سرود محمود شاكر
باحث في مجال حقوق الإنسان ومدرب معتمد دولي
(Surd Mahmooed Shakir)
الحوار المتمدن-العدد: 8382 - 2025 / 6 / 23 - 19:17
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
مقدمة
يُحيي العالم في 26 حزيران من كل عام اليوم العالمي لمكافحة إساءة استعمال المخدرات والاتجار غير المشروع بها، وهو مناسبة أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 42/112 في 7 كانون الأول 1987، بهدف تعزيز التعاون الدولي لمواجهة آفة المخدرات والمؤثرات العقلية[1]. يسلط هذا اليوم الضوء على التحديات التي تفرضها المخدرات على الصحة العامة، الأمن الوطني، والتنمية المستدامة، مع التركيز على الوقاية والعلاج المبنيين على العلم واحترام حقوق الإنسان. تستعرض هذه المقالة رؤية الأمم المتحدة، الاتفاقيات الدولية، الاستراتيجيات العالمية، والجهود الوطنية في العراق في مكافحة هذه الظاهرة، مع الإشارة إلى قانون المخدرات والمؤثرات العقلية العراقي رقم 50 لسنة 2017.
رؤية الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات
تؤكد الأمم المتحدة أن مشكلة المخدرات العالمية تشكل تهديدًا كبيرًا للصحة العامة، السلامة، والتنمية المستدامة، خاصة بين الشباب[2]. تركز رؤيتها على تحقيق مجتمع دولي خالٍ من إساءة استعمال المخدرات من خلال سياسات قائمة على العلم، البحث، والتعاطف، مع احترام حقوق الإنسان. في عام 2025، من المتوقع أن تستمر الأمم المتحدة في التركيز على الوقاية كأداة أساسية، مع تعزيز التعاون بين الدول والمجتمعات للحد من الطلب والعرض على المخدرات[3]. كما تدعو إلى معالجة الوصمة الاجتماعية ضد المدمنين، وتطوير برامج علاجية وتأهيلية شاملة.
الاتفاقيات الدولية لمكافحة المخدرات
تُشكل الاتفاقيات الدولية الثلاث الرئيسية التي أُبرمت تحت رعاية الأمم المتحدة أساس النظام العالمي لمراقبة المخدرات[4]. وهي:
1. الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لعام 1961 (معدلة ببروتوكول 1972): تهدف إلى تنظيم إنتاج وتوزيع المخدرات لأغراض طبية وعلمية فقط، مع مكافحة الاتجار غير المشروع[5].
2. اتفاقية المؤثرات العقلية لعام 1971: تركز على مراقبة المواد المؤثرة عقليًا مثل الأمفيتامينات والبنزوديازيبينات، مع ضمان توفرها للأغراض الطبية[6].
3. اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لعام 1988: تتضمن تدابير لمكافحة غسل الأموال، مراقبة السلائف الكيميائية، وتسليم المجرمين[7].
تُشرف لجنة الأمم المتحدة للمخدرات، التي أُنشئت عام 1946، والهيئة الدولية لمراقبة المخدرات على تنفيذ هذه الاتفاقيات[8]. وقد أسهمت في إنشاء إطار قانوني عالمي يلزم الدول بتجريم الاتجار غير المشروع وتعزيز التعاون الدولي.
الاستراتيجيات الدولية لمكافحة المخدرات
تعتمد الاستراتيجيات الدولية على نهج شامل ومتوازن يجمع بين تقليل العرض والطلب على المخدرات، مع تعزيز العلاج والوقاية. تشمل هذه الاستراتيجيات:
1. تقليل العرض: من خلال مراقبة السلائف الكيميائية، مكافحة الاتجار غير المشروع، وتدمير المحاصيل غير القانونية[9].
2. تقليل الطلب: عبر برامج التوعية، التثقيف الصحي، وتطوير برامج الوقاية الموجهة للشباب[10].
3.العلاج والتأهيل: توفير خدمات علاجية قائمة على الأدلة العلمية، مع التركيز على إعادة إدماج المدمنين في المجتمع[11].
4. احترام حقوق الإنسان: التأكيد على معاملة المدمنين كمرضى يحتاجون إلى العلاج بدلاً من العقوبات القاسية[12].
