أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد رسن - -طفلة تحت الركام...ودولة تحت الرماد-














المزيد.....

-طفلة تحت الركام...ودولة تحت الرماد-


محمد رسن

الحوار المتمدن-العدد: 8408 - 2025 / 7 / 19 - 03:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تصوّر أماً تحتضن طفلها في لحظة الرماد، وقد أحاطت بها ألسنة اللهب، فكانت آخر ما فعلته في الدنيا أن جعلت جسدها درعاً له... تفحّمت هي وبقي هو شاهداً على خذلان دولة، وعلى طهر أمومةٍ لا تحترق.

يا لهذا البلد الذي تُبنى فيه العمارات كما تُبنى الأكاذيب، ستة طوابق نبتت كالفطر السام في غفلةٍ من بلدية، من محافظة، من دولة لا ترى إلا ما يُدرّ عليها مالاً، ولا تسمع إلا نداءات الفاسدين.

ثم يخرج علينا المسؤولون بوجوه من رماد، يذرّون على أعيننا كلمات لا تطفئ ناراً ولا تعيد حياة. وكل بيان رسمي بعد كل فاجعة لا يزيد عن كونه طعنة ثانية في قلب الضحية... فالعذر، كما يقول الموجوعون، أقبح من الجريمة.

يا سيادة رئيس الوزراء، قبل عامين قلتها بصراحتك: "المواطن لا يثق بأي حديث عن محاربة الفساد"... فلماذا تُرهق الحكومة ببيانات المحاسبة، وتُتعب الورق بقرارات بلا روح، تُقرأ ولا تُنفذ، وتُعلن ولا تُصدّق؟

ما حدث لم يكن حريقاً... كان مشهداً من مسرحية سوداء عنوانها "الدولة الغائبة"، وأبطالها جثث محترقة، وضحايا تُكتب أسماؤهم في قوائم الموت الجماعي، لا لأنهم خالفوا قانوناً، بل لأن القانون غاب عن أماكن البناء، وتغاضى عن الفساد، وتواطأ بالصمت.

ما حدث فضيحةٌ لا تُطفئها المياه، ولا تُرمّمها التعازي الرسمية.

ما حدث لم يكن حريقاً… بل لحظة انكشفت فيها كل الأقنعة، واحترقت فيها البلاد مجازاً وحقيقة.
في ستة طوابق، كان الموت يصعد بهدوء، يتنقّل من غرفةٍ إلى أخرى، يقرع الأبواب بلا استئذان، لا ليأخذ الأرواح فقط، بل ليأخذ معها ما تبقّى من ثقة بهذا الوطن، بهذا النظام، بهذا الخراب المتماسك على هيئة دولة.

الطفلة التي اختبأت خلف أمّها لم تكن تحتمي من النار، بل من خذلان العالم، من جدرانٍ شُيّدت بالغش، من شبابيك لا تفتح للنجاة، ومن أبواب وُضعت لتُغلق لا لتُفتح في الكوارث.
الأم التي ارتمت فوق رضيعها لم تكن تقاوم الاحتراق، بل كانت تضعه في تابوتٍ آمن من جمر هذه البلاد، تهبه موتًا أخفّ من حياةٍ تشبه الجحيم.

كان الناس يهرولون في الدرج وكأنهم يصعدون نحو الله، أو يهربون من وطنهم في لحظاته الأخيرة.
لم يجدوا طفاية حريق، لم يسمعوا إنذارًا، لم تفتح نافذة، لم يُسعفهم أحد.
النار كانت أسرع من الدولة، وأصدق من التصريحات، وأكثر رحمة من بيانات العزاء.

كأن كل شيء تواطأ على قتلهم: العمارات التي نبتت بالرشوة، المسؤول الذي لم يقرأ تقرير السلامة، المفتش الذي غضّ البصر، الموظف الذي وقّع دون تدقيق، والإعلام الذي سيكتفي غدًا بعنوان باهت: “الحكومة توجّه بفتح تحقيق”.

أي تحقيق هذا الذي سيعيد للأم جلدها المحترق؟ أي لجنة ستنتشل صرخة طفل احترق في حنجرة أبيه قبل أن تبلغه النار؟
أي مسؤول سيجرؤ على النظر في عيون الناجين وهم يجرّون ظلّ أرواح لم تخرج من النار، بل تذوّبت فيها؟

ما حدث لم يكن حريقاً…
بل مشهداً يُعرض في مسرحٍ بلا جمهور، لأن الجمهور احترق، والممثلون لا يزالون على كراسيهم، يصفّقون لبعضهم البعض، ويدخنون فوق رماد الضحايا.
ما حدث لعنة لن تطفئها حتى الأمطار، لن تغسلها دموع النادمين، ولن تبرّرها بيانات رسمية مكتوبة بنفس الحبر الذي وُقّعت به تراخيص القتل.

لقد ماتوا مختنقين، محترقين، مطمورين بالنار… لكن الحقيقة أن ما قتلهم هو الغياب.
غياب القانون، وغياب الضمير، وغياب الدولة.
وكل ذلك، كان أبرد من النار.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (ساحة التحرير ليست وقفاً لولية نعمتكم، ولن تكون منبراً لخطاب ...
- أسر الماضي وظلال الحاضر
- -من ساحة الدم إلى ساحة الدخلاء: لن تمروا-
- تشرين ليست لكم: الثورة لا تُؤجّر لمواسم الانتخابات-
- حكاية بطل من افراد القوات الأمنية
- حين يختلط المقدس بالمستطيل الأخضر
- -الكرسي حاضر... والقرار غائب-
- -حين تُخرس الأقلام، تُستباح الأوطان-
- الإسلام السياسي… من الشعبية إلى العزلة السياسية
- لاتصدقو الحكومات ياشغيلة اليد والفكر
- -من الحلم إلى الخيبة: كيف تُفرغ السياسة الشعوب من المعنى؟-
- -أحرار تشرين وتفكيك سرديات الأسلمة السياسية: حين واجه الوعي ...
- -اختطاف القرار وتمزيق السيادة-
- -دار الشؤون الثقافية: استعادة الدور واستئناف الرسالة-
- (انحدار القيم تحت حكم الاسلاميين: تأثيرات اجتماعية وسياسية)
- بغداد المغتصبة
- لعنة الوعي
- الميليشيات ودورها في خراب البلاد والعباد
- هذيان
- الحقيقة عارية


المزيد.....




- تداول فيديو لـ-الشرع بين أنصاره على تخوم السويداء-.. ما صحة ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي يشيد بعملية -مطرقة منتصف الليل-
- العشائر السورية تعلن إخراج كافة مقاتليها من السويداء
- صحوة تونس القادمة تبدأ من هنا
- داخلية سوريا تعلن توقف اشتباكات السويداء والعشائر تتوعد برد ...
- أوكرانيا تقترح إجراء محادثات سلام جديدة مع روسيا الأسبوع الم ...
- مظاهرة في تل أبيب تدعو ترامب للضغط على نتنياهو لإنهاء الحرب ...
- لهذه الأسباب تبدو الهدنة في غزة قريبة جدا
- فعاليات احتجاجية في الأردن رفضا لتجويع غزة?
- السفير الأمريكي يدعو إلى محاسبة مهاجمي كنيسة في الضفة الغربي ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد رسن - -طفلة تحت الركام...ودولة تحت الرماد-