أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - سعيد مضيه - الجنوب العالمي: نهضة باندونغ ومصدات الرأسمالية العالمية أ















المزيد.....

الجنوب العالمي: نهضة باندونغ ومصدات الرأسمالية العالمية أ


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 8347 - 2025 / 5 / 19 - 14:03
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


" تواصل روح باندونغ تُجسيد مُثُلَ مناهضة الاستعمار، ومعاداة الإمبريالية، وقيم السلام، والعدالة، وتقرير المصير، والتضامن - مُثُلٌ صاغتها شعوب آسيا وأفريقيا، لدى بدايات النضالات من أجل التحرر من الكولنيالية ومقاومة الإمبريالية... ولعل أكبر عقبة أمام نظام عالمي جديد وعادل واقع أن جميع الدول لا تزال محشورة جزءًا لا يتجزأ من نظام رأسمالي عالمي".. هكذا ترصد شالمالي غوتل ووالدن بيلو القوة الدافعة والمصدات المعيقة لمجموعة دول الجنوب العالمي. شالمالي غوتل كبيرة المحللين لدى "تركيز على الجنوب العالمي" و والدن بيلو، رئيس مجلس إدارة المركز، في مقالتهما "تأكيد روح مؤتمر باندونغ 1955 في الزمن الراهن".

باندونغ وفييتنام

كانت وثيقة باندونغ في المقام الأول وثيقة مناهضة للكولنيالية ، ومن المشجع أن نلاحظ أن العديد من الحكومات والشعوب في الجنوب العالمي قد احتشدت خلف شعب فلسطين في مكافحته للإبادة الجماعية والاستعمار الاستيطاني في غزة والضفة الغربية. في هذا الصدد دمت النموذج جنوب أفريقيا، إذ رفعت دعوى الإبادة الجماعية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، بدعم رسمي من 31 حكومة أخرى.
حقق مؤتمر باندونغ ( أبريل ١٩٥٥) مكانة تاريخية أسطورية لدول الجنوب العالمي. كانت هناك العديد من الروايات التي سلطت الضوء على سلبياتها؛ من بينها، التمثيل الضعيف لقادة دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وغياب تمثيل أمريكا اللاتينية؛ والطريقة التي وجدت بها التنافسات الجيوسياسية للحرب الباردة طريقها إلى الاجتماع؛ وإضفاء الشرعية على الدولة القومية كوحدة رئيسية للتفاعل بين شعوب العالم ما بعد الاستعمار على حساب السبل الأخرى للتعبير عن التضامن وتسخيره؛ والعواقب المخيبة للآمال التي تجسدت في حرب الحدود بين الهند والصين في جبال الهيمالايا عام 1962.على الرغم من هذه التأكيدات المهمة بلا شك، وإن كانت قابلة للقول بأنها تنقيحية، فقد حققت "لحظة باندونغ" مكانة أسطورية منذ ذلك الحين، رغم أن التعبير عنها في وقائع المؤتمر ربما لم يكن مثاليًا؛ إلا أن روح الوحدة ما بعد الاستعمارية بين الشعوب الصاعدة في الجنوب العالمي سادت المؤتمر. علاوة على ذلك، شكّلت روح باندونغ دافعًا مستمرًا للعديد من الفاعلين السياسيين لإعادة إنتاجها في صورتها الأصلية المُتخيلة، مما أدى إلى عدم الرضا عن المظاهر المتتالية لتضامن العالم الثالث. إن الاحتفال بروح باندونغ لا يقتصر على إحياء ذكرى مرور سبعين عامًا على مؤتمر آسيا وأفريقيا، بل يؤكد ما يعنيه الوفاء لمبادئه ومُثُله اليوم.
يصادف أبريل 2025، الذكرى السبعين لباندونغ، الذكرى الخمسين لإعادة توحيد جمهورية فيتنام الاشتراكية. أعادت الاحتفالات التي شهدتها مدينة هو تشي منه خلال الأيام القليلة الماضية إلى الأذهان صور تلك الهزيمة الحاسمة للإمبراطورية الأمريكية - الصور الأيقونية لدبابة تابعة لجيش الشعب وهي تقتحم بوابة القصر الرئاسي في سايغون، والإجلاء المحموم للمتعاونين من سطح السفارة الأمريكية بطائرة هليكوبتر. بالنظر إلى الماضي، كانت الهزيمة في فيتنام بمثابة الضربة القاضية التي وُجهت إلى الجيوش الأمريكية في القرن الماضي، وهي ضربة لم تتعافَ منها حقًا. صحيح أن الإمبراطورية بدت وكأنها استعادت قوتها عامي 2001 و2003، مع غزو أفغانستان ثم العراق ، إلا أن هذا الوهم تبدد مع الخروج المذعور والمخزي للولايات المتحدة وحلفائها الأفغان من كابول عام 2021؛ أعادت للأذهان صوره ذكريات الهزيمة الساحقة في سايغون قبل عقود
كانت الهزائم في فيتنام وأفغانستان بمثابة خاتمة مأساوية لهزيمة الإمبراطورية عسكريا، والتي كانت لها تداعيات هائلة على الصعيدين العالمي وفي قلب الإمبراطورية. أكد مؤتمر باندونغ مبدأين أساسيين هما "احترام سيادة جميع الدول وسلامة أراضيها" و"عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة أخرى". وقد تطلب الأمر مقاومة حازمة من شعوب فيتنام والشرق الأوسط وأجزاء أخرى من العالم لإجبار الولايات المتحدة وحلفائها على إدراك عواقب انتهاك هذين المبدأين؛ إلا أن ذلك كان على حساب ملايين الأرواح في الجنوب العالمي؛ ليس مؤكدا بأي حال أن عصر التدخل الغربي العدواني قد انتهى.

