إضاءة في .. الجهل المقدس

يوسف يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8391 - 2025 / 7 / 2 - 07:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

اضاءة في .. الجهل المقدس
استهلال :
{ الفيلسوف الايطالي " جوردانو برونو " 1548 – 1660 م / جرى إحراقه حّيا في ساحة فيوري في مدينة روما بعد أن أمضى ثماني سنوات في مطامير محاکم التفتيش الرهيبة في القرون الوسطى . وقبل أن يحرق جوردانو في النار ، قام جلادو الباب بقطــع لسانه کي يمنعوه من التفوّه بما کانت محكمة التفتيش تراه کـفرا . وقد کان ذلك مصير معظم الفلاسفة والعلماء في عصر تفتيش معتقدات الكنيسة الكاثوليكية . وقد قيل إن " برونو " عندما ربطوه بقضيب من الحديد وجمعوا الحطب لإحراقه ، کان صامتا مستسلما من دون أن ينبس ببنت شفة ؛ ولكن حدث ما دفعه إلى أن ينطق بعبارة خلّدها التاريخ ، وکانت تلك الحادثة أن الناس رأوا امرأة عجوزا على حين غرّة وهي تحمل قطعة من الحطب ، ثم ألقتها في النار بعد أن نطقت باسم الله ، فما کان من " برونو " إلا أن خرج من صمته ، فلقد بدا أن عمل تلك العجوز آلمه حتى نخاع عظامه حتى صرخ قائلا : اللعنة عل هذا " الجهل المقدّس " . / نقل بتصرف وباختصار من موقع ثقافة عقلانية } .

الموضوع :
ما سبق ما كان يحدث في أوربا . وبذات الصدد الموروث الاسلامي - كتاريخ ، يحدثنا عن كم هائل من المفكرين والعلماء الذين قتلوا أو عذبوا نتيجة أفكارهم أو نظرياتهم أو معتقداتهم العلمية أو الدينية ، منهم على سبيل المثال وليس الحصر : 1 . { (" ابن المقفع" المولود في إيران عام 724 ميلادي . اضطهد ابن المقفع بسبب خلافه مع والي البصرة ، معاوية بن يزيد ما دفع الأخير إلى قتله ) - ( " أبو العلاء المعري "الفيلسوف المولود 973 م في حلب ، الملقب " رهين المحبسين " .. تم اتهامه بالزندقة لأنه كان يشكك ببعض عقائد الدين الإسلامي . وكان يشك أيضاً بقضية الوحي الإلهي واعتبر أن الدين هو صنيعة الإنسان .) / نقل بأختصار من موقع سبوتنك } .. { ( " جابر بن حيان " ولد ابن حيان في طوس / إيران ، في عام 721 م ، عاش في العصر العباسي ، واعتبر أول من استخدم الكيمياء عمليا في التاريخ فلقب ب "أبو الكيمياء" ، تم اتهامه بالزندقة والكفر ، والبعض اعتبره ساحرا من كبار السحرة ، وأنهى حياته في السجون ) - ( " الكندي " ولد الكندي عام 805 م . برع في علوم كثيرة كالفلسفة والمنطق والطب .. ويلقبه البعض ب " مؤسس الفلسفة العربية الإسلامية " ، وكعادة الفلاسفة كفر الكندي نتيجة لفكره واعتبره الكثيرين " منجما ضالا متهما في دينه " ) - ( " الرازي " ولد الرازي في إيران عام 864 م . ويصفه البعض بـ أعظم أطباء الإنسانية على الإطلاق .. تم اتهام الرازي بالإلحاد والزندقة مما أدى إلى النتيجة التي سعى لها خصومه منذ البداية فتم قتله ) . نقل بأختصار من موقع / الوطن } .

2 . أما في تاريخنا الحديث ، فسأنقل بعض الشواهد التي تدلل على الحكم على مفكرين نتيجة أرائهم الفكرية منهم : { ( " فرج فودة " 1945 - 1992 م كاتب ومفكر مصري ، ولد في مصر . اغتيل على يد الجماعة الإسلامية في 8 يونيو 1992 في القاهرة ، نتيجة أفكاره التي تضادد الجماعات الاسلامية ) ( " نجيب محفوظ " / 1911 - 2006 م ، الحائز على جائزة نوبل للأداب عام 1988 م .. في أكتوبر 1995 طُعن نجيب محفوظ في عنقه على يد شابين لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب روايته / أولاد حارتنا ، المثيرة للجدل ) ( " محمود محمد طه " مفكر ومؤلف سوداني / 1909 - 1985 م .. في عام 1951 أعلن مجموعة من الأفكار الدينية والسياسية سمى مجموعها بالفكرة الجمهورية .. كان للعلماء من مختلف المذاهب مآخذ كثيرة على الفكرة الجمهورية ، فعارضوها ورماه بعضهم بالردة عن الإسلام ، وحكم عليه بها مرتين ، أُعدم في آخرهما في يناير 1985 / في عهد جعفر نميري ) (" نصر حامد أبو زيد" 1943 – 2010 م أكاديمي مصري ، وباحث متخصص في الدراسات الإسلامية ومتخصص في فقه اللغة العربية والعلوم الإنسانية .. أثارت كتاباته ضجة إعلامية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي واتُهم بالردة والإلحاد . وحكمت محكمة مصرية بالتفريق بينه وبين زوجته قسراً ، على أساس أنه لا يجوز للمرأة المسلمة الزواج من غير المسلم)/ نقل بأختصار من الويكيبيديا }.

