والجهات الحكومية ضغوطًا على المؤسسات الإعلامية، بما في ذلك إغلاق مكاتب قنوات فضائية وملاحقة صحفيين بتهم مبهمة[18].
4. التحديات الاقتصادية: يعاني الصحفيون من ظروف عمل صعبة، بما في ذلك انخفاض الأجور وغياب الدعم الحكومي، مما يؤثر على استقلاليتهم[19].
سادساً : التوصيات
لتحسين وضع الصحافة العراقية وحماية حقوق الصحفيين، يُقترح ما يلي:
1. تعديل القوانين العراقية، مثل قانون العقوبات، لتتماشى مع المادة 38 من الدستور والالتزامات الدولية، مع إلغاء النصوص التي تُستخدم لتقييد حرية التعبير.
2. ضمان محاسبة مرتكبي الانتهاكات ضد الصحفيين.
3. تشريع قانون حق الحصول على المعلومات على المستوى الوطني لتسهيل عمل الصحفيين وفق الإتفاقيات الدولية والحقوق والحريات في الدستور .
4. توفير برامج تدريبية للصحفيين لتعزيز مهاراتهم المهنية وحمايتهم من التهديدات.
5. دعم المؤسسات الإعلامية المستقلة اقتصاديًا لضمان استمراريتها واستقلاليتها،كذلك دعم الصحفيين في مجال الحق في السكن والصحة والتعليم العالي والضمان الاجتماعي.
خاتمة
يُمثل عيد الصحافة العراقية فرصة للاحتفاء بإرث الصحافة العراقية العريق، ولكنه أيضاً تذكير بالتحديات التي تواجه الصحفيين. على الرغم من التزام العراق بالاتفاقيات الدولية والنصوص الدستورية التي تكفل حرية التعبير وحقوق الصحفيين، فإن الواقع يُظهر انتهاكات متكررة وغياباً للحماية الفعلية. يتطلب تحسين البيئة الإعلامية إصلاحات تشريعية، محاسبة عادلة، ودعم مجتمعي وحكومي للصحافة المستقلة. فقط من خلال هذه الخطوات يمكن للصحافة العراقية أن تُواصل دورها كركيزة للديمقراطية ونقل الحقيقة.
الهوامش
[1] ويكيبيديا، (تاريخ الصحافة العراقية)، https://ar.wikipedia.org/wiki/تاريخ_الصحافة_العراقية
[2] موقع (جريدةالوقائع العراقية ).
[3] فائق بطي، (الموسوعة الصحفية).
[4] الأمم المتحدة، (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)، https://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights/
[5] الأمم المتحدة، (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)، https://www.ohchr.org/ar/instruments-mechanisms/instruments/international-covenant-civil-and-political-rights
[6] اليونسكو، "إعلان ويندهوك"، https://www.unesco.org/en/days/world-press-freedom
[7] مجلس الأمن الدولي، "القرار 1738"، https://www.un.org/en/ga/search/view_doc.asp?symbol=S/RES/1738(2006)
[8] دستور جمهورية العراق 2005، المادة 38، https://www.constituteproject.org/constitution/Iraq_2005_ar
[9] دستور جمهورية العراق 2005، المادة 36.
[10] دستور جمهورية العراق 2005، المادة 13.
[11] مرصد الحريات الصحفية، (حرية الصحافة في الدستور العراقي)، https://www.jfoiraq.org
[12] رويترز، (تعديلات على مشروع قانون عراقي لحماية الصحافة)، https://www.reuters.com/article/2009/07/31/idUSAR939604
[13] الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين، تقرير 2017، نقلاً عن https://annabaa.org
[14] الجزيرة نت، (نظرة العناصر الأمنية في العراق للصحفي )، https://www.aljazeera.net
[15] مراسلون بلا حدود، (مؤشر حرية الصحافة 2022(، https://rsf.org/en/index
[16] المرصد العراقي للحريات الصحفية، تقرير 2017، https://annabaa.org
[17] دياري محمد، مركز ميترو للدفاع عن حرية الصحافة، نقلاً عن الجزيرة نت.
[18] زياد السنجري، نقلاً عن الجزيرة نت، https://www.aljazeera.net/news/2022/5/3
[19] كفاح حسن، نقلاً عن الجزيرة نت.
#سرود
#سرود_محمود_شاكر (هاشتاغ)
Surd_Mahmooed_Shakir#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