أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إسلام حافظ - من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -2/10-















المزيد.....

من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -2/10-


إسلام حافظ
كاتب وباحث مصري

(Eslam Hafez)


الحوار المتمدن-العدد: 8334 - 2025 / 5 / 6 - 17:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"البشير وحكم الفرد: دولة الجنرال الواحد".

في عام 1989، وعقب الانقلاب العسكري الذي قاده عمر البشير بدعم من حركة الإخوان المسلمين، بدأ السودان رحلة تحول عميقة نحو حكم الفرد، حيث أصبح النظام يعتمد بشكل كبير على الجيش الذي بات يتبني ايدلوجية اخوانية واضحة وصريحة و كذلك الأجهزة الأمنية التي أُعيد تشكيلها وتعزيزها لتثبيت سلطة البشير. ومنذ البداية، كان البشير مدعومًا من قبل جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت تشكل ركيزة أساسية في تقوية النظام، لكنه سرعان ما قام بتقوية قبضته على السلطة من خلال إعطاء الجيش والأجهزة الأمنية دورًا رئيسيًا في إدارة الدولة، ما جعل السودان يتجه نحو نظام حكم شبه عسكري استبدادي، حيث أصبحت القوة العسكرية هي العنصر الحاسم في إدارة الدولة.

كان البشير على دراية بأن الحفاظ على استقرار حكمه يتطلب وجود قوة عسكرية موالية، وبالتالي فقد عمل على تفكيك الأجهزة الحكومية وإعادة هيكلتها لصالح "التمكين"، وهو مصطلح استخدمه النظام للإشارة إلى عملية دمج الإخوان المسلمين والمجتمع العسكري في المؤسسات الحكومية. هذا "التمكين" كان يتضمن تعيين أتباعه في المناصب العسكرية والوزارية الرئيسية، فضلاً عن منحهم السيطرة على المشاريع الاقتصادية الكبرى. وطبقًا لتقرير صادر عن "مؤسسة الشفافية السودانية" عام 2016، كانت القوات المسلحة السودانية تسيطر على حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من خلال شركات مملوكة للمؤسسة العسكرية. كما كانت الشركات المملوكة للجيش تهيمن على قطاعات مثل النفط، والزراعة، والمصارف، مما جعل الاقتصاد السوداني في قبضة العسكر وأتباعهم، وهو ما أضعف القطاع المدني وجعل النظام أكثر استبداديًا.

لعل أبرز ما شهدته السنوات الأولى لحكم البشير كان استخدامه للأجهزة الأمنية والعسكرية لتوطيد سلطته، حيث أصبح جهاز الأمن الوطني السوداني حجر الزاوية في حكمه. تأسس هذا الجهاز على أساس من الولاءات الشخصية والعسكرية، ما جعله أداة قوية في قمع المعارضة. في هذا السياق، يمكن الإشارة إلى دور اللواء صلاح قوش، الذي تم تعيينه مديرًا لجهاز الأمن الوطني السوداني في عام 2004. قوش كان معروفًا بكونه أحد أبرز القادة العسكريين الذين ساعدوا البشير في تعزيز سيطرته على الدولة من خلال التوسع في استخدام الأساليب القمعية ضد المعارضين.

كان البشير أيضًا على دراية بأن الحرب في دارفور تمثل تهديدًا كبيرًا لحكمه، ولذلك فقد تبنى استراتيجية مزدوجة، حيث قام بتشكيل ميليشيات محلية تحت اسم "الجنجويد" في بداية النزاع في دارفور في عام 2003. هذه الميليشيات كانت متحالفة مع الجيش السوداني، وقد تميزت باستخدام أساليب العنف المفرط ضد المدنيين في المنطقة. وقد أسفرت هذه الحملة عن مقتل ما يزيد عن 300,000 شخص وتشريد أكثر من 2.5 مليون آخرين وفقًا لتقارير الأمم المتحدة. ومع مرور الوقت، أصبح حميدتي، أحد قادة هذه الميليشيات، شخصية محورية في هذا التحالف، حيث أعاد هيكلة "الجنجويد" تحت اسم "قوات الدعم السريع"، وهي ميليشيا شبه عسكرية كانت تحت سيطرته، وأصبحت القوة المسلحة الرئيسة التي يعتمد عليها البشير.

من جهة أخرى، لا يمكن إغفال دور الدعم الاقتصادي الذي حصل عليه النظام من دول أخرى، وخاصة من دول الخليج مثل السعودية والإمارات. ففي عام 1999، حصل السودان على قرض بمقدار 1.6 مليار دولار من البنك الإسلامي للتنمية، وهو ما ساعد في استمرارية النظام في مواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه من قبل المجتمع الدولي. كما أرسلت السعودية والإمارات مساعدات عسكرية واقتصادية لدعم النظام، مما ساعد البشير على صمود حكمه رغم الانتقادات الواسعة من المنظمات الحقوقية والدول الغربية. ولكن في ذات الوقت، فإن الشعب السوداني كان يعاني من الفقر المدقع بسبب الفساد المستشري، حيث بلغت نسبة الفقر في السودان أكثر من 46% من إجمالي السكان وفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة لعام 2018.