الصعود والثورة المضادة

ربما كان البعد الاقتصادي أقل درامية للصراع بين الجنوب العالمي والشمال العالمي منذ باندونغ؛ لكنه لم يكن أقل أهمية؛ كان بنفس القدر من التعقيد. تلا مؤتمر باندونغ تأسيس حركة عدم الانحياز في بلغراد عام ١٩٦١، وتشكيل مجموعة الـ ٧٧، وتأسيس مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد). بلغ هذا التصاعد في نضال دول الجنوب العالمي من أجل التغيير الهيكلي في الاقتصاد العالمي ذروته مع الدعوة إلى النظام الاقتصادي الدولي الجديد عام ١٩٧٤.
ثم بدأت الثورة المضادة. مستغلةً أزمة ديون العالم الثالث أوائل الثمانينيات. فُرضت سياسات التكيف الهيكلي على دول الجنوب العالمي عبر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ووكالات الأمم المتحدة، مثل مركز الأمم المتحدة للشركات عبر الوطنية، أُلغيت أو جُرِّدت من أنيابها، وحلت منظمة التجارة العالمية محل الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة، وأزاحت الأونكتاد جانبًا. كانت منظمة التجارة العالمية، "جوهرة التاج في التعددية"، تهدف إلى تأديب دول الجنوب العالمي ليس فقط بقواعد تجارية تُفيد دول الشمال العالمي، بل أيضًا بأنظمة مُناهضة للتنمية في مجالات حقوق الملكية الفكرية والاستثمار والمنافسة والمشتريات الحكومية.
بدلًا من "عقود التنمية" الموعودة التي بشرت بها خطابات الأمم المتحدة، شهدت أفريقيا وأمريكا اللاتينية عقودًا ضائعة في الثمانينيات والتسعينيات، وفي عام 1997، أنتهت"المعجزة الاقتصادية الآسيوية" بتأثير أزمة مالية إقليمية هائلة، أثارها رأس المال المضارب الغربي وبرامج التقشف التي فرضها صندوق النقد الدولي.
على الرغم من أن معظم الحكومات خضعت لبرامج التكيف الهيكلي التي فرضها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي[ الليبرالية الجديدة]، إلا أن بعضها، مثل الأرجنتين وفنزويلا وتايلاند، قاومت بنجاح، بدعم من مواطنيها. لكن المجال الرئيسي للصراع الاقتصادي بين الشمال والجنوب كان منظمة التجارة العالمية؛ فقد أحبطت الشراكة بين حكومات دول الجنوب والمجتمع المدني الدولي اعتماد ما يُسمى بجولة سياتل خلال المؤتمر الوزاري الثالث لمنظمة التجارة العالمية في سياتل. ثم خلال المؤتمر الوزاري الخامس في كانكون عام 2003، انسحبت حكومات الدول النامية انسحابًا دراميا لم تتعافَ منه منظمة التجارة العالمية أبدًا؛ بل فقدت جدواها كوكالة رئيسية لدول الشمال في التجارة العالمية والتحرير الاقتصادي

