أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ريان علوش - كلاب الراعي الغريب















المزيد.....

كلاب الراعي الغريب


ريان علوش
(Rayan Alloush)


الحوار المتمدن-العدد: 8392 - 2025 / 7 / 3 - 12:28
المحور: كتابات ساخرة
    


بعد أن مررتُ بأزمة كلبية أصبت بالاكتئاب.
اكتئابي أصبتُ به بعد فقداني لكلبي العزيز بحادث سير أليم، والذي قضيت معه أجمل سنوات العمر.
أصدقائي لفت انتباههم اكتئابي، وحاولوا جاهدين إخراجي منه عبر الحصول على كلب جديد، إلا أنني كنت أرفض ذلك، لأني قررت أن أعيش على ذكراه، رافضاً كل العروض التي قدّموها لي خوفاً من كلب يعبث بذكرياتنا.
لم يدم الحال على هذا الحال، لأنّ المزرعة تحتاج لحراسة، والحراسة كما تعرفون لايمكن للحمار ولا للقط الاضطلاع بمسؤوليتها، فهي وجدت للكلاب، والكلاب خلقت لها.
عندما لاحظ صديقي بأنني بت أكثر لينا تجاه اقتناء كلب جديد، دقّ على صدره قائلا: أنا لها، غداً سأحضر لك كلباً من كلابي، وأعدك بأنه سيكون مطيعاً مخلصاً ككلبك الفقيد إن لم يكن أكثر، وبالفعل في اليوم التالي زارني صديقي، وقبل أن يصل إلى المزرعة صرخ من بعيد: لقد أحضرت ما وعدتك به، لقد أحضرت الكلب.
عندما اقترب سألته: أي واحد منن؟!
أجابني: اللي برقبتو جنزير، أما التاني فهو ابني الصغير.
تمعنت بكلبي الجديد، فوجدت أنه جميل حقاً، فقد كان ممشوق القامة، ضامر الخصر، يمتلك عينين عسليتين واسعتين، وقد غطى قسماً منهما شعره الأسود الفاحم المتدلي من أعلى رأسه، فأسميته على الفور: فرناندو.
كان فرناندو صاحب الاسم الأصلي هو بطل لأحد المسلسلات المكسيكية الملحمية ذات الألف حلقة، حيث مازلت أذكره، وأذكر الضجة التي أحدثها، لدرجة أنّ الشوارع كانت شبه فارغة أثناء بثه، وقد حدثت في تلك الأيام الكثير من المشاكل الزوجية بسبب اقتحام فرناندو حياة الأزواج، وكثرت أيضآ حالات العنوسة بسبب أنّ الفتيات كن يُردنّ خطيباً شبه فرناندو، يعني باختصار بات فرناندو مقياساً للجمال والأناقة والرومانسية بالنسبة للنساء، بينما كان بالنسبة للرجال محلّ حسد وغيرة وصلت لحدّ الكراهية.
ولكي لا يقول متصيّد بأنني كنت أحد هؤلاء الرجال الذين يغارون من المُمثل فرناندو، وبأني أطلقت على كلبي الجديد هذا الإسم انتقاماً منه، أحبُ أن أقول التالي: أنا لم أكن متابعاً لذلك المسلسل، لأن هذا النوع من المسلسلات لا تستهويني، ولم أكن في تلك الأثناء متزوجاً ولا عاشقاً، ولذلك لم أكن أشعر بخطورته عليّ كما كان حال المتزوجين والعشّاق في تلك الأيام.
ثانيا أنا ضدّ أن يطلق أحد ما اسم من يعتبره خصماً أو عدواً على كلبه كما يفعل البعض كنوع من الإنتقام، لأنّني أعتبر أنّ إطلاق هكذا أسماء على كلابنا هو إهانة لها، وتقليل من شأنها، إضافة إلى العُقَد التي ستصاب بها تلك الكلاب لأنها تعرف بفطرتها أن تسميتها بتلك الأسماء ناتج عن كراهية وليس عن حبّ، لذلك وانطلاقاً من خبرتي المتواضعة أنصح الجميع بأن يطلقوا أسماء أحبّتهم على كلابهم، كي يشعر الكلب بالحبّ والأمان.
نعود للكلب الذي وما أن قلت له بأني أطلقت عليه اسم فرناندو حتى نبح برضى، ولم أعرف سبب رضاه ذلك، هل أعجبه الاسم؟ أم أنه كان أحد المتابعين لذلك المسلسل ويعرف جيدآ ماذا يعني هكذا اسم بالنسبة لكلبات الجوار.
في البداية وكبادرة حسن نية، وبعد أن أطلقت عليه اسم يليق به، أحضرت له جنزيراً أطول لكي يكون له مساحة أكبر من الحرية، وعندما وجدت أن تفاعله مع الخطة جيدً قررت التخلّص من الجنزير نهائياً، فبدا الكلب فرناندو بمنتهى السعادة بعد أن نال حريته كاملة.
بالنسبة لي فأنا لديّ خطة كاملة للتعامل مع كلابي مهما كانت تلك الكلاب شرسة أو متمرّدة، كسولة كانت أم عدوانية، لأنّني أعتبر أن الكلاب الغربية ليست أفضل من كلابنا ولا أجمل، ولا حتى أذكى، لكن الظروف وطريقة التعاطي معها هي التي تعطي للكلاب الغربية الأفضلية، ولذلك تلاحظون وعندما تحدث مقارنة بين كلابنا وكلابهم نبدأ بجلد الذات، واصفين أنفسنا بأقذع المواصفات، مطلقين على الكلاب الغربية أجمل الصفات، وكأن الأمر يتعلّق بالجينات، وكأنّ كلابنا كتب عليها أن تبقى ذليلة منبوذة جعارية حتى قيام الساعة .
هذا الأمر أدركته باكراً، ولذلك أعطيت الكلب فرناندو المزيد من الحرية، كحرية التنقل، وحرية التفكير، وحرية الاعتقاد و الانتقاد ، وأعطيته حقّ المشاركة باتخاذ القرارات أيضاً، وغيرها من الحريات التي جعلته يشعر بالانتماء الحقيقي للمزرعة، وبأنه هو مهم جدأ وليس مجرد كلب لا اسم له ولا قيمة، وهذا يعني بأني بتّ على استعداد لمقارنة الكلب فرناندو مع أفضل كلب غربي.
مضت الأيام والشهور كنا فيها أعزّ صديقين، حيث كنّا فيها نتبادل النكات والمقالب ونتقاسم الطعام، فغدا الكلب فرناندو شريكاً حقيقاً في المزرعة، وكانت الرياضة الصباحية حاضرة يومياً، حيث كنا ننهب الدرب جرياً ترافقنا الفراشات والطيور، وتصفّق لنا الزهور بفرح.
لكن وللأسف لم يدم الحال على هذا النحو بعد دخول القطّة ماتيلدا على الخطّ.
كانت القطّة ماتيلدا قد سبق وقدّمت اعتمادها كصائدة للفئران، وبعد أن اجتمعت مع الكلب فرناندو بجلسة سرّية، وافقنا لأننا لاحظنا بأن الفئران تحاول جاهدة للسيطرة على المزرعة.
في البداية أثبتت القطّة ماتيلدا كفاءتها، حيث لاحظت بأنّ الفئران باتت في حالة ضعف وتقهقر، وهذا ما أسعدني لأنّ ذلك يعني بأنّ قراري وقرار الكلب فرناندو كان صائباً.
فيما بعد طرأ تغيير جديد على جوّ المزرعة، وذلك عندما نشأت صداقة قوية بين الكلب فرناندو والقطة ماتيلدا، وتلك الصداقة أثرت على عملهما حيث لم يعد فرناندو يقوم بعمله كما السابق، وعادت الفئران مرة أخرى للتكاثر ومحاولة السيطرة على المزرعة.
فلو سألني أحدكم في تلك الأيام: أين فرناندو؟
سأقول له بحزن: إنه يلعب مع ماتيلدا.
ولو سألني آخر عن ماتيلدا، سأجيبه بغيرة: إنها تلعب مع فرناندو.
ليس هذا فحسب، لأن انزعاجي لم يكن بسبب ما ذكرته، وإنمّا بسبب الوحدة التي شعرت بها، و الاكتئاب الذي عاد يطلّ برأسه مرة جديدة، وهذا الأمر دفعني للتفكير بخطة محكمة تفرط عقد الصداقة بين كليهما، خصوصاً وأنني لم أستطع طرد ماتيلدا من المزرعة، ليس فقط بسبب حاجتي لها، وإنما أيضاً لعدم توفّر أدلّة ملموسة تثبت تورطها في مؤامرة خارجية تهدف لهدم المزرعة، ولم ألحظ بأنّها تحمل أي أجندة هدّامة خاصة بها انقلابية كانت أم فكرية.
لم أجد خطة أفضل وأجدى من خطة طالما استخدمها المستعمرون فيما مضى، ويستخدمها الحكّام هذه الأيام كي يسيطروا على القطعان، وتلك الخطة كانت: فرّق تسد.
