محمد رياض اسماعيل
باحث
(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)
الحوار المتمدن-العدد: 8352 - 2025 / 5 / 24 - 16:48
المحور:
قضايا ثقافية
الانانية وحب الذات والعواطف التي تغذي المشاعر الذاتية والرحمة أساس في خوارزمية الوجود الإنساني.. الانسان يحب نفسه ويخاف الموت والعقاب ولذلك يعبد الله. لكي يستمر الحياة لابد ان تتوازن قوتي الرحمة والانانية في نفس الانسان.. وهناك مشاعر تغتال الرحمة في النفس البشرية فتطغى الوحشية والظلم والتسلط على الرقاب، وعندما تتعظم دور الرحمة في النفس تتضاءل الانانية وتصبح في الافول.. الحاكم العادل هو من يوازن هاتين القوتين في النفس. تتراكم تجارب الانسان من المشاكل التي تواجهه في مسيرة الحياة، وهذه المشاكل لن تمر بسلاسة بل تحرق في النفس المُعاني وتثير العصبية فيه كرماد لما تحرقه المعاضل في الحياة، وفي نفس الوقت تنمو في دواخله الثقة كلما ضفر في تحييد مشكلة ما. مرافقات الانقسامات المجتمعية الفكرية تظهر كمشكلة تولد الضغينة والحقد والكراهية، منها على سبيل المثال اختلاف الرب الذي يعبده الناس في المجتمع الواحد، او اختلاف نظم المعيشة الاقتصادية او السياسية او الفكرية بين فئات المجتمع وغيرها تعمل وقودا تشتعل عند قدحة المواجهة. فالوعي غالبا تتبع الاخرين، والتناقض فيه يتبع الفكر التبايني لتلك الفئات الاجتماعية التي تترافق بمفاهيم معينة منذ نشأة الانسان في محيطها وتكوين الصورة الفكرية في ذهنه التي تترسخ بدافع الشعور بالأمان او فعل انعزالي، تَصورْ المعلومات الخادعة تُكون الصور الفكرية، وتترافق بها طوال الحياة لأنك تلهث خلف المعرفة وتعريف ما يحيط بحولك.. الحرية الحقيقية مفهوم جاء به الانسان ليتحرر من مرافقات الصور الفكرية. فاذا ولدت في كركوك/ العراق فانت تترافق بكل المفاهيم الاثنية والدينية والمذهبية التي تتواجد في المجتمع، المسجل الذهني للصور الفكرية يتولد من التشجيع لديمومة الفكر المتناقض، لإيقاف ذلك المسجل نحتاج الى تذويب التشجيع والتحريض الفكري. الكثير من المسائل الفكرية جاءت دون براهين أي سردية تاريخية تناقلتها الأجيال، ليست كالعلوم التطبيقية التي تحتاج الى الخزن والتسجيل الفكري لاستنباط الهدف كأن تكون مثلا عالما او مهندسا.
المشكلة ان الانسان لا يمكن ان يتوقف عن تسجيل الذكريات. الحب فيه جانب انساني ضمن برمجته الخوارزمية وجانب شخصي اجتماعي فكري متوارث من السلف، فحب المناظر الطبيعية والجنس والمأكولات والمشروبات وما شاكلها تتبع الثقافة الإنسانية، وحب الله والدين ورموزه والعرق والمذهب والوطن يتبع الجانب الشخصي. الحب في الجانب الإنساني يشترك به كل البشر بلا تفرقه او تنظير، اما الحب الشخصي هو حب اناني رغبوي تتبع الصور الفكرية التي تختزن في الذهن وهي التي تفرق بين الأشخاص وتتولد منها الصراعات لان الفكر خلق صورة جميلة بخصوصه، فالجمال الظاهر فيها هي التي تسير كل ذاكرتك، ومن هنا يبدأ الفساد..
