أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إسلام حافظ - من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -3/10-















المزيد.....

من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -3/10-


إسلام حافظ
كاتب وباحث مصري

(Eslam Hafez)


الحوار المتمدن-العدد: 8336 - 2025 / 5 / 8 - 20:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"الثورة السودانية: لحظة الأمل الموءود"

في ديسمبر 2018، بدأت الاحتجاجات الشعبية في السودان بشكل غير متوقع، لتسجل بداية مرحلة حاسمة في تاريخ البلاد. كانت المظاهرات في البداية تعبيرًا عن غضب شعبي نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة التي عانى منها المواطن السوداني. فوفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي، كانت معدلات التضخم في السودان قد وصلت إلى 70% بنهاية 2018، وكان هذا الرقم مؤشرًا واضحًا على الوضع الاقتصادي المتدهور. تسببت هذه الأزمات الاقتصادية في حدوث نقص حاد في السلع الأساسية مثل الخبز والوقود، مما دفع الشعب للخروج إلى الشوارع للمطالبة بتغيير حقيقي.

تُظهر إحصائيات منظمة العفو الدولية أن الاحتجاجات التي اندلعت في ديسمبر 2018 كانت قد اجتاحت 16 ولاية سودانية من أصل 18، مما يعكس حجم السخط الشعبي الذي كان يعم البلاد. في البداية، كانت الاحتجاجات تقتصر على مدن مثل عطبرة والخرطوم، ولكنها سرعان ما انتشرت لتشمل معظم أنحاء البلاد، بما في ذلك أقاليم دارفور وكردفان، اللتين تعانيان من تدهور أمني واقتصادي.

على الرغم من أن الاحتجاجات بدأت في البداية من أجل رفع الدعم عن الوقود والخبز، إلا أن مطالبها توسعت بسرعة لتشمل رحيل الرئيس عمر البشير، الذي حكم السودان بقبضة حديدية طوال 30 عامًا. في 22 ديسمبر 2018، انتشرت الدعوات لتوسيع المظاهرات والمطالبة برحيل البشير، حيث خرج الآلاف إلى الشوارع في جميع أنحاء السودان.

وفقًا لإحصائيات لجنة أطباء السودان المركزية، قُتل 40 شخصًا على الأقل في الأسابيع الأولى من الاحتجاجات نتيجة القمع الأمني العنيف، فيما تم اعتقال أكثر من 8000 شخص. وعُرف عن قوات الأمن السودانية استخدامها المفرط للقوة، حيث كانت القوات الحكومية تستخدم الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين، ما أسفر عن سقوط قتلى ومصابين، فضلاً عن إطلاق الغاز المسيل للدموع بشكل مكثف.

في 11 أبريل 2019، وبعد أشهر من الاحتجاجات، قررت القوات المسلحة السودانية التدخل للإطاحة بالبشير، وفي خطوة مفاجئة، أعلن الجيش عن الإطاحة به وتشكيل مجلس عسكري انتقالي. بينما رحب الكثيرون بسقوط البشير، كان هناك قلق شعبي من أن الجيش قد يواصل السيطرة على السلطة، ولا سيما أن الجيش نفسه كان جزءًا أساسيًا من النظام الاستبدادي الذي كان يترأسه البشير.

ورغم أن الجيش أعلن عن تشكيل حكومة مدنية مكونة من قوى المعارضة، كان هناك شكوك كبيرة حول رغبة الجيش في تسليم السلطة بالكامل للمدنيين. في هذه الفترة، أصبح تحالف "الحرية والتغيير" الذي جمع قوى المعارضة والمجتمع المدني هو القوة الرئيسية التي كانت تطالب بتسليم السلطة بالكامل للحكومة المدنية.

مظاهرات الاعتصام أمام قيادة الجيش في الخرطوم، والتي استمرت لأكثر من شهرين، كانت أحد أبرز الأحداث في هذه الفترة. فوفقًا لـ تقرير الأمم المتحدة، تواجد أكثر من 100 ألف متظاهر في ساحة الاعتصام، مطالبين بتشكيل حكومة مدنية. ومع تصاعد الضغوط، بدأ المجلس العسكري الانتقالي والمجلس المدني في التفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق سياسي يقود البلاد نحو حكومة مدنية.

لكن، وفي خطوة أثارت غضب الشارع، قامت قوات الأمن في 3 يونيو 2019 بفض الاعتصام بالقوة، في عملية قمعية وصفت بأنها "مجزرة" على نطاق واسع. بحسب تقارير منظمة العفو الدولية، بلغ عدد القتلى في فض الاعتصام نحو 128 شخصًا، بالإضافة إلى مئات الجرحى. وكان من بين القتلى العشرات من النساء والشباب الذين كانوا يشكلون جزءًا أساسيًا من الحراك الشعبي. كما أن تقارير لجنة أطباء السودان أكدت أن العديد من المعتصمين تم إعدامهم بشكل ميداني، ما أثار غضبًا شعبيًا كبيرًا وأدى إلى زيادة التوترات بين المدنيين والعسكريين.

بعد فض الاعتصام، تدخلت الوساطات الإقليمية والدولية لضمان استئناف المفاوضات بين العسكريين والمدنيين. في 17 يوليو 2019، تم التوصل إلى اتفاق تاريخي بين المجلس العسكري الانتقالي و"الحرية والتغيير"، تم بموجبه تشكيل مجلس السيادة المؤلف من 11 عضوًا، حيث كان نصف الأعضاء من العسكريين والنصف الآخر من المدنيين. ومع ذلك، كان هذا الاتفاق محل جدل واسع، إذ اعتبرت بعض القوى المدنية أنه كان مجرد حل مؤقت لصالح العسكريين، وهو ما أثار مخاوف من أن يكون هذا الاتفاق مجرد تكتيك للحفاظ على نفوذ الجيش في المشهد السياسي.

