محمد رياض اسماعيل
باحث
(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)
الحوار المتمدن-العدد: 8270 - 2025 / 3 / 3 - 20:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تلعب الإدارة الامريكية الجديدة لعبة سياسية من نوع جديد، تميط اللثام عن كل ما تبقى من مظاهر المدنية والبروتوكولات السياسية التي كانت تنتهجها في المحافل الرسمية الى التعري والكشف عن وجهها الحقيقي.. فقد دعى الرئيس الأمريكي، الرئيس زيلنسكي رئيس أوكرانيا الى البيت الأبيض بهدف انهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا كما تعهد به ترامب ظاهرا خلال حملته الانتخابية. وبسابقة دبلوماسية فريدة في الاعراف السياسية، وجد الضيف نفسه بين المطرقة والسندان بين ترامب ونائبه، لمجرد اقتراحه ضمانات روسية جراء وقف إطلاق النار وانهاء الحرب، ويؤمن لبلاده استعادة بعض الأراضي التي احتلتها روسيا مؤخرا، حيث انهال ترمب ونائبه عليه بأسلوب مهين وغير لائق البت، بسيل من التهكمات الخارجة عن السياقات المتعارفة عليها امام الصحافة، باسلوب الاستاذ والتلميذ وعصا العقاب.. كاتهام ترامب بان الضيف يقامر بحرب عالمية ثالثة! ويستهتر به على انه مجرد دولة صغيرة امام روسيا التي يفترض ان تحترمها (وكان قد صرح خلال حملته الانتخابية على ان الأراضي التي احتلتها روسيا تعود لها تاريخيا فهي عموما كعودة الفرع الى الاصل!)، وانه لا شيء بدون الأوراق الامريكية، ويفرض عليه إعادة نصف ترليون دولار قدمتها أمريكا له في هذه الحرب (وهي لم تتجاوز 300 مليار دولار في الواقع وربما اقل بكثير)، والضيف يستنجد بأعراف الضيافة وانه مدعو من قبل الولايات المتحدة الى المكتب البيضاوي ولسان حاله يقول (يا كاع "ارض" ابلعيني)..
الى هنا المشهد المسرحي واضح، يتجلى منه رغبة أمريكا في انهاء الحرب ويمهد لروسيا الانجرار نحو المفاوضات والتسوية وانهاء الحرب.. لكي نتفحص فيما وراء الستار فلابد ان نسرد تصريحات ترامب والمقربين منه بهذا الخصوص ورؤيتهم للعالم في الاربعة سنوات القادمة، لعودة أمريكا عظيمة كما كانت سابقا. نعلم بان ايلون ماسك، (الذي يولى حاليا صلاحيات رئيس وزراء في العموم) يؤكد بان هناك حرب عالمية ثالثة، وعين الشيء يقال عن تصريحات كبار الإدارة في كابينة ترامب كالمخابرات المركزية ومراكز الدراسات الاستراتيجية، وعلى نهج من سبقهم عراب السياسة الأمريكي الراحل هنري كيسنجر، الذي كان يؤكد على قيام حرب عالمية ثالثة لإعادة أمريكا كقوة عظمى مطلقة، وترامب في جملته لزيلنسكي (انت تقامر بحرب عالمية ثالثة) لم تأت من فراغ.. كانت حصيلة هذه المناظرة خروج زيلنسكي بشكل دراماتيكي من البيت الأبيض دون مرافقة المضيف، وعلى الفور هرعت 15 دولة أوروبية للوقوف مع زيلنسكي وتقديم الدعم المادي والمالي لحربه مع روسيا! وأصبح موقف بوتين أيضا بين المطرقة والسندان ولابد من استنزاف ما تبقى له في هذه الحرب حتى اذا وصلت الى استخدام أسلحة دمار شامل توجه نحو أوكرانيا وأوروبا، وتلعب أمريكا دور حمامة السلام في هذه الحرب الضروس، ولن تتدخل (كعادتها) الا بعد ان تضع الحرب اوزارها وتستنفد قوى كل الأطراف، لتنتقض كالصقر على الفرائس لتهيمن على المشهد، ومن ثم تمكنها في النهاية خنق الصين من خلال مصادرة أسواقها الرئيسية ومصادر الطاقة التي تمولها (مزارع الخليج). بوتين أحمق انجر الى هذه المهزلة وتوغل حتى راسه بالوحل الاوكراني، والمهم بالنسبة لأمريكا انها نجحت من خلال هذه المسرحية من استفزاز اوروبا لتدخل ضد روسيا في حرب استنزاف بالوكالة، وفي النهاية تنهار روسيا اقتصاديا كما انهارت الاتحاد السوفيتي سابقا.. ذكرت في مقال سابق قبل أربعة أعوام (نظرية المؤامرة باتت حقيقة في ظل الوقائع)، ما يأتي:
"انتهجت أمريكا افتعال الازمات وتضخيمها بالإعلام الاوليغارشي "المسير ضد روسيا" في حربها مع أوكرانيا، لتدفع العالم الى حرب عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر.. لا تواني المخابرات المركزية من تدبير اختلاق ازمة عالمية ضد روسيا على شاكلة الصاروخ الروسي س-300 الذي وقعت في الأراضي البولندية وتبين بانها من بقايا السلاح الروسي في أوكرانيا.. وتستمر المخابرات الأنجلو أمريكية في صناعة هذا النهج، والأيام حبالى تلدن كل عجيب.."
