أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إسلام حافظ - الإمارات والسودان: كيف ساهم المال والسلاح في تمزيق وطن؟














المزيد.....

الإمارات والسودان: كيف ساهم المال والسلاح في تمزيق وطن؟


إسلام حافظ
كاتب وباحث مصري

(Eslam Hafez)


الحوار المتمدن-العدد: 8332 - 2025 / 5 / 4 - 16:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ اندلاع الحرب السودانية في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تحولت البلاد إلى ساحة للدمار الشامل، ومع تصاعد وتيرة العنف، بات من الواضح أن هناك أطرافًا خارجية تلعب دورًا محورياً في تأجيج النزاع، وعلى رأس هذه الأطراف دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تثار حولها شبهات متزايدة بشأن دعمها العسكري واللوجستي لقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي". هذا الدور لم يعد مجرد اتهام سياسي، بل تدعمه تقارير استخباراتية دولية وصحفية وتحقيقات استقصائية تثبت تورط أبوظبي في تسليح وتمويل طرف في نزاع دموي، أدى إلى مقتل الآلاف وتشريد الملايين وتهديد وحدة الدولة السودانية بالكامل.

لقد كشفت تقارير استخباراتية غربية، بما في ذلك تحقيقات نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال ووكالة رويترز، عن مسارات دعم خفي من الإمارات إلى قوات الدعم السريع، تمثلت في إرسال معدات عسكرية وأسلحة عبر قواعد في تشاد وليبيا، بالتعاون مع أطراف محلية موالية لحميدتي. وتشير صور الأقمار الصناعية إلى نشاط مشبوه في قواعد جوية في غرب السودان وشمال تشاد، حيث يُعتقد أن طائرات إماراتية قامت بإنزال شحنات عسكرية لدعم قوات الدعم السريع، رغم نفي أبوظبي المتكرر لذلك.

الدعم الإماراتي لا يقتصر فقط على التسليح، بل يمتد إلى الدعم المالي واللوجستي. فحميدتي، الذي راكم ثروات طائلة من تجارة الذهب غير المشروعة، كان لسنوات طويلة مرتبطاً بشركات إماراتية تتولى شراء الذهب السوداني بشروط مجحفة، ثم يُنقل عبر طائرات خاصة إلى دبي حيث يُعاد تصديره، بما يحرم السودان من عائدات ضخمة كانت يمكن أن تساهم في إعادة بناء اقتصاده. علاقة حميدتي بالإمارات تمتد أيضاً إلى الدعم السياسي، حيث حاولت أبوظبي تقديمه للعالم بوصفه الرجل القوي القادر على حفظ الاستقرار، رغم مسؤوليته عن مذابح سابقة، أبرزها مجزرة فض الاعتصام في الخرطوم عام 2019.

إن ما يحدث في السودان اليوم ليس مجرد حرب أهلية عشوائية، بل هو نتيجة مباشرة لتدخلات خارجية أنعشت الميليشيات، وقوّضت المؤسسات، ودفعت البلاد نحو سيناريوهات التفكك والتدويل. ومع كل يوم يمر، تزداد الكارثة الإنسانية تفاقمًا: أكثر من 10 ملايين نازح داخلي وخارجي، آلاف القتلى والمفقودين، انهيار كامل للبنية التحتية في ولايات دارفور والخرطوم والجزيرة، مجاعات وأوبئة، وجرائم تطهير عرقي واغتصاب موثقة في غرب السودان، كل ذلك تحت سمع وبصر العالم.

في المقابل، تكتفي القوى الدولية ببيانات القلق والدعوات للتهدئة، دون أي مساءلة جدية للجهات التي تموّل وتسلّح أحد أطراف النزاع. الأمم المتحدة وثّقت جرائم مروعة نُسبت لقوات الدعم السريع، ومع ذلك لم نر أي عقوبات دولية فعالة تُفرض على الدول الداعمة، بما فيها الإمارات. هذه الازدواجية في المعايير تكشف خللاً جوهريًا في النظام الدولي، الذي يسمح لدولة صغيرة ذات طموحات توسعية أن تعبث بأمن دولة كبرى مثل السودان، دون أن تُحاسب.

لكن لا يكفي أن نصف حجم الكارثة، بل يجب أن نطرح حلولًا واقعية يمكن أن تفتح باباً نحو الخلاص. بداية، يجب أن يكون هناك موقف دولي واضح يطالب بوقف فوري لتدفق السلاح إلى الأطراف المتحاربة، مع فرض رقابة دولية صارمة على الحدود التي تُستخدم لنقل الأسلحة، وفرض عقوبات صارمة على الأفراد والشركات المتورطة في تمويل الحرب. كما يجب على المجتمع الدولي، خصوصاً الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، أن يقودا مسارًا تفاوضيًا جديدًا يستبعد أمراء الحرب، ويُشرك القوى المدنية الحقيقية، ممثلة في لجان المقاومة والنقابات والمنظمات المهنية، باعتبارها القوى الوحيدة التي لم تتورط في النزاع المسلح.

داخليًا، لا بد من التوافق على مشروع وطني يعيد بناء الدولة السودانية على أسس ديمقراطية، فيدرالية، تعددية، تضمن تمثيل كل الأقاليم المهمشة، وتفكك البنى الميليشياوية التي ترعرعت في ظل أنظمة عسكرية سابقة. كما أن من الضروري إعادة هيكلة الجيش السوداني ليكون جيشاً قومياً موحداً تحت سلطة مدنية، مع نزع سلاح جميع الفصائل والميليشيات.

أما عن الإمارات، فيجب أن تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والسياسية، وأن تخضع لضغط دولي حقيقي يُجبرها على التوقف عن دعم الميليشيات في المنطقة، لا في السودان فقط، بل أيضاً في ليبيا واليمن وغيرها. فسياسة شراء النفوذ عبر دعم القوى غير الرسمية أثبتت فشلها في تحقيق الاستقرار، بل تسببت في فوضى ممتدة، لا تنفك نتائجها ترتد حتى على الدول الراعية لها.

إن تدمير السودان لن يكون مجرد مأساة قطرية، بل سيكون جرحاً مفتوحاً في قلب القارة، ومصدراً دائماً لعدم الاستقرار في المنطقة العربية والأفريقية. مسؤولية إنقاذه لا تقع على السودانيين وحدهم، بل على كل من يزعم احترامه للقانون الدولي وحقوق الإنسان. وبدلاً من تمويل الحرب، يجب أن يُموّل السلام. وبدلاً من دعم الدمار، يجب أن تُدعم المؤسسات المدنية والتنموية. وإلا، فإننا نكون قد سلّمنا السودان، البلد العريق ذو التاريخ العميق، إلى طغمة من أمراء الحرب وداعميهم، لينزف حتى الموت.



#إسلام_حافظ (هاشتاغ)       Eslam_Hafez#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البلشي صوت المقاومة في وجه دولة القمع
- ٦ ابريل من شرارة الغضب الي قلب الثورة
- العيد جانا والمعتقلين مش معانا
- مصر بين القمع السياسي والانهيار الاقتصادي: شعبٌ يدفع الثمن و ...
- معاوية مؤسس الاستبداد الأول في تاريخ الإسلام
- -رمضان في السجون المصرية: آلاف المعتقلين بين القهر والحرمان-
- مجزرة الدفاع الجوي: عشر سنوات على الجريمة والعدالة الغائبة
- مذبحة بورسعيد.. جريمة العسكر التي لن يغفرها التاريخ
- -المنفى وطنٌ من رماد-
- إضراب ليلي سويف: صرخة أمٍّ في وجه الظلم
- 25 يناير: أنشودة الحرية التي لا تموت
- -عصر السيسي الذهبي للنساء: أكذوبة تُخفي القمع والاستغلال-
- -القمع خلف ستار التحرر: معتقلات المنازل ومعاناة المرأة السعو ...
- -نظام السيسي: شعارات للبرمجة وقمع للحرية... مصر تحتضر في ظل ...
- إحنا بتوع التحرير..!
- -الظلم لا يدوم... وصوت الحق أقوى من السجون-
- نظام السيسي: استغلال الضرائب لتكريس الفشل الاقتصادي
- -2024: عام القمع والإخفاء القسري في مصر-
- رسالة الي الوالي..
- ثورة يناير: الحلم الذي لن يموت


المزيد.....




- زيادة كبيرة.. مصر تستقبل 3.9 مليون سائح خلال أول 3 شهور من 2 ...
- السودان: ما دلالات استهداف الدعم السريع لقاعدة جوية في بورتس ...
- أوكرانيا: إصابة 11 شخصًا في هجوم روسي بطائرات مُسيرة على كيي ...
- الكرادلة يدخلون مرحلة الصمت الانتخابي قبيل انعقاد المجمع الم ...
- المحادثات النووية مع أمريكا - شكوك وأمل لدى المعارضة الإيران ...
- الجيش السوداني يعرض أسلحة غنمها من الدعم
- مصر.. الكشف عن قضية فساد تضم 16 مسؤولا حكوميا
- -سرايا القدس- تعرض مشاهد تفجير عدد من آليات الجيش الإسرائيلي ...
- نتنياهو يتوعد بشن -المزيد من الضربات- على اليمن
- غزة.. 65 ألف طفل مهددون بالموت جوعا


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إسلام حافظ - الإمارات والسودان: كيف ساهم المال والسلاح في تمزيق وطن؟