الاحاسيس مهمة للجميع، وهي خمسة (البصر والشم واللمس والتذوق والسمع)، ويعتبر احساس واحد لأغلبنا اهم من الاحاسيس الاخرى، الفنان يرى بعينه والميكانيكي يتحسس بالسمع واخر فقط باللمس ... نحن لا نستهلك كل احاسيسنا في تقييم شيء ما. نستهلك الاستجابة لشيء خاص. ان كنت تستجيب بكل احاسيسك فهناك اقصاء للمراقب المركزي. اما إذا كنت تستجيب بحس معين منفصل عن الاحاسيس الاخرى يبدأ الانقسام في ذلك الانفصال. إذا نظرت الى النهر بكل حواسك تتحول الى آلة ميكانيكية. وان مصدر الرغبة هو استجابة الاحاسيس. حين ترى شيئاً فان الرؤيا تجلب لك استجابة. الرؤيا توقظ الاستجابة ثم اللمس ثم الفكرة التي تخلق لك الصورة كأن يكون تنظر الى كماليات والبسة ترى وتتصور بانك في تلك الملابس ستبدو رائعا، او اختيار سيارة إذا كنت تنظر لمعرض سيارات او البيت وهكذا، وتستجيب لها بخلق فكرة لاقتناء الشيء، الان نتساءل هل بالإمكان عدم خلق تلك الصورة؟ أي بمعنى اخر ما هو المسيطر على الرغبة؟ انها الذكريات المخزونة في الذاكرة عن الشيء أي الصور الفكرية التي تصيغ الاخلاق والتي تحتوي النفس، تماما كما لو تشرب كاسا من الماء، فكأس الماء كان خارج جسمك ولكن بعد شربه اصبحت تحويه في داخلك اي جزءا منك وهكذا بالنسبة لأفكار البشر وعواطفهم. فهي مخزونة كبيانات وتتطور ضمن الإطار الفكري المخزون اول مرة، تذكر مثلاً صعوبة كتابة حرف (أ) في الاول الابتدائي من الدراسة، اما الان تكتبه بغمضة عين. ثم تتجمع لديك معلومات ورموز، فالناس تتعرف على هوياتهم من اعلام بلدانهم وشعاراتهم. فحين ينظر شخص لعلم بلاده في الغربة او المحافل فان دموع عينيه تنهمر، ماذا يعني ذلك؟ ان ذلك يعني بان هذا العلم أصبح محتوى في ذاكرة العقل لذلك الشخص وان احتوائه هو كبناء جدار حدوده الخارجية بالخرسانة، وتأتي ردود افعالنا تبعا لتلك المحتويات، ولا يمكننا جلب السلام مع الاخرين ونحن محاطون بالأسوار الخرسانية في عقولنا، الا إذا جعلنا فكرنا وعقولنا تعيش بسلام وسكينة في دواخلنا، فنحن مسؤولون بالكامل عن افعالنا. فالصراع الشيعي والسني على سبيل المثال، جاءت من طبيعة البشر وثقافة العقل الذي نستخدم فيه البعد الرابع فقط وهو الادراك. ان الانسان وحده على هذه الارض يقترف الجرائم، وتأتي معظمها من حاضنة الاحتواء ومحدودية التعريف (هذه عائلتي، او هذا بلدي، هذا ديني، هذا مذهبي ...) كل الجرائم تأتي من هذه التعريفات. كل شيء انت مستعد ان تموت من اجله هو نفس الشيء الذي انت مستعد ان تقتل من اجله وتجلب التعاسة للبشرية.. ان أساس التنمية الفكرية للبشر يبدأ منذ الطفولة والدراسة الاولية، وكلما نمى تأثر بالوعي العام السائد في البلاد وهي غالبا من نتاج قوة استمرار الحالة الاجتماعية social inertia للسلف والاحداث الجوهرية التي تعالجها وتقودها الاعلام، والقوانين التي تعالج أحوال البلاد من قبل إدارة الدولة، فالديموقراطية لا تنمو الا في ظل اعلام نزيه وادارة رشيدة.. ذلك الاعلام الذي يغذي الانسان المتلقي بالحقائق وتترك النتائج للجانب الانساني المخزون ضمن برمجته الخوارزمية وهي الحب كما ذكرناه في أعلاه، فأينما وجد الحب والجمال سيكشف الذي لا نراه في نوعية العالم وعمقه. ليتنا نتعلم من الحيوان، الحيوان حين تتعاطف معه يتقرب منك، غير آبه بدينك ومذهبك وقوميتك ولونك او سواء ان كنت فقيرا او غنيا، ينظر اليك بعمق احساسك نحوه ويتعاطف معك به ولا يخدعك. حين جئنا للحياة كنا في محيط ارحام امهاتنا نسبح في ماءها لنعيش منفردين بسلام، ثم تنفسنا الهواء في بيئة جديدة مكتظة بالآخرين من حولنا، وبقينا أحياء بحليب امهاتنا تساوى فيه الغني والفقير والأسود والأبيض والمسيحي والمسلم واليهودي، ثم عشنا بحنانها واول شيء تعلمناه من امهاتنا هو الحنان والشفقة.. وكلما كبرنا تعلمنا المنافسة والكراهية، وجعلنا الحياة ان نبتعد شيئا فشيئا من الشفقة.. وأصبح البعض يظهر الشفقة لأنه تربى عليه ومعرف به، والبعض تسمم بمرافقات الصور الفكرية المغروسة كمفاهيم الاثنية والدينية والعقائدية وغيرها التي تتواجد في المجتمع، وهكذا لن نكون بمأمن من الخوف والحقد والكراهية التي تأكل نظام مناعة الانسان. الحيوان يلمس ويلحس طلبا للشفقة مع انسان متعاطف معه والشفقة ليس دين بل مقياس انساني للبشرية جمعاء.
نحن على الأرض نحتاج للماء والهواء والغذاء والإدارة العادلة لكي نعيش بأمان ونحافظ على وجودنا البشري.. اما الماء الذي كنا نشربه بأمان تام في الماضي مهما كان مصدره وبلا ثمن، من الترعة، من مواسير اسالة الماء الواصلة للبيوت، من النهر، من الابار، من سيول الامطار، من اناء الفخار (الحِب) وبكاس فخار يشرب منه جميع افراد العائلة، انظروا ماذا حصل اليوم؟ فقد تلوث كل مصادره وأصبح خطرا يهدد حياة الانسان، وأصبحنا نلهث بحثا عن المياه المعدنية المعقمة ذات الاثمان الباهظة. اما الهواء الذي نستنشق كل لحظة فهو المهدد الثاني لبقائنا على الأرض أحياء، فقد تلوث الهواء بأكاسيد الكربون ومخلفات المعامل ومحطات التوليد وكل أدوات الصناعة الحديثة من العجلات والقاطرات والمكائن الصناعية ومحروقات البلاستيك والغابات والمطاط والأوراق والاسفنج والطاقة المولدة للذكاء الاصطناعي وغيرها.. اما الغذاء، فقد أصبح بلا طعم وفائدة، وأصبح الأرض موبوءة بكل أنواع الأسمدة الصناعية التي تلفظ بسمومها في النبات لتنتج ثمارا خطرة تؤدي الى امراض مستعصية تقضي على حياة الانسان على الأرض. فالنبات يتغذى على معادن التربة الملوثة وتستنشق هواء ملوث وتسقى بماء مسموم، فماذا نأمل من ثمارها!؟ وأصبحت الثروة الحيوانية مصدر تهدد حياة الانسان كونها تعتش على غذاء ملوث وتستنشق هواء ملوث وتشرب من ماء مسموم، فماذا نأمل من لحمها!؟ اما الإدارة العادلة فهي التهديد الحقيقي لحياة البشرية، فالأبرياء الاحرار يلقون حتفهم بسبب غياب الإدارة العادلة غير المنتمية، العدالة تلوثت منذ ان قبضت بها حكام جائرون وأنظمة راديكالية فاسدة، جيرت العدالة لمصالحها الضيقة وراحت ضحيتها تلفظ أنفاسها تحت صياح وعويل سياط الظلم وصمت الشعوب المقهورة. ان شان العقد الاجتماعي مع العدالة لا يختلف عن شأن القانون مع العدالة، فالعدالة يفترض ان تأتي لتكمل القانون في حالة وجود نقص في نصوصه، وإذا أصبحت نصوصها متداخلة مع نصوص الأديان والأفكار الراديكالية أصبح الحكم بيد قضاة مأجورين للنظام السياسي في تلك الدولة، فيضيع الحق وتهدر الأرواح وتتقاذف بحياة الانسان الذي يجادل ويصرخ لنيل حريته الانسانية الى مصائر مظلمة تترحم على كل الملوثات الصامتة من ماء وهواء وتربة..
ان ذاكرة العقل يعطل فهمنا للواقع، نحن في عالم غريب ان لم تتأمل ما حولك تصبح نسخة طبق الأصل من عقول الاخرين.. نحن نعيش في عالم يتصور كل منا انه على حق، نحن نعيش في داخلنا بجهنم وحولنا جنائن الدنيا نقضي عليها شيئا فشيء كل يوم. نحن ندعو الله لإصلاح حال الامة نهارا جهارا ولا يتحقق شيئا لمطالبنا! ولا ندرك بان أنبياء الله دعوا من قبلك وبقي معاناة الانسان بين صراع التناقض للذاكرة الشخصية والذاكرة المبرمجة الاصيلة في عقله، ولم تتحقق أدعيتهم في الواقع! الى متى نتأمل حلولا لما نعانيه من الغيب بالدعاء ونهمل التقييم الكمي للأمور الحياتية ونستعيض به بالتقييم الموضوعي الذي يختلف به البشر. أي عقل يحرك الشعوب!؟ نحن نقضي على الحياة في الأرض، ولم يبقى من وجودنا على الأرض الا القليل. الكرة الأرضية تؤول الى النهاية بحسب المعطيات الراهنة (سوف افصلها في مقال لاحق) وعبث الانسان الاعتباطي في غياب تنظيمات وقواعد التعامل مع المستجدات العلمية، وتلوث الماء والهواء والتربة وما ينتج عنها من عواقب وخيمة، وفي ظل القرارات الاعتباطية للإدارات الراديكالية والاصولية الفاشلة التي تتربى عليها الأجيال القادمة رغما على انفها لتبني ذاكرة تعطل فهم الواقع، كل ذلك سوف ينهي الحياة على الكرة الأرضية قريبا..
#محمد_رياض_اسماعيل (هاشتاغ)
Mohammed_Reyadh_Ismail_Sabir#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