|
مفهوم -فاليريزم- (Valerism) كما ورد في كتاب The Physics of Capitalism
ادم عربي
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8370 - 2025 / 6 / 11 - 20:47
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
بقلم : د . ادم عربي
ملاحظة : هذا المقال تكملة لما ورد في مقال الدكتور حسين علوان حسين بعنوان "فيزياء الرأسمالية " على الرابط التالي : https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=872161
"Valerism" فاليريزم هو نحو نظام بيئي-اقتصادي بديل لما بعد الرأسمالية وكلمة فاليريزم مشتقة من كلمتين هما : valence فلسفيا بمعنى الطابع القيمي لفكرة أو مفهوم معين و regeneration وهو بمعنى التجدد في إشارة لنظام يوازن بين ثلاثة عناصر رئيسية : الطاقة ، البيئة و القيمة
يواجه العالم اليوم أزمةً ثلاثية الأبعاد: بيئية، اقتصادية، واجتماعية. فبينما تزداد درجات الحرارة، تُستنزف الموارد الطبيعية بسرعة هائلة، وتزداد الفوارق الطبقية بين البشر. في قلب هذه الأزمات يقف النظام الرأسمالي، الذي يقوم على مبدأ "النمو غير المحدود" باعتباره غاية في ذاته. لكن هل النمو الأبدي ممكن على كوكب محدود؟ يجيب الفيزيائي والفيلسوف الأمريكي إيرالد كولاسي عن هذا السؤال في كتابه The Physics of Capitalism عبر طرحه لنظام جديد يُدعى فاليريزم (Valerism) نموذج ما بعد رأسمالي يسعى إلى التوازن بدل النمو، وإلى العدالة بدل التراكم.
منطق النمو الأقصى في الرأسمالية
الرأسمالية الحديثة تربط النجاح الاقتصادي بنمو الناتج المحلي الإجمالي (GDP)، وتعتبر ارتفاع معدلات الإنتاج والاستهلاك مؤشراً إيجابياً على الصحة الاقتصادية. الشركات الكبرى تُكافَأ على التوسع، والحكومات تُقاس على أساس معدلات النمو السنوية. هذا المنطق يؤدي حتماً إلى سباق لا ينتهي نحو استغلال الموارد، مضاعفة الاستهلاك، وتدمير النظم البيئية في الطريق.
في هذا السياق، يصبح النمو الاقتصادي أشبه بوحش جائع لا يشبع. حتى عندما تكون الحاجات الأساسية مُلبّاة، تُدفَع المجتمعات إلى مزيد من الإنتاج ومزيد من الاستهلاك، غالباً في سياق تنافسي لا يراعي التوازن البيئي أو العدالة الاجتماعية. هذا ما يسميه كولاسي بـ"الفيزياء المجنونة للرأسمالية"، حيث يُستبدَل منطق الكفاية بمنطق الزيادة المفرطة.
ما هو نظام فاليريزم؟
فاليريزم هو اقتراح فلسفي-سياسي بديل، يتجاوز النقد النظري للرأسمالية ليقدّم إطاراً عملياً متكاملاً لصنع القرار في عصر الأزمات البيئية. اشتقاق الاسم (Valerism) يأتي من مفردات مثل "valence" و"regeneration" ، في إشارة إلى نظام يوازن بين ثلاثة عناصر رئيسية: الطاقة، القيمة، والبيئة.
1. التوازن الطاقي بدل النمو الاقتصادي
في صميم فاليريزم يوجد مبدأ "الاستقرار الطاقي" (macro-energetic stability)، وهو دعوة إلى كبح جماح استهلاك الطاقة عند حد معيّن، محسوب وفق قدرة الأرض على التحمّل. يُقترَح أن تكون هناك سقوف استهلاك للطاقة للفرد الواحد تتراوح بين 30,000 و70,000 كيلوكالوري يومياً تختلف حسب المناخ والاحتياجات الاجتماعية. الهدف هنا هو استدامة الموارد، لا تعظيم الأرباح.
2. إعادة توجيه القيمة
فاليريزم يعيد تعريف "القيمة" الاقتصادية لا باعتبارها ناتجاً للربح أو للعرض والطلب، بل باعتبارها انعكاساً لحاجة المجتمع وقدرته على التجدد البيئي. هذا يتطلب إعادة هيكلة المؤسسات بحيث تكون مُوجّهة نحو الاكتفاء لا التوسع، والعدالة لا التملك الفردي المتضخّم.
3. الحكم الجماعي والتنظيم الديمقراطي
في نظام فاليريزم، لا تُترَك القرارات الاقتصادية في يد السوق وحدها، بل تُنقَل إلى مجالس شعبية، بيئية، وخبراتية تضع ضوابط على ما يُنتَج، كيف، ولماذا. ويُشجَّع التحكّم المجتمعي في القطاعات الأساسية مثل الطاقة والمياه والغذاء. بكلمة أخرى، يُستبدَل الاحتكار الفردي بـ"التسيير الجماعي المنظّم".
4. الحدود على التراكم
من سمات فاليريزم أنه يضع حدوداً لاستهلاك الطاقة والثروة، في محاولة لردم الهوّة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء. لا يعني ذلك القضاء على السوق أو الربحية، بل تقييد الهيمنة الاقتصادية التي تتسبّب في مراكمة لا محدودة للقوة المالية على حساب العموم والبيئة.
مثال توضيحي: الكهرباء بين السوق والفاليريزم
في الاقتصاد الرأسمالي، يتم تسعير الكهرباء حسب الطلب، ما يتيح للشركات الكبرى احتكار السوق والربح من المضاربة، بينما يُقطَع التيار عن الأحياء الفقيرة في فترات الذروة. أما في نظام فاليريزم، تُدار الكهرباء كمورد بيئي واجتماعي. يُضمن الحد الأدنى المجاني للفرد، ويُفرض تسعير تصاعدي على من يستهلك فوق المعدّل البيئي. تُدار الشبكات محلياً، وتُوزَّع الأرباح الناتجة عن الاستخدام الجماعي على شكل استثمار في الطاقات المتجددة أو دعم مباشر للفقراء.
فاليريزم والعدالة البيئية
من أكثر الإضافات جذرية في فاليريزم أنه يربط بين العدالة الاجتماعية والعدالة البيئية. فالمجتمعات الفقيرة، التي تستهلك أقل وتنتج نفايات أقل، غالباً ما تدفع ثمن التلوّث الذي تصنعه الطبقات الثرية والشركات الكبرى. فاليريزم يعيد هيكلة هذا الخلل من خلال توزيع منافع الطاقة بناءً على الحاجات لا الأرباح، ويطالب بأن يكون الحق في البيئة السليمة من الحقوق الأساسية.
هل يُطبَّق فاليريزم اليوم؟
رغم أن فاليريزم ما زال نظرية وليدة، إلا أن ملامحه بدأت تظهر في بعض التجارب المحدودة، مثل:
برامج تقنين الطاقة في بعض المدن الأوروبية.
تسعير الكربون واستخدام أرباحه لدعم الفئات المتضررة.
إدارات المجتمعات الريفية لمواردها (مثل المياه والطاقة الشمسية) في أمريكا اللاتينية وأفريقيا.
لكن لا تزال هذه الممارسات محصورة جزئياً، وتفتقر إلى البنية الفكرية والسياسية المتكاملة التي يقترحها كولاسي.
فاليريزم ليس حلماً طوباوياً، بل استجابة عقلانية لحقائق فيزيائية لا مفر منها: الموارد محدودة، والبيئة تنهار، والظلم يزداد. في مواجهة رأسمالية تندفع بلا كوابح نحو النهاية، يقدّم فاليريزم بوصلة جديدة: التوازن، الكفاية، العدالة. ليس بوصفه وصفة جاهزة، بل كدعوة للتفكير الجذري في شكل الاقتصاد والمجتمع بعد الرأسمالية.
لكن ، كيف يُمكن تطبيق فاليريزم في نظام رأسمالي جشع؟ هذا السؤال من أهم الأسئلة التي يطرحها المؤلف نفسه، لأنه يعلم أن فاليريزم ليس مشروعاً "جاهز التطبيق" في ظل هيمنة الرأسمالية الجشعة والنموذج النيوليبرالي العالمي، لكنه يقترح في فيزياء الرأسمالية عدة مسارات تدريجية، تراكمية، وغير تصادمية بالضرورة لتقريب هذا النظام من الواقع، حتى داخل المجتمعات الرأسمالية. يرى المؤلف إمكانية تطبيق "الفاليريزم" عملياً داخل مجتمعات رأسمالية بالشكل التالي : 1- مبدأ التحول التدريجي (Gradualist Transformation) كولاسي لا يدعو إلى ثورة فورية على النظام الرأسمالي، بل إلى إزاحة تدريجية لنقاط السيطرة (الطاقة، الموارد، صنع القرار) من يد السوق إلى يد المجتمع، عبر أدوات واقعية يمكن تبنيها حتى من داخل النظام الحالي. 2- إعادة تعريف القيمة داخل السوق الرأسمالية الحالية تساوي "القيمة" بـ"الربح"، أما فاليريزم فيقترح: إنشاء أنظمة محاسبية جديدة تقيس القيمة ليس فقط بالمال، بل أيضاً بالأثر البيئي والاجتماعي (مثلاً: محاسبة الانبعاثات، محاسبة استنزاف المياه، ساعات العمل البشرية). فرض ضرائب طاقية تصاعدية (Carbon/energy caps)، بحيث يدفع المستهلك أو الشركة أكثر كلما استهلك أكثر من الحد المتاح. تقديم حوافز للشركات التي تقلل استهلاك الطاقة والموارد، على غرار "شهادات الكفاءة البيئية" و"اقتصاد التدوير". مثال تطبيقي: ألمانيا تستخدم "ضرائب الكربون" وتُعيد توزيع عائداتها لدعم النقل العام والطاقة المتجددة وهو اتجاه قريب من منطق فاليريزم. 3- نقل التحكم في الطاقة من السوق إلى المجتمع فاليريزم يرى أن التحكم في الطاقة هو مفتاح السيطرة الاقتصادية. ولذلك يُقترح: تحويل أنظمة توزيع الطاقة إلى ملكية جماعية أو بلدية (كما في بعض مدن الدنمارك). تشجيع التوليد المحلي للطاقة (طاقة شمسية فوق كل بيت). فرض سقوف طاقية فردية/عائلية، مع تحويل الفائض إلى شرائح أكثر فقراً أو إلى مشاريع عامة. هذا يُحدث تحولاً جذرياً من سوق تُكافئ من يستهلك أكثر، إلى نظام يَضبط ويُوزّع الطاقة بعدالة. 4- بناء مؤسسات تمثيلية جديدة لصنع القرار كولاسي يقترح تكوين مؤسسات جديدة داخل المجتمعات، مثل: مجالس الطاقة: تجمع خبراء، سكان، ناشطين بيئيين، وتضع خططاً محلية للطاقة. لجان القيمة البيئية: تُقيّم المنتجات والخدمات بناء على أثرها الحقيقي، وتصدر شهادات جودة غير ربحية. دعم الديمقراطية التشاركية في صنع القرار المحلي، مثل نماذج "ميزانيات المواطنين" (Participatory budgeting). هذه المؤسسات قد تبدأ كـ"مبادرات مدنية" ضمن النظام، لكنها تُشكّل نواة لحوكمة بديلة للفاليريزم. 5- التعليم البيئي والطاقي كأساس أيديولوجي لن ينجح فاليريزم دون تحوّل ثقافي. ولذلك: تُركّز خطة كولاسي على إدخال مفاهيم الطاقة والحدود البيئية في المناهج الدراسية. وتعزيز "مواطنة طاقية" تجعل الفرد يفهم أثر استهلاكه ويُطالب بحقوقه الطاقية كما يطالب بحقوقه المدنية. 6- سياسات إعادة التوزيع الطاقي والاجتماعي تطبيق دخل أساسي طاقي (Energy Basic Income): حصة مضمونة من الكهرباء أو الوقود لكل فرد. دعم أنظمة النقل الجماعي لتقليل الاستهلاك الخاص. تحويل الدعم الحكومي من الوقود الأحفوري إلى مشاريع الطاقة المتجددة المجتمعية. لكن ، ما يزال التحدي الأكبر هو الجشع الرأسمالي ، الرأسمالية الجشعة ستُقاوم هذا النموذج بشراسة. لكن كولاسي لا يقترح هدماً مباشراَ لها، بل تفكيكاً بطيئاً لركائزها من داخلها، بالوسائل التالية: عنصر رأسمالي استراتيجية فاليريزم المضادة مراكمة الأرباح إعادة تعريف القيمة استهلاك غير محدود سقف طاقي جماعي احتكار القرار حوكمة مجتمعية تسليع الموارد إدخال حقوق بيئية كونية تركيز الملكية ملكية ديمقراطية للطاقة والماء طبيق فاليريزم داخل مجتمع رأسمالي جشع ليس مستحيلًا، لكنه يتطلب: 1. تحالفاً اجتماعياً عابراَ للطبقات يطالب بالعدالة البيئية. 2. مؤسسات هجينة تجمع بين السوق والديمقراطية البيئية. 3. أدوات اقتصادية قانونية جديدة تعيد تنظيم علاقة المجتمع بالطاقة والقيمة. فاليريزم لا يسعى إلى تدمير السوق بقدر ما يسعى إلى "تهذيبها" داخل أطر فيزيائية بيئية صارمة.
#ادم_عربي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جدليةُ الإحساس!
-
في فلسفة نسبية -الآن-!
-
نساء٣
-
في الزمن!
-
هل رأيت يوماً ذكراً خالصاً؟
-
بعضٌ من جدل فلسفة التغيير!
-
صرخةُ العدم!
-
التفسير المثالي والواقعي للسياسة!
-
ما هي الحقيقة من منظور جدلي؟
-
فلربما!
-
صفورا
-
رواتب النواب والوزراء!
-
الذكاء الاصطناعي بين هيمنة رأس المال ومقاومة الاستغلال!
-
كرة القدم.. لعبة الفقراء سرقها الأغنياء!
-
ابحث عن شمسٍ تشرق في الليل!
-
لا يَتَخَلَّص الإِنسان مِنَ الوَهم إِلّا بِتَجرِبَتِهِ!
-
يوم العمَّال العالمي!
-
عندما تُصبح المعارضة وظيفة حكومية!
-
كيف تكون مادياً في التفكير؟
-
امرأة في قطار!
المزيد.....
-
ضربات على إيران وحصار على رفح وتنسيق مع الخليج… من يردع إسرا
...
-
معركة لوس أنجلوس
-
إيران، تحت وقع إضراب سائقي الشاحنات
-
كلمة الرفيق الإدريسي عبد الرزاق، الأمين العام للاتحاد الدولي
...
-
على هامش قيام عمال ميناء (فوس سور مير) الفرنسية برفض تحميل ا
...
-
عمدة نيويورك يحذر المتظاهرين المناهضين لهيئة الهجرة والجمارك
...
-
يا له من سؤال غبي.. المتحدثة باسم البيت الأبيض تنتقد سؤالا ح
...
-
اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة في لوس أنجلوس
-
دموع تماسيح الليبرالية المُحتضَرة
-
إيرلندا الشمالية: اشتباكات بين الشرطة ومتظاهرين خلال احتجاج
...
المزيد.....
-
الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي
...
/ مسعد عربيد
-
أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا
...
/ بندر نوري
-
كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة
/ شادي الشماوي
-
الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة:
...
/ رزكار عقراوي
-
متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024
/ شادي الشماوي
-
الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار
/ حسين علوان حسين
-
ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية
/ سيلفيا فيديريتشي
-
البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية
/ حازم كويي
-
لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات)
/ مارسيل ليبمان
المزيد.....
|