أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كفاح الزهاوي - عبور الضباب














المزيد.....

عبور الضباب


كفاح الزهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8352 - 2025 / 5 / 24 - 18:53
المحور: الادب والفن
    


كان يتوارى خلف قناع خفي، يعبر محيطات الكون دون أن يلامس طعم الحياة. كاد اليأس أن يطبق على عنقه، ليختنق الليل في أنفاسه الأخيرة، ككلب يلهث تحت لهيب الصيف، يبحث عبثًا عن نسمة نقية.
كان يعيش في صراع دائم بين واقعه الملموس ومكنونه النفسي العميق، فالكشف عن ذلك المكنون يعني التخلي عن القناع الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ من شخصيته، بل ربما كان السبب في عزلته وانطوائه.
ترددٌ يضطرب في أعماقه كموج البحر، يرتفع عاليًا مهددًا بابتلاع سفينةٍ عمره تتخبط وسط العاصفة، لتلقي بها في دوامةٍ من الغرق. هكذا يبدو الصراع خلف القناع، متغيرًا وفق الظروف والمواقف، ومحمّلًا بمزيج من المخاوف ــالخوف من الحكم، والرغبة في الانتماء، والسعي للحماية العاطفية، والبحث عن السلطة والتأثير، في بيئات العمل والعلاقات الاجتماعية.
يجد نفسه في عتمة الحياة، هائمًا فوق غيمة معزولة في فضاء مترامٍ، كأنه يطفو بلا وجهة. يجلس متوترًا، ظهره مستند إلى كرسيه، يرفع رأسه ببطء، مختلجًا بين التردد والانكسار، وعيناه تتسلل من خلف قناع قاسٍ، تتأمل الأفق المتواري وسط الضباب الكثيف. ذلك القناع الذي أذاقه مرارة الوهم، وغلفه بعزلة مصطنعة، يقيد روحه كما يقيد صمتُ الليل العابر أسرار النفس.
يحاول أن يلتقط شظايا الذكريات المبعثرة ـــأيام المراهقة، الأمسيات الهادئة، ضحكات الأصدقاء التي كانت يومًا قريبة، لكن شيئًا ما يعبث بكيانه، شكوك وتوقعات تتناسل في ذهنه، تذكّره بأنه مختبئ خلف عالم غامض، عالم شيده بنفسه من أفكاره المتأصلة.
تتلاطم داخله الصدمات المتكررة، تغرس في وعيه فكرة البقاء داخل ذلك السجن المظلم، حيث الفوضى تضجُّ في زواياه، وحيث القناع الذي ارتداه للاحتماء، أصبح هو ذاته القضبان التي تعيقه عن كشف الأبعاد الحقيقية لوجوده.
كان ضجيج الدماغ يحيط به كموج متلاطم ينهال عليه من كل صوب، وأغنية حزن قديمة من زمن مضى تهمس في الفراغ، تتسلل بين الجدران كأصداء زمن مضطرب، تمتزج مع الفوضى الساكنة داخله.
في زاوية بعيدة، مطرقةٌ تهوي على الخرسانة، تبعث رجفةً في الأرض كأنها تعيد تشكيل وعيه وفق إيقاع جديد. حملت الرياح هذا الصخب المتداخل، لم يعد مجرد أصوات، بل كيانًا حيًا يتغلغل في المسافات، ينساب من السماء، يصعد من الأعماق، يخنق الفراغ، يحتل نبضه ويتمدد في صمته المتلاشي.
وهنا جاءت لحظة المواجهة الحاسمة، لحظة انكشاف الحقيقة وتبدد ذلك الوهم الراسخ. تجمّعت كل أسباب الشقاء منذ أن اخترق شعورٌ مجهولٌ روحه واستوطنها كماردٍ يحرك هواجسه عكس التيار، يعبث بيقينه ويدفعه لرؤية الأشياء بمنظور جديد، رغم وضوحها الذي لم يتغير.
لم يكن يعلم ما الذي يخفيه له ذلك العالم الغامض، ولا ما تحمله همسات الليل الطويل من أسرار. سار بلا هدى نحو الضباب، كأنه يخطو داخل فم حوت جائع ينتظر فريسته. كان الضباب يحيط به كوشاح رمادي، يسرق ملامحه، يحتضنه ببرودة خفيفة تخترق روحه. تأمل كفيه المفتوحتين، كأنما يبحث عن حقيقة ضائعة بين خطوطهما. وحين لامس وجهه بعد هنيهة، لم يعد يميز بين بشرته والقناع الذي التصق بها، حتى كاد يصرخ من الألم—ترى، هل بات القناع جزءًا لا ينفصل عن شخصيته؟.
ثم، دون أن يدرك كيف، بدأ الضباب يبتلعه، أو ربما كان هو من يذوب فيه. هل كان يتحرر، أم كان يختفي؟ لم يعرف، ولم يكن هناك من يخبره بذلك.



#كفاح_الزهاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوهام العزلة وومضات الأمل
- صدى صرخة مدفونة
- رحلة في أعماق النفس البشرية
- تأملات في عشق الوطن
- غروب الرحيل ١
- وأخيرًا قبري
- مقطع من روايتي القادمة الفصل ( السماء الثلجية)
- طريق المتاهة
- مقطع من روايتي القادمة منعطف الرحلة في الزمن الصعب
- متاهة عقلية
- انشودة الأمل
- حب خفي
- أوهام ساطعة
- عاهرتنا اشرف
- وطن مهزوم
- نجمة متوارية
- أمس لا يزال حلوً
- مجلس االعظماء
- خلف الأفق
- مَمَدْ اسطورة القبور


المزيد.....




- صدمة في عالم الفن.. سيرة جديدة تكشف وجود ابنة سرية لنجم عالم ...
- من ياسر عرفات لأمين معلوف.. عرب نالوا جوائز -أمير أستورياس- ...
- مباشر: تنافس 22 فيلما على السعفة الذهبية في الدورة 78 لمهرجا ...
- ?? مهرجان كان 2025: فيلم -مجرد حادث- للمخرج الإيراني جعفر بن ...
- وفاة االمخرج محمد لخضر حمينة.. صاحب-وقائع سنين الجمر- و-السع ...
- قبل ساعات من حفل الختام.. مهرجان كان السينمائي يتأثر بانقطاع ...
- منتدى حقوق الإنسان بالصويرة يناقش -الحركية البشرية- و-الدينا ...
- أول عربي يفوز بالسعفة الذهبية: رحيل المخرج الجزائري محمد لخض ...
- أول عربي يفوز بالسعفة الذهبية: رحيل المخرج الجزائي محمد لخضر ...
- بريتني سبيرز تخرق قواعد الطيران.. والسلطات تتدخل بتحذير رسمي ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كفاح الزهاوي - عبور الضباب