كفاح الزهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8392 - 2025 / 7 / 3 - 19:25
المحور:
الادب والفن
في صباح جميل، ينسج الطقس من دفئه موسيقى الحنين. على سور الشرفة، في فناء المنزل، جلست قطة الغاب على حافة الزمن، شامخة كجبلٍ أشمّ، يحيط بها صمتٌ يحوم باحثًا عن صرخة ضائعة.
تحدّق بعينيها بترقّبٍ حادّ، مترصّدة لحظة الانقضاض كما يفعل نسرٌ يحلّق في السماء، تلتقط عيناه الفريسة من علٍ، محددًا مساره بدقة لا تخطئ.
ظلّت ساكنةً، وبصرها مشدود نحو الفراغ، تطلق من عينيها خيوطًا صامتة كسهام خفية، تلاحق ما لا يُرى. جسدها يوحي بانفعالاتها الداخلية: حركات دقيقة، نظرات ثاقبة، وذيل ثابت لا يبوح بفعل. لم تكن مجرد كائن يبحث عن نزهة، بل حضورٌ يفتّت هشاشة الانتظار. وكأن الزمن القديم قد حفر ملامحها على تخوم الصمت.
إن انعكاس هذا المشهد، في جوهره الوجودي، يتحدّى قوانين البقاء. لعلّه يرمز لطموح مؤجّل، أو لقلق مزارع يحدّق بشجرة عقيمة، أو انتظار ثكالى لأملٍ خافتٍ لا يلوح له ضوء في الأفق.
حين اتّخذت القطة قرارها، لم يكن محض صدفة؛ بل رغبة دفينة أيقظت غرائزها لتُثبت وجودها، ممتلئة بإحساس غريزي بأنها تملك الأرض.
كانت فكرة الصيد تغلي في مراجل أفكارها، ذلك الشغف الذي تشرّبته منذ الطفولة، في البراري المتوحشة، باحثة عن فريسة تطفئ جوع الأعماق. رغم ما عاشته في واحة الأمان، ظلّت بذور الافتراس كامنة، تنمو لتصبح شوكة على أهبة الانقضاض.
لكن عندما خاب أملها في الانقضاض، التقطت أنفاسها فجأة. تحرّرت من أغلال السكون التي نسجها الانتظار، ونفضت عن فروها غبار الصمت بهدوء يحفظ كرامة الانكسار. انسلت في صمت مهيب، تاركة اللحظة محفوظة بجلالها.
خلفها، تسلّل الضوء بين الشقوق، يوقظ الظلال القديمة. وكأن الزمن تنفّس للمرة الأولى، وبدأت عقاربه تدور من جديد.
#كفاح_الزهاوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