أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كفاح الزهاوي - أوهام ساطعة














المزيد.....

أوهام ساطعة


كفاح الزهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7649 - 2023 / 6 / 21 - 14:24
المحور: الادب والفن
    


كان النهار يحتضر، والغيوم المنخفضة التحفت السهول والوديان، وجعلت من البحر رماديا، ووسعت المسافة بينها وبين السماء، فحظي جسد الطائرات بدفء الشمس الساطعة.
كانت المدينة ترزح تحت ضباب كثيف، ولم تكن الشمس قد انبلجت بعد. الخريف غزا الفصول و شرع في تجريد الأوراق من الأشجار الواهنة، التي تكدست في الأزقة والشوارع صابغةً الأرض بألوانها الزاهية. غرفتي الصغيرة شبه المظلمة، بابها مواجه للممر المؤدي الى الباب الخلفي للمنزل، نافذتها الوحيدة كانت متوارية خلف الستائر القاتمة. بدت الأجواء كضباب الليل.
كنت ألوذ بالصمت، فالصمت في تلك اللحظة كان غذاء الفكر والروح، مستلقيًا على الفراش منغمسًا في أوهامي، كانت تلك الأوهام تهاجمني في الظلمة والمطر والريح، متناسيا الفوضى العارمة داخل الغرفة، حيث الأوراق المبعثرة فوق المنضدة والصورة المعلقة على الحائط على وشك السقوط، و الساعة المنضدية قد سكتت للابد بعد ان اقلقتني يوم أمس ورميتها بعيدًا، وفجأة ترامى إلى مسمعي في الممر الذي يفضي الى باب غرفتي خطوات سريعة، جعلتني انتفض من سريري، كما لو كنت في نوبة حراسة أيقظني رنين الخطر.
هبط صمت لا يحتمل عدَّة لحظات، شرع مقبض الباب بالدوران، اندفع الباب الى الداخل بقوة فأصدر صريرًا صاخبًا، بعد أن استفاق الصدأ من غيبوبته.
امتطى المشاعر وجهي وبانَ الذهول في نظراتي، سرعان ما أماط اللثام عن هواجسي معبراً عن خفايا غامضة، حالما وجدتها واقفة قبالتي فجأة كقطرة ندى نقية لا تمسها الريح، بقامتها المتزنة، وخصرها النحيل، و خطواتها الرشيقة.
دَخَلتْ الغرفة، تاركة الباب شبه مفتوح، فتخللت خيوط الضوء الرقيقة من خلاله لتتكسر على وجهها بنقاء ملحوظ، علت وجهها جهامة لا شعورية، كما لو أن كل تفاصيل حياتها بدت لي في لحظة من فوضى الحواس العارمة. اكتشفت على الفور خفايا المخبأة على امتداد حافات شواطئ ذكرياتها.
اجتاحني السهد كتيار جامح يندفع بسرعة رهيبة. طفقت الأسئلة تنهمر عليّ كمطر الصيف في زخة قوية. تجول في رأسي مفردات الطفولة، هل من المعقول ان أحظى بفرصة اللقاء؟. هل انا في حلم أم ارى شبحا؟. في هذه اللحظة خالجتني مشاعر كثيرة كانت تجرفني كطوفان نوح. لم انبس بكلمة، بل كنت أحدق إليها فقط. انتابتني قشعريرة في اوصالي. والتوتر ينال من مظهري، لم ادرك مغزى الحدث.
هيمن على أجواء الغرفة كليا سكون مطبق. نعم انها فتاتي التي أغرمت بها في شبابي. راح قلبها يخفق بشدة حتى تناهى نبضاته الى مسامعي. خطوت نحوها بأناة. بدأت احنو على شعرها وأداعب بأناملي شحمة اذنها. بدا للبصر شعرها اسود اللون أول الوهلة، ولكن عندما انكسرت خيوط الضوء عليه بدا لونه مائلا الى البني. حاولت ان أمسك بها بقوة كي لا تهرب بعيدًا.
على حين غرة أخذت الظلمة تكتنف الإرجاء، والضوء المتدفق عبر شق الباب يتلاشى الى ما لا نهاية.
وفجأة أصبحت وحيداً في عالم الآخذ بالاندثار بعد ان غاب طيفها عن ناظري. خاب أملي وطغى التجهم القاتم على وجهي، عندما اكتشفت ان ما رأيته للتوّ، لم يكن سوى أوهام.



#كفاح_الزهاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عاهرتنا اشرف
- وطن مهزوم
- نجمة متوارية
- أمس لا يزال حلوً
- مجلس االعظماء
- خلف الأفق
- مَمَدْ اسطورة القبور
- سخريات القدر
- انصار يرتقون
- وريث الجن
- لا يزال في الغور
- رهان و شيطان
- حزن في نافذة الفجر
- عندما يذوب الصمت
- صُنان الشرنقة
- قنديل لم ينطفيء
- الهلوسة
- شارع ٥٢
- سيدة الأكوان
- آمال


المزيد.....




- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...
- كتاب -رخصة بالقتل-.. الإبادة الجماعية والإنكار الغربي تحت مج ...
- ضربة معلم من هواوي Huawei Pura 80 Pro.. موبايل أنيق بكاميرات ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كفاح الزهاوي - أوهام ساطعة