في أحد الأيام، وبينما كنت أبحث عن خطّة محكمة تفرّق بينهما شاهدت الكلب فرناندو يطمر عظمة تحت إحدى الشجيرات، وما إن غادر حتى تسلّلت على رؤوس أصابعي وسرقتها، وعندما عاد في اليوم التالي لم يجدها، فنظر لي نظرة مليئة بالغضب والاتهام، فقلت له: أنا لا علاقة لي، وكنوع من الإغراء أضفت بأن لديّ في البرّاد أشهى وأطيب المأكولات، وختمت بأني رأيت القطة ماتيلدا هذا الصباح تحفر في نفس المكان.
ما إن أنهيت كلامي حتى انطلق كالصاروخ باتجاه القطة ماتيلدا، الأمر الذي أخافها ودفعها للتسلّق إلى أعلى الشجرة، وهنا تدخّلت مدعياً بأني طرف محايد، وعملت على حلّ المشكلة بين الطرفين، والتي لم تنجز إلا بعد أن وقّعت القطة ماتيلدا على تعهد بعدم الاقتراب من منطقة الكلب فرناندو، وكنت في كل مرة أشعر بأنّ ثمّة شك لإعادة عرى الصداقة بينهما وتجاوز الماضي، أذكّر فرناندو بما فعلته ماتيلدا فيستشيط غضباّ، وأذكّر ماتيلدا باتهام فرناندو لها ظلماً ومدى كراهيته لها فتلتصق بي خوفاً.
عادت علاقتي بالكلب فرناندو كما كانت، بل أفضل لأنّه بات يعتبرني الصديق الصدوق، الوفي الأمين الذي لا يخون كما فعلت القطة ماتيلدا، وعدنا لرياضتنا الصباحية.
في أحد الأيام أقلقني ما حدث، حيث رأيت بالقرب من تلّة على كتف الدرب خيمة لراعي، وهذا ما أقلق الكلب فرناندو الذي قال بأنّه يخشى الغرباء الرحَّل الذين يعبثون بهوية المكان وذكريات أصحابه.
كان الراعي يمتلك عدة كلاب شرسة، وكنا في كل مرة نمرُّ من أمامها تنبح متوعّدة مهدّدة، إلا أنّ ما خفف خوفي ما قاله لي فرناندو ذات نباح: لا تخشً يا عزيزي، إن الأرض أرضنا، والهواء هواؤنا، ودعساتنا على الدرب توحي بذلك، أما بالنسبة لأولئك الغرباء فمصيرهم الرحيل.
سرّني ما قاله فرناندو لأنَّ هذا يعني بأنّ مساحة الحرية التي نالها جعلته شريكاً حرّاً، حيث لم يجد بأولئك الكلاب سوى كلاب غريبة لا يجمعه معها شيئ رغم اشتراكهم بالأصول والمعتقدات، ولم يرضى بأن يكون حصان طروادة في المزرعة، لأن انتماءه لها أهم من أيّ شيئ آخر.
في أحد الصباحات حدث ما كنت أخشاه، وذلك عندما هاجمتنا تلك الكلاب الشرسة، والتي استشاطت نباحاً، وكان الزبد يتساقط من افواهها بغزارة من شدة الغضب.
كنا اثنين، وكانت خمسة، وهذا ما دفعهم لتشكيل دائرة حولنا لتسهيل عملية الانقاض.
وقفت وفرناندو في وسط الدائرة متقابلي المؤخرتين كي يحمي كل منّا الآخر، ثم بدأت المعركة، و كان فرناندو كأبطال الأساطير الذين قرانا عنهم، حيث كان يجندل خصومه بضربة من حافره، أو عضة من فكّه القويّ، وكنت في كلّ مرّة يتسلل الخوف إلى قلبي أتطلّع نحوه، وعندما تلتقي عيناي بعينيه، كنت أستمد القوة والثبات منهما، وأبلي بلاء حسناً لا يقل عن بلائه.
انتهت المعركة بنصر مؤزّر، حيث هربت الكلاب الغريبة باتجاه خيمتها لاعقة مرارة الهزيمة، وجراحها العميقة.
لم ننقطع عن رياضتنا الصباحية، بل زاد اصرارنا عليها لنثبت لتلك الكلاب الغريبة بأنَّ الدرب دربنا والهواء هواؤنا، ولا يحقّ لهم منعنا من ذلك، وكنّا في كل مرة نمرّ من أمامها نمدّ ألسنتنا نحوها بسخرية، فكانت تختبئ بين الأغنام خجلاً وخوفاً.



#ريان_علوش (هاشتاغ)       Rayan_Alloush#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طبق الكرامة
- لا تصالح
- من يحرر يقرر
- فول وطعمية
- انصار ومهاجرين
- لقد خدعني ذلك الوغد
- ذكريات من الحارة
- شرقي سلمية نصب( من مآسي الحرب في سوريا)
- قصص قصيرة
- القاتل المتسلسل
- حمولاتنا الثقيلة
- الحرب العالمية الثالثة
- لقد فات الآوان
- نباح قبل النوم
- مجتمعات اخرطي
- أصحاب العمامات
- السوريون مرتزقة
- حمير الشرق
- نبوغ مبكر
- الماركسيون لا يمثلون الماركسية!!


المزيد.....




- حي المِسكيّة الدمشقي عبق الورق وأوجاع الحاضر
- لا تفوت أحداث مشوقة.. موعد الحلقة 195 من قيامة عثمان الموسم ...
- أزمة فيلم -أحمد وأحمد-.. الأكشن السهل والكوميديا المتكررة
- بي بي سي أمام أزمتي -والاس- و-وثائقي غزة-... هل تنجح في تجاو ...
- من هم دروز سوريا؟ وما الذي ينتظرهم؟
- حسان عزت كما عرفناه وكما ننتظره
- -الملكة العذراء-: أسرار الحب والسلطة في حياة إليزابيث الأولى ...
- مكتبة الإسكندرية تحتفي بمحمد بن عيسى بتنظيم ندوة شاركت فيها ...
- زائر متحف فرنسي يتناول -العمل الفني- المليوني موزة ماوريتسيو ...
- شاهد فنانة إيرانية توظّف الفن لخدمة البيئة والتعايش


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ريان علوش - كلاب الراعي الغريب