هذا الواقع الاقتصادي المرير كان يتفاقم نتيجة هيمنة الجيش على الاقتصاد. فقد بلغ حجم الديون الخارجية على السودان حوالي 56 مليار دولار في عام 2018، وهو ما يمثل حوالي 180% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وتسبب التضخم المرتفع في تدهور القدرة الشرائية للمواطن السوداني، حيث سجل معدل التضخم في السودان حوالي 72% في عام 2018، وفقًا لبيانات البنك المركزي السوداني. ومع نقص الاحتياطات النقدية الأجنبية، شهدت البلاد أزمة حادة في توفير السلع الأساسية مثل الوقود والخبز، وهو ما أدى إلى زيادة الاحتجاجات الشعبية في العديد من المدن السودانية.

أما بالنسبة لقوات الدعم السريع، فقد أصبحت في عهد البشير القوة العسكرية الأكثر قوة، حيث تجاوزت قوتها العسكرية العشرات من الآلاف من الجنود، وأصبح لها تواجد قوي في معظم مناطق النزاع في السودان، خاصة في دارفور وكردفان والنيل الأزرق. وقد استخدمت قوات الدعم السريع في القضاء علي فئة بعينها في دارفور الاثنيات من قبائل الفور كحرب عنصرية واضحة وصريحة وارتكبت هناك العديد من المجازر والاغتصابات وكان لها ايضا دور كبير في فض اعتصام القيادة العامة في الخرطوم في يونيو 2019، حيث قتل المئات من المتظاهرين في مجزرة مروعة. هذه الحملة الوحشية ضد المدنيين تركت بصمة واضحة في التاريخ السوداني، حيث وثقت منظمات حقوق الإنسان ما يقرب من 200 حالة وفاة وجرح المئات خلال الأيام الأولى من فض الاعتصام.

في النهاية، فإن النظام الذي أسسه البشير لم يكن مجرد نظام عسكري تقليدي، بل كان نظامًا عنصريا بأمتياز مدعوم من جماعة الاخوان المسلمين يعتمد على تحالفات مع قوى أمنية وعسكرية محلية ودولية، ويستغل موارد الدولة لدعم بقائه في السلطة. وفي الوقت الذي كان فيه السودان يعاني من حالة فقر شديدة وارتفاع معدلات التضخم، كان النظام العسكري يبني إمبراطورية اقتصادية ضخمة تحت سيطرة الجيش والمحاسيب، مما جعل النظام غير قادر على توفير احتياجات شعبه الأساسية.

تجسد هذه الحقائق والأرقام مدى هيمنة الجيش والأجهزة الأمنية على الدولة السودانية في عهد البشير، وكيف ساهمت هذه الهيمنة في إضعاف المؤسسات المدنية وزيادة الفجوة بين الشعب والنظام الحاكم.

يتبع...



#إسلام_حافظ (هاشتاغ)       Eslam_Hafez#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -1/10-
- الإمارات والسودان: كيف ساهم المال والسلاح في تمزيق وطن؟
- البلشي صوت المقاومة في وجه دولة القمع
- ٦ ابريل من شرارة الغضب الي قلب الثورة
- العيد جانا والمعتقلين مش معانا
- مصر بين القمع السياسي والانهيار الاقتصادي: شعبٌ يدفع الثمن و ...
- معاوية مؤسس الاستبداد الأول في تاريخ الإسلام
- -رمضان في السجون المصرية: آلاف المعتقلين بين القهر والحرمان-
- مجزرة الدفاع الجوي: عشر سنوات على الجريمة والعدالة الغائبة
- مذبحة بورسعيد.. جريمة العسكر التي لن يغفرها التاريخ
- -المنفى وطنٌ من رماد-
- إضراب ليلي سويف: صرخة أمٍّ في وجه الظلم
- 25 يناير: أنشودة الحرية التي لا تموت
- -عصر السيسي الذهبي للنساء: أكذوبة تُخفي القمع والاستغلال-
- -القمع خلف ستار التحرر: معتقلات المنازل ومعاناة المرأة السعو ...
- -نظام السيسي: شعارات للبرمجة وقمع للحرية... مصر تحتضر في ظل ...
- إحنا بتوع التحرير..!
- -الظلم لا يدوم... وصوت الحق أقوى من السجون-
- نظام السيسي: استغلال الضرائب لتكريس الفشل الاقتصادي
- -2024: عام القمع والإخفاء القسري في مصر-


المزيد.....




- مصر.. طلبات إحاطة بشأن شكاوى من وقود السيارات.. والحكومة: -م ...
- الرئاسة التركية: أردوغان وترامب اتفقا على بذل جهود مشتركة من ...
- مصر.. تحرك حكومي بعد شكاوى جماعية من انتشار -وقود مغشوش- بال ...
- مقتل فتاة إثر هجوم على ملهيين في دمشق
- مستأجرون متخوفون.. ما هي التعديلات المرتقبة على قانون الإيجا ...
- إغلاق مطارات في موسكو بعد هجوم أوكراني بعشرات المسيّرات
- إسرائيل تخرج مطار صنعاء الدولي عن الخدمة بشكل كامل بعد هجوم ...
- أكبر ثلاثة أحزاب في ألمانيا توقع على اتفاقية تشكيل ائتلاف حك ...
- غرق العشرات قبالة سواحل تونس وسط أزمة مهاجرين عالقين بالبلاد ...
- أوكرانيا.. تعديل جديد في نظام التجنيد أثناء التعبئة


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إسلام حافظ - من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -2/10-