القراءة :
في هذه القراءة ، أبين من أن الشحن التعبوي للعامة ، من قبل شيوخ ورجال الدين ، يعمل من عملية القتل أمرا ألهيا ، خاصة أذا كان المنفذ جاهلا مغيبا - لأنه ينفذ ما يؤمر به .. هذا بعينه هو " الجهل المقدس " ، فيما يلي بعض الشواهد : * " الجهل المقدس " الجملة التي نطق بها الفيلسوف الايطالي جوردانو برونو - في القرن 16 ، سبقها قبل ذلك ، جهلا مقدسا أسلاميا ، لم يأتي من قبل امرأة ليس لها علم بما يجري برميها حطبا على برونو ، بل جاء من قبل الطغمة الحاكمة / الخليفة العباسي المقتدر بالله ، وبدفع من قبل فقهاء أهل السنة ، شاهدنا على ذلك مقتل الحلاج الذي سبق حرق " برونو " بقرون / حوالي 7 قرون ، حيث قتل في سبيل مبادئ الصوفية الي يؤمن بها ( قتل الصوفى الشهير أبو منصور الحلاج ، فى سنة 309 هجرية ، ولعل الغريب هو أن طريقة موته كانت صعبة حسبما يذكر بعض المؤرخين ، حيث تم صلبه وقتله والتمثيل بجثته .. وكان قد تم سجنه فى سنة 301 هجرية .. وأنه بعد ثمانى سنوات من السجن تم جلده 1000 جلدة ، وفى صبيحة اليوم التالى قطعت أطرافه وصلب على جذع شجرة ، أما فى صباح 25 ذى الحجة فقد قطع رأسه وصب النفط على بدنه وأحرق ثم حُمل رماده إلى رأس المنارة وألقى فى نهر دجلة / نقل بتصرف من موقع - اليوم السابع ) .
* و " الجهل المقدس " تمثل في عصرنا الحديث ، عندما وظف فرد جاهل أمي في تصفية مفكرين ! ، هذا الذي حدث في عملية اغتيال المفكرالمصري د . فرج فودة ، ففي سير التحقيقات ، تبين من أن القاتل جاهل ، وأمر القتل أتى من قبل شيوخ الأفتاء ، فقد جاء في موقع / صدى البلد ، بهذا الصدد التالي ، أنقله بأختصار { في تحقيقات النيابة المصرية اعترف عبد الشافي رمضان الذي أطلق النار من رشاش آلي على الدكتور فودة ، أن قتله كان بناءا على فتوى د . عمر عبدالرحمن - مفتي الجماعة الإسلامية ، بوجوب قتل المرتد ، وعندما سأله المحقق : ولكنك قلت في التحقيقات إنك أمي لا تقرأ ، وتعمل ببيع السمك فكيف قرأت الفتوى فرد قائلا : لم أقرأ ولكنهم قالوا لي } .
* وذات " الجهل " حصل في محاولة اغتيال الأديب نجيب محفوظ ، حيث ان القاتل لم يطلع على ما كتب محفوظ ، فقد ورد في موقع / بوابة الاهرام الألكترونية ( في سير تحقيقات النيابة المصرية ، تبين من أن القاتل فتحي السلماوي لم يقرأ أيًا من أعمال محفوظ .. وقد قام بمحاولة الاغتيال ، لأنه ينفذ أوامر أمير الجماعة / بفتوى أصدرها د.عمر عبد الرحمن ) .

اضاءة :
شيوخ الأسلام يفتون ، وقطيع الجهلة ينفذون ، معتبرين أن ما ينفذوه أمرا مقدسا - ويصب في خدمة الاسلام ، أما المنفذون ، فهم مغيبون ، بلا وعي ، يظنون أنهم ينفذون أمرا دينيا / يسهل قيادة العامة عن طريق الدين . هكذا ولد فيما بعد نهج ثقافة القتل ، فهو الأبن الشرعي للجهل المقدس ، الذي تبنته المنظمات الارهابية .. رجوعا للغرب ، فقد نفضوا الجهل المقدس منذ قرون ، وتبنته أمة الاسلام ، وبهذا أضاف الاسلام لجهله الماضوي ، جهلا اخرا هو الجهل المقدس .

#يوسف_يوسف (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين