أياد الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 8339 - 2025 / 5 / 11 - 14:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل البدأ في الكلام عن الطائفية , يكون من المفيد تعريفها للقراء , في وقت أختلطت فيها المفاهيم , وأصبح مصطلح الطائفية من أكثر المصطلحات تداول , حتى بات يُلاك على معظم الألسنة , ولا أظن الكثير من يضعها في نصابها الصحيح , فهناك الكثير من يُرمى بالطائفية والعنصرية جزافاً , وهناك من لا يُتهم بها , وهو غارق بها الى أُذنيه , لذا يكون من المفيد أن نُعرف الطائفية بتعريف جامع مانع . الطائفية : لغة مشتقة من الطائفة , وهي الفرقة أو الجماعة. أما أصطلاحاً , فتعني الأنحياز المفرط لجماعة دينية أو مذهبية على حساب بقية الجماعات , مع ما يصاحب ذلك من أستبعاد أو أضطهاد للآخرين (وكبيديا). طبعاً هذا التعريف ينطوي على معاني سلبية , مثل التحامل , والأنغلاق , وعدم التسامح تجاه الطوائف الآخرى . وكلمة طائفة لغةً تعني جزء من شيء , كما في الآية القرآنية ( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين), وقد جاء في لسان العرب لأبن منظور أنها تعني جزء من شيء , وأما كلمة طائفي فقد عرفها معجم أكسفورد : هو الشخص الذي يتبع بشكل متعنت طائفة معينة, أي أنه الذي يرفض الطوائف الأخرى ويغبنها حقوقها, أو يُكسب طائفته تلك الحقوق التي لغيرها, تعالياً على بيقية الطوائف, أو تجاهلاً لها , وتعصب ضدها.
الطائفية بدأت في تعصب أفراد أحدى الطوائف ضد أتباع الطائفة الأخرى , والسبب هو التعصب العقائدي الأعمى , الذي يكون أساسه الجهل , وهو حالة بدائية يتلبس بها الجهلة من الناس , الذين لا يدركون نسبية الحقيقة لدى فهم البشر للأشياء , وهذا يقود الى أعتقادهم بأن ما يعرفونه يصل الى حد الأطلاق , وهو الحقيقة النهائية , ومن يخالفهم هو باطل ومزيف , وفي المجال الديني يكون كفر , وضلال , يستحق الردع , وربما القتل , وحصل ذلك تاريخياً , وفي زمننا الحاضر , وما قامت به القاعدة في أفغانستان من قتل للطائفة الشيعية , وفي العراق وسوريا من قتل وذبح للشيعة والعلويين وحتى النصارى على يد داعش خير مثال على الطائفية المقيتة.
اليوم ما باتت الطائفية محصورة على مستوى الطبقات الشعبية الجاهلة , بل دخلت باب التوظيف السياسي , وأن بدأ هذا الأمر بالحقيقة في توظيف الطائفية من أيام الدولة العباسية , والتي كانت هي المؤسسة له , والذي سنتطرق له لاحقاً , لكن في السنوات الأخيرة بلغ هذا التوظيف مستويات عالية وخطيرة , حيث أصبحت الطائفية مطية سهلة للسياسين الطامحين بالوصول للسلطة , وخاصة الفاشلين منهم , ممن لا يتمتع بفكر سياسي ركين , ويفتقر للكارزمة الشخصية لقيادة الجماهير , ولا يمتلك من الفكر السياسي والأستراتيجي مايؤهله لطرح برنامج سياسي يجعله محور تلتف حوله الجماهير كممثل لطموحاتها , وآمالها , فهؤلاء السياسيون الفاشلون لا نصيب جماهيري لهم يؤهلهم لتبوء مراكز متقدمة في الأنتخابات , وليس لهم إلا الطائفية كسلم سهل وسريع يدفع بهم للصفوف الأمامية من ذوي الحظوة لتسلم السلطة , وقيادة البلد. فالطائفية أداة حشد ناجحة في الأوساط الجاهلة , والقليلة الوعي , وخاصة ذات النفس العشائري , وذلك بما تتمتع به من روح التعصب للفئة التي تنتمي لها , بغض النظر من سلامة موقف جماعتها من عدمة , فهذا اللون من الجمهور , وهو على نمط البيئة الجاهلية ماقبل الإسلام الذي مبدأه قول الشاعر الجاهلي دريد أبن الصمة في بيت شعري له ( وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشدُ). كما أود الأشارة الى أن هدف البحث ليس نكأ الجراح , في محاولة لأثارة فتنة بين أبناء وطن واحد , نكون نحن في أمس الحاجة الى رأب الصدع , وتتطييب الخواطر , وتهدئة النفوس فيه , وأعادة ترميم النسيج الأجتماعي الذي مزقته الروح الطائفية المقيته , والتي راح ضحيتها مئات آلاف البشرمن الأبرباء , ولكن الهدف , هو السعي لمعرفة الأسباب التي أسعرت نار الطائفية في العراق , وبالتالي العمل على منع تكرارها , ومعالجتها بشكل جذري ونهائي , لكي لاتعود المأساة مرةً أخرى , ويكون الدين والناس ضحية المتلاعبين من السياسين , ووعاظ السلاطين.
ولأجل سبر غور ما جرى من أقتتال طائفي بالعراق , ومعرفة مسبباته ,ودواعيه , علينا تثبيت حقيقة واقعية لا تقبل اللبس , وهي إن الروح الطائفية التي تحركة مابعد سقوط نظام البعث 2003م لم تكن روح طارئة , وأنما كانت روح مختبئة , ونار تحت الرماد, ولكن جاء من أججها من الطائفيون , وخاصة ممن كان من أعوان النظام السابق , وبعض ممن ينتمي لطائفة رأس النظام الصدامي البائد , وإن هناك من الباحثين من أخطأ في تشخيص أزمة الطائفية , والذي حددها كما يزعم الباحث طه العلواني في القرنين الأخيرين (العشرين والواحد والعشرين) في بحثه ( الأنقسامات الطائفية وآثارها المستقبلية) , بل هو موضوع له جذوره العميقة في التاريخ , حيث يمكنني القول إن بدايات الطائفية قامت على يد حكام بني العباس , الذين لهم قصب السبق في هذا المضمار , والتي بدأت بشكل خافت في زمن المأمون , وذلك في محاولة منه لتشجيع فكر المعتزلة , وإن بني العباس عمدوا الى ظهور المذاهب الأربعة لتكون مذاهب منافسة لمذهب أهل البيت , لأنه مذهب معارض لوجودهم , ولا يقبل المهادنة معهم , ولكن النَفس الطائفي برز بقوة في زمن الخليفة العباسي المتوكل , الذي أتخذ من المذهب الحنبلي , مذهب رسمي للدولة , وحاول فرضه على الناس , وهنا تكمن الخطورة عندما يصبح الفكر الطائفي ذو أطار آيديولوجي لمجموعة ما , فهو يمارس عندها تمويهاً أيديولوجياً تمارسه العقلية الطائفية للوصول للسلطة , وأن التفكير الطائفي ..,وهو نتاج تفاعل واقع فكري وظرف سياسي كما يقول سعيد الغانمي في كتابه ( معمار الفكر المعتزلي ص21 ) , ويذكر السيد سعيد الغانمي أن التهجم على المذاهب الأخرى برز بشكل قوي عند الحنابلة , حيث ألف حرب بن أسماعيل المتوفي (288 هجرية)كتاب أسماه (كتاب السنة والجماعة , شتم فيه فرق أهل الصلاة (معمتر الفكر المعتزلي ص337) , فالحنابلة أستغلوا قرارات الدولة لصالحهم حينها , حتى إن البربهاري تمكن من تحويل الحنبلية من مذهب فقهي الى مليشيا مسلحة أستولت على الشارعين البغدادي والبصري ( معالم الفكر المعتزلي ص355), بل أستطاع الحنابلة أكثر من ذلك في تجنيد العميان والمعوقين ضد بقية الطوائف , ويذكر الغانمي في كتابه المذكور أعلاه في ص355 ( وقد قسم الحنابلة أنفسهم الى ثلاث فئات , فئة متفرغة للعبادة والزهد , وفئة للفقه ونقل الحديث , وفئة للدفاع وشن الهجوم على الخصوم من الطوائف الأخرى) , كما يذهب الغانمي الى القول (كانت الحروب الطائفية في بغداد بلغت أوجها في سنة 450 هجرية , حيث التصفيات .. لكل مايرمز للعهد البويهي , وقد أحرقوا المكتبات البغدادية , وأفخرها , وهي المكتبة التي أسسها الوزير البويهي (سابور بن أردشير)( معالم الفكر المعتولي ص423). هذا غيض من فيض مما حدث من تعسف طائفي في العهد العباسي , الذي كشرت فيه الطائفية عن أنيابها , ولبست فيه أوسخ ثيابها , ولايسع هنا المجال لذكرها , فهناك الكثير من المصادر التاريخية التي تتحدث عن ذلك , حيث حصلت مجازر وأنتهاكات ومظالم تقشعر لها الأبدان , ولكن لا يسع المقام لذكرها , ولكن نذهب الى مرحلة أخرة أعقبت مرحلة العباسين , والتي لم تكن أقل وطئة منها في ممارسة الأضطهاد والتعسف الطائفي بحق الطوائف الأخرى من غير الطائفة الحنفية , بأعتبار أن السلطة تتمذهب بالمذهب الحنفي , ونذكر للأختصار ما قام به شيخ الأسلام في الدولة العثمانية (زنبلي علي أفندي) الى أصدار فتوى لمحاربة الشيعة بحجة محاربة التيارات المنحرفة , كما أصدر المفتي العثماني (نوح الحنفي) فتوى يكون بموجبها قتل الشيعة تابوا أم لم يتوبوا , , وقد ذكر الموسوي في الفصول المهمة ص143 بأن الشيخ نوح الحنفي قتل من جراء هذه الفتوى عشرات الألوف من شيعة حلب حتى لم يبقى فيها شيعي واحد (الشيعة والحاكمون: مغنية ص195), وتأسيساً على هذه الفتاوي الطائفية أنبرى بموجبها السلطان العثماني سليم الأول بقتل أربعين ألف من شيعة الأناضول , مدفوع بقضية تُسمى (بطولة القضية السنية) , والتي ذكرها السيد محسن الأميني في كتابه (أعيان الشيعة ). كما أن الكاتب والضابط البريطاني ستيفن لونكريك ذكر في كتابه ( أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ص182) (بأن الدولة العثمانية أعلنت مروق الجعفريين , وكونهم مباحين لأبناء السنة), وقد ذكر لونكريك في كتابه هذا كاشفاً فيه الخطة القذرة للوالي العثماني لأجتثاث الشيعة من بغداد , وذلك بأرسال عدد من الجنود بقدر أعداد الشيعة فيها , وتحديد ساعة الصفر لكي ينقض كل جندي على من وكّل بقتله, ