تحليل نقدي للتقرير الوطني الطوعي الثالث للعراق: بين الإنجازات والتحديات الجوهرية

سهام يوسف علي

الحوار المتمدن-العدد: 8415 - 2025 / 7 / 26 - 13:54
المحور: الادارة و الاقتصاد
    

يقدم التقرير الطوعي الوطني للعراق لعام 2025 قراءة متوازنة إلى حد ما لواقع التنمية المستدامة في البلاد، حيث يسجل تقدماً ملحوظاً في بعض المؤشرات الكمية، لكنه يظل عاجزاً عن معالجة التحديات الهيكلية التي تعيق التحول التنموي الحقيقي. هذا التحليل ينطلق من قراءة نقدية موضوعية تستند إلى البيانات الواردة في التقرير مع وضعها في سياقها الأوسع.

على صعيد المؤشرات الإيجابية، يسجل التقرير تحسناً ملموساً في عدة مجالات. فقد انخفض معدل الفقر الوطني من 20.05% عام 2018 إلى 17.5% عام 2023، كما تراجع معدل البطالة من 16.5% إلى 13.5% خلال الفترة نفسها. في القطاع الصحي، ارتفع الإنفاق الحكومي من 2.0% إلى 2.2% من الناتج المحلي الإجمالي، مصحوباً بتحسن في بعض المؤشرات الصحية مثل زيادة متوسط العمر المتوقع من 71.4 سنة إلى 74.9 سنة بين 2019 و2023. كما تحسنت مؤشرات التعليم مع ارتفاع معدلات الالتحاق بالتعليم الأساسي والعالي.

لكن وراء هذه الأرقام الإيجابية، تكمن تحديات جوهرية تهدد استدامة هذا التقدم. فأولاً، التوزيع الجغرافي غير المتوازن للتنمية يظهر تفاوتات صارخة بين المحافظات، حيث تصل نسبة الفقر في المثنى إلى 43.6% مقابل 5.9% في أربيل. ثانياً، مؤشرات سوق العمل تكشف عن أزمة بطالة بين الشباب (25.4% للفئة العمرية 15-30 سنة) وفجوة جندرية عميقة (معدل مشاركة المرأة 10.6% فقط). ثالثاً، نسبة الإنفاق الصحي والتعليمي تظل دون المستويات الموصى بها دولياً، يُسجل التقرير تحسناً طفيفاً في مؤشرات الرعاية الصحية الأساسية، حيث ارتفع الإنفاق الصحي من 2.0% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2021 إلى 2.2% عام 2023. ومع ذلك، تبقى هذه النسبة متواضعةً مقارنةً بالمعايير الدولية، كما أنها غير كافية لتلبية احتياجات السكان المتزايدة. وقد انعكس هذا القصور في استمرار تدني جودة الخدمات الصحية ،و بلغت المدفوعات الشخصية للأسر إلى 78% من إجمالي الإنفاق الصحي، مما يزيد من العبء على الفقراء.، كما أن جودة الخدمات لم تشهد تحسناً متناسباً مع زيادة الموازنات.
اما في قطاع التعليم، فيظهر التقرير تحسناً في معدلات الالتحاق بالمدارس، لكنه يعترف باستمرار مشكلة الأمية التي تصل إلى 15.3% بين البالغين. واللافت أن الإنفاق على التعليم يبلغ 5.3% من الناتج المحلي، وهي نسبة أعلى من الصحة، لكنها تتركز بشكل كبير في الرواتب بدلاً من الاستثمار في البنية التحتية أو تحسين الجودة. كما تكشف البيانات عن فجوة واضحة بين الجنسين في سوق العمل، حيث تبلغ مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي 10.6% فقط مقابل 68% للرجال، مما يعكس استمرار العوائق الاجتماعية والاقتصادية التي تحد من تمكين المرأة.

على صعيد الفقر والبطالة، يسجل التقرير انخفاضاً في معدل الفقر من 20.05% عام 2018 إلى 17.5% عام 2023، لكنه يقر بوجود تفاوتات حادة بين المحافظات، حيث تصل النسبة إلى 43.6% في المثنى مقابل 5.9% في أربيل. أما البطالة فتبلغ 13.5% على المستوى الوطني، لكنها ترتفع إلى 25.4% بين الشباب (15-30 سنة)، وتصل إلى 28.2% بين النساء، مما يكشف عن أزمة توظيف حقيقية تهدد الاستقرار الاجتماعي.

في مجال الحوكمة، يظهر التقرير تحسناً في مؤشر مدركات الفساد (26 نقطة عام 2024)، لكن هذا التقدم يبقى غير كافٍ إذ ما زال العراق يحتل مرتبة متأخرة (المركز 140 عالمياً). كما أن التقرير يتجاهل إلى حد كبير قضية إصلاح الإدارة العامة وتعزيز الشفافية في إدارة الموارد العامة، التي تشكل شرطاً أساسياً لأي تنمية مستدامة حقيقية.

أما التحدي الأكبر الذي يتعامل معه التقرير بسطحية فهو أزمة المياه والبيئة. فالتقرير يذكر مشاريع مثل سد بخمة (بطاقة تخزين 14 مليار متر مكعب) دون تحليل أسباب تعطيلها لسنوات، كما لا يقدم رؤية استراتيجية لمواجهة تداعيات السدود التركية والإيرانية التي تهدد بتحويل العراق إلى صحراء بحلول 2040 وفق بعض التقديرات.
من الناحية المنهجية، يعاني التقرير من عدة قصور:
التركيز على المؤشرات الكمية دون تحليل عميق لجودة الخدمات وتأثيرها الحقيقي على المواطنين
1.عدم ربط الأهداف بآليات تمويل واضحة ومستدامة
2. غياب التحليل النقدي لفشل بعض السياسات السابقة
3. عدم معالجة جذرية لمسألة التنويع الاقتصادي والاعتماد على النفط
بشكل عام، يمكن القول إن التقرير يقدم صورة متفائلة عن مسيرة العراق نحو أهداف التنمية المستدامة، لكنه يفشل في تقديم تشخيص دقيق للتحديات الهيكلية التي تواجهها البلاد. التقدم المحرز، رغم أهميته، يبقى هشاً وعرضة للانتكاس في ظل غياب رؤية إصلاحية شاملة تعالج جذور المشكلات التنموية في العراق

#سهام_يوسف_علي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل