أياد الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 8343 - 2025 / 5 / 15 - 11:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما ذكرناه في الجزء الأول من البحث , وهو كمقدمة تكشف عن جذور السياسة والسلوك الطائفي في العهدين العباسي والعثماني , الذي كان الأساس والمرتكز للطائفية التي ضربت البلاد العراقية بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة في 1921م بعد تعين الملك فيصل الأول ملك على العراق .
لم يشرأب للطائفية عنق منذ تأسيس الدولة العراقية من فراغ , بل كانت هناك جذور تمتد كما ذكرنا أعلاه منذ الدولة العباسية , أمتداداً على طول فترة حكم العثمانيين للعراق , والذي أمتد حوالي 400 سنة , فهي لم تنبعث من صدفة , وأنما كانت لها مقدمات وأوليات مترسخة في المجتمع العراقي , رسمياً وأجتماعياً , وقد أشار الى وجود الروح الطائفية الملك فيصل الأول , الذي تولى أول حكومة عراقية , منذ تأسيس العراق كدولة حديثة , من خلال كلمة له ينقلها السيد عبد الرزاق الحسني في 15 آذار 1923م الذي يقول فيها , كما في الفقرة الثالثة من مذكرة له قدم فيها رؤيته لمعالجة أوضاع البلد مشخصاً واقعها , وواضعاً طريقة لمعالجة أوضاعه , فيقول ان العراق مملكة تحكمها حكومة عربية سنية ... وأكثرية شيعية جاهلة ..., الا أن الأضطهادات التي تلحقهم (ويعني الشيعة) من جراء الحكم التركي الذي لم يمكنهم من الأشتراك بالحكم... والذي فتح خندقاً عميقاً بين الشعب العربي المنقسم الى هذين المذهبين)(تاريخ العراق السياسي الحديث ص10) . في هذه الكلمة التي قدمها الملك كورقة أصلاح لوضع العراق عند أستلامه له بَينت واقع يكشف عن حقيقة التميز الطائفي في البلد , والذي أشار الى سببه التاريخي الممتد الى الأحتلال التركي الذي حمله المسؤولية في تفاقم الأزمة الطائفية في العراق , مما حداه الى القول بنفس كلمته منوهاً الى ما يسمعه في الشارع العراقي من ترديد كلام يتناقله الناس (إن الضرائب على الشيعي , والموت على الشيعي , والمناصب للسني..) (تاريخ العراق السياسي الحديث :ص11) , فالرجل يكشف عن واقع يعتبره خاطيء ومرير , يسعى لتغيره , كما يقر ويعترف فيقول (وهناك حسيات مشتركة بين أفراد الطوائف الإسلامية )(نفس المصدر :ص11).
ملك فيصل حس بخطورة التميز الطائفي الذي أراد المحتل البريطاني اللعب على وتره , وكانت مهندسته سكرتيرة المندوب السامي (المس بيل) المختصة بالتاريخ , والعارفة بمواقع تفجير أزماته , وتاريخنا لا شك مليء بالألغام , ومنها الألغام الطائفية التي أُسس لها في العهود العباسية والعثمانية , كما أسست عليها بريطانيا سياستها المعروفة في كل المناطق التي أحتلتها , وهي سياسة (فرق تسد ) , وهي سياسة تقوم بالأعتماد على الأقلية في أدارة حكم أي بلد تحتله , لكي تكون هذه الأقلية بأمس الحاجة لبريطانيا لتبقى هي من تحكم البلد , وهي سياسة أعتمدتها بريطانيا بالهند , كما أعتمدتها في خطتها بتفتيت الدولة العثمانية أيام حكم السلطان عبد الحميد كمشروع مناهض للمشروع الألماني الذي سعى الى تعضيد الدولة العثمانية من أجل بناء خط السكك الواصل بين برلين وبغداد , وتشجيع الروح الوحدوية للعالم الأسلامي الذي دعى له السيد جمال الدين الأفغاني تحت مشروع (الجامعة الإسلامية ) , ولكن بريطانيا وبحكم معرفتها المسبقة بخريطة التنوع الديني والمذهبي والقومي بالعراق والمنطقة , عمدت بريطانيا الى تأجيج , وتحريك الحس الطائفي في ولايات الدولة العثمانية , كمشروع معاكس لمشروع ألمانيا الخصم اللدود لبريطانيا آنذاك , وكمنافس لها على النفوذ بنطقة الشرق الأوسط , لذا نرى بريطانيا شجعت ودعمت المذهب الوهابي ومؤسسه محمد بن عبد الوهاب بأعتباره مذهب يصطدم مع المذاهب الأسلامية الأخرى وخاصة الشيعة , كما شجعوا على ظهور ودعم الحركات القومية العربية بمقابل الحركة الطورانية التركية , وخاصة الملك حسين ملك الحجاز , ومحمد علي باشا حاكم مصر , وحاكم نجد عبد العزيز آل سعود .
