أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إسلام حافظ - في مملكة الرمل… حيث يُدار الخراب بأيدٍ ناعمة














المزيد.....

في مملكة الرمل… حيث يُدار الخراب بأيدٍ ناعمة


إسلام حافظ
كاتب وباحث مصري

(Eslam Hafez)


الحوار المتمدن-العدد: 8428 - 2025 / 8 / 8 - 00:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في زمنٍ تصاغ فيه الحروب في الغرف المكيّفة وتُدار بالتحكم عن بُعد، حيث يُعاد تشكيل الجغرافيا لا بالحبر على الخرائط، بل بالدم على الأرض، يقف السودان اليوم لا على حافة هاوية، بل في قاعها العميق، تتقاذفه الأيادي العابثة، وتنهشه أنياب المصالح الأجنبية، وتُحاك حوله المؤامرات كما تُنسج خيوط العنكبوت… ناعمة، صامتة، قاتلة.
وفي صدارة هذه الأيادي، تمتد يد دولةٍ لا تملك من مقومات الحضارة إلا ما صنعه المال، ولا من مظاهر الهيبة إلا ما رسمته أجهزة العلاقات العامة… إنها دولة الإمارات العربية المتحدة، تلك الإمارة المترفة التي تحوّلت من سوق صغيرة إلى لاعب إقليمي خطير، لا بالشرعية ولا بالحكمة، بل بالمال والعمالة والرهانات الدموية.

ليست الحرب السودانية مجرد اقتتال داخلي بين جنرالين طامحين إلى العرش، كما تسوّق كثير من التحليلات السطحية، بل هي في جوهرها انعكاس لصراع نفوذ متعدد الرؤوس، تُدار فيه المعارك على الأرض، وتُصاغ قرارات الموت من الخارج. لا مجال هنا للتبسيط ولا للتغافل.
ففي عمق هذا الصراع، تحضر الإمارات كفاعلٍ خفيٍّ بوجهٍ دبلوماسي، لكن بيدٍ ملطّخة بالدم، تُشعل الحرائق خلف ستار “الحياد”، وتنفث السم على هيئة “مساعدات”، وتُلبس التدخل لباس الإنسانية، بينما تسلّح المليشيات، وتُموّل المرتزقة، وتبني قواعدها على دماء الأبرياء.

لقد بات من المعروف والمُوثَّق أن الإمارات كانت وما زالت الراعي الأول لقوات الدعم السريع، تلك المليشيا التي نمت في ظلِّ التساهل الدولي والتواطؤ الإقليمي، حتى صارت دولة داخل الدولة، تتحرك بأموال الخارج، وتبطش بأمر الخارج، وتنفذ أجندات لا تمت للسودان بصلة إلا بحجم الضرر الذي تخلّفه.

منذ اندلاع الحرب، سُجّلت عشرات الرحلات الجوية المشبوهة، التي أقلعت من الأراضي الإماراتية، أو مرّت عبرها، لتحطّ في مطارات تخضع لسيطرة الدعم السريع، حاملةً في جوفها شحنات الموت: أسلحة، ذخائر، أجهزة مراقبة، وأحيانًا مرتزقة من كولومبيا وتشاد وليبيا. كل هذا تمّ تحت مظلة "الدعم اللوجستي" و"الاحتياجات الأمنية"، وكأن تدمير وطن بأكمله بات مسألة خدمات أمنية عابرة.

وحين تسيل الدماء، ويتصاعد الدخان، وتغرق الجنينة والخرطوم ومروي في أهوال المذابح، تخرج علينا أبوظبي ببيانات باهتة باردة، تتحدث عن “ضرورة التهدئة”، و”أهمية الحوار”، بينما هي في الحقيقة من يحرّك الخيوط من بعيد، ويغذّي طرفًا دون آخر، ويغلق باب الحل السياسي كلما اقترب من التحقق.

والسؤال العالق في حناجر السودانيين: لماذا تفعل الإمارات ذلك؟ ما الذي يدفع دولةً تبعد آلاف الكيلومترات، وليس لها حدود مشتركة ولا مصالح تجارية كبرى، إلى هذا الحجم من التورط في النزاع السوداني؟

الجواب ببساطة: النفوذ والسيطرة والاستثمار في الفوضى.

السودان بالنسبة للإمارات ليس سوى رقعة جيوسياسية بالغة الأهمية: بلد شاسع، مليء بالموارد، يطلّ على البحر الأحمر، ويملك حدودًا مشتركة مع دولٍ تعاني من هشاشة سياسية مزمنة، مما يجعله بوابةً لتثبيت النفوذ الإقليمي الإماراتي، وتفكيك ما تبقى من الدولة الوطنية في المنطقة.

إن أبوظبي لا تبحث عن حلفاء أقوياء، بل عن وكلاء مطيعين. لا تفضّل الدول المستقرة، بل الكيانات المجزأة التي يسهل شراؤها وتوجيهها. من ليبيا إلى اليمن، ومن الصومال إلى السودان، كانت استراتيجية الإمارات واضحة: زعزعة مراكز القوة التقليدية، وصناعة أمراء حرب يمكن التحكّم بهم.

ولكن الكارثة لا تتجسد فقط في تورط الإمارات، بل في صمت كثير من النخب السودانية، وتقصير الحركات المدنية والثورية في فضح هذا الدور المخزي على الساحة الدولية. كان يُفترض أن تتحوّل هذه التدخلات إلى قضية مركزية في الخطاب الثوري، لكنها ضاعت في زحام الأيديولوجيات، وغرقت في مستنقع التنظير العقيم.

بدلًا من أن يتوحد الناشطون السودانيون على خطاب وطني يُدين التدخل الإماراتي، ويُصعّده في كل منبر ومؤسسة وهيئة دولية، انشغلوا بتبادل الاتهامات بين "كوز" و"شيوعي"، و"يساري" و"ليبرالي"، و"علماني" و"إسلامي"، حتى بدا وكأن المعركة الحقيقية في عقول البعض هي مع رفاق الميدان، لا مع ممولي القتل.

ما نفع التنظير الثوري إن لم يُحاكِ الواقع؟
وما قيمة الصراخ حول الديمقراطية إن كان السكوت هو سيد الموقف حين تُذبح المدن؟
كيف يمكن أن نتحدث عن مشروع وطني، في ظلِّ صمت شبه جماعي عن أخطر تدخل خارجي في البلاد منذ الاستعمار؟

لقد تراجعت القضية السودانية على الأجندة الدولية، لا لأن الدماء قليلة، بل لأن الصوت ضعيف، والشتات أقوى من التضامن، والانشغال بالتكتيك غلب الوعي الاستراتيجي. هذا الفشل، الذي لا يمكن تبريره بثقل المعركة أو وحشية الأطراف المتحاربة، هو فشل نخبٍ اختارت الفرقة بدل الوحدة، وأهدرت فرصة بناء خطاب موحّد يُحاصر الممولين، ويُعرّي المتدخلين.

نعم، نحن نواجه مشروعًا كبيرًا. الإمارات ليست مجرد ممول، بل دولة تمتلك أدوات إعلامية، وأذرعًا استخباراتية، وتحالفات دولية. لكن الصمت في حضرة الجريمة مشاركة، والغفلة خيانة، والتقصير لا يغتفر. والمقاومة تبدأ بالكلمة، ثم بالفكرة، ثم بالتحرك الممنهج لكسر الحصار على الرواية السودانية.

لقد آن أوان الخروج من صغائر الخلاف، والاصطفاف في معركة الوطن، لا معركة الإيديولوجيا. آن للنشطاء أن يدركوا أن صمتهم يمنح الغزاة غطاءً، وأن تهاونهم في مواجهة المشروع الإماراتي يفتح الباب لتكرار النموذج في مدن وولايات أخرى.

فليُكتب هذا الدور بحبر الغضب، ولتُفضح الإمارات كما هي: دولة وظيفية، تستثمر في الخراب، وتُتاجر بالموت، وتُبني مجدها على أنقاض الشعوب.

وليعلم من سكت، أنه شريك، ولو بكلمة واحدة لم تُقال.



#إسلام_حافظ_عبد_السلام (هاشتاغ)       Eslam_Hafez#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -مصر... الجرح الذي أحببناه-
- -حين يصبح الإنسان خبراً عابراً-
- -ميزان الإنسان في عالم بلا ميزان-
- نزيف خلف القضبان
- الفاجومي: شاعر لم يركع وكلمة لا تموت
- من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -4/10-
- من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -3/10-
- من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -2/10-
- -من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -1/10-
- الإمارات والسودان: كيف ساهم المال والسلاح في تمزيق وطن؟
- البلشي صوت المقاومة في وجه دولة القمع
- ٦ ابريل من شرارة الغضب الي قلب الثورة
- العيد جانا والمعتقلين مش معانا
- مصر بين القمع السياسي والانهيار الاقتصادي: شعبٌ يدفع الثمن و ...
- معاوية مؤسس الاستبداد الأول في تاريخ الإسلام
- -رمضان في السجون المصرية: آلاف المعتقلين بين القهر والحرمان-
- مجزرة الدفاع الجوي: عشر سنوات على الجريمة والعدالة الغائبة
- مذبحة بورسعيد.. جريمة العسكر التي لن يغفرها التاريخ
- -المنفى وطنٌ من رماد-
- إضراب ليلي سويف: صرخة أمٍّ في وجه الظلم


المزيد.....




- مصر.. صورة مبنى -ملهوش لازمة- تشعل سجالا واستشهادا بهدم كنيس ...
- حصري لـCNN.. نجمة يوتيوب -السيدة راشيل- ترد على انتقادات دعم ...
- في إيران.. بحرينية تستكشف كهفًا ينبت فيه الشَّعر احتار العلم ...
- إسرائيل تقرّ خطة للسيطرة على مدينة غزة
- الولايات المتحدة تزيد مكافأة القبض على مادورو إلى 50 مليون د ...
- -قمة سلام تاريخية-.. ترامب يستضيف زعيمي أرمينيا وأذربيجان
- قفزة نوعية في الذكاء الاصطناعي.. أوبن إيه آي تطلق التحديث ا ...
- -كمين- في ريف بنسلفانيا.. مسلح يقتل جارته ويصيب شرطيين
- لماذ يقلل الخبراء الروس من أهمية لقاء بوتين-ويتكوف في موسكو؟ ...
- لماذا يكره -نبي الجغرافيا- أميركا وأوروبا إلى هذا الحد؟


المزيد.....

- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إسلام حافظ - في مملكة الرمل… حيث يُدار الخراب بأيدٍ ناعمة