في عام 2016، اعتمدت الجمعية العامة وثيقة الدورة الاستثنائية (UNGASS) التي أكدت على أهمية نهج متوازن يركز على الصحة العامة وحقوق الإنسان[13]. كما شددت على الحاجة إلى معالجة التحديات الناشئة مثل المخدرات الاصطناعية والمواد المؤثرة عقليًا الجديدة.
الجهود العراقية في مكافحة المخدرات
يواجه العراق تحديات كبيرة في مكافحة المخدرات، خاصة بعد عام 2003، حيث تفاقمت الظاهرة بسبب ضعف الأنظمة الأمنية، البطالة، والفقر[14]. استجابة لهذه التحديات، اتخذت الحكومة العراقية إجراءات قانونية وحكومية لمواجهة الظاهرة.
قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017
يُعد قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017 من أبرز التشريعات العراقية لمكافحة هذه الآفة. يهدف القانون إلى[15]:
1. التصدي لانتشار المخدرات والاتجار غير المشروع بها.
2. منع زراعة النباتات المخدرة أو الحد منها.
3. فرض عقوبات رادعة على المتاجرين والمروجين، بما في ذلك الإعدام والسجن المؤبد (المادة 27).
4. تنظيم استخدام المخدرات للأغراض الطبية والعلمية (المادة 9).
يُعرف القانون المخدرات بأنها "كل مادة طبيعية أو تركيبية مدرجة في الجداول الملحقة به"، ويحدد عقوبات صارمة للمتورطين في الاتجار، بينما يوفر إطارًا لمعالجة المدمنين[16].
الإجراءات الحكومية والقانونية
أنشأت الحكومة العراقية عام 2004 مكتب المخدرات المركزي في بغداد، ومديرية عامة لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية بموجب قانون 2017، بهدف تنسيق الجهود الأمنية وملاحقة المتورطين[17]. كما تُجري الحكومة حملات توعية لتثقيف المجتمع بمخاطر المخدرات، بالتعاون مع منظمات دولية مثل مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
معالجة المدمنين
تُعامل الحكومة العراقية المدمنين كمرضى يحتاجون إلى علاج، وفقًا لقانون 2017، حيث توفر مراكز تأهيل محدودة، وتسعى لإعادة إدماجهم في المجتمع[18]. ومع ذلك، تواجه هذه الجهود تحديات مثل نقص التمويل، قلة المراكز المتخصصة، والوصمة الاجتماعية.
توصيات لتعزيز مكافحة المخدرات مع التركيز على العراق
استنادًا إلى رؤية الأمم المتحدة، الخبرات الدولية، والتحديات المحلية في العراق، يمكن اقتراح التوصيات التالية لتعزيز مكافحة المخدرات على المستويين العالمي والمحلي:
1. تعزيز التعاون الدولي والإقليمي: يجب على العراق تعزيز التعاون مع الدول المجاورة ومنظمات مثل مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) لتبادل المعلومات الاستخبارية حول شبكات الاتجار، خاصة عبر الحدود مع دول مثل إيران وسوريا، التي تُعد ممرات رئيسية لتهريب المخدرات[19]. يمكن تحقيق ذلك من خلال توقيع اتفاقيات ثنائية وتفعيل دور الإنتربول.
2. تطوير برامج وقاية قائمة على الأدلة العلمية: يُوصى بتصميم حملات توعية تستهدف الشباب في المدارس والجامعات العراقية، مع التركيز على المناطق الريفية والمحرومة التي تُعد أكثر عرضة لانتشار المخدرات[20]. يمكن لوزارة التربية والتعليم العالي التعاون مع منظمات المجتمع المدني لدمج برامج التثقيف الصحي في المناهج الدراسية.
3. توسيع مراكز العلاج والتأهيل: يعاني العراق من نقص حاد في مراكز علاج الإدمان، حيث لا يتجاوز عددها 10 مراكز في عموم البلاد حتى عام 2023[21]. يُوصى بتخصيص ميزانيات حكومية لإنشاء مراكز تأهيلية متخصصة في المحافظات، مع توفير كوادر طبية مدربة وبرامج علاجية قائمة على الأدلة، مثل العلاج السلوكي المعرفي.
4. إصلاح السياسات العقابية: بينما يفرض قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017 عقوبات صارمة على المتاجرين، يُوصى بتعديل القانون لتخفيف العقوبات على المدمنين غير المتورطين في الاتجار، وتوجيههم نحو العلاج بدلاً من السجن، بما يتماشى مع نهج الأمم المتحدة المبني على حقوق الإنسان[22].