الرؤية الواقعية اليوم مع سير الاحداث الأخيرة تلتقي مع نظرية المؤامرة في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا التي تسير بمشيئة الاوليغارشية امراء العالم الجديد، اللذين يدعون الى عالم النخبة، تلك التي تستحق البقاء على الأرض والاخرين جملة الى الجحيم.. فأمريكا ووكالاتها الاستخبارية وروسيا وأوكرانيا وأوروبا واليابان وأنظمة الشرق الأوسط بيادق في هذه النظرية. فقد تم إعداد انقلاب كييف عام 2014 بشكل أساسي من قبل بريجنسكي (عجوز ال سي آي أي)، لجر روسيا إلى حرب جديدة - كما هو الحال في أفغانستان - وأعقبته أوامر إلى مزارع النفط الخليجية بإشباع السوق بفائض نفطي يسبب انهيارا في أسعار النفط، ودفعت موسكو الى حماية الناطقين بالروسية في شبه جزيرة القرم ودونباس، وأدى ذلك إلى المزيد من العقوبات الغربية، كل ذلك كان إعدادا استمرت لمدة 8 سنوات، رفضت موسكو إرسال جيوشها حتى إلى دونباس شرق نهر الدنيبر (تاريخيا جزء من روسيا الأم). وفي الوقت نفسه، تعرضت بقية أوكرانيا للنهب من قبل الأوليغارشية المدعومة من الغرب، وسقطت في ثقب أسود مالي.
وان دور بوتين لا يختلف عن دور الطبقات السياسية الحاكمة في الشرق الأوسط للتعامل مع أعداء الاوليغارشية أينما كانت مؤثرة لتوازناتها.. ألاوليغارشية التي تحكم العالم ستنفرد في سعيها لدعم أمريكا لمواجهة التنين الصيني، الذي سيجد نفسه منفردا في هذه المواجهة، منهارا بلا أسواق واستثمارات مالية خارجية، في عالم تحكمه سطوة الاوليغارشية من خلال عملائها من رؤساء جاءت بهم الى السلطة في هذه اللعبة الكبيرة ووفرت لهم سبل البذخ والحكم كملوك.. وتبقى الشعوب ضحية لهذه المؤامرات الكارثية، في ظل عالم يتشكل من جديد.
تسعى أمريكا التي تدعي الحرية والديموقراطية وتسعى للسلم وحقوق الانسان من خلال نزع السلاح الخطر من دول العالم، ولعب دور حمامة السلام لتحقيق تلك الأهداف "النبيلة". وفي الوقت نفسه ارادت المخابرات المركزية الامريكية ان تجر بولندا للحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، ثم تضغط على التحالف الأطلسي لتقديم ما يسميها "المساعدات الإنسانية" الى أوكرانيا، وكأن الانسان الروسي غير مشمول بآثار هذه الحرب اللعينة، أمريكا تضخ مليارات الدولارات كأسلحة لتضيف وقودا على النار المشتعلة بين البلدين، وتمارس ضغوطها على التحالف الأطلسي لنفس الغاية، لتتخلص من القوة الرئيسية التي تعادل كفة صراعها مع الصين، وكلما طالت أمد الحرب كلما ضعفت قدرة روسيا وقدرة التحالف الأطلسي، وبلا أي تأثير على قدرات أمريكا الحربية، والتي تقوى في ضل تطويرها للأسلحة المضادة لتلك المستخدمة من قبل روسيا في حربها والتي تسوق للتجارب تباعا في أرض المعارك. واليوم انفضت امريكا يدها من كل الأعباء المالية والبستها بأوروبا طوعا من الأخيرة!
#محمد_رياض_اسماعيل (هاشتاغ)
Mohammed_Reyadh_Ismail_Sabir#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