صعود الصين ومجموعة البريكس
شكّل الشعور بالمصلحة المشتركة والعمل معًا لمعارضة مبادرات دول الشمال العالمي في منظمة التجارة العالمية أساس تشكيل مجموعة البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا)، التي برزت تدريجيًا كقطب بديل لنظام القطب الواحد الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
الصين هي ركيزة مجموعة البريكس؛ جمهورية الصين الشعبية، التي هزمت الإمبريالية على مدى خمسة عقود من النضال في النصف الأول من القرن العشرين، دخلت بثقة في صفقة شيطانية مع الغرب: مقابل توفير عمالة رخيصة، سعت إلى جذب استثمارات أجنبية ضخمة، والأهم من ذلك، تكنولوجيا متقدمة. وافق على الصفقة رأس المال الغربي، الساعي إلى تحقيق أرباح هائلة من خلال استغلال العمالة الصينية؛ لكن الصين هي التي حصلت على النصيب الأكبر من الصفقة، حيث شرعت في عملية تصنيع حثيثة جعلتها الاقتصاد الأول في العالم حتى اليوم (بحسب المقياس المستخدم بالطبع). كان لصعود الصين آثار كبيرة على دول الجنوب العالمي. لم يقتصر الجهد الصيني على توفير موارد ضخمة للتنمية، لتصبح، على حد تعبير أحد المحللين، "أكبر بنك للتنمية في العالم"؛ بل وفرت الصين أيضًا مساحة سياسية للجهات الفاعلة بالجنوب العالمي كي تتخذ خيارات استراتيجية ، من خلال تقليل الاعتماد على الوكالات المالية التي يهيمن عليها الغرب والدائنون الغربيون.
اكان الوجه الآخر للتصنيع الفائق في الصين هو تراجع التصنيع في الولايات المتحدة وأوروبا،؛ وهذا أدى ، إلى جانب الأزمة المالية العالمية عام 2008، إلى أزمة عميقة في هيمنة الولايات المتحدة، مما قدح شرارة التطورات الجسيمة الأخيرة، مثل حرب ترامب التجارية ضد الأصدقاء والأعداء على حد سواء، وهجماته على حلفاء الولايات المتحدة التقليديين الذين اتهمهم باستغلال الولايات المتحدة، وتخليه عن منظمة التجارة العالمية، بل عن النظام متعدد الأطراف الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، وتقليصه المستمر للأصول الاقتصادية والعسكرية الأمريكية في نصف الكرة الغربي وإعادة تركيزها.
ساهمت كل هذه التطورات في اللحظة المتقلبة الراهنة، حيث يميل ميزان الصراع بين الشمال والجنوب لصالح الجنوب.

الخطاب والواقع في الجنوب العالمي اليوم

غير ان الارتقاء بروح باندونغ وتعزيزها يتطلب أكثر من مجرد ترجيح كفة الميزان الجيوسياسي والجيواقتصادي لصالح الجنوب العالمي. حثّ المبدأ الأول لإعلان باندونغ على "احترام حقوق الإنسان الأساسية وأغراض ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة". لعب نهرو وناصر وتشو إن لاي أدوارًا بارزة في باندونغ، ولكن هل يُمكن القول إن الحكومات التي مثلوها ظلت وفية لهذا المبدأ؟ تُحكم الهند اليوم من قِبَل حكومة قومية هندوسية تُعامل المسلمين كمواطنين من الدرجة الثانية؛ وقد انخرط النظام العسكري في مصر في انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، وتُمارس بكين الاستيعاب الثقافي القسري للأويغور. من الصعب أن نرى انسجاما مع مبدأ باندونغ في تلك الأفعال الصادرة عن هذه الحكومات وغيرها من الحكومات التي بادرت إلى المؤتمر التاريخي، مثل بورما حيث تُمارس المجلس العسكري إبادة جماعية، وسريلانكا التي تشهد عقودًا من الحرب الأهلية العنيفة، متسقة مع هذا المبدأ.
حقا، تُهيمن نخبٌ على مُعظم دول الجنوب العالمي، سواءً من خلال الأنظمة الاستبدادية أو ليبرالية ديمقراطية تخضع شعوبها لأوضاع فقر مزرية. صادمة هي مستويات الفقر وعدم المساواة. يبلغ مُعامل جيني البرازيل 0.53، مما يجعلها واحدة من أكثر الدول لامساواة بالعالم؛ كما يعكس مُعدل الصين، 0.47، تفاوتًا هائلًا، على الرغم من النجاحات الملحوظة في الحد من الفقر. في جنوب أفريقيا، يبلغ معامل جيني 0.63، وهو رقمٌ مذهل، ويعيش 55.5% من السكان تحت خط الفقر. في الهند، شهدت مستويات الدخل استقطابًا على مدى العقود الثلاثة الماضية، مع زيادة ملحوظة في أعداد المليارديرات وغيرهم من أصحاب الثروات الكبيرة.
جماهير غفيرة من سكان الجنوب العالمي، بمن فيهم السكان الأصليون والعمال والفلاحون وصيادو السمك والمجتمعات البدوية والنساء، يكابدون حرمانات اقتصادية. وفي الديمقراطيات الليبرالية، مثل الفلبين والهند وتايلاند وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وكينيا، المشاركة بالإدلاء بأصواتهم في انتخابات دورية محدودة غالبًا ما تكون بلا معنى. نماذج الاستثمار والتعاون بين بلدان الجنوب، مثل مبادرة الحزام والطريق واتفاقيات التجارة الحرة تفضي في أحايين كثيرة الى الاستيلاء على الأراضي والغابات والمياه والمناطق البحرية، واستخراج الثروات الطبيعية لأغراض غير التنمية الوطنية. السكان المحليون - وكثير منهم من السكان الأصليين – هُجّروا من مناطق سكنهم وفقدوا سبل عيشهم وأراضيهم وممتلكاتهم المتوارثة إزاء شح إمكانات اللجوء إلى القضاء والحصول على العدالة، الأمر الذي يبعث شبح الاستعمار المحلي والثورات المضادة.
كما ذُكر سابقًا، أرسى مؤتمر باندونغ مفهوم الدولة القومية كأداة رئيسية للعلاقات عبر الحدود بين البلدان. لو جرى تمثيل الحركات العالمية، مثل الحركة الأفريقية، والحركة النسائية، والحركة العمالية، والحركة الفلاحية، في مؤتمر 1955، لربما كان بإمكان حركات التضامن العابرة للحدود، التي أقيمت مؤسساتها بعد باندونغ، ان تقاوم سطوة النخب على الحكومات المحلية او تخفف من ضغوطاتها. ولعل أولئك الذين يدافعون عن حق الشعوب في تقرير المصير، وإعادة توزيع الموارد والفرص والثروات داخل الحدود الوطنية، لم يكونوا ليتعرضوا للشيطنة والاضطهاد باعتبارهم مخربين وخطرين على مصلحة الوطن.
في لحظة التحول العالمي لراهنة، ومع تورط النظام متعدد الأطراف القديم الذي هيمن عليه الغرب في دوامة اضمحلال بلا رجعة، يحتاج عالم القطبية المتعددة الجديد إلى مؤسسات جديدة متعددة الأطراف. التحدي، خاصة للقوى الكبرى في الجنوب العالمي، لا يكمن في إنشاء نسخة طبق الأصل من النظام القديم الذي يهيمن عليه الغرب، حيث القوى المهيمنة لم تحتج سوى الى تسخير الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية ومؤسسات بريتون وودز لفرض إرادتها وأفضلياتها بشكل غير مباشر على الغالبية العظمى من الدول. فهل ستتمكن مجموعة البريكس، أو أي نظام متعدد الأطراف بديل آخر، من تجنب تكرار نظام القوة والتسلسل الهرمي القديم؟ للأمانة، الأنظمة السياسية والاقتصادية الحالية لدى أقوى دول الجنوب العالمي لا توحي بالثقة.