على الرغم من تشكيل مجلس السيادة، استمرت الخلافات بين المدنيين والعسكريين حول الكثير من القضايا، مثل دور الجيش في السياسة، والرقابة على المخابرات، وإصلاح القطاع الأمني. كما أن العلاقة بين البرهان، رئيس مجلس السيادة العسكري، وحميدتي، نائب رئيس المجلس، كانت محكومة بتوازن دقيق من المصالح العسكرية، ما انعكس سلبًا على استقرار الحكم.

في سبتمبر 2020، وبعد أشهر من المفاوضات، تم التوصل إلى اتفاق جوبا للسلام بين الحكومة السودانية وعدد من الحركات المسلحة في دارفور وكردفان. ورغم أن هذا الاتفاق كان يُعد خطوة هامة نحو تحقيق السلام، إلا أن هناك العديد من التحديات التي كانت تحيط به، حيث كانت هناك العديد من المجموعات التي لم توقع على الاتفاق، مما يعني أن الأوضاع في العديد من المناطق كانت لا تزال مضطربة.

رغم آمال السودانيين في الانتقال الديمقراطي، لم تنتهِ التحديات، إذ أن معظم مشاكل البلاد كانت مرتبطة بصراع طويل بين القوى العسكرية والمدنية. في أكتوبر 2021، اندلعت أزمة جديدة عندما قرر البرهان حل الحكومة المدنية بقيادة عبد الله حمدوك، ما أدى إلى انتكاسة كبيرة في مسار الانتقال الديمقراطي.

ختامًا، يمكن القول إن الثورة السودانية كانت لحظة أمل كبيرة، لكنها سرعان ما تحولت إلى لحظة موؤودة، حيث كانت التحديات السياسية والعسكرية التي نشأت بعد سقوط البشير تعكس صعوبة الوصول إلى الديمقراطية في ظل وجود قوى عسكرية قوية وتمكين واضح وصارخ للأخوان المسلمين وسيطرتها علي كل مفاصل الدولة ومعارضة مجتمعية قسمة. ورغم هذه الصعوبات، يبقى الأمل في بناء دولة ديمقراطية مستقرة في السودان قائمًا، ولكن بعد أن يدرك الجميع أن الانتقال ليس مجرد تغيير للنظام، بل تغيير في العقلية والنظام السياسي نفسه.
يتبع..



#إسلام_حافظ (هاشتاغ)       Eslam_Hafez#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -2/10-
- -من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -1/10-
- الإمارات والسودان: كيف ساهم المال والسلاح في تمزيق وطن؟
- البلشي صوت المقاومة في وجه دولة القمع
- ٦ ابريل من شرارة الغضب الي قلب الثورة
- العيد جانا والمعتقلين مش معانا
- مصر بين القمع السياسي والانهيار الاقتصادي: شعبٌ يدفع الثمن و ...
- معاوية مؤسس الاستبداد الأول في تاريخ الإسلام
- -رمضان في السجون المصرية: آلاف المعتقلين بين القهر والحرمان-
- مجزرة الدفاع الجوي: عشر سنوات على الجريمة والعدالة الغائبة
- مذبحة بورسعيد.. جريمة العسكر التي لن يغفرها التاريخ
- -المنفى وطنٌ من رماد-
- إضراب ليلي سويف: صرخة أمٍّ في وجه الظلم
- 25 يناير: أنشودة الحرية التي لا تموت
- -عصر السيسي الذهبي للنساء: أكذوبة تُخفي القمع والاستغلال-
- -القمع خلف ستار التحرر: معتقلات المنازل ومعاناة المرأة السعو ...
- -نظام السيسي: شعارات للبرمجة وقمع للحرية... مصر تحتضر في ظل ...
- إحنا بتوع التحرير..!
- -الظلم لا يدوم... وصوت الحق أقوى من السجون-
- نظام السيسي: استغلال الضرائب لتكريس الفشل الاقتصادي


المزيد.....




- لحظة ظهور البابا الجديد من شرفة كاتدرائية القديس بطرس على وق ...
- الكلمة الأولى للبابا الجديد روبرت فرنسيس بريفوست بعد انتخابه ...
- هل غيرت Google تسمية الخليج من -الفارسي- إلى -العربي-؟
- انتخاب روبرت بريفوست كأول أمريكي في التاريخ بابا للفاتيكان
- بعد لقائه مع ماكرون..الشرع يعلن عن مفاوضات غير مباشرة مع إسر ...
- 8 مايو 1945: -مجازر الجزائريين التي ترفض فرنسا تحمّل مسؤوليت ...
- انفجارات عنيفة تضرب مطار مدينة جامو بكشمير الهندية
- -8 ماي 1945-: فيما يحتفي العالم بـ -عيد النصر-.. الجزائر تست ...
- مجلس النواب الفرنسي يصوّت على قانون جديد لمكافحة معاداة السا ...
- أوشاكوف: روسيا والولايات المتحدة تعملان على عقد لقاء ثنائي ب ...


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إسلام حافظ - من البشير إلى البرهان وحميدتي: حكاية وطن مختطف -3/10-