محمد رياض اسماعيل
باحث
(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)
الحوار المتمدن-العدد: 8411 - 2025 / 7 / 22 - 20:11
المحور:
تقنية المعلمومات و الكومبيوتر
حين نتناول الحديث عن السلامة الصناعية، يفترض ان يشمل هذا الحديث جميع المجالات التقنية، وهو موضوع واسع، ولكن في هذا المقال نحصر الموضوع في حرائق الأبنية والمنشئات الثابتة، فأرى ضرورة تصنيفها الى نوعين من الحرائق: اولها، حرائق لأسباب فنية، وثانيها لأسباب مقصودة او تخريبية اي بسبب فعل فاعل.
الاسباب التقنية،
نوجزها بشكل اساسي في التأسيسات الكهربائية واجهزة التكييف ومواصفات المعدات والاجهزة والمكائن والمحولات والبطاريات وما شاكلها من الاستخدامات في الابنية. يفترض تصميم الاجهزة والمكائن والمعدات للأبنية وفق مواصفات تلائم ظروف الاستخدام وظروف البيئة. ان التصميم يسبق وضع المواصفات، ففي ضوء التصاميم ويسبقها المسح الميداني الدقيق، توصف المعدات والأجهزة بما يناسب البيئة ومتطلبات الاحمال لمعدات وأجهزة ومكائن مكونات الابنية.
في العراق يوكل الكهربائي البسيط ذو المهارة العملية لتنفيذ التأسيسات بدون توكيل جهة هندسية مختصة لإجراء التصاميم والمصادقة عليها من قبل مهندس رب العمل (المقاول)، ليكون المكتب متضامنا في المسؤولية مع الجهة المنفذة للبناية. في خلال انتدابي خبيرا فنيا لشركة التامين الوطنية في كركوك لأعوام عدة في نهاية القرن المنصرم، وجدت اسبابا مختلفة للحرائق في الابنية والمنشئات، منها على سبيل المثال استخدام اسلاك كهربائية بأقطار صغيرة من مصدر التغذية الكهربائية لا تتناسب والحمل المربوط عليها، فمثلا سلك بقياس 1.5ملم مربعا يغذي من المصدر الى حمل يتجاوز 3 كيلواط على مسافة 30 متر، يستمر الحمل في العمل بفقدان جهد يتجاوز الحد المسموح بها في التأسيسات (3%) من جهد المصدر، وتيارا ضمن حدود سعة قاطع الدورة (25)امبير ولكن دون قدرة تحمل السلك أي يتجاوز المدى الأقصى لتحمله خصوصا اذا تأثر نوع الحمل بفقدان الجهد، فيسخن السلك ويذوب العازل وقد يتسبب في تسخين ما يحيط به من مواد ليشعل نارا فيها تمتد الى ما يجاورها ليسري النار الى الموجودات. وفي حالة اخرى وجدت مسخنة اسفلت قد انفجرت وحرقت كافة معدات المعمل والمكائن، وعلل صاحب معمل الاسفلت ذلك بضربة الصاعقة وطلب اعتبار ذلك قضاء وقدرا لا يمكن تفاديه، لينال بموجبه التعويض من الشركة، وعند كشفي للموقع والمعدات وقِطع المسخنة، وجدت ان مؤشر مقياس الضغط تعطل على اقصى حد للضغط المسموح به داخل حاوية الاسفلت، ووجدت المؤشر تجاوز الخط الاحمر كثيرا، وقمت بتدقيق كل المعدات والمكائن المحترقة وتتبع منشأ الحريق، والاجهزة التي انسلخت من جسد الحاوية تحت تأثير الضغط المتنامي داخلها، بالإضافة الى جهاز التنبيه والتحذير.. ووجدت السبب هو اهمال في المراقبة بعد فشل متحسس حرارة الحاوية من العمل واستمرار التسخين وارتفاع الضغط داخل الحاوية، واهمال جهاز التنبيه! وبعد التساؤل وسرد الوقائع والأدلة الفنية اعترف المشرف ان المناوب الليلي ذهب الى بيته لساعة واحدة (لتقديره مدة الاسالة خطئا) وعاد ليجد الكارثة. فلم يعوض مالك المعمل. وهنالك عشرات الحرائق تحصل بسبب عدم استخدام مواصفات مطابقة للتصاميم، فمثلا استخدام مقابس ومفاتيح كهربائية من النوع العادي في غرف البطاريات وليس من النوع المنيع عن اللهب! او دون السعة المطلوبة، او استخدام محركات بتصنيف حراري غير مناسب للتصميم في بيئة العمل من T1 الى T6 فحين يصل حرارة جسم المحرك الى درجة اتقاد البيئة الخطرة المحيطة به فسوف يسبب انفجار البيئة برمتها إن لم تكن ضمن التصنيف الصحيح الذي يتحوط لهكذا حالة، أضف الى ذلك ضرورة توصيف جودة لوحات التوزيع بدقة على ان تكون دوائر قصر مكوناتها لا يقل عن تيار القصر الكلي لمنظومة التجهيز الكهربائي حسب التصميم الأساسي، وتحدد مسافات سواعد التوزيع بشكل قياسي، ويمنع تغليف القضبان بالعوازل الاثيلينية كونها في الغالب هي سبب حرائق اللوحات.
