أياد الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 8370 - 2025 / 6 / 11 - 17:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يُعرف الأحتلال كما جاء في معجم المعاني : دُخول البلاد والأستيلاء على أراضيها قهراً وغزواً , أما أصطلاحاً يعني :استيلاء دولة ما على أراضي دولة أخرى أو جزء منها بالقوة , مع فرض سيطرة فعلية على تلك الأراضي ومواردها وشعبها.
من المعلوم لدى المتتبع أن الأحتلال فعل قديم قدم الإنسان , وكان يُمارس تحت أسم الغزو , ولكن الأحتلال بمعناه الحديث جاء تحت مسمى الأستعمار في القرن الخامس عشر بالتزامن مع عصر الأستكشافات الذي بدئه البرتغاليون , ثم جاء بعدهم الأسبان , حتى كانتا الأمبراطوريتين البرتغالية والأسبانية أول أمبراطوريتين عالميتين مارستا فعل الأحتلال بمفهومه الحديث, وجاء بعدهما في القرن السادس العشر والسابع عشر ثلاث دول , هي بريطانيا وفرنسا وهولندا فشكلوا أمبراطوريات ماوراء البحار, أما أمريكا فقد بدأت بفعلها الأحتلالي في القرن التاسع عشر عندما غزت نيكاراغوا عام 1833م , وهي الآن أصبحت أكبر دولة أحتلال في العالم , حتى أنها تخطط لكتابة نهاية التاريخ بقوة السلاح الأمريكي , ليكون النظام الأمبريالي هو أخر مراحل التاريخ كما ذكر الكاتب الأمريكي فرانسيس فوكوياما في كتابه الشهير (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) .
ما أود التطرق له , وهو مايعنيني بالتحديد هو الأحتلال البريطاني , والأمريكي , لأن هاتين الدولتين هما من دخلا بلدي العراق مُحتلتين له , الأولى دخلته (1914-1918م) , والثانية دخلته عام 2003م , ومن الملاحظ , وهو محور البحث أن هذين المحتلين أقرب للتماثل في أسلوبهما الأحتلالي , وهو الأحتلال العسكري , ويتشابهان في دعوى الأحتلال , الا وهو تخليص الشعب العراقي من الأحتلال العثماني كما أدعت بريطانيا على لسان قائد قواتها التي دخلت بغداد الجنرال ستانلي مود , حيث قال عند دخوله بغداد أننا لم ندخل بلادكم أعداء فاتحين بل دخلناها محررين ..) , والأمر ذاته قاله الأمريكان عندما أحتلوا العراق حيث برروا أسبابه بأنهم جاءوا على حد زعمهم من ضمن ما جاءوا لأجله هو جلب الديمقراطية الى العراق , والتخلص من دكتاتور ظالم لشعبه , (ويكبيديا) , وأن الأحتلالين البريطاني (1918م) والأمريكي للعراق (2003م) أسسا كل منهما عند أحتلالهم لبغداد حكومة أنتقالية , الأولى برئاسة عبد الرحمن النقيب (الكيلاني) يوم 25 تشرين الأول 1920م , والثانية برئاسة أياد علاوي عام 2003م . فالدولتان جاءتا محتلتين تحت مبرر واحد , وهو تحرير الشعوب من الظلم والقهر ,والأستبداد, فالأول للتخليص من ظلم أجنبي وهم الأتراك , والثاني محلي وهو النظام البعثي الصدامي , الذي أشبع العراقيين ظلماً وجوراً, وهي كلمة حق أُريد بها باطل , وما يهمني في هذا البحث , هو تبيان الأسلوب المشترك الذي أتبعه البريطانيون والأمريكان من أجل بقاءهم لمدة أطول على أرض العراق , وهو أسلوب يدل على أشتراك الأثنين معاً وتعاونهما الأستخباراتي والعسكري من أجل أحتلال العراق , وتنفيذ أجندة أشترك بها الطرفان سويتاً , وهي أهداف ذات بُعد أستراتيجي , ومنه تأمين أمن أسرائيل , وتسهيل الأمور لها في تشكيل شرق أوسطي جديد بآلة عسكرية إسرائيلية , ومساعدة ومشورة بريطانية وأمريكية , فبريطانيا هي من ساهمت بتأسيس إسرائيل عن طريق وعد بالفور الذي أطلقه وزير خارجيتها آرثر بلفور في نوفبر 1917م الى اللورد ليونيل دي روتشيلد أحد رؤساء المجتمع اليهودي البريطاني, وأمريكا هي الآن من ترعى هذا الكيان , وتمده بالحياة .
