أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - سعيد مضيه - الشرق الأوسط .. حكام سلبيون ونيران حروب يشعلها الطامعون















المزيد.....



الشرق الأوسط .. حكام سلبيون ونيران حروب يشعلها الطامعون


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 8357 - 2025 / 5 / 29 - 10:50
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


"هكذا إذن، هاجمت الولايات المتحدة شعوبًا في جميع أنحاء الشرق الأوسط أولًا، ثم ساعدت في تمويل تطرفهم (بأموال السعودية التي هي أموال أمريكية)، ثم غزت بلدانهم، وارتكبت جرائم حرب جسيمة، وارتكبت أعمال عنف وإذلال لا توصف ضد السكان المدنيين، ثم انسحبت بسرعة، تاركة وراءها الأسلحة التي ستؤدي حتمًا إلى تأجيج الصراعات الداخلية العنيفة." ينطلق الكاتبان الأمريكيان، إريك إليوت وغرانت إنسكيب ، لتحميل الولايات المتحدة مسئولية مشاكل المنطقة، تتخذ مواقف متضاربة من مساعي إسرائيل الكبرى . إريك إليوت مدرس يكتب في الجغرافيا السياسية، والفلسفة، والتاريخ، والعدالة الاجتماعية. غرانت إنسكيب ناشط من دنفر بولاية كولورادو، ويقيم حاليًا في فينيكس بولاية أريزونا. يكتب عن الاقتصاد الاجتماعي، والفلسفة، والجغرافيا السياسية على إنستغرام @

أميركا وإسرائيل كيانان ام كيان واحد؟!

على مدار الأسابيع القليلة الماضية، كثر الحديث عن الخلاف المزعوم بين نتنياهو وترامب. وكما هو الحال مع الكثير من الأمور المتعلقة بعمل كلا النظامين، يصعب تحديد مدى جدية هذا الخلاف وإلى أي مدى يكون مسرحية سياسية؛ ولكن كما هو الحال دائمًا، تتخذ فرق وزارة الخارجية من كلا الجانبين القرارات الحقيقية بطريقة لا يمكن تقييمها على الفور من قبل أجهزة الإعلام.
ما صدم الكثيرين هو اعتقادهم الخاطئ بأن إسرائيل ولجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) تُمليان السياسة الخارجية الأمريكية، لذا يبدو لهم هذا وكأنه نوع من التغيير غير المتوقع. في الواقع، لطالما كانت واشنطن هي المتحكمة، حيث تعمل إسرائيل كنوع من الوجود المرتزق الدائم في الشرق الأوسط - محاطة بجيران معادين، وعليها القيام بالعمل القذر لصالح الدولة الوحيدة القادرة على تزويدها بالموارد التي تبدو لا حصر لها واللازمة للحفاظ على التفوق العسكري والهيمنة الأمنية التي يتطلبها مجتمعها. يتوجب الإشارة إلى أن أولوية وزارة الخارجية الأمريكية لإسرائيل كحليف دائم في المنطقة لم تتعزز إلا بعد أدائها في حرب عام ١٩٦٧، على الرغم من أن إدارة أيزنهاور بدأت تحولاً ضرورياً نحو إسرائيل منذ عام ١٩٥٨، حيث برز الاهتمام بحليف آمن في المنطقة بشكل واضح خلال أزمة السويس. أكدت نتائج حرب الأيام الستة عام ١٩٦٧ تقييمات الاستخبارات الأمريكية بأن إسرائيل كانت القاعدة الموثوقة الوحيدة للدعم الأمريكي غير المقيد في المنطقة، بوجه قومية عربية علمانية والقدرات الذاوية للدولتين البريطانية والفرنسية للحفاظ على هيمنتهما الاستعمارية بالمنطقة.ترجمة سعيد مضيه
من المفضل لنا في مرحلة التحول التاريخي عدم الخلط بين الاقتتال الداخلي في القصر والصراع الحقيقي. على كل الأحوال ، إذا برز الانقسام، يمكن لقيادة كل دولة أن تستفيد من الظهور بمظهر النزوع لتقديم المعونة للأخرى حال ظهور التوترات. على الرغم من أن واشنطن بالتأكيد هي المستفيد الأكبر من انقسام العلاقات العامة المصمم لوضع حكومة الولايات المتحدة على منبر النبالة، بافتراض انها وقعت في شباك دوامة نظام إسرائيلي لا يمكنها السيطرة عليه. في الواقع، يمكن للولايات المتحدة التحكم بالسياسة الإسرائيلية بمجرد إغلاق صنبور الأسلحة المتقدمة والمساعدة الاستخباراتية والمساعدات الاقتصادية والدعم الدبلوماسي الحاسم على الساحة العالمية.
بالتالي، فإن رفضهم القيام بذلك يُظهر بوضوح رغباتهم في المسار الذي تمضي فيه هذه المرحلة الحالية من "الصراع" المستمر. ولهذا السبب كان مفكرون بارزون منهم نعوم تشومسكي يشيرون لإسرائيل على أنها نوع من "سبارطة الفعالة" للعصر الحديث بالنسبة للإمبراطورية الأمريكية. فكما تصرف الإسبارطيون قوةً لليونانيين في العالم القديم، كذلك تعمل إسرائيل كقوة محاصرة، وبالتالي قوة عدوانها مُبرر، في منطقة رأى الغرب على الدوام في السيطرة عليها دورا مركزيا للطاقة العالمية والهيمنة على النقل البحري . وجود هذه الرصيد العسكري الإسرائيلي بالتحديد هو ما يُشكّل المقدمة لديناميات الشرق الأوسط في تحولها في الزمن الحالي.

