سعد العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8391 - 2025 / 7 / 2 - 00:09
المحور:
كتابات ساخرة
في بلادٍ لا يطول فيها الانتظار، استيقظ حمدان على خبرٍ عاجل: فرمانٌ سلطاني صدر فجراً، يقضي بإحالة قاضي القضاة إلى فحص القدرات.
وصل الفرمان إلى وزارة الشفاء في ذات اليوم، فاستقبله الحاجب بلهفة، وأدخله إلى الوزير دون المرور بدفتر الوارد، إذ رافقته توصية صريحة من كبير الياوران.
همّش الوزير على الفور، كأنه كان بانتظاره منذ الأزل، وأمر بتشكيل لجنة من ألوان الطيف الطبي، مع توصية أن يكونوا من أصحاب الضمير.
اجتمعت اللجنة في اليوم الثاني، فحصت، دققت، حلّلت، تأمّلت، ثم سألت القاضي عن آخر مرة نطق فيها بحكم. فأجاب بثقة:
- قبل أن تُدخلوني إلى هذه الغرفة مباشرة!
عندها قرروا بالإجماع، وبأسرع قرار في تاريخ الطب، أن الرجل لا يصلح لهذا الزمان. ووقّعوا القرار بقلمٍ واحد، تفاديًا لأي لبس أو اختلاف، فالقلم في شريعتهم أصدق من المحاكم.
وفي ذات اليوم، حلق القرار كالسهم عائدًا إلى ديوان السلطان، الذي لم يتأخر لحظة، فأحال القاضي إلى التقاعد حسب القانون، رأفةً به، وتقديرًا لخدماته الجليلة، وختم كتاب الإحالة بشمع الديمقراطية الأحمر.
وفي اليوم الثالث، عُمّم كتاب الإحالة على جميع الدواوين… ما عدا ديوان النسيان، الذي كان مشغولًا بتحديث سجلاته القديمة.
استيقظ حمدان في اليوم الرابع مبكرا، فوجد قاضيًا جديدًا يجلس على الكرسي نفسه، يبتسم للكاميرا، وكأن الكرسي قد فُصّل على مقاسه منذ شهور.
ومن لهفته، توجه إلى مقهاه المعتاد، رشّ السكر على الشاي، وسأل صديقه:
- بالله عليك، أيّ الزمنين أسرع؟ زمن ذلك الرجل؟ أم هذا الزمن المليء بالرجال؟
ردّ الصديق وهو ينفث دخان سيجارته الرخيصة:
- لا تسأل عن الزمن يا صاحبي، فالزمن بريء من دم العدالة…
اسأل من يظننا نيامًا، أو يعتقد أن الكراسي أطول عمرًا من البشر.
ضحك الاثنان، وشربا الشاي، بينما كانت الأخبار تُعلن عن تشكيل لجنة جديدة لفحص الكرسي نفسه… فقد تبيّن، بعد مراجعة جهة صناعته، أنه هو الآخر بحاجة إلى تغيير.
#سعد_العبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