|
تنتهي الإبادة الجماعية ليبدأ القصاص
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 16:42
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
بقلم كريس هيدجز ترجمة: سعيد مضيه
"والمؤسسة التي تحمل اسما ساخرًا، مؤسسة غزة الإنسانية ، تغري الفلسطينيين بالقدوم إلى جنوبي قطاع غزة بالطريقة التي أغرى بها النازيون اليهود الجائعين في غيتو وارسو لركوب القطارات إلى معسكرات الموت. الهدف ليس إطعام الفلسطينيين؛ لا أحد يجادل بجدية في وجود ما يكفي من الطعام أو مراكز المساعدات. الهدف هو حشر الفلسطينيين في مجمعات شديدة الحراسة وترحيلهم"، يكتب كريس هيدجز، صحفي الاستقصاء الأميركي، في وصف أحد أساليب الإبادة الجماعية في غزة .
لا شيء يُنسى ولا أحد يَنسى
فاربت الإبادة الجماعية على الاكتمال ؛ وعندما تكتمل ستكون قد فضحت الإفلاس الأخلاقي للحضارة الغربية. هذه هي النهاية. الفصل الأخير الملطخ بالدماء من الإبادة الجماعية. سينتهي قريبًا، أسابيع على الأكثر. مليونا إنسان يخيمون بين الأنقاض أو في العراء. يُقتل ويُجرح العشرات يوميًا جراء القذائف والصواريخ والطائرات المسيرة والقنابل والرصاص الإسرائيلي. إنهم يفتقرون إلى المياه النظيفة والأدوية والغذاء. لقد وصلوا إلى حافة الانهيار. مرضى. مصابون. مرعوبون. مهانون. متروكون، معدمين. جائعين. يائسين. في الصفحات الأخيرة من قصة الرعب هذه ، تُغري إسرائيل الفلسطينيين الجائعين بوعود الطعام، وتجذبهم إلى الشريط الضيق والمزدحم من الأرض الممتد لتسعة أميال على الحدود مع مصر. إسرائيل والمؤسسة التي تحمل اسما ساخرًا، مؤسسة غزة الإنسانية ، والتي يُزعم أنها ممولة من وزارة الدفاع الإسرائيلية والموساد، تستخدم التجويع سلاحا. إنها تغري الفلسطينيين بالقدوم إلى جنوبي قطاع غزة بالطريقة التي أغرى بها النازيون اليهود الجائعين في غيتو وارسو لركوب القطارات إلى معسكرات الموت. الهدف ليس إطعام الفلسطينيين؛ لا أحد يجادل بجدية في وجود ما يكفي من الطعام أو مراكز المساعدات. الهدف هو حشر الفلسطينيين في مجمعات شديدة الحراسة وترحيلهم. ماذا سيحدث بعد ذلك؟ منذ زمن طويل وانا متوقف عن محاولة التنبؤ بالمستقبل. لدى القدر طريقته لإدهاشنا؛ لكن سيجدث انفجار إنساني نهائي هناك في مسلخ غزة البشري. نرى ذلك في الحشود المتزايدة من الفلسطينيين يكافحون للحصول على طرد غذائي، الأمر الذي أسفر عن مقاولين من القطاع الخاص، إسرائيليين وأميركيين، يردون بالرصاص 130 فلسطينيا ويجرحون سبعمائة آخرين في الأيام الثمانية الأولى من توزيع المعونة. نرى ذلك في تسليح بنيامين نتنياهو لعصابات مرتبطة بتنظيم داعش في غزة، والتي تنهب الإمدادات الغذائية. إسرائيل هي التي دبرت انهيار المجتمع المدني، إذ قتلت المئات من موظفي الأنروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى) ، أطباء وصحفيين وموظفين حكوميين ورجال شرطة في اغتيالات مستهدفة. أظن أن إسرائيل ستسهل اختراق السياج على طول الحدود المصرية. سيتدفق الفلسطينيون اليائسون إلى سيناء المصرية. ربما ينتهي الأمر بطريقة أخرى. لكنه سينتهي قريبًا. لم يعد بإمكان الفلسطينيين تحمل المزيد. نحن - المشاركين الكاملين في هذه الإبادة الجماعية - سنكون قد حققنا هدفنا المجنون المتمثل في إفراغ غزة وتوسيع إسرائيل الكبرى. سوف نُسدِل الستار على جريمة غير شرعية مرتكبة بقصد مبيت تجري على مرأى شعوب العالم .. سنكون قد سخرنا من برامج الدراسات الجامعية المنتشرة عن الهولوكوست، والتي اتضح أنها ليست مُصممة لتأهيلنا لإنهاء الإبادة الجماعية، بل لتأليه إسرائيل الضحية، ضحية نكتة سمجة . الإدراك بأننا عندما كانت لدينا القدرة على وقف الإبادة الجماعية نمتنع عن الفعل، نكون بذلك مذنبين، ولو لم نقترف جريمة. ضحية للأبد! الإبادة الجماعية سياستها العامة ، بموافقة الحزبين اللذين يتناوبان الحكم. لم يبق ما يقال. ربما هذا هو القصد. أن يتعذر علينا النطق ؛ من منا لا يشعر بالشلل؟ وربما هذه أيضا هي القصد . أن تشلّ حركتنا. من منا لا يُصاب بصدمة نفسية؟ وربما كان ذلك مُخططًا له أيضًا. يبدو أن لا شيء نفعله بمقدوره وقف المقتلة؛ . نشعر أننا بدون حماية، الإبادة الجماعية عرضٍ مُذهل. توقفتُ عن النظر إلى الصور. صفوف الجثث الصغيرة المُكفنة. رجالا ونساءً قطعت رؤوسهم. عائلات أُحرقوا أحياءً في خيامهم. الأطفال الذين فقدوا أطرافهم أو أصيبوا بالشلل. وجوه مقنعة بالأبيض لمن انتُشلوا من تحت الأنقاض. صرخات الحزن. الوجوه الهزيلة. لا أستطيع. سوف تطاردنا هذه الإبادة الجماعية؛ سوف يتردد صداها عبر التاريخ بقوة تسونامي؛ ستُفرّقنا إلى الأبد. لا عودة للوراء. وكيف سنتذكر؟ بدون ذاكرة . بمجرد أن تنتهي الكارثة، كل من دعم، وكل من تجاهل، وكل من لم يفعل شيئًا، سيعيد كتابة التاريخ، بما في ذلك تاريخه الشخصي. كان من الصعب العثور على أي شخص يقر في ألمانيا ما بعد الحرب أنه نازيّ أو عضو في جماعة كلو كلوكس كلان بعد انتهاء الفصل العنصري في جنوبي الولايات المتحدة. من الأبرياء. أمة من الأبرياء، حتى انهم ضحايا. نفس الأمر. نود ان نعتقد أننا كنا سننقذ آن فرانك، والحقيقة مغايرة. الحقيقة أننا، وقد أصبنا بالكساح نتيجة الخوف، يندر اننا جميعا لن ننقذ سوى أنفسنا، حتى على حساب الآخرين. لكنها الحقيقة التي يصعب مواجهتها. هذا هو الدرس الحقيقي للهولوكوست. من الأفضل محوها. في كتابه "يومًا ما، سيظل الجميع معارضين لهذا على الدوام "، يكتب عمر العقاد: "لو أن طائرة مسيرة احالت روحًا مجهولة على الجانب الآخر من الكوكب الى بخار، من منا يريد إثارة ضجة؟ ماذا لو اتضح أنهم إرهابيون؟ ماذا لو ثبتت صحة التهمة المطعون فيها، والصقت بنا بالنتيجة تهمة التعاطف مع الإرهاب، ونُبذنا، وتعرضنا للهجوم ؟ تلك هي على العموم الحالة إذ يندفع الناس بأكبر قدر من الحماس نحو أعظم ما يريدونه لأنفسهم . "بالنسبة للبعض، قد يكون أسوأ ما يمكن تقبّله هو نهاية سلالتهم بضربة صاروخية. ستتحول حياتهم بأكملها إلى أنقاض، وكل ذلك بمبرر محاربة الإرهابيين، الذين يفترض انهم أرهابيون بحساب أنهم قضوا وانتهوا. اما بالنسبة للآخرين فأسوأ امر يقبلونه هو الصراخ بوجوههم". ليس بمقدورك، دون ان تستثير ردة فعل ، إبادة شعب ، أو تنفيذ قصف مكثف على مدار 20 شهرًا لتدمير منازلهم وقراهم ومدنهم، أو ذبح عشرات الآلاف من الأبرياء، أو فرض حصار لضمان مجاعة جماعية، أو طردهم من الأرض التي عاشوا عيها قرونًا. ستنتهي الإبادة الجماعية؛ وسوف