أن عملية التجهيل التي مارستها السلطات التركية المحتلة , قد أعطت أُكُلها , وأثمرت عن أكثرية شيعية يتفشى بين أوساطها المرض والجهل , في حين فتحت للطائفة السنية بالعراق أبواب الفرص على مصراعيها , وهنا يُبين زعيم حزب الوطني الديمقراطي كامل الجادرجي في كتابه الصادر من دار الطليعة في بيروت 1971م تحت عنوان ( من أوراق كامل الجادرجي:ص65) الآتي (إن الأنكليز لم يجدوا عند أحتلالهم العراق بين الشيعة من المتعلمين من يصلح لإدارة الشؤون المحلية, وتمشية الإدارة , ومعاونة الحكام السياسين) . المشكلة لم تقف هذا الفصل والتميز الطائفي في الدولة العثمانية , بل أستمرت هذه السياسة المجحفة في العهد الملكي أيضاً , حيث لايمكن قبول الشيعة في الكليات في العهد الملكي , إذ رفضت الكلية العسكرية قبول أي طالب شيعي , كذلك الطب وغيرها , حيث لا يُقبل إلا القليل منهم , ولم يتم قبول الطلبة الشيعة في كلية الحقوق إلا 12 طالب تحت ضغط الأهالي , والمدهش بالأمر أن الجادرجي لم يقل هذا الكلام نصرةً لمظلومية الشيعة , بل تبريراً لأبعادهم من أدارة الحكم , تحت مبرر أنهم لا يمتلكون المؤهلات الكافية لأشراكهم بالأدارة . وحتى في البرلمان الذي ينبغي أن يمثل الشعب العراقي كما في حقيقته , فكان في العهد الملكي برلمان مزيف لم يعطي للأكثرية الشيعية تمثيلهم الصحيح , فقد ذكر الكاتب حسن العلوي في كتابه الشيعة والدولة القومية في العراق :ص188 ( وفي البرلمان العراقي في دورته الثالثة كانت نسبة النواب الشيعة لا تمثل نسبتهم السكانية , فمثلاً ففي بغداد وحدها كان هناك فقط تسعة نواب مسلمين جميعهم من السنة وأثنان من اليهود , ونائب مسيحي دون وجود لأي مسلم شيعي ) , أما في الدورة البرلمانية الحادية عشر لعام 1947م أصبح عدد نواب الشيعة سبعة من أصل عشرين نائب مسلم , وعدد نواب الشيعة بالبصرة مساوياً لعدد نواب السنة , علماً بأن الشيعة بالبصرة 90%) .
