أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إسلام حافظ - -من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -1/10-















المزيد.....

-من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -1/10-


إسلام حافظ
كاتب وباحث مصري

(Eslam Hafez)


الحوار المتمدن-العدد: 8333 - 2025 / 5 / 5 - 18:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في البدء...

هذه سلسلة من عشرة مقالات تهدف إلى تفكيك الجذور العميقة للحرب السودانية الحالية، بعيدًا عن العناوين العريضة والخطاب الإعلامي السطحي. ما يجري في السودان ليس مجرد صراع بين جنرالين، ولا حتى أزمة عابرة يمكن احتواؤها بالمفاوضات التقليدية. بل هو نتيجة لتراكمات سياسية وأمنية واقتصادية ودينية امتدت لعقود، بدأت منذ لحظة اختطاف الدولة السودانية من قبل الإسلاميين في انقلاب عام 1989، ومرت عبر محطات معقدة من التمكين والفساد والتفكيك الممنهج للمؤسسات.

هذه المقالات لا تُكتب من موقع الحياد الزائف، ولا تتعامل مع الأطراف المتصارعة باعتبارهم مجرد "خلاف داخل البيت العسكري"، بل تسعى إلى الكشف، والمساءلة، والربط بين الأسباب والنتائج، كما تسعى لوضع الحرب ضمن سياقها التاريخي الكامل. فالفهم الحقيقي لأي جحيم يتطلب النظر جيدًا في الجذور التي نبت منها.

نبدأ هنا بـالمقال الأول: الإرث المسموم – كيف مهدت حركة الإخوان للحرب؟

في عام 1989، شهد السودان حدثًا غير مجرى التاريخ في البلاد: انقلاب عسكري بقيادة عمر البشير، الذي جاء بدعم من حركة الإخوان المسلمين. كانت الحملة الدعائية التي رافقت الانقلاب تصور البشير كمنقذ، يحمل في يديه "الإسلام هو الحل". في الواقع، لم يكن هذا سوى غطاء لفرض نظام عسكري خضع فيه كل شيء تقريبًا لأجندة الجماعة الإسلامية التي تسيطر على مفاصل الدولة.

البشير لم يكن مجرد ضابط جيش سعى للوصول إلى السلطة، بل كان أداة مثالية لتنفيذ مشروع الإخوان الذي بدأ بتفكيك الدولة السودانية لصالح حركة الإسلام السياسي. عملية التمكين التي بدأها الإخوان في السودان لم تكن مجرد مسألة توظيف أتباعهم في مناصب مهمة، بل كانت بمثابة إعادة تشكيل الدولة من الداخل وفقًا للمصالح الحزبية. الجيش والأمن كانت أول المؤسسات التي استهدفتها حركة الإخوان، حيث تم تعيين أعداد كبيرة من أتباعهم في أعلى المناصب العسكرية والأمنية.

بدأت الحركة في وضع يدها على المفاصل الرئيسية للدولة، حيث أصبح المناصب السياسية العليا محجوزة فقط لمن ينتمون إلى جماعتهم. وهذا شمل توليهم وظائف قيادية في جهاز الأمن، الشرطة، والجيش، بالإضافة إلى فرض سيطرتهم على القطاع الاقتصادي عبر التعيينات المباشرة في مؤسسات مالية حساسة. كانت هذه المرحلة هي بداية تشييد دولة الإخوان، التي تعتمد على أسس غير قانونية تسعى لإبقاء السلطة في يد قلة، بغض النظر عن الكفاءة أو الولاء للوطن.

