أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - عودة فلول الإرهاب إلى البلد الخراب















المزيد.....

عودة فلول الإرهاب إلى البلد الخراب


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8382 - 2025 / 6 / 23 - 23:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عودة فلول الإرهاب
إلى البلد الخراب

مدخل أول:

لا يطرح تفجير كنيسة مار إلياس في حيّ الدويلعة الدمشقي مجرد علامة استفهام، بل يوقظ كل ما ظُنّ أنه انتهى من أسئلة اللامسؤولية والارتباك الأمني. لأن الحادثة، بما تنطوي عليه من وضوح في الهدف وغموض في الأداء الرسمي، لم تُقابل بما يليق من يقظة أو حزم أو حتى عناية رمزية بأرواح الضحايا. وأن ما يزيد المشهد التباسًا أننا لم نقرأ نعيًا يليق، ولا بيانًا يُشعر الأهالي أن ذويهم سقطوا في عهدة دولة، لا في فجوة، مما يوسّع دائرة السؤال ويدفعنا للقول: ترى أين كان الحرس المفترض؟ وأين اختفت الكاميرات؟ ولماذا لم يخرج من يتحرّى ويتأكّد قبل أن يجيب من بنات خياله واتهاماته، وقبل أن تخرج التحليلات والتصنيفات؟
إذ حين تُستهدف كنيسة في قلب دمشق، فإنه يُفترض أن يتصدّر المشهدَ سؤالُ المسؤولية لا التصورات والأخيلة والرغبات، والمحاسبة لا المواربة، لأنّ أيّ طفل تُصاب أصبعه هو- أولًا وأخيرًا - تحت كفالة الدولة، لا تحت تقديرات الظن أو رمي الاتهامات جزافاً، وفك الحبل عن رقبة المجرم والمخطط ومن وراءهما!
عود للوراء:

لطالما أن الجريمة لا تأتي فرادى، بل تنبثق من رحم الخراب الوطني المركّب، فلا يبدو مستغربًا البتة أن تعود طلائع فلول الإرهاب- مرة أخرى- لتتجوّل وتنعق في خرائب سوريا، بعدما توهّم كثيرون أن صفحة الدم قد طُويت. لكن ما لم يُهدم من منظومة القتل، عاد اليوم في شكل آخر، تحت رايات مستعارة وشعارات خادعة ملفقة. من هنا نرى أن الذين هتفوا يومًا لحرية تُعيد كرامتهم وتعيد إليهم وطنهم، يقفون مجددًا على شفير الخديعة، فها هم يسمعون صدى التفجيرات، وهم يجدون، إلى جانب من هم من أبناء بلدهم يمكن إيلاؤهم الثقة، مقابل الأمان والاستقرار، فيما لو كانت الجهود المبذولة صادقة وحقيقية، من حولهم أشباح مرتزقة يُعاد تدويرهم ضمن لعبة دولية لا تعترف بالدم السوري إلا بصفته مادة خام لمشاريعها.
تأسيسًا على ذلك، فإن الثورة لم تجذب حولها السوريين من مختلف المكونات على أنها طائفية، ولم يكن السوريون حين انتفضوا منشغلين بانتماء الطاغية المجرم، بل بفعله ودائرته المستبدة من الطوائف كلها، ولم يوجّهوا أصابعهم إلى أي مكوّن ديني، بل إلى واجهة تُدار بها آلة البطش. أجل، لم تخرج الملايين كي تسقط طائفة، بل كي تسقط نظامًا صلب سلطته استباحة القانون، واحتكار القوة، وتفصيل الوطن على مقاس مصالح وأحلام وطموحات شراذم متلونة وملونة متسلّطة تُمعن في إذلال السوريين على اختلاف مشاربهم.
أما النظام البائد، فقد كان بارعًا في إدارة معادلة الانقسام الطائفي، ليس لحماية طائفة بعينها، بل لحماية طائفته الخاصة- طائفة النظام- التي كانت خلاصة وحثالة طوائف متعددة. قوامها من المنتفعين والمتورطين في شبكات الفساد والتسلط. هذه الطائفة الجديدة غير المعنونة دينيًا، كانت قائمة على الولاء لا على الإيمان، وعلى المصالح لا على العقيدة.
إنما اللافت أن بعض الوجوه التي تشوّهت في خدمة النظام استقواء أو إعانة واستعانة وصفاقة أو تصفيقًا- من خارج هذه الدوائر أو من داخلها- عادت اليوم لتُمنح أقنعة جديدة، تحاول من خلالها التبرؤ من دمها القديم، وتقديم نفسها كمعارضة نظيفة، في وقت لا تزال تمارس الدور ذاته: تضليل السوريين، وتجميل الانتهاكات، والتستر على التواطؤ. هؤلاء يعتلون المنصات الإعلامية، يهاجمون كل ناقد، ويخوّنون كل من يرفض التسويات الكاذبة، بينما يكرّسون من جديد الخطاب الذي شوّه الثورة.
من هنا، فإن على السلطة المؤقتة في سوريا أن تتحمّل مسؤوليتها، لا بوصفها خصمًا، بل بوصفها طرفًا بات في موقع القرار. لا يكفي أن تتموضع بوصفها ضحية المرحلة، بل يجب أن تكون في موقع الفاعل المسؤول، وخصوصًا في ملف وجود المقاتلين الأجانب، الذي بات عبئًا أخلاقيًا وسياسيًا لا يمكن تسويغه تحت أي ذريعة من ذرائع الوفاء أو رد الجميل، كمعادل لاستعانة النظام بالمرتزقة الإيرانيين أو من حزب الله أو غيرهم من الحشد الشعبي أو من عناوين ودول أخرى.
إن تبنّي هؤلاء الأجانب والدفاع عنهم بوصفهم جزءًا من مشروع التحرير، هو خطأ سياسي وأمني فادح. لأنهم لم يُحرروا المدن، ولم يبنوا مؤسسات، بل تورّطوا في ارتكاب انتهاكات، كما الفصائل المرتزقة التابعة الحاضنة، وشكّلوا أداة إضافية لتشويه الثورة، وتقديم الذرائع للسلطة السابقة كي تواصل جرائمها، قبل سقوطها المدوي. إن استمرار وجودهم في سوريا، وتجنيسهم، ومنحهم المراتب والرواتب، يمثّل خطرًا متصاعدًا لا على المستوى الأمني فقط، بل على مستوى الأجيال المقبلة. هؤلاء المعتمد عليهم- كـثوار وهم مرتزقة مأجورين أو مُضلَّل بهم- من جنسيات أجنبية ينبغي إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، شأن مقاتلي داعش وممن سُمّين بالمجاهدات المقترنات بهم وأسرهم على حد سواء، لا تسليمهم إلى دمشق التي لا تملك لا الإرادة ولا القدرة على معالجة هذه المعضلة، بل غالبًا ستستخدمهم كأوراق ضغط أو أدوات تصفية، وقد تتبناهم كمن تبنتهم من المرتزقة المستجلبين إلى صفوف الفصائل المشابهة لداعش والتي انصرفت لتكون أدوات بأيدي تركيا وقطر وسواهما للحرب على السوريين، وثورتهم التي ولدت نتيجة ظروف القهر على نحو عفوي، معافاة، إلا أنه تم تحريف بوصلتها من قبل جهات عديدة، عبر المال السياسي.