5. مراقبة تكنولوجيا الاتصالات: نظرًا لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات مثل تليغرام في ترويج المخدرات في العراق[23]، يُوصى بتطوير وحدات أمنية متخصصة في المراقبة السيبرانية، مع التعاون مع شركات التكنولوجيا العالمية للحد من هذه الأنشطة.
6. تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية: يرتبط انتشار المخدرات في العراق بعوامل مثل البطالة والفقر[24]. يُوصى بتطوير برامج اقتصادية لتوفير فرص عمل للشباب، خاصة في المناطق المتضررة من الصراعات، للحد من جاذبية الانخراط في تجارة المخدرات.
7. تفعيل دور المجتمع المدني والزعامات المحلية: يمكن للمنظمات غير الحكومية والزعامات العشائرية وعلماء الدين في العراق لعب دور رئيسي في التوعية ومكافحة الوصمة الاجتماعية ضد المدمنين. يُوصى بدعم هذه الجهود من خلال تمويل مشاريع مجتمعية وتدريب القادة المحليين على استراتيجيات الوقاية.
الخاتمة
يُمثل اليوم العالمي لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية فرصة لتجديد الالتزام العالمي والمحلي بمواجهة هذه الآفة. من خلال رؤية الأمم المتحدة، الاتفاقيات الدولية، والاستراتيجيات الشاملة، يمكن تحقيق تقدم كبير نحو مجتمع خالٍ من إساءة استعمال المخدرات. في العراق، يُظهر قانون المخدرات رقم 50 لسنة 2017 والجهود الحكومية التزامًا بمكافحة الظاهرة، لكن هناك حاجة إلى تعزيز برامج الوقاية والعلاج وتخصيص موارد كافية. يتطلب النجاح تضافر الجهود بين الحكومات، المجتمعات، والمنظمات الدولية لتحقيق عالم أكثر أمانًا وصحة.
المصادر
1. United Nations, General Assembly Resolution 42/112, 7 December 1987.
2. United Nations, International Day Against Drug Abuse and Illicit Trafficking, https://www.un.org.
3. UNODC, World Drug Report 2023, https://www.unodc.org.
4. United Nations, Background Information on Drugs, https://www.un.org.
5. Single Convention on Narcotic Drugs, 1961, as amended by the 1972 Protocol.
6. Convention on Psychotropic Substances, 1971.
7. United Nations Convention Against Illicit Traffic in Narcotic Drugs and Psychotropic Substances, 1988.
8. United Nations, Commission on Narcotic Drugs, https://www.un.org.
9. UNODC, Global Strategy to Reduce Illicit Drug Supply, https://www.unodc.org.
10. UNODC, Prevention Strategies, https://www.unodc.org.
11. WHO, Treatment of Substance Use Disorders, https://www.who.int.
12. OHCHR, Drug Policies and Human Rights, https://www.ohchr.org.
13. UN General Assembly, Outcome Document of UNGASS 2016, https://www.un.org.
14. Al-Shammari, J., “Drugs in the Iraqi Law,” Rafidain Center for Strategic Dialogue, 2022.
15. Iraqi Law on Narcotics and Psychotropic Substances, No. 50 of 2017, Iraqi Official Gazette, No. 4446, 8 May 2017.
16. Ibid.
17. Iraqi Ministry of Interior, Drug Control -dir-ectorate, https://www.moi.gov.iq.
18. UNODC, Drug Treatment in Iraq, https://www.unodc.org.
19. UNODC, World Drug Report 2023, https://www.unodc.org.
20. Iraqi Ministry of Health, Drug Awareness Campaigns, https://www.moh.gov.iq, 2022.
21. Al-Shammari, J., “Challenges of Drug Rehabilitation in Iraq,” Rafidain Center for Strategic Dialogue, 2023.
22. OHCHR, Drug Policies and Human Rights, https://www.ohchr.org.
23. Iraqi Ministry of Interior, Cybersecurity and Drug Trafficking, https://www.moi.gov.iq, 2023.
24. UNODC, Drug Use and Socioeconomic Factors in Iraq, https://www.unodc.org, 2021.
#سرود
#سرود_محمود_شاكر (هاشتاغ)
Surd_Mahmooed_Shakir#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