السيطرة على الجيش والأمن

لم يكن الأمر يقتصر على تعيين الأعضاء في المناصب الحكومية فحسب، بل كان هناك تغيير جذري في العقيدة العسكرية والأمنية. الجيش السوداني، الذي كان يتسم سابقًا بالكفاءة والاستقلالية، بدأ يتحول إلى أداة للتمكين السياسي. تم تدريبه على فكرة الدفاع عن النظام الإخواني بدلاً من الدفاع عن الوطن. هذا التحول في الولاء جعل من الجيش جهازًا لا يقتصر دوره على الحفاظ على الأمن الداخلي فقط، بل أصبح جزءًا من الأيديولوجيا السياسية التي تسعى جماعة الإخوان إلى نشرها.

كما أن الأجهزة الأمنية، مثل جهاز المخابرات، أصبحت في يد الإخوان تمامًا. لا يُسمح لأي شخص بالوصول إلى المناصب الحساسة في الدولة إلا إذا كان من أتباعهم أو من الموالين لهم، ما أتاح لهم التحكم المطلق في مفاصل الدولة وحياة المواطنين. وكان لهذا الهيمنة تأثير طويل المدى على أي محاولات لتغيير أو إصلاح النظام.

الحرب الأهلية واستغلال الدين

في ظل هذا الانقلاب الذي لم يكن يهدف إلا إلى التمكين للحركة الإسلامية، بدأ السودان في الانزلاق نحو الحروب الأهلية. فبدلاً من بناء دولة موحدة، قام النظام بتشجيع فكرة الاقتتال الداخلي عبر عدة ميليشيات استخدمها النظام ضد معارضيه. بدأت الأمور بالتدهور في مناطق مثل دارفور، حيث قام النظام الإخواني بتأجيج الصراعات القبلية وتوظيف الميليشيات المسلحة لصالح أجنداتهم السياسية. أبرز هذه الميليشيات كانت قوات الدفاع الشعبي، التي كانت تشبه ما يعرف بالـ"جيش الموازي"، وهي ميليشيا مدعومة من النظام للإبقاء على السيطرة على المناطق الخارجة عن سيطرته.

كانت الميليشيات جزءًا من سياسة التقسيم، حيث أن حركة الإخوان استهدفت جعل السودان دولة منقسمة في داخلها، سواء على أسس عرقية أو دينية. هذا النوع من الفوضى كان يهدف إلى إضعاف أي مقاومة قد تواجه حكمهم الاستبدادي، بل وإضعاف الهوية الوطنية السودانية نفسها.

التسلح وتكوين الجيش الموازي

موازاةً لذلك، بدأ البشير في تأسيس قوات موازية مثل الدعم السريع، والتي كانت في البداية مجرد ميليشيا محلية تُستخدم في مواجهة حركات التمرد، لكنها سرعان ما تحولت إلى قوة مستقلة تحت قيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي أصبح واحدًا من أبرز الشخصيات العسكرية في السودان. كانت هذه القوات تُمثل السلاح غير الرسمي الذي يستخدمه النظام لتأمين بقائه في السلطة، وجعلها قوة لا تقهر.

كان من الواضح أن البشير لم يكن يثق في الجيش الوطني الرسمي، بل كان يرى أن الاعتماد على ميليشيات موازية هو الطريق الوحيد لحماية حكمه. ومع مرور الوقت، أصبح الدعم السريع ليس مجرد قوة موازية، بل كان الذراع الطولى للنظام في قمع التمردات في دارفور وغيرها من المناطق المضطربة، ثم امتدت سلطتها لتشمل التأثير في العاصمة الخرطوم نفسها.

اقتصاد الإخوان والتجارة غير المشروعة

لم يكن الأمر مقتصرًا على السياسة والأمن فقط، بل كان هناك بعد آخر وهو الاقتصاد السوداني، الذي أصبح تحت سيطرة الإخوان. من خلال شبكة معقدة من العلاقات التجارية مع شركات محلية ودولية، كان النظام يوزع المناقصات الحكومية على الشركات الموالية له فقط. هذه الشركات كانت تحصل على عقود مشبوهة، سواء في مجال النفط أو الموارد المعدنية أو حتى في الأسواق السودانية. وفي المقابل، كانت الحكومة توفر لهم حماية سياسية وتجارية مقابل الولاء السياسي.

بهذه الطريقة، بدأ الاقتصاد السوداني ينهار تدريجيًا تحت وطأة الفساد والمحسوبية، وأصبح القطاع الخاص مجرد امتداد لنظام الإخوان. وقد أدى هذا إلى زيادة الاحتقان الشعبي وانتشار الشعور بالظلم الاجتماعي، ما ساعد في إشعال نار الثورة في 2019.

النظام الإخواني وأدوات القمع:

كانت الدولة الأمنية هي السمة الرئيسية لهذا النظام، حيث كان الجيش والأمن يمتلكان سيطرة تامة على البلاد. وأصبح الشعب السوداني يعيش تحت تهديد دائم من الأجهزة الأمنية التي تلاحقه وتمنعه من التعبير عن رأيه بحرية. وكانت الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والتصفية الجسدية، جزءًا من أسلوب حياة يومي للمواطنين. لم يكن النظام الإخواني في السودان فقط نظامًا استبداديًا، بل كان نظامًا أمنيًا بامتياز، يعتمد على القمع والتخويف للحفاظ على سلطته.
يتبع....



#إسلام_حافظ (هاشتاغ)       Eslam_Hafez#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإمارات والسودان: كيف ساهم المال والسلاح في تمزيق وطن؟
- البلشي صوت المقاومة في وجه دولة القمع
- ٦ ابريل من شرارة الغضب الي قلب الثورة
- العيد جانا والمعتقلين مش معانا
- مصر بين القمع السياسي والانهيار الاقتصادي: شعبٌ يدفع الثمن و ...
- معاوية مؤسس الاستبداد الأول في تاريخ الإسلام
- -رمضان في السجون المصرية: آلاف المعتقلين بين القهر والحرمان-
- مجزرة الدفاع الجوي: عشر سنوات على الجريمة والعدالة الغائبة
- مذبحة بورسعيد.. جريمة العسكر التي لن يغفرها التاريخ
- -المنفى وطنٌ من رماد-
- إضراب ليلي سويف: صرخة أمٍّ في وجه الظلم
- 25 يناير: أنشودة الحرية التي لا تموت
- -عصر السيسي الذهبي للنساء: أكذوبة تُخفي القمع والاستغلال-
- -القمع خلف ستار التحرر: معتقلات المنازل ومعاناة المرأة السعو ...
- -نظام السيسي: شعارات للبرمجة وقمع للحرية... مصر تحتضر في ظل ...
- إحنا بتوع التحرير..!
- -الظلم لا يدوم... وصوت الحق أقوى من السجون-
- نظام السيسي: استغلال الضرائب لتكريس الفشل الاقتصادي
- -2024: عام القمع والإخفاء القسري في مصر-
- رسالة الي الوالي..


المزيد.....




- توجيه تهمة -السلوك الجنسي الإجرامي- لشرطي أمريكي اعتدى على ط ...
- مصر.. أول رد رسمي بعد موجة شكاوى قائدي السيارات من جودة الوق ...
- أسباب الفشل الإسرائيلي للتصدي لصاروخ حوثي باليستي استهدف مطا ...
- التلفزيون الجزائري يصف الإمارات بـ-الدويلة المصطنعة- بعد حدي ...
- العدل ترفض دعوى ضد الإمارات والحكومة السودانية تجدد اتهاماته ...
- حكومة نتنياهو تهدد حماس بـ-عربات جدعون- إذا لم تقبل بشروط إس ...
- قوات الدعم السريع تستهدف بورتسودان
- الشرطة الإسرائيلية تعلن إحباط محاولة تهريب أسلحة من الأردن
- ترامب يهاجم الديمقراطيين ويتهمهم بمحاولة عزله
- الجالية الروسية في تونس تحيي عيد النصر


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إسلام حافظ - -من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -1/10-