الشرق الأوسط والحرب الباردة الجديدة

مع توقع انتهاء الحرب في أوكرانيا، يُغدو الشرق الأوسط الجبهة الرئيسية للحرب الباردة الجديدة بين الإمبراطوريتين الأمريكية والصينية، حيث قوى الخليج الكبرى بالذات تمضي في وضعية عدم انحياز رغم علاقاتها الوثيقة، الاقتصادية والعسكرية، مع الغرب. أفضل توصيف يمكن تقديمه لحالة دول الخليج الجيوسياسة، بينما تتطلع الولايات المتحدة وإسرائيل لتوسيع اتفاقيات أبراهام التي قادها ترامب (والتطبيع مع إسرائيل) لتشمل ليس فقط الإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن والمغرب والبحرين والسودان، بل وكذلك السعودية، القوة الإقليمية الرائدة وعضو أوبك، بالإضافة إلى سوريا التي انتزعها المرتزقة الأتراك والغربيون مؤخرًا من الأسد، الذي أبرم اتفاقيات استراتيجية واقتصادية مع بكين العام الماضي.
تريد الولايات المتحدة أساسًا دمج إسرائيل في نظام تحالف مع مجلس التعاون الخليجي - جميع حلفاء الغرب ممن توجد قوات أمريكية على أراضيهم لأغراض أمنية ودفاعية (أي لتقديم خدمة في استخراج الموارد). إلى حد ما، تريد الولايات المتحدة وإسرائيل إنشاء تحالف إقليمي شبيه بحلف الناتو لاحتواء توسع القوة الإيرانية. وهذا يعني توسع النفوذ الصيني والروسي في منطقة معروفة جيدا بأنها مفتاح الهيمنة العالمية، نظرا لكونها المزود بأكثر من ثلث احتياجات العالم من الطاقة. تقومان بذلك بتسليح الإسرائيليين وهي تضرب بقوة شبكة وكلاء إيران، بينما ينخرطون أيضًا في مبادرات دبلوماسية لتعزيز علاقة إسرائيل السلمية مع حلفاء أمريكا في المنطقة. حتى أن الولايات المتحدة تشارك مباشرة في المغامرات العسكرية بالذات ، إلى جانب مرتزقة بريطانيين والشريك الأصغر من سوريا والعراق وصولًا إلى اليمن.
في هذه الأثناء، ينوي خصوم الغرب استخدام إيران سهم اختراق بالشرق الأوسط، بينما يعززون كذلك قوتهم في منطقة البحر الأحمر من خلال إنشاء مواقع بحرية روسية في السودان وربما إريتريا. بالإضافة إلى القوات الموالية لروسيا (المعروفة أيضًا باسم الكتائب التابعة لموسكو في إفريقيا، والمعروف سابقًا باسم مجموعة فاغنر) التي تنطلق من مصر لشن عمليات في ليبيا، بالإضافة لاستخدام الموانئ الليبية نفسها للدعم اللوجستي. خلال الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة[ في فقرات لاحقة يذكر الكاتبان الإبادة الجماعية بغزة-المترجم] ، كشف وكلاء إيران الآخرون، من العراق إلى اليمن، أيضًا عن نقاط ضعف رئيسية في مواقف الدفاع الأمريكي والغربي بالمنطقة، بما في ذلك على وجه الخصوص حيث اعتمدت الولايات المتحدة تقليديًا على شراكات مفترضة تتيح ممارسة استثمارات مخففة كقوة ناعمة، وكل ذلك يسلط الضوء على انفراجات واضحة للقوة الصينية والروسية كي ترسخ مواقعها بشكل أكبر في الشرق الأوسط الكبير.
الجوانب الرئيسة لاندفاع الصين باتجاه قلب السيطرة الأمريكية، ليس فقط بالشرق الأوسط، بل النظام الاقتصادي العالمي حقا، مع اتساع نفوذها، هو دق إسفين في العلاقة بالغة الأهمية بين الولايات المتحدة والسعودية. هذه العلاقة هي ما يتيح لواشنطن هذا النفوذ الهائل على النظام المالي الدولي والتجارة العالمية. يُعتبر السعوديون امتدادًا للمصالح المالية الأمريكية، نظرًا لكونهم ثاني أكبر منتج للنفط في العالم. (الولايات المتحدة هي الأكبر) وأعظم مالك للدولار الأمريكي (مصدّر للنفط على نطاق العالم. الدولار هو العملة التي تُدير بها السعودية، وغيرها من مُنتجي الطاقة، أعمالها التجارية إلى حد كبير، وهو ما يُطلق عليه الكثيرون "البترودولار"، حيث شكّل العمود الفقري لاستقرار الاقتصاد العالمي منذ عام ١٩٤٤ كعملة احتياط. من الأسهل بكثير استثمار عائدات التصدير بالدولار الأمريكي نظرًا لكونه العملة الأكثر تداولًا بالعالم، وتعتمد معظم المؤسسات المالية الكبرى الى حد كبير عليه وعلى قاعدته من النفط الخام، مما يجعله الأسهل استخدامًا، ولمدة زمنية تقرب من القرن ، العملة الأكثر موثوقية للاحتفاظ بالقيم؛ جميع الحكومات في أنحاء العالم تشتري سندات الخزانة الأمريكية لأنها استثمارات منخفضة المخاطر مدعومة بإيمان وائتمان الحكومة الأمريكية والدولار الأمريكي.

الخليج مفتاح المنطقة

في السنوات الأخيرة، تزايد توجه المنافسين الجيوسياسيين للولايات المتحدة نحو إجراء المزيد من الأعمال التجارية بالعملات البديلة. اليوان الصيني أو الرنمينبي على وجه الخصوص، بينما الصين تفكر أيضا بعملة مشتركة تدعمها دول البريكس لتقليل الاعتماد على مجموعة الدول السبع أو عملات الغرب. في السنوات الأخيرة، تزايد توجه المنافسين الجيوسياسيين للولايات المتحدة نحو إجراء المزيد من الأعمال التجارية بالعملات البديلة، لا سيما اليوان الصيني أو الرنمينبي، مع أن الصين تدرس أيضًا إصدار عملة مشتركة تدعمها دول البريكس لتقليل الاعتماد على مجموعة الدول السبع أو العملات الغربية. تعززت، بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة علاقات الصين بدول الخليج، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، خاصة في مجال التنمية الاقتصادية. تُعدّ الصين أكبر مستورد للنفط في العالم، وبالتأكيد سوق تسعى لزيادة وصولها إلى إمدادات الطاقة من الشرق الأوسط في السنوات المقبلة؛ كما ساهمت الصين في التوسط لإعادة العلاقات بين إيران والسعودية، مما أثار قلقًا بالغًا لدى القطاعات الغربية في الإمبراطورية الأمريكية من استعراض بكين لقوتها الناعمة في المنطقة. حتى أن واشنطن اقترحت ممرًا تجاريًا مع الاتحاد الأوروبي والهند يمر بدول الخليج ردًا على النفوذ الصيني المتزايد في الشرق الأوسط. ويُعتبر هذا الممر، الذي يُطلق عليه اسم الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، منافسًا محتملًا لمبادرة الحزام والطريق الصينية، المصممة لتحويل التجارة العالمية بعيدًا عن النظام الأمريكي.
الكل يخمن اين تتجه هذه التوترات الجيوسياسية، لكن السياسة الصينية ستتمثل بالتأكيد في توسيع تكاملها الاقتصادي مع دول الخليج، بينما تسعى للتعامل مع أي تصعيد مستقبلي للعنف في المنطقة، والذي من المؤكد أن يشمل البرابرة الغربيين بواشنطن، الذين يصعدون ضغوطاتهم الوقحة والخطيرة . تحاول الصين بحكمة لعب دور وسيط السلام، في تناقض صارخ مع العدوان الأمريكي في أرجاء الشرق الأوسط. وهذا سيتيح بالتأكيد لبيكين ميزة دعائية كبيرة في مسعاها لانتزاع السيطرة على شبه الجزيرة العربية من الإمبراطورية الأمريكية، لكن الشرق الأوسط منطقة تشهد صراعًا دائمًا - مقصودا إلى حد كبير - وتوترات طائفية لن تُحل بسهولة. من ثم يلوح بالتأكيد في الأفق كميات كبيرة من العنف، والمؤسي عمليات عسكرية، تشن أكثريتها حكومة الولايات المتحدة - مما يرفع احتمالات اعتمادها نمطا تميل اليه بقوة تتعاظم بينما تبدأ بالتساقط عتلاتها الأخرى للسيطرة .
لا تريد أي من دول الشرق الأوسط غير المنحازة - تركيا ، العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة ومصر- التورط في الحرب الباردة التي قد تُعيق تنميتها وتُعرقل جهودها للهيمنة الإقليمية. من ثم فهي تجامل الطرفين في هذا الصراع المتقلب على الهيمنة العالمية. في الوقت الراهن، ستبقى هذه القوى شكليا في معسكر الغرب ومجموعة السبع، معتمدةً على المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية والأوروبية لتمكينها من السيطرة الفعلية على مجتمعاتها، بينما تمضي في توسيع علاقاتها مع دول البريكس (والصين أبرزها) يحدوها الأمل في تعظيم إنتاجها الصناعي وتنميتها الاقتصادية. بهذأ الأسلوب تغدو قوة مهيمنة؛ تجامل جميع الأطراف وتنمي قواها المنتجة.
أسلوب القوى العالمية في السيطرة على مناطق النفوذ يمضي عبر خلق نظام زراعي وصناعي وهيمنة تقنية متعاظمة، تؤدي في نهاية المطاف الى قاعدة امبراطورية محلية. هذا ما فعلته الإمبراطورية الأمريكية في نصف الكرة الغربي، وما فعلته الإمبراطورية الروسية في أوراسيا الشمالية، وما تفعله الإمبراطورية الصينية في شرق آسيا وأفريقيا. ولتحقيق ذلك، عليك إخضاع الحكومات الإقليمية الأخرى وإجبارها على تنفيذ أوامرك، مستعينا بالتهديد وبالقوة الدبلوماسية والاقتصادية و/أو العسكرية.

من يشعل مواقد الحروب بالمنطقة؟

تتصرف الدول القومية، أو أي كيان حاكم، جميعها، وفقًا للمصالح الاقتصادية والاستراتيجية للسلطة شديدة التركيز داخل الدولة أو المنظمة بالذات في مقدمة التخطيط . هذه المصالح تتحالف أحيانًا مع حكومات صديقة، بينما قد تتعارض معها أحيانًا أخرى. على سبيل المثال، بينما يتناكف الإسرائيليون والأتراك بصدد سياسات إسرائيل في غزة[ مرة ثانية تغيب محرقة غزة]، بسبب دعم أنقرة لحماس وغيرها من الجماعات فلسطينية المسلحة، يجدون أنفسهم متحالفين في سوريا، حيث عارض كلاهما الأسد و توسيع النفوذ الإيراني .
إن أشدّ المخاوف في الوقت الراهن هو خطر اندلاع حرب أوسع في الشرق الأوسط، لا تستطيع المنطقة، والعالم أجمع، تحمّل عواقبها. وبينما تُصرّ الدعاية الأمريكية والغربية على تصوير الإسرائيليين على أنهم المصدر الوحيد لتوسيع ما يُعرف بـ"أزمة الشرق الأوسط"، يجب ألا ننسى أبدًا أن هذا الصراع لن يتوسع إلى حرب أوسع، من المرجح أن تتمحور حول إيران، إلا إذا أراد الفاشيون والأثرياء في واشنطن ذلك. لا يمكن للإسرائيليين مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية وتدميرها بنجاح دون دعم عسكري أمريكي مباشر. ومن ثم فإن جيش الدفاع الإسرائيلي لن يقاتل إيران بمفرده، ولا يستطيع على الإطلاق أن يقاتلها.
لهذا السبب، دأبت أذرع تركيا في النظام السوري الجديد على التودد إلى الغرب سعيًا لتخفيف العقوبات وجذب الاستثمارات مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وبينما تسعى كلٌّ من إسرائيل وتركيا إلى أن تصبحا قوتين إقليميتين رائدتين في المستقبل، فإنهما في نهاية المطاف سوف تتحدان تحت مظلة القوة العالمية الرائدة، الولايات المتحدة، التي تعتمد عليها كلتاهما في الدعم الاقتصادي والعسكري والدبلوماسي، والتي يفوق نفوذها ومصالحها في الشرق الأوسط بكثير أي نفوذ ومصالح أخرى في الوقت الراهن.
استراتيجية الحكومة الأمريكية واضحة: إرغام إيران على الاستسلام، أملاً في تحقيق اختراق دبلوماسي عبر فرض أقصى ضغوط العقوبات والقوة العسكرية الساحقة في المناطق الخاضعة لسيطرة طهران (فلسطين، جنوب لبنان، غرب اليمن، ومعظم سوريا سابقاً)، بينما تنجز تطبيع إسرائيل وتوسيع علاقاتها مع المملكة العربية السعودية وغيرها من الحلفاء الإقليميين لصد الروابط الإيرانية الناشئة مع دول الخليج، وأي روابط تساعد الصين وروسيا على تثبيت أقدامهما في دول ذات أهمية استراتيجية في شبه الجزيرة العربية. بعبارة أخرى، توسيع دمج إسرائيل بالمنطقة مع تقليص نفوذ إيران، ومن ثم إضعاف أو ضرب نفوذ الصين وروسيا بالشرق الأوسط.
ينبع التهديد الحقيقي لحرب أوسع نطاقًا من السعي إلى إقامة دولة إسرائيل الكبرى، وهو هدف لا علاقة له بالتاريخ الإسرائيلي أو بتطور إسرائيل. كان هدفًا سياسيًا هامشيًا ومثاليًا، ربما لعب في البداية دورًا ضئيل الأهمية في دفع عجلة التوسع الإسرائيلي. لكنه لم يُؤخذ على محمل الجد، ربما حتى الآن. بالنسبة للولايات المتحدة، هو ببساطة امتدادٌ لمصيرٍ صريح؛ إذا كان هدف إقامة دولة إسرائيل الكبرى يحفز مشاريع تطوير عقاري، والأهم من ذلك، استغلال النفط والغاز في غزة، وترحيل شعوب بأكملها، والاستيلاء على أراضٍ في سوريا وجنوب لبنان، وربما حتى إنشاء معسكرات اعتقال لعزل غير المرغوب فيهم من جميع أنحاء الشرق الأوسط، فإن بصمة السيطرة الأمريكية المهيمنة في الشرق الأوسط ستتوسع وتتوطد بشكل غير مسبوق، مع وجود حليف موثوق يتولى الحماية، قسَمٌ أطلق ممهورا بدم الشعب الفلسطيني.

المساعي من أجل "إسرائيل الكبرى" والمصالح الأميركية

منذ ولاية نتنياهو الأولى كرئيس للوزراء، وهو يبذل المساعي الحثيثة بوضوح تام لإنشاء ما يُطلق عليه في الغالب "إسرائيل الكبرى". فما هي "إسرائيل الكبرى"؟ العبارة التي تُستخدم مرارا للتعبير عن هذا الهدف تشمل المنطقة "من النيل إلى الفرات" - وهو هدفٌ جنونيٌّ وإمبرياليٌّ شرسٌ، إذا ما أُخذ على محمل الجد، يحيل عبارة "من النهر إلى البحر" تبدو باهتة إزاءه .
طوال حرب الإبادة على غزة، شوهد جنود الجيش الإسرائيلي يرتدون شاراتٍ على أذرعهم تُظهر إسرائيل الكبرى وتشمل الهلال الخصيب بأكمله ومعظم سوريا ومعظم العراق والمملكة العربية السعودية. تتطابق هذه الشارة مع الخرائط المتداولة منذ سنين من قبل سلطات إسرائيل وإعلامها الداخلي الى الوقت الراهن.
منذ بداية ولايته الأولى، ونتنياهو يهدف علانية الإطاحة بحكومات سبع دول يراها معادية لإسرائيل وداعمة للقضية الوطنية الفلسطينية، وهي: إيران، العراق، سوريا، لبنان، ليبيا، الصومال والسودان. وعلى مدى عقود ثلاثة خلت ، شاهدنا الولايات المتحدة تارة تعمل بنشاط لتحقيق الهدف وتارة أخرى تبدي موقفا سلبيا. كان غزو العراق أهم الأحداث – مع الفوضى التي أعقبت الحدث انتشر العنف كالطاعون في جميع أنحاء الشرق الأوسط . تشكلت حالات معينة وهناك عدة حالات تميزت بقيام قوى تدعمها الولايات المتحدة، جيدة التسلح ، تنسحب بشكل عشوائي تاركة كميات كبيرة من الذخائر والدبابات والمركبات المدرعة وغيرها- أبرز مثال على ذلك التراجع السريع أمام داعش وهي تنفصل عن القاعدة ، وزودت بمعظم الأسلحة التي استخدمتها لفرض حكمها الإرهابي. ولا يصدق ان يتخلى الجيش الأمريكي فجأة عن هذا الكم الهائل من الذخائر عن طريق الخطأ، خاصةً انه لم يحدث مرارا- حتى الألمان وهم ينهزمون استطاعوا تدمير دباباتهم ومركباتهم المدرعة أثناء انسحابهم العشوائي. إذن لا بد من الاستنتاج أن القيادة، على أقل تقدير، لم تعتبر من الأولويات ترك المنطقة دون ان تخلف وراءها وسائل قتالية متطورة تقنيا من إنتاج الولايات المتحدة ودول الغرب.
هناك وثائق تُظهر بوضوح صدور اوامر من البيت الأبيض فور الغزو باعتقال العراقيين، عشوائيًا في الغالب، وتعذيبهم - عقد اجتماع مع كل من ديك تشيني، دونالد رامسفيلد، كولن باول، وآخرين (مع غياب ملحوظ لجورج دبليو بوش، على الأرجح كي يدعي إنكار ذلك ) ناقشوا فيه أي أساليب تعذيب تتبع (أطلقوا عليها اسم "الاستجواب المُعجل") ستُستخدم مع المعتقلين - وأن وكالة المخابرات المركزية طلبت مرارًا وتكرارًا التخلي عن هذه الأساليب، لأن التعذيب يفضي الى اعترافات كاذبة ونهايات مغلقة تُصعّب عمليات الاستخبارات ومكافحة التمرد الفعلية. هذا الاستهداف العشوائي للسكان المدنيين بالتحديد هو ما أدى إلى ظهور داعش وغذى جماعات "إرهابية" أخرى - فالعنف يُولّده العنف والتعذيب والإذلال، ومن الواضح ان العنف ليس وليد الدين أو الثقافة. ليس مصادفة أن البغدادي - الذي، كما أكد ترامب، مات " مثل كلب"- بات متطرفا ( راديكاليا) تحت التعذيب في العراق على يد الإمبراطورية الأمريكية.
نحن شهود منذ اكثر من عقدين من الزمن كيف جرى تدمير المدارس والمستشفيات (الهجوم الوحشي على الفلوجة، إحدى الجرائم الكبرى لهذا القرن، باتت موضع حفاوة صحيفة نيويورك تايمز أثناء حدوثها)، ومصانع الأدوية (مثل مصنع الشفاء في ليبيا). في الغالب كانت المدارس المدمرة تستبدل بمدارس دينية مدعومة بأموال سعودية (أي أموال أمريكية بأيدي مرتزقتها) - بشرط أن تُدرّس مناهج قائمة على الوهابية. هكذا إذن، هاجمت الولايات المتحدة شعوبًا في جميع أنحاء الشرق الأوسط أولًا، ثم ساعدت في تمويل تطرفهم (بأموال السعودية التي هي أموال أمريكية)، ثم غزت بلدانهم، وارتكبت جرائم حرب جسيمة، وارتكبت أعمال عنف وإذلال لا توصف ضد السكان المدنيين، ثم انسحبت بسرعة، تاركة وراءها الأسلحة التي ستؤدي حتمًا إلى تأجيج الصراعات الداخلية العنيفة.
في خضم كل هذه الفوضى، بدأ الناس في جميع أنحاء الشرق الأوسط بالانتفاض في الربيع العربي. يريد الناس في كل مكان عمومًا العيش بسلام، ولكن كما ذكر توماس جيفرسون في إعلان الاستقلال، فإن الاضطهاد الهائل والمستمر والذي لا يُطاق سيؤدي في النهاية إلى انتفاضة ("عندما تقترف سلسلة طويلة من الانتهاكات، متبعة باضطراد نفس الهدف، تثبت التصميم على إخضاع البشر لاستبداد مطلق، فمن حقهم، ومن واجبهم الإطاحة بتلك الحكومة ، وتقديم حرس جديد يضمن امن مستقبلهم ". وكما يحدث دوما، وظفت وزرة خارجية الولايات المتحدة هذه الانتفاضة لصالحها، دعمتها في أماكن أرادت تغيير النظام فيها (مثل دعمها الفاشل في البداية للانتفاضة ضد الأسد، وكان هذا الفشل راجعًا في الغالب إلى التدخل الروسي/الإيراني ودعم النظام، على الرغم من أن الأحداث الأخيرة، كما لوحظ، شهدت جماعات مسلحة تمولها وتدعمها الولايات المتحدة وحلفاؤها تنجز الهدف أخيرًا، متيحة لإسرائيل المزيد من التوسع على مرتفعات الجولان المحتلة)؛ وترك الناس عرضة للاضطهاد الناجم حيث لم يرغبوا في رؤية تغيير النظام ، كما في مصر.
خلال هذه الفترة، أطاحت الولايات المتحدة بنظام القذافي، مما أدى إلى انتقال ليبيا من إحدى قصص النجاح الأفريقية القليلة، مع ارتفاع معدلات محو الأمية وتطوير البنية التحتية، إلى دولة ذات أسواق عبيد مفتوحة. كان القذافي، مثل عدو أمريكا، صدام حسين، مجرم حرب ومستغلًا؛ لكن جريمتهما بالنسبة للولايات المتحدة كانت دائمًا التنمية المستقلة. دعمتهما الولايات المتحدة طالما كانا يقتلان الناس. كانت نزعة القذافي القومية الأفريقية، وكونه الرئيس الفعلي للاتحاد الأفريقي، وكذلك غزو صدام للكويت المدعومة من الولايات المتحدة بهدف التخلص من الديون وترسيخ مكانة بغداد قوة إقليمية عظمى ، هما الخطران الحقيقيان المهددان للإمبراطورية الأمريكية. كان معروفًا على الدوام ان القذافي وصدام كانا ديكتاتورين قاتلين؛ ورفضهما الرضوخ للإملاءات الأمريكية هو ما أودى بهما .
كما انزلقت الصومال والسودان إلى الفوضى، حيث الصومال بالكاد تقوم حكومتها بوظائفها، وحيث يعيش جزء كبير من البلاد في حالة حرب أهلية فوضوية؛ اما السودان فالحرب على دارفور/جنوب السودان التي أشعلتها حكومة السودان، إحدى أعنف صراعات القرن، حيث ترد تقارير يومية عن فظائع ضد المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال. في هذه الحالات، اتخذت الولايات المتحدة دورًا أكثر سلبية، وسمحت ببساطة للأحداث بالتطور دون تدخل مكشوف مثلما حدث في أوكرانيا وغزة.
بالسودان، جرى باضطراد توسيع العلاقة مع نظام ما بعد عمر البشير. كان البشير حليفًا لمدة طويلة لموسكو وبكين، واجه بشكل واضح انقلابًا أطاح به عام ٢٠١٩، من المؤكد يحمل بصمات تورط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بالانقلاب. الروس والصينيون القوتان الإمبرياليتان الأكثر سيطرة بالسودان، حيث يزوّدان بمعظم الأسلحة النظام السوداني ، الذي يرتكب المجازر وكذلك قوات الدعم السريع . وبينما تحول الدعم الروسي منذ ذلك الحين بشكل أساسي إلى حكومة السودان، فقد كثف الإماراتيون (الذين، مرة أخرى، قوة خليجية تعمل وفقًا لمصالحها الإقليمية الخاصة) دعمها لقوات الدعم السريع. في غضون ذلك، حاول الأمريكيون والإسرائيليون دفع السودان إلى قبول اللاجئين الفلسطينيين من غزة في اقتراح ساخر للغاية لإرسالهم من منطقة حرب إلى أخرى. في الوقت الحاضر، يواجه السودان صراعات داخلية ضخمة سيستغرق التغلب عليها أجيالًا. أما فيما يتعلق بإخضاع السودان كواحدة من دول المواجهة الرائدة لـ"إسرائيل الكبرى"، وإزالة دمية للصين وروسيا، وبالتالي التوصل إلى التطبيع بين السودان وإسرائيل، فقد كان هذا نجاحاً كبيراً في تحقيق هذا الهدف.
في حالة الصومال، تدعم الولايات المتحدة علانيةً نظامًا فاسدًا في السلطة نظرًا لموقعه الاستراتيجي في القرن الأفريقي واستغلاله للموارد. وتُعدّ الغارات الجوية وتمويل المجازر الحكومية والدعم الدبلوماسي عوامل حاسمة. ورغم أن واشنطن لا تمارس حق النقض (الفيتو) لحماية الصومال كما تفعل مع مستعمرتها الإسرائيلية، إلا أنها تُمارس تدخلًا دبلوماسيًا فيما يتعلق بالبعثات الإنسانية وبعثات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال. وتُمارس الولايات المتحدة ضغطًا يحول دون نجاح مهمة الاتحاد الأفريقي في الصومال، مما يُتيح للنظام مجالًا لارتكاب المجازر وترسيخ سلطته. في غضون ذلك، انحرف النظام الصومالي علانيةً نحو إسرائيل في السنوات الأخيرة، حيث أعلن قادته عن نيتهم إقامة علاقات دبلوماسية ملموسة مع الإسرائيليين. ويرى الشعب الصومالي، بحق، أن هذا يُعدّ خيانةً للقضية الفلسطينية التي دعمها الصومال سياسيًا عبر عقود.
في حالة منطقة الساحل، وغرب ووسط أفريقيا على نطاق أوسع، والتي تحد الشرق الأوسط الكبير، حيث تتراجع الهيمنة الغربية وتتصاعد (الإمبريالية) الصينية الروسية، ستُحوّل الولايات المتحدة والغرب في هذه المرحلة دعمهما من الأنظمة الحاكمة إلى تمويل قوات المتمردين والميليشيات العنيفة مباشرةً عندما يخدم ذلك مصالحهما. في مالي وبوركينا فاسو والغابون والنيجر، حدث تبادل إمبريالي، حيث ينسحب الغرب وتتولى القوى الشرقية زمام الأمور لتصبح القوى الإمبريالية الجديدة. حتى في تشاد، دارت نقاشات حول انسحاب القوات الأمريكية، بالإضافة إلى الخروج الفرنسي، وتقليل الاعتماد على القوى الاستعمارية الجديدة التقليدية. كل هذا يشير إلى تحول في الديناميات العالمية وانسحاب أمريكي من مناطق معينة من الإمبراطورية.
هناك بالطبع مبرر جيوستراتيجي واضح لهذا النوع الجديد من الانسحاب، والذي يُحاكي، من نواحٍ عديدة، تحول الاستعمار المباشر إلى الاستعمار الجديد: لقد أدركت الولايات المتحدة أنه عندما تستخدم الصور الاستعمارية التقليدية في حروبها بالوكالة، فإن صورتها تتأثر سلبًا حتى عند تحقيق أهدافها. كان هدفها في فيتنام تدمير قدرة البلاد على التنمية؛ وكان هدفها في العراق زعزعة استقرار مركز متنامٍ للتشدد المناهض لأمريكا/إسرائيل، والذي هدد بتشكيل ثقل موازن للمملكة العربية السعودية في جميع أنحاء الشرق الأوسط؛ وكان هدفها في أفغانستان منع إحدى القوى الإقليمية الأخرى - روسيا والصين والهند وإيران - من الظهور مسيطرةً على جميع تلك الموارد التي تُشكل محور التجارة بين غرب وشرق آسيا.
ما يدعو للسخرية، في حالة أفغانستان، أن الولايات المتحدة انسحبت عام ٢٠٢١ وسمحت للصينيين والروس بالدخول فورًا تقريبًا، حيث تغلبت طالبان بسهولة على النظام المدعوم من الولايات المتحدة في السلطة، والذي لم يكن يتمتع بأي دعم شعبي على الإطلاق. وكان من المرجح أن يؤدي ترك جميع الأسلحة والمعدات وراءهم في الانسحاب إلى ضمان وصولها إلى أيدي المتمردين والمسلحين الذين سيهددون المصالح الإمبريالية لمنافسيهم الغربيين الذين بدأوا نهب أفغانستان. تشير التقارير الأخيرة إلى أن ما يقرب من نصف الأسلحة المتروكة وراءها مفقودة تمامًا أو انتهى بها الأمر في أيدي الجماعات المسلحة.
ينظر الأمريكيون من جميع الأطياف السياسية، وكذلك كثير من الناس حول العالم، إلى هذه الحملات على أنها خسائر. إذا كان هدفك هو مجرد قصف بالقنابل بلد ما، فلماذا تدعي أنك تريد احتلاله، فقط ليُنظر إلى قصفك على أنه فشل؟ بالطبع كانت للولايات المتحدة أهداف قصوى أكثر، ولكن لم يتم السعي إلى تحقيقها بجدية على أعلى مستويات السلطة. فماذا تفعل إذا كنت ترغب في أن تكون وسيطًا للسلطة في منطقة دون البقاء كقوة احتلال، وكبح جماح الصين وروسيا وإيران من ملء فراغ السلطة الذي قد ينتج عن انسحاب تقليدي مخطط له؟ من خلال المغادرة بشكل فوضوي، وترك وراءك معدات عسكرية أمريكية عالية التقنية والتي لولا ذلك لما أمكن تهريبها إلى المنطقة.
بهذه الفعلة ، نضمن أولاً قدرة المقاتلين المتمردين جماعياً على مقاومة محاولات القوة الناعمة الروسية أو الصينية، وتحويل أي محاولة للتدخل العسكري إلى كارثة؛ وثانياً، أن من يبرز من بين المتصارعين منتصرا يكون قادراً على الدفاع عن أرضه. وما إن يضمن أي طرف السلطة لنفسه، يمكن للولايات المتحدة استئناف تسليحه مباشرة، متأكدةً من أنهم ساندوا الحصان المناسب (لأن السباق قد انتهى). وإذا ساءت الأمور، فستصبح المعدات قديمة الطراز وغير صالحة للاستخدام خلال عقد من الزمن. هذا يزيد الطلب على المجمع الصناعي العسكري، الذي يُصبح بشكل متزايد المحفظة المالية الوحيدة المتبقية القادرة على دعم الصناعة الأمريكية بأي قدرة حقيقية وذات معنى؛ ويوفر حالة رفض معقولة، الى جانب مرونة عملياتية لدى بناء التحالفات خلال الصراعات. تجلى هذا الصنف من المرونة بشكل بارز في المعارك التي نشبت بين داعش وجبهة النصرة، وتنظيم القاعدة، ووحدات حماية الشعب، والجيش الوطني السوري، وهياكل التحالف سريعة التغير بين هذه الجماعات المختلفة وداعميها من القوى العظمى.
والآن بطبيعة الأمر، يتوجب النظر إلى هذا في السياق الأوسع لما يمكن وصفه بـ"الإمبريالية الجديدة". فالحرب الأهلية الدائرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية - التي يُفترض أن تكون من أغنى الدول (من حيث الموارد)، لكنها تُعدّ من أفقر بقاع العالم بسبب استغلال الشركات متعددة الجنسيات - أودت بحياة عشرة ملايين شخص منذ بدايتها (يبدو أن تغيرا طفيفا حدث على البلاد منذ ان دمرها الملك ليوبولد الثاني ملك بلجيكا قبل أكثر من قرن). تستخدم الميليشيات التي تخوض هذه الحرب الأهلية أسلحةً مُصنّعة أساسًا في الغرب، وكذلك في الصين وروسيا. ومن المعروف جيدًا في هذه المرحلة أن الفرنسيين واصلوا تسليح ميليشيا قبيلة الهوتو حتى بعد أن علم ان إبادة جماعية يجري تنفيذها في رواندا عام ١٩٩٤. في كل صراع تقريبا يمكن ان تجدوه يدور في أرجاء المعمورة منذ الآن فصاعدا ًا مُموّل و/أو مُسلّح، بشكل مباشر أو غير مباشر، من قِبل الولايات المتحدة وغيرها من دول الغرب ضد المصالح الإمبريالية للصين وروسيا و/أو إيران، التي تُسلّح وكلاءها بالطبع لكسب النفوذ والسيطرة.

شبهات حول غزوة 7 أكتوبر

غير انه ، بالعودة إلى المساعي المبذولة لإنجاز إسرائيل الكبرى، نحن أمام منعطف خطير للغاية؛ تقرر طلب نتنياهو للمحاكمة على قائمة طويلة من الجرائم. في وقت قريب من هجمات 7 أكتوبر – تم بصورة مريبة تجاهل تحذيرات بصدد هجوم يجري الاعداد له رفعها مراقبون عسكريون إسرائيليون إلى رؤسائهم ، كما نشر على نطاق واسع بوسائل الإعلام الإسرائيلية، لكن سرعان ما دفعت للنسيان - وهذا أحد الأسباب التي جعلته[نتنياهو] يسحب حصانة المحكمة العليا في إسرائيل عام 2023 بسحب حقها في الاعتراض القضائي على قرارات الحكومة. ليست ضئيلة أهمية التخطيط لاحتجاجات حاشدة تطالبه بالاستقالة بسبب هذا الإجراء في الأسبوع الذي يلي 7 أكتوبر – وكل ذلك تبخر عند وقوع الهجمات.
يحتمل ان نتنياهو يأمل ان يترك إرثا عن طريق بذل أقصى الجهود لإلحاق الهزيمة بالأنظمة التي ورد ذكرها، وتوسيع حدود الدولة ومناطق نفوذها لأبعد مدى ممكن. من المرجح ان نتنياهو يأمل في أن يدفع إرثٌ ذو وزن كاف ــ مثل إرث ديفيد بن غوريون أو مناحيم بيغن ــ قوى اليمين، التي تحكم قيضتها الحديدية على إسرائيل في هذه المرحلة، التدخل لإنقاذه من مصير محتمل بنهاية مخزية في محاكمة عن جرائمه العديدة، والتي ارتكبها جميعها قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
يثير السخرية أنه يرتكب الجريمة الكبرى - الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين - تحدوه الآمال بالإفلات من العدالة على جرائمه الأخرى العديدة. وهو الآن يبذل أقصى الجهود لارتكاب الجريمة الكبرى الأخرى - حرب العدوان، "الجريمة الدولية العظمى التي لا تختلف عن جرائم الحرب الأخرى إلا في كونها تنطوي في داخلها على الشر المتراكم عنها جميعا ". يبدو جليا أن ما يبدو من حماس واضح لدى نظام بايدن لدعم هذه الأجندة قد استبدل بنظام أكثر ذهانية وعنفًا وفوضى ويصعب توقعه، بإقدام ترامب وأتباعه المتملقين مرارًا وتكرارًا على إطلاق تصريحات علنية مقلقة للغاية حول خططهم بشأن غزة.
نحن نقف على شفا حرب أوسع في الشرق الأوسط، بتعاظم الاحتمال الواقعي للمواجهة المباشرة ضد إيران ، على الرغم من أنها كانت ستبدو مستبعدة لدى أي قوى منضبطة عاقلة في مواقع السلطة. لسوء الحظ، في إسرائيل، وبسرعة متزايدة لا تصدق بالولايات المتحدة، تم تهميش هذه القوى أو إسكاتها. يتكشف أمام أعيننا في سوريا سيناريو أكثر احتمالا من المواجهة المباشرة مع إيران- حيث تعمل مجموعات مسلحة عديدة تمولها الولايات المتحدة بشكل انتهازي، وتستولي على الأراضي حيث تستطيع، ويحاول مرتزقتها الإقليميون وربما الجيش الأمريكي نفسه السيطرة على المنطقة، متذرعا بتبرير " الاستقرار" ، القديم قدم الدهر ( نفس العذر الذي برر به ستالين حين اوفى بالوعد الذي قطعه مع هتلر لتقاسم بولندا بين الطرفين، والذي كان بندا في البروتوكول السري لاتفاق عدم الاعتداء النازي - السوفييتي .) هذا "الاستقرار" كلف الأرواح ، ويرجح ان يغدو عنفا بالغ القسوة إذا ما واجه مقاومة جادة، ولا نقول شيئا عما قد يجري لمن يرفضون التعاون مع الاحتلال.
إذ نرقب قادتنا وهم يلعبون مسرحية سياسية بينما يقررون فيما إن كان من مصلحتهم الشروع بحرب إقليمية أوسع نطاقاً ، فمن الضروري للغاية أن تعمل حركات المقاومة المنظمة داخل بلدان الغرب على التغلب على وطأة الاعتداءات المستمرة على الحريات المدنية والكرامة الإنسانية، والعمل لمنع حكوماتنا شن حرب من شأنها أن تكون كارثية في نتائجها لدرجة تبدو حرب أفغانستان وحرب العراق إزاءها أشبه بصراع تافه



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عدوان صهيو امبريالي.. الصمت تواطؤ والاكتفاء بالاستنكار والإد ...
- تدهور القيم الأخلاقية بالغرب الامبريالي
- الجنوب العالمي: نهضة باندونغ ومصدات الرأسمالية العالمية أ
- التستر على الإبادة الجماعية بغزة بتركيز البروباغاندا على خطر ...
- فلسطين عرّت عالم الكذب والتزوير في الغرب
- كارثة غزة امام العدل الدولية من جديد ولم يساند إسرائيل غير ا ...
- الرواية الصهيونية فقدت بريقها وتكشف تهافتها
- تلفيقات تفضح الإصرار على ارتكاب جرائم الحرب
- الغرب منحاز للبيض المسيحيين في الالتزام بحقوق الإنسان
- إخفاق المقاومة المسلحة يوجب الشروع حالا بتحريك المقاومة الشع ...
- فاشية ترامب تدمر مراكز المقاومة الذاتية لدى المجتمع والأفراد
- مساع أميركية محمومة لخنق التضامن مع الشعب الفلسطيني (2من2)
- مساع أميركية محمومة لخنق التضامن مع الشعب الفلسطيني (1من2)
- اسرائيل تعرض للخطر أنظمة عربية ارتبطت بها
- االمقاومة الفلسطينية.. هزائم ليست حظا عاثرا ولا قدرا معاندا
- العلم يدعم القضية الفلسطينية وهو الفريضة الغائبة عند العرب
- كابوس الثقافة الفاشية يجثم على المجتمع الأمريكي
- هل انتقاد إسرائيل خارج القانون؟
- فضيحة أميركا الحقيقية تتضح في العدوان على اليمن
- المقاومة الشعبية كفيلة بإفشال خطة التهجير (1من2)


المزيد.....




- صرح ناطق رسمي باسم الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بما يلي:
- كل الدعم للنقابي الدكتور خالد أمين ورفاقه
- حزب التقدم والاشتراكية يفتتح مباحثاته في كوبا.
- وقفات احتجاجية لـ”المحامين” بعموم الجمهورية احتجاجًا على رفع ...
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (إ م ش)  تطالب بإنهاء مآسي ال ...
- وفاة خوسيه موخيكا ونكبة الشعب الفلسطيني
- وين الملايين وين؟ صرخة من تحت الركام بعد أكثر من 600 يوم من ...
- حزب التقدم والاشتراكية بتابريكت سلا ينظم جمعه العام العادي
- وقفة احتجاجية في ألمانيا ضد حرب الإبادة الجماعية في غزة
- رسالة المناضل الأممي جورج عبدالله للمشاركين في اللقاء الثوري ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - سعيد مضيه - الشرق الأوسط .. حكام سلبيون ونيران حروب يشعلها الطامعون