طبعاً إن مبررات الجهل التي ساقها كامل الجادرجي وغيره من السياسين السنة , وبدفع ومساعدة الأنكليز يتبين بطلانها من خلال ما كشفه السياسي العراقي ناجي شوكت , من خلال جدول نشره عن نسبة الأمين من الوزراء وأشباههم , وهم من السنة حتى نهاية عهد الملك فيصل الأول :
وزارة نوري سعيد عام 1930م 73%
وزارة ياسين الهاشمي 1935م 60%
وزارة ناجي شوكت 1932م 50%
أضافةً لما سبق , يمكنني أن أضيف ما يأكد التميز الطائفي في العهد الملكي , والذي عجز الملك فيصل الأول من القضاء عليه بسبب معارضة سياسيين سنه متنفذين في العهد الملكي , فمثلاً في عام 1921م لم يكن هناك شيعي واحد على قائمة المرشحين لخمس مناصب كمتصرفي ألوية , وكان هناك شيعي واحد فقط بين تسعة مرشحين كمدراء أقضية , كما تعاقبت عشرون حكومة عراقية بين أعوام 1921م-1947م خلت من أي رئيس وزراء شيعي , ولم يتسلم خلال العهد الملكي والجمهوري أي شيعي رئاسة أركان القوات المسلحة العراقية (نبراس الكاظمي, خواطر في الطائفية والعنصرية في العراق: صحيفة المؤتمر العدد 222). , ويُشار أيضاً خلال العهد الملكي , ومابين 1921م-1958م تشكلت 59 وزارة ترأس الشيعة 4 وزارات فقط والسنة 55 وزارة , على الرغم من أن الدستور العراقي لعام 1925م قد نص في مادته السادسة على أن لا فرق بين العراقيين في الحقوق أمام القانون , وأن أختلفوا في القومية , والدين , واللغة , كما منع الترويج للتفرقة الطائفية والعنصرية , إلا أن النخبة السياسية مارست التميز بشكل واضح , ومقنن. وهنا من المفيد أن أشير الى ماذكره الكاتب والسياسي المعروف عبد الكريم الأزري في شهادته التي جاءت في كتابه ( مشكلة الحكم في العراق) قائلاً (لقد حاولت جاهداً في هذا الكتاب أن أصارح القراء الكرام بما يجول في خاطري ,وما أعتقده في قرارة نفسي ووجداني , وما توصلت إليه من دراستي أن العلة الأساسية التي يعاني منها المجتمع العراقي والدولة العراقية هي علة التفرقة الطائفية التي أعتبرها علة العلل وأم الكبائر).
إن أستبعاد الطائفة الشيعية في عهد الأحتلال البريطاني للعراق مسألة ممنهحة , وهي سياسة قد أتخذتها بريطانيا , ففي سنة 1920 م عقد المندوب السامي البريطاني أجتماع لمجلسه الأستشاري في الواحد والعشرين من تشرين الأول ضم في عضويته كل من بونهام كارتر ناظر العدلية, وهاول ناظر المالية, وعنصرين بارزين في السياسة البريطانية , وهما جون فلبي, والمس بيل السكرتيرة الشرقية , وكانت غاية الأجتماع هو تأليف حكومة في بغداد , وقد أستبعد الأجتماع موضوع الأستعانة بأي شخصية شيعية)( التطور التاريخي لمشكلة الطائفية السياسية في العراق-2- زهير المالكي 17 يناير 2021م), حيث شكل المندوب السامي البريطاني أول حكومة في العراق برئاسة عبد الرحمن الكيلاني في الخامس والعشرين من تشرين الأول 1920م , وضمت عبد الرحمن النقيب رئيس وزراء, وطالب النقيب وزير للداخلية, وساسون حسقيل لوزارة المالية , ومصطفى الآلوسي وزير للعدل , وأما وزارة الدفاع فقد أُسندت الى جعفر العسكري , أما وزارة الأشغال العامة فلعزت الكركوكلي , أما وزارة الأوقاف لمحمد علي فاضل , والتجارة الى عبد اللطيف المنديل , أما الوزارة الوحيدة فكانت للشيعي الوحيد , وهو محمد مهدي الطباطبائي , وهي وزارة النافعة (التعليم) والصحة...يتبع
#أياد_الزهيري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