دعونا نشرح أسلوب هذين المحتلين . الذي يقترب جداً من التطابق في الأسلوب والتنفيذ , فهما جاءا لفرض النفوذ , وأستغلال الثروات , بطريقة الغزو العسكري , وكلاهما كما ذكرنا تحت يافطة تحرير الشعب العراقي من الظلم والأستعباد الى حيث الحرية والتنمية , ولأجل أدامة البقاء أطول فترة زمنية , عملت بريطانيا الى عقد معاهدة عراقية –بريطانية تكرس من خلالها أحتلالها للبلد والتي عُقدت في تشرين الأول أكتوبر 1922م , والتي قاومها العراقيون بشراسة , أما عند الأحتلال الأمريكي فقد عمل المحتل على توقيع الأتفاقية العراقية - الأمريكية في منتصف عام 2007م وغرضه تكريس الوجود العسكري الأمريكي في العراق. وبسبب ما أبداه العراقيون من معارضة شديدة للوجود البريطاني على أراضيهم , والعراقيون ذوي طبع مختلف عن طبع الهنود , فهم أنفعاليون , ولا يقبلون بضيم ,أباة وهي سجية عربية, في حين الهنود يميلون للمساكنة , وعدم العنف , ولكي يجبر البريطانيون العراقيين بالقبول بالأمر الواقع , عملت بريطانيا , وبذهنية المستعمر الخبير الى أخراج سيناريو يجبر العراقيين بالقبول بمعاهدة وهم صاغرين , فعمد على أستغلال مطالبة تركيا بالموصل وما حولها , وحذرت العراقيين بأنهم أن لم يوقعوا المعاهدة العراقية –البريطانية , فأنها ستسلم الموصل للأتراك , وهذا الأمر هو من أجبر رئيس الوزراء آنذاك عبد المحسن السعدون في التصديق على المعاهدة , هذا التصديق الذي أثار مشاعر العراقيين , مما قادهم الى الأعتراض عليها , ونعت السعدون بالتآمر , فعمدت بريطانيا , وهي المعروفة بأسلوبها المشهور , وهو (فرق تسد) من أجل تمزيق وحدة الشعب العراقي الذي أتفق معظمه على رفض المعاهدة المذكورة, فعمد الى اللعب على الوتر الطائفي داخلياً بين الشيعة والسنة , وخارجياً بين الأكثرية الشيعبة في العراق , وأهل نجد ذوي الأنتماء الوهابي , وهذا ما أثار الشكوك في توقيت هجوم الوهابين النجدين على أحد المخافر العراقية في 6 تشرين الثاني عام 1921م فقتلت عشرين شخصاً , وسرقت عدد من الأبل والأغنام (عبد الرزاق الحسني: تاريخ العراق السياسي الحديث ج3 ص178) , وطبعاً تلته هجومات متعددة من قِبل القبائل النجدية , ولم يكتفوا بالوهابيين كأداة ضغط , بل أحياناً تعمد الى تحريض النسطوريين , وهم مجموعة مسيحية هربت من تركيا جراء خلافات بينهم وبين الحكومة التركية , فهاجروا الى العراق , وقد ذكر السيد عبد الرزاق الحسني في كتابه (تاريخ العراق السياسي ج3ص323) الى تحريض الأنكليز للنسطوريين من أجل الضغط على الحكومة العراقية آنذاك , فيقول ( فكانوا (ويعني الأنكليز) يدفعون بالأقلية النسطورية الى التمرد على نظم الحكومة العراقية, ويحرضوهم على الأحتجاج عليها كلما وجدوا للأحتجاج سبيلا), وللربط بين السيناريوين البريطاني والأمريكي , نرى عندما أراد رئيس وزراء العراق نوري المالكي , وبتأيد أكثرية البرلمان العراقي على جلاء القوات الأمريكية من العراق , عملت أمريكا على أستعارة نفس السيناريو البريطاني في صناعة داعش الأرهابية , وتسهيل دفعها عبر الحدود العراقية بأتجاه أحتلال الموصل وهذا ما حدث فعلاً , وهذا ما أجبر الحكومة العراقية بالقبول بالوضع الراهن , وهو قبول تواجد القوات الأمريكية , لمساعدة العراقيين لصد أندفاعات داعش الساعية لأحتلال بغداد , وكما أستعانت بريطانيا بالسعودية بقيادة أبن سعود بدخول الوهابيين الذين يُسمون أنفسهم بالأخوان الى العراق آنذاك , فأن أمريكا أستعانت بدولة تركيا الأردوغانية لتسهيل وتجهيز داعش بالدخول للعراق , وهذا ماحدث عام 2014م , وهو عام دخول قوات داعش للعراق , وأن سبقته عمليات ذات طابع فردي , وعمليات من قِبل مجاميع صغيرة كما في طريقة الزرقاوي ذو الأصل الأردني, والذي لا أستبعد التعاون الأردني الأمريكي في تسرب هؤلاء الدواعش عن طريق الأردن ودعمها لهم ,والأردن بلد معروف بعمالته للولايات المتحدة الأمريكية , وهذه الطريقة تُستعمل من أجل الأبقاء القسري لقوات الأحتلال على أراضي البلد المحتل , وهذا ما فعلته بريطانيا كذلك مع ملك الأردن عبد الله بن الشريف حسين عندما رفض التوقيع على معاهدة أبقاء القوات البريطانية على الأراض الأردنية , مما فاجأ الملك عبد الله بأندفاع الموجات الوهابية ,تهدد وبشكل متكرر حدود الأردن , مما أجبر الحال الملك عبد الله بالتوقيع على المعاهدة الأردنية-البريطانية , خوفاً من تكرار ما حصل لأبيه الشريف حسين حين رفض المعاهدة الحجازية-البريطانية , فقوضت القبائل النجدية ملكه, وأستاقته الحكومة البريطانية الى جزيرة قبرص, فلبث فيها معتقلاً حتى وافاه الأجل في مساء 4 حزيران 1931م (عبد الرزاق الحسني: تاريخ العراق السياسي الحديث ج2ص178) , يتضح أن أستخدام التخويف بالعدو الخارجي والطائفي أمر سار عليه كل من البريطانيين والأمريكان , وكلاهما ينتميان الى مدرسة أمبريالية واحدة , ومن الملفت أن هذا الأسلوب نفسه طُبق لزعزعة الأمن الداخلي , والتهديد الخارجي للعراق في كلا الحالتين في بداية بناء الدولة عام 1921م, حيث قامت بريطانيا بأستخدام التخويف من العدوان الخارجي كما في مطالبة تركيا بضم الموصل, والهجومات الوهابية , وذات الأمر ما قامت به أمريكا من تهديد بأستخدام داعش , وتسليط ضغط على الحكومة العراقية, والعراق في بداية تشكيل نظام سياسي بديل لنظام صدام حسين , ما بعد 2003م , فالظرفين كانا محرجين للساسة العراقيين , فالدولة بالحالتين لم تستكمل قوتها , ولم تسيطر على كامل التراب الوطني, والحالة السياسية في حالة أرتباك وضعف في كلا الحالتين , مما جعل الحكومتين العراقيتين في زمن الأحتلالين البريطاني والأمريكي يستسلمون مجبرين بقبول توقيع الأتفاقيتين وبقاء قوات الأحتلال في أرض العراق , لأن الأزمة هي أزمة وجود شعب وبلد , فأي رفض لتوقيع معاهدة يعني تمزيقه , ومسحه من الخارطة كبلد أسمه العراق, وهكذا أحاطت الحكومتين البريطانية والأمريكية العراق بطوق من الصعاب , وأحراج حكوماته من أجل كسر أرادتهما في المطالبة برحيل قوات الأحتلال , هذا وقد قالها رئيس الوزراء العراقي آنذاك توفيق السويدي عندما قدم منهاج وزارته الى المجلس النيابي ( غير أن ظهور قضية الموصل , وحاجة العراق الى الأحتفاظ بجميع أراضية قد جعل من الضروري عقد معاهدة 1926م ...)( عبد الرزاق الحسني: تاريخ العراق السياسي, ج3ص61).
ولو نظرنا الى تماثل أسلوب الأحتلالين في أبتزاز ساسة العراق في عهدي الأحتلالين البريطاني والأمريكي , حيث ذهبوا الى أستثمار الخلافات السياسية بين الأطراف العراقية , فنراهم كما أستثمروا الشيخ محمود الحفيد , في معارضته بالأنضمام للدولة العراقية , وقيامه بعصيان مسلح , وماقام به من مشاكسات أقلقت الوضع الأمني في بداية تشكيل الدولة العراقية , مما جعل الحكومة العراقية آنذاك لا يمكنها الأستغناء عن القوة البريطانية , لأن الجيش العراقي كان في بداية تشكيله , وقليل العدد والعدة والخبرة , وهذا ما جعله بأمس الحاجة للقوة والخبرة البريطانية, وبالطبع ثمن ذلك , هو تكريس وجود القوة الأحتلالية في البلد , وهذا ماحصل فعلاً , والأمر ذاته بعد سقوط بغداد عام 2003م , وتشكيل الحكومة العراقية مابعد السقوط , رأينا ما قام به السياسيون الكرد وعلى رأسهم مسعود البرزاني , من أستغلال ضعف المركز , وضعف الجيش وباقي القوة الأمنية , بالأضافة الى قلة خبرة السياسيين الجدد في بغداد , في محاولة من البرزاني لأستثمار الظرف الحرج الذي يمر به العراق لصالح طموحاته الشخصية , هذه الظروف الضاغطة , وبتنسيق البرزاني ومن يسير بفلكه من باقي السياسين الكرد والعرب من السياسين السنة , عملوا جاهدين على رفض الأنسحاب الأمريكي من العراق , بل ذهب مسعود الى التصريح بأقامة قاعدة حرير الأمريكية في أقليم كردستان , ولا زالت الخلافات السياسية بين أطراف الأحزاب والشخصيات السياسية العراقية , سبب مباشر في بقاء تواجد القوات الأمريكية على الأراضي العراقية , وقبل أن نختم البحث , نشير الى نقطة أخرى عمل الأحتلالين باللجوء أليها , ولأسباب عديده , منها لتقليل النفقات عليه, وللتخفيف من الأحتقان الشعبي , عن طريق أقامة حكومة بوجوه عراقية , فكانت الوزارات العراقية من أول وزارة ترأسها عبد الرحمن الكيلاني الى زمن سقوط الملكية عام 1958م كلهم عراقيين ولكن من وراء حجاب تُقاد بمستشارين أنكليز , وهذا ما حدى بالشاعر الرصافي أن يقول: علم ودستور ومجلس أمة كل عن المعنى الصحيح محرفُ
وفي بيت آخر يقول:
هذي كراسي الوزارة تحتكم كادت لفرط حياتها تتقصف
أنتم عليه والأجانب فوقكم كل بسلطته عليكم مشرفُ
, والأمر سيان اليوم مابعد الأحتلال الأمريكي عمل الحاكم المدني للعراق (لويس بول بريمر) على تشكيل حكومة بشخصيات عراقية لنفس الغرض والأهداف التي توختها بريطانيا من تشكيل الحكومات الوطنية في زمن الأحتلال البريطاني للعراق , وهو ذات النموذج والأسلوب في بناء حكومات الخليج , والأردن , حيث الحاكم من أبناء الوطن , في حين الأجندات غربية , وضد مصالح أبناء البلدان هذه.
#أياد_الزهيري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