لؤي الخليفة
الحوار المتمدن-العدد: 8382 - 2025 / 6 / 23 - 01:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في زمن تتكاثر فيه الحروب وتتشابه صور الدمار، تبقى الحقيقة واضحة حين نتأمل في غزة: هناك من يسكن الأرض كأنها بيت للإيجار، وهناك من يسكنها كأنها الروح في الجسد.
رغم القصف الذي لم يُبقِ حجرًا على حجر، ورغم الجوع والحصار والقصف الذي ما توقف يوما والموت المحلّق في كل زاوية، يرفض الغزّيون مغادرة مدينتهم. ليس لأن الطريق مسدود فقط، بل لأن البيت ـ بالنسبة لهم ـ هو الوطن. هو ذاكرة الأجيال، هو التراب الذي حمل خطى الأجداد، وهو الحلم الذي لا يُختزل في جدران أربعة.
أكثر من مئتي ألف ما بين شهيد وجريح، ومع ذلك بقيت غزة صامدة، متشبثة بكل حبة تراب. عائلات بأكملها قضت تحت الركام، رجال , نساء واطفال ابيدوا وهم يتراكضون وراء رغيف خبز , لكن البقية لم تفرّ، بل أعادت ترتيب الأنقاض، وانتزعت من الموت حياة.
في المقابل، ومنذ بدء الهجمات الأخيرة، لم يتجاوز عدد قتلى الجانب الإسرائيلي العشرات، ومع ذلك انتشرت مشاهد الفرار نحو سيناء وقبرص وأبعد. لأنهم يدركون في أعماقهم أن هذه الأرض ليست لهم. لم يحملوها في القلب، ولم يرووها بالحنين، ولم يغرسوا فيها جذورًا تشدّهم حين تعصف الريح.
الفرق هنا ليس في القوة، بل في الانتماء. الفلسطيني في غزة لا يملك إلا بيته، لكنه مستعد للموت فيه، ولأجله. أما من يحتل الأرض بالسلاح، فيغادرها أول ما يتراءى له الخطر، لأن قلبه ظل خارجها.
الوطن لا يُقاس بعدد الطائرات ولا بحجم التسليح، بل بعمق الانتماء. بالقدرة على الصمود، على التحدي، على تحويل البيت الصغير إلى قارة من الكرامة.
ولا اجد بأسا ان اشيرهنا الى صورة ما غادرت مخيلتي قط لطفل كان
ينام على ركام منزله الذي هدته طائرات العدو، يده تحت رأسه، وتحت الوسادة مفتاح صدئ.
أمه تقف وراءه، بثوبٍ مغبر، وعينين جافتين من الدمع، كأنها تقول: "لن نغادر." لن نرحل لاننا هنا ... والبيت هنا .
وفي الزاوية المقابلة، حقائب تتناثر على الأرصفة، ووجوه تغادر بلا وداع… لأنها ببساطة، لم تأتِ لتبقى.
#لؤي_الخليفة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