عالج القانون المدني العراقي حرائق اجهزة التبريد والتكييف على انها جزء من المنشئ الثابت ومشمول بالضمان العشري على شاكلة ضمان عدم انهيار الأبنية لمدة عشرة سنوات، فذهب بالمسؤولية الكاملة على المقاول. ولكنها لم تتطرق الى التأسيسات الكهربائية وتركتها لتقديرات الخبراء، وكان حريا ان يشرع له مادة منفصلة للتضمين، كما ان المشرع العراقي غفل عن اشراك المهندس والمجهز والمنفذ والناقل والمشرف على المعدات في المسؤولية التضامنية، أي لم يساير تطور العصر والصناعة لإشراك من ذُكروا في المسؤولية عن متانة المنشئ. القانون العراقي لا يعاصر زمننا في كثير من أبواب عقود المقاولات، لا مجال لسرده في هذا المقال.
الاسباب الخارجية
وهناك اسباب خارجية مثل التخريب المتعمد ووضع العبوات الناسفة. يمكن التحكم بالمسببات الخارجية من خلال نظام مراقبة بالكاميرات وفرق الامن الوقائي التي تفترض ان تستخدم الاجهزة الحديثة للرقابة والوقاية الذاتية الرادعة انيا، فأنظمة الحماية الالكترونية تضطلع بها دول كثيرة، وقد حضرت دورة خاصة في جنوب افريقيا للتدرب على اساليب حماية خطوط انابيب نقل النفط والغاز، وهم استخدموا مثل تلك الحمايات في الحفاظ على ثروة بلادهم من جبال الذهب… وكانت تتألف من كاميرات ومستشعرات واجهزة تحليل بيانات لتحديد حالة الخرق ومن ثم معدات الردع لكل حالة تعمل ذاتيا وتقي البناية او الموجودات الثابتة بأساليب ودرجات مختلفة بحسب الحالة، فعلى سبيل المثال في حالة اختراق محرمات انبوب النفط يتصدى النظام للمخترقين أولا بالأسلاك المكهربة واذا تجاوزها المخترق فيتم التصدي من خلال نيران كثيفة تنطلق من فوهات (نوزالات) ذات مقادح نارية مرتبطة بنظام انابيب رفيعة تجري فيها زيت الغاز بدائرة مقفلة تعمل تحت ضغط عال، يعزز الضغط في النظام عند عمل النوزلات من خلال مضختين او ثلاث ليحافظ على الضغط التصميمي للمنظومة لمدد طويلة. ويسبق كل ذلك مرحلة الانذار وارسال الاشارات لفرق الحماية للتهيؤ والانقضاض على المخترقين. وفي طبيعة الحال يختلف اختيارات انواع الحماية بحسب طبيعة المنشاة المطلوبة حمايتها. وان كلفة هكذا حماية لا يتجاوز 0.01٪ من كلفة البناية او بمعنى اخر إذا كانت كلفة البناية مليار دينار فان كلفة الحماية الالكترونية في حدود 10 ملايين دينار او أكثر بقليل. كما يفترض توفير اجهزة التفتيش في مداخل الابنية العامة.
خلاصة ما نريد قوله، انه من الخطأ ان تقوم الدولة بإجراءات تعسفية بعد كل حادث بحق كل من هب ودب، وصلت الى 20 شخصا، والاجدر بها ان ترسي القيم العلمية والانظمة القياسية للإجراءات التنفيذية في وزارات الدولة، ويشرع القوانين اللازمة لتحديد المسؤولية بوضوح في حالة الحرائق بالاستفادة من القانون الفرنسي في هذا المجال الذي لم يوسع المسؤولية بل حددها بالأصناف التي لها علاقة بالمنشئ، ليكون فيصلا قانونيا يركن اليها الجميع، وليس بتشكيل لجان فحسب! وعدم الاعتماد على الوشايات والمخبرين لاعتبارات اجتماعية كثيرة دمرت العراق عقودا طويلة من الزمن، وهي عموما ليست ضمن مبحثنا.
وكما قال او نسب قوله للشاعر الجاهلي الاسود الدؤلي هذه الابيات الشعرية:
لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم
وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا
وَالبَيتُ لا يُبتَنى إِلّا لَهُ عَمَدٌ
وَلا عِمادَ إِذا لَم تُرسَ أَوتادُ
فَإِن تَجَمَّعَ أَوتادٌ وَأَعمِدَةٌ
لِمَعشَرٍ بَلغوا الأَمرَ الَّذي كادوا
#محمد_رياض_اسماعيل (هاشتاغ)
Mohammed_Reyadh_Ismail_Sabir#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