كما أن أطفال هؤلاء الجناة يجب ألا يُتركوا فريسةً لثقافة الانتقام أو التطرّف، بل ينبغي أن يُخضعوا لبرامج رعاية وتأهيل تحت إشراف دولي محايد، يُعيد إليهم إمكان الاندماج في مجتمعاتهم، ويمنع تكرار الكارثة. أما الذين يهاجمون كل صوت ناقد، ويجتهدون في تسويغ الأخطاء الكارثية، فهم الوجه الآخر للاستبداد، وإن بدت شعاراتهم مختلفة. هؤلاء الذين يدافعون عن وجود الأجانب، ويسوغونه، ويسفّهون من يدعو إلى مراجعة جذرية، إنما يعملون على تقويض ما تبقى من أمل.
عود على بدء:
إن جريمة كنيسة مار إلياس، وما أحاط بها من ارتباك أمني، تفرض مساءلة فورية لا تحتمل التأجيل. لا يمكن للسلطة المؤقتة أن تكتفي بالصمت أو الخطاب الفضفاض، بل عليها أن توضّح للرأي العام: من المسؤول؟ وما الذي يجب تغييره في السياسة الأمنية؟ وكيف سيتم التعامل مع الجماعات المتطرفة التي ما زالت قادرة على تنفيذ هجمات بهذا المستوى؟
إن ما نعيشه ليس خطر الإرهاب بحدّ ذاته، بل خطر الفشل في بناء بديل يليق بتضحيات السوريين. لا نحتاج إلى منقذ جديد، بل إلى دولة حقيقية، بمؤسسات شفافة، وعدالة واضحة، ومسؤولية صريحة لا تتوارى خلف الشعارات.
أما من ظنّوا أن من نجا من الاستبداد سيقبل باستبداد ملوّن، فليعلموا أنَّ الذاكرة لا تُمحى، وأن الدم لا يُنسى، وأن الجريمة، حين تعود، لا تعود من خارج الخراب، بل من صلبه، إن لم يتم اجتثاث جذوره كاملة.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسيح الذي صلب في الدويلعة!
- -طفل إبسن- في بلاد اللحى: من قال لا؟
- عندما تصير الأغنية وزارتي ثقافة ودفاع الأغنية توأم جبال الكر ...
- الشرق الأوسط الكبير: لماذا لا تكون المبادرات داخلية بدلًا عن ...
- هل بدأ العد التنازلي لفاتحة حربٍ عالمية ثالثة؟ أنباء عن استخ ...
- أما آن للعالم أن يطوي حقبة الحروب؟ الطغاة يدفعون الأبرياء إل ...
- جمهورية مهاباد في ذكراها التاسعة والسبعين: تساقط أضلاع مربع ...
- إيران: من ثورة الكاسيت الثورة إلى إمبراطورية المشانق- حضارة ...
- إيران: من ثورة الكاسيت الثورة إلى إمبراطورية المشانق القمع- ...
- الثورة السورية: تطهير الاسم قبل إعادة البناء
- نداء من أجل حسين هرموش
- التمثيل والكتابة والضجيج: عن موت القراءة وغياب المرجعيات!
- الفيدرالية السورية من عفوية التفكك إلى ضرورة التنظيم
- الاتحاد الديمقراطي: فرصة تاريخية لتصحيح المسار ب. ي. د، ما ل ...
- تجنيس الإرهاب ووطنية المثقف الكردي
- وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ النقد اليومي: هَلْ نَحْنُ هُوَاةُ أَذَى ...
- نغوجي واثيونغو حين كتب بلغته كي لا يُمحى شعبه... دروس لكردست ...
- خطر الأدوات التركية في سوريا الإيغور نموذجًا بين الخطة الأرد ...
- طمأنات زائفة بين نقد الواقع ومكيجته
- إعادة تدوير التطرّف: كذبة تُهدد الدستور


المزيد.....




- مصادر في الخليج توضح لـCNN موقفها بشأن وقف إطلاق النار بين إ ...
- الحرب الكورية التي لم تنتهِ، كيف بدأت؟
- ثماني طرق تساعدك على التخلص من -المماطلة-
- هل تستفيد غزة من نهاية الحرب بين إسرائيل وإيران؟
- الموت بحثا عن الطعام في غزة.. استخدام الغذاء سلاحا في غزة جر ...
- سوريا: توقيف عدد من المتورطين بتفجير كنيسة مار إلياس بدمشق ا ...
- مسلسل موبلاند: حين تحاصر المخاطر أكبر عائلة مافيا في لندن
- عبر الخريطة التفاعلية نتعرف على أبرز الهجمات الإيرانية على إ ...
- رئيس الوزراء القطري: نؤثر دوما الدبلوماسية والحكمة على أي شي ...
- دراسة: التفاؤل يقلل من فقدان الذاكرة


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - عودة فلول الإرهاب إلى البلد الخراب