يبدأ الرد على حكم إرهاب الدولة. إن اعتقدت أن ذلك لن يحدث، فأنت لا تعرف شيئًا عن الطبيعة البشرية أو التاريخ. إن مقتل دبلوماسيين إسرائيليين اثنين في واشنطن والهجوم على مؤيدي إسرائيل أثناء احتجاجات بولدر بولاية كولورادو، ليسا سوى البداية. وصف حاييم إنجل، الذي شارك في الانتفاضة في معسكر الإبادة ، سوبيبور النازي في بولندا، كيف هاجم بسكين أحد الحراس المسلحين بالمعسكر. أوضح إنجل بعد سنوات: "إنه ليس قرارًا". أنت تستجيب بردة فعل غريزية ، مع ذلك، وفكرتُ: "هيا بنا، لنفعلها". ومضيت ، مضيتُ مع الرجل في المكتب وقتلنا هذا الألماني. مع كل ضربة، كنتُ أقول: "هذا انتقام لأبي ، وهذا انتقام لأمي، من أجل كل هؤلاء، من أجل جميع اليهود الذين قتلتموهم". هل يتوقع أي فرد من الفلسطينيين التصرف خلافا لهذا. كيف سينتقمون، حين يدعم الأوروبيون والأمريكيون حرب إبادة جماعية قتل فيها آباؤهم وأطفالهم وسكان حارتهم، واحتلوا بلادهم ، وفجروا مدنهم وحولوها الى انقاض، زاعمين انهم طلائع الحضارة ؟ ما الرسالة التي أوصلتها هذه الإبادة الجماعية، ليس فقط للفلسطينيين، بل لجميع سكان الجنوب العالمي؟ رسالة واضحة لا لبس فيها. أنتم بلا قيمة ؛ القانون الإنساني لا ينطبق عليكم؛ لا نبالي بمعاناتكم، ولا بمقتل أطفالكم. أنتم حثالة، لا قيمة لكم. تستحقون القتل والتجويع والتشريد. يجب مسحكم من على وجه الأرض. يكتب العقاد: "للحفاظ على قيم العالم المتحضر، لا بد من إحراق مكتبة... تفجير مسجد. إشعال النيران في أشجار الزيتون. ارتداء ملابس داخلية لنساء هربن ثم التقاط صور؛ تسوية جامعات بالأرض؛ نهب مجوهرات وأعمال فنية وأطعمة ومحتويات بنوك؛ اعتقال أطفال لحملهم على قطف الخضراوات؛ إطلاق النار على أطفال قذفوا الحجارة. عرض الأسرى وهم بملابسهم الداخلية. كسر أسنان رجل، وإدراج فرشاة مرحاض في فمه؛ إطلاق كلاب شرسة على رجل مصاب بمتلازمة داون ثم تركه ليموت؛ بدون هذه الأفعال ربما ينتصر العالم غير المتحضر." أناس عرفتهم قبل سنوات، ولن أبادلهم الحديث مرة أخرى؛ يعرفون ما يجري ، من لا يدري؟ لن يخاطروا بالوقوف ضد زملائهم؛ الإساءة لسمعتهم بتهمة اللاسامية ، أو تقويض مكانتهم، أو توبيخهم، أو فقدان وظائفهم. لا يخاطرون بالموت كما يفعل الفلسطينيون؛ أجل يخاطرون بتلطيخ معالم تدعو للرثاء، لمكانة وثروة بائسة هدروا الحياة وهم يبنونها؛ أصنام. يركعون أمام هذه الأصنام؛ يعبدونها، وهم مستعبدون لها. عند أقدام هذه الأصنام يستلقي عشرات آلاف الفلسطينيين ممن تم اغتيالهم. ملحوظة للقرء: لم يعد أمامي الآن سبيل لمواصلة كتابة عمود أسبوعي في صحيفة "شير بوست" وإنتاج برنامجي التلفزيوني الأسبوعي دون مساعدتكم. فالحواجز تسد بسرعة مذهلة على الصحافة المستقلة ، حيث تُطالب النخب، بما فيهم نخب الحزب الديمقراطي، بفرض المزيد من الرقابة. أرجو منكم، إن أستطعتم ، تسجيل أسمائكم على الموقع ادناه *، كي اتمكن من مواصلة نشر عمودي يوم الاثنين في صحيفة "شير بوست" وإنتاج برنامجي التلفزيوني الأسبوعي "تقرير كريس هيدجز". *chrishedges.substack.com
. ............................................................................................................................
The Last Days of This is the end. The final blood-soaked chapter of the genocide.
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جدل السياسة والثقافة في التباسات المأساة الفلسطينية
-
السياسة والثقافة في التباسات المأساة الفلسطينية
-
ألتربية النقدية تقاوم الفاشية من خلال إحياء التاريخ
-
مخطط لإنقاذ غزة .. أوقفوا الهمجية الصهيو امبريالية
-
صندوق النقد الدولي أداة النهب الامبريالي .. أفريقيا نموذجا
-
فاشية ترامب تدعم قتل أطفال غزة وتقلص برامج رعاية الأطفال بال
...
-
الشرق الأوسط .. حكام سلبيون ونيران حروب يشعلها الطامعون
-
عدوان صهيو امبريالي.. الصمت تواطؤ والاكتفاء بالاستنكار والإد
...
-
تدهور القيم الأخلاقية بالغرب الامبريالي
-
الجنوب العالمي: نهضة باندونغ ومصدات الرأسمالية العالمية أ
-
التستر على الإبادة الجماعية بغزة بتركيز البروباغاندا على خطر
...
-
فلسطين عرّت عالم الكذب والتزوير في الغرب
-
كارثة غزة امام العدل الدولية من جديد ولم يساند إسرائيل غير ا
...
-
الرواية الصهيونية فقدت بريقها وتكشف تهافتها
-
تلفيقات تفضح الإصرار على ارتكاب جرائم الحرب
-
الغرب منحاز للبيض المسيحيين في الالتزام بحقوق الإنسان
-
إخفاق المقاومة المسلحة يوجب الشروع حالا بتحريك المقاومة الشع
...
-
فاشية ترامب تدمر مراكز المقاومة الذاتية لدى المجتمع والأفراد
-
مساع أميركية محمومة لخنق التضامن مع الشعب الفلسطيني (2من2)
-
مساع أميركية محمومة لخنق التضامن مع الشعب الفلسطيني (1من2)
المزيد.....
-
فرنسا تؤجل قرار الإفراج عن اللبناني جورج عبد الله أقدم سجين
...
-
بعد أربعة عقود في السجن... محكمة باريس تحسم مصير جورج عبد ال
...
-
بالعاصمة بيكين: نبيل بنعبد الله يلتقي مسؤولين رفيعي المستوى
...
-
ليبيا.. ضبط أحد المتهمين بقتل المتظاهرين في -مجزرة غرغور- بط
...
-
فرنسا: الناشط اللبناني جورج عبد الله أمام القضاء يوم 17 يولي
...
-
شبيبة القطاع الفلاحي تعبر عن تضامنها مع طلبة معهد الزراعة وا
...
-
حركة النضال العمالي والشعبي بالمغرب وكفاح فلسطين
-
صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 16 يونيو 2025
-
العدد 609 من جريدة النهج الديمقراطي
-
“المستأجرين” بالاسكندرية تدعو لتأسيس فروع للرابطة.. والحكومة
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|