باندونغ وشبح الرأسمالية المستمر
زمن انعقاد مؤتمر باندونغ، كان الاقتصاد السياسي العالمي أكثر تنوعًا. هناك الكتلة الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفيتي. وكانت هناك الصين، بدفعها نحو الانتقال من الديمقراطية الوطنية إلى الاشتراكية. وكانت هناك دول محايدة، مثل الهند، تسعى إلى طريق ثالث بين الشيوعية والرأسمالية. خلال عقود التحول النيوليبرالي في كل من الشمال والجنوب العالميين، اختفى هذا التنوع. ولعل أكبر عقبة أمام نظام عالمي جديد وعادل واقع أن جميع الدول لا تزال محشورة جزءًا لا يتجزأ من نظام رأسمالي عالمي، حيث يظل السعي وراء الأرباح محرك التوسع الاقتصادي، مما يخلق تفاوتات كبيرة ويشكل تهديدًا للكوكب. ربما تكون المراكز الدينامية للرأسمالية العالمية قد انتقلت، على مدى الخمسمائة عام الماضية، من البحر الأبيض المتوسط إلى هولندا إلى بريطانيا إلى الولايات المتحدة، والآن إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ؛ غير أن الرأسمالية لا تزال تخترق أبعد بقاع العالم وترسّخ وجودها في المناطق التي استعبدتها. على الدوام تذيب الرأسمالية كل ما هو صلب في الهواء، كما ورد في بيان شهير، تقيم اللامساواة داخل كل مجتمع وفيما بين المجتمعات تفاقم وتشكل خطرا جديا في العلاقة بين الكوكب والمجتمع البشري، بل وتهدد بجعلها نهائية.
هل بالامكان تحقيق طموحات باندونغ دون إرساء نظام علاقات اقتصادية واجتماعية وسياسية لما بعد رأسمالية؟ نظام يتيح للناس، بكل تنوعهم وقوتهم، المشاركة في والاستفادة على قدم المساواة، بعيدًا عن عنف التعصب والعنصرية والسلطة الأبوية والاستبداد، ومن العبودية لتنمية لا تنتهي تُدمر الكوكب؟ هذا هو السؤال، أو بالأحرى هذا هو التحدي، و"المهمة غير المُنجزة" لباندونغ. تنعكس في المبادئ العشرة التي تُشكل أساس روح باندونغ في القانون الدولي لحقوق الإنسان؛ غير انها اخضعت لتلاغب ساخر كي تخدم مصالح محددة ، جيوسياسية وجيواقتصادية وعرقية وجندرية . لذا، يقتضي الوفاء لروح باندونغ في عصرنا أن نتجاوز تخوم باندونغ؛ تواصل روح باندونغ تُجسيد مُثُلَ مناهضة الاستعمار، ومعاداة الإمبريالية، وقيم السلام، والعدالة، وتقرير المصير، والتضامن - مُثُلٌ صاغتها شعوب آسيا وأفريقيا، لدى بدايات النضالات من أجل التحرر من الكولنيالية ومقاومة الإمبريالية، كتل بشرية ضحّوا بأرواحهم من أجل الحرية. رغم تحقيق الاستقلال من السيطرة الكولنيالبة - مع استثناءاتٍ ذات خصوصية مثل فلسطين، وبابوا الغربية، وكاناكي – تتواصل نضالات الطبقات العاملة في الأرياف والمدن من أجل التحرر من استغلال الرأسمالية ونهبها للثروات الأرضية، ومن التحالفات الفاشية القائمة ما بين الرأسمال والدول الاستبدادية.
هل بالإمكان إنجاز طموحات باندونغ دون إقامة نظام علاقات اقتصادية – اجتماعية – سياسية لما بعد الرأسمالية؟ نظام يتيح للناس، بكل تنوعهم وقوتهم ، المشاركة في ، والاستفادة على قدم المساواة ، بعيدا عن عنف التعصب والعنصرية والسلطة الأبوية والاستبداد، وعن العبودية لتنمية مستدامة تدمر الكوكب؟ هذا هو السؤال ، أو بالأحرى هذا هو التحدي ، "والمهمة التي لم تنجز" من مبادئ باندونغ.
"التاريخ كابوسٌ أحاول الاستيقاظ منه"، هذا ما جاء على لسان إحدى الشخصيات في رواية شهيرة . قد يبدو العالم وكأنه على أعتاب حقبة جديدة، بما تحمله من وعود بنظام عالمي جديد؛ غير ان الجنوب العالمي لم يزل عليه ان يستيقظ من كابوس الأعوام الخمسمائة الماضية. فليس من قبيل المصادفة تزامن نشوء الرأسمالية بخضوع الجنوب العالمي للكولنيالبة. ولن ينتهي هذا الكابوس حقًا إلا بتشكل نظام دولي ما بعد الرأسمالية.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التستر على الإبادة الجماعية بغزة بتركيز البروباغاندا على خطر ...
- فلسطين عرّت عالم الكذب والتزوير في الغرب
- كارثة غزة امام العدل الدولية من جديد ولم يساند إسرائيل غير ا ...
- الرواية الصهيونية فقدت بريقها وتكشف تهافتها
- تلفيقات تفضح الإصرار على ارتكاب جرائم الحرب
- الغرب منحاز للبيض المسيحيين في الالتزام بحقوق الإنسان
- إخفاق المقاومة المسلحة يوجب الشروع حالا بتحريك المقاومة الشع ...
- فاشية ترامب تدمر مراكز المقاومة الذاتية لدى المجتمع والأفراد
- مساع أميركية محمومة لخنق التضامن مع الشعب الفلسطيني (2من2)
- مساع أميركية محمومة لخنق التضامن مع الشعب الفلسطيني (1من2)
- اسرائيل تعرض للخطر أنظمة عربية ارتبطت بها
- االمقاومة الفلسطينية.. هزائم ليست حظا عاثرا ولا قدرا معاندا
- العلم يدعم القضية الفلسطينية وهو الفريضة الغائبة عند العرب
- كابوس الثقافة الفاشية يجثم على المجتمع الأمريكي
- هل انتقاد إسرائيل خارج القانون؟
- فضيحة أميركا الحقيقية تتضح في العدوان على اليمن
- المقاومة الشعبية كفيلة بإفشال خطة التهجير (1من2)
- الدفاع عن الحريات المدنية معركةحاسمة
- الامبريالية والصهيونية عنصرية التفوق العرقي افضت الى مجازر ا ...
- الامبريالية والصهيونية ..عنصرية التفوق العرقي افضت الى مجازر ...


المزيد.....




- رسالة عبد الله أوجلان ومستقبل الاضطهاد القومي في كوردستان
- بين سطور رسالة اوجلان
- حزب التقدم والاشتراكية ينعى وفاة الرفيق الحاج محمد الزعيم
- أوجلان يطالب بتحول جذري في العلاقة التركية الكردية
- البرتغال: الحزب الحاكم يفوز بالانتخابات التشريعية واليمين ال ...
- حل حزب العمال الكردستاني ومصير التواجد التركي في العراق
- أوجلان: ثمة حاجة إلى -تحول كبير- لإصلاح علاقة تركيا بأكرادها ...
- أوجلان يدعو لميثاق جديد قائم على -حق الأخوة- بين الأكراد وال ...
- أوجلان يدعو إلى -تحول كبير- في العلاقة بين أنقرة والأكراد بع ...
- البابا ليو يدعو إلى مزيد من الوحدة العالمية ويندد بمخاطر الر ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - سعيد مضيه - الجنوب العالمي: نهضة باندونغ ومصدات الرأسمالية العالمية أ