أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كفاح الزهاوي - الهلوسة














المزيد.....

الهلوسة


كفاح الزهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 6806 - 2021 / 2 / 4 - 16:39
المحور: الادب والفن
    


في ركن الحجرة حيث هناك كان قابعا بلا حراك كشبح يختبئ في الظلال، مركزاً على نقطة غير مرئية، يحدق بعينين ثاقبتين خاويتين من الأحاسيس.
منذ نعومة اظفاره قد أُرسيَّ على مرافئ فكره يقيناً بأن عجلة الوقت توقفت عند ذلك الحين. تساوره مشاعر مبهمة، وكأنه يرى سرابا ينتظر بهدوء ليعاكسه في الجهة الأخرى، يمارس لعبة الموت.
ينهمك في تحديد زاوية رؤيته نحو تلك النقطة، التي تبدو كصورة مشوشة ترسل ذبذبات مترددة تفضي الى حالة الانكسار والتلاشي. ورغم ذلك لا يعتريه الشك ولكن عامل الخوف يرافقه كظله. فهو يرمق تلك النقطة دون غيرها. الغرفة غير مضاءة وليست كبيرة. يشعر بطوق يحاصره بالرغم من عدم وجود ما يشير الى اعلان عن حالة حصار مثبت. كل ما يشعر به ويتحسس بوجوده هو ظنون وتصورات خارجة عن نطاق العقل.
كانت أرضية الحجرة العارية مفروشة في وسطها برداء أسود فحيم، الأمر الذي زاد من كثافة خناقها. عيناه ما زالتا مفتوحتين مثبتتين لا حركة فيهما البتة ويوحي ذلك المشهد- وكأن فنان يمارس مهنة النحت في صقل الحدث كالحقيقة - مسدّدتان على شاشة وهمية. تبث منها أصوات مُتلفةً لخلايا الرأس ومهدئة للنفس:
- لا تفكر كثيرا، لا تجهد عقلك، فأنت فانٍ لا محال، فطريقك سراج منير.
تلك الكلمات المشجعة التي تحمل في جوهرها رسائل محبطة، كانت كدوامات مياه البحر تغرق قارب الوعي وتحبس الأنفاس وتجنب رؤية الضوء الساطع تحت سماء صافية، فيغوص في العمق كائنا معدوماً.
يقاوم بشدة عالم النزوات، ولكن الرغبة العميقة لامتصاص تلك النزوات، لم يكن بوسعه الاستسلام تماماً امامها. فالشهوات ومغريات العصر أشد ثقلاً وتأثيرا من وزن المقاومة.
يتمعن بنظرات متناهية من الارباك، وكأنه يبحث عن مكونات الهواء الهائمة في الضباب، عن معانٍ لم يجد طريقا في حل لغزها، ملامح قاسية تحتاج الغور في عمق طياتها والكشف عن معالمها المستفيضة، بعد ان ظلت ساكنة كصخرة منسية منذ آلاف السنين في باطن بحر التوارث.
انتابه الشعور بأن الحائط يتقوس وتتقارب الزوايا وبضغط مجهول الدفع يثقل ظهره. ظل رأسه منتصبا متطلعاً الى الامام. يتخيل النافذة المفتوحة طريقا يؤدي الى عالم غامض، عالم غير محسوس لا نهاية له. يسمع صوتاً قادما من النافذة، لا يشبه اي صوت، يدوي في اجواء الحجرة، كموجات في وسط الهواء تحمل جزيئات مخدرة.
يستنشق رائحة ثقيلة خانقة تفوح من مكان ما مجهول لا يعرف حقيقة مصدرها، فهو ليس مؤهلا لمعرفة ذلك. ينساب في ذهنه شعوراً كمن يعيش حلماً رهيباً مفزعاً، وسط فوضى عارمة ينداح صداها من أتون الزمن السحيق، زمن يلاحقه رغماً عنه دون ان يدرك الأسباب الحقيقية الكامنة من وراء ذلك.
راحت الأسئلة تنهمر عليه كمطر الصيف:
- لماذا لا يشبه احلامي؟ لماذا يتصادم مع طموحاتي؟ أليس من حقي الفوز برغباتي؟ لماذا لا يميز الأشياء بوضوح؟ لماذا يعتقد انه على طريق الصح وكل ما يراه هو مطلق؟ لماذا لا يعترف بأنه في ازمة خانقة؟ كانت الاسئلة تتبدد كرماد الورق في مهب الريح، دون ان يكلف نفسه جهداً اضافياً كي يحرك عقله الخامد للبحث عن الأجوبة.
وهناك اسئلة اخرى يخشى البوح بها او يرخي الاذن لسماعها. منذ ان فتح عينيه على الحياة، وهو يخزن في دهاليز مخه ذات الأفكار والنصوص التي تضفي عليها ألوان القدسية، تُفَسَرُ بطرق مختلفة تخالف منطق العقل. يرى نفسه في نهاية القافلة ويخال له انه المنتصر لأنه يستطيع ان يخدع ذاته وأن يقطع الطريق المعاكس ويرمي بسنارته المحمولة برواسب الزمن العتيق عبر أجياله وتستمر لمسافات بعيدة وكأن الزمن القديم يعيش معنا. وبسبب هذا الفراغ الكبير في دورة حياته، لا يشعر إلا بالخوف القادم من المجهول الوهمي. الصوت المُفتَعل يتردد صداه في أذنيه كزئير الموج في لحظة الهياج.



#كفاح_الزهاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شارع ٥٢
- سيدة الأكوان
- آمال
- الحلم وقطار الوهم
- الاحزان اللا مرئية
- قصص قصيرة جدا
- النور المخادع
- الرسالة التي كشفت ظلّ امرأتي
- غارق في الظلام
- استنفاد
- ذكرى من صمغ
- هواجس في يقظة الحالم
- العهد لم ينقض
- مرثية لوشاح الفرح
- خفافيش اخر الليل
- آثار من ذكريات الماضي
- صراع مع النفس
- حكايتي مع شجرة البلوط
- الهزيع الأول من الليل
- منعطف الرحلة في الزمن الصعب


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كفاح الزهاوي - الهلوسة