لؤي الخليفة
الحوار المتمدن-العدد: 8386 - 2025 / 6 / 27 - 08:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في زقاق ضيق، حيث تمتزج رائحة الخبز اليابس بدخان الشاي المتصاعد من إبريق قديم، كانت الطفلة تسير بخطوات مترددة، تحتضن كيسًا يضم ما تبقى لها من ذكريات والدها. لم تكن تعرف كيف تبيع الصورة، لكنها كانت تعرف أن الجوع لا يرحم، وأن البيت بحاجة إلى ما يسد الرمق.
جلست على رصيف متآكل، فرشت أمامها الصور، وصوتها بالكاد يُسمع "صور للبيع...". كانت كلماتها أشبه بنداء موجوع، لا يهدف للربح، بل للاستغاثة.
مرّ الناس من حولها، بعضهم ألقى نظرة خاطفة، وآخرون أشاحوا بوجوههم وكأنهم يخشون أن تصيبهم اللعنة التي تحملها هذه الطفلة لكن شابًا يحمل إبريق شاي نحاسيًا، تبدو على وجهه آثار تعب الأيام، توقف أمامها. كان يعرف معنى الحاجة، فقد اعتاد التجول بين الأرصفة والطرقات، يبيع الشاي لمن يملك ثمنه، ويبتسم لمن لا يملك.
انحنى قليلًا، تأمل الصورة في يدها، رأى رجلاً يرتدي بزّة عسكرية، يبتسم كما لو أنه لا يزال حيًا. سألها بصوت دافئ:
"من هذا؟"
رفعت الطفلة رأسها، نظرت إليه بعينين غارقتين بالحزن وقالت: "إنه أبي... استُشهد ليحيا الوطن، لكن الوطن نسيَنا...".
تردد الشاب للحظة، ثم أخرج بعض النقود، وضعها في يدها واشترى الصورة. لم تقل الطفلة شيئًا، فقط أغمضت عينيها للحظة وكأنها تودّع والدها من جديد.
بعد خطوات قليلة، عاد إليها، مدّ يده بالصورة وقال برفق: "هذه لا تباع... هذه تُعلّق في البيت، في القلب. احتفظي بها يا صغيرة، واحتفظي بكرامتك، فمن ضحّى بحياته من أجل الوطن، لا يجوز أن تضيع ذكراه بين الأرصفة".
أخذت الطفلة الصورة بيدين مرتعشتين، تأملتها وكأنها تراها لأول مرة، ثم ضمّتها إلى صدرها بقوة. وفي تلك اللحظة، كان جمعٌ من المارة قد توقفوا، يراقبون المشهد بصمت، وقد انهمرت دموعهم جميعًا. بعضهم مسح دموعه بخجل، وآخرون وقفوا مذهولين أمام هذا الألم الصغير، أمام هذه الطفلة التي حملت في عينيها أكثر مما تستطيع طفلة أن تحتمل.
بينما كان الشاب يبتعد، يجرّ وراءه ظلّه الطويل وإبريقه النحاسي، يواصل رحلته مع الحياة، تمامًا كما كانت الطفلة تواصل رحلتها مع الفقد، ولكن هذه المرة، بكرامة محفوظة.
*هذه اللوحة شاهدتها على مواقع التواصل الاجتماعي ولا ادري ان كانت مشهدا حقيقيا او تمثيليا الا انه كان مؤثرا يخاطب الوجدان وذا جانب انساني...ويحمل في طياته وجعا يفوق الكلمات ويلامس الضمير , بل ورمزا للخذلان ,مشهد يحكي عن الفقد , الوجع , الجوع وعن الطفولة التي تنزف في ظل الظلم والجحود .
#لؤي_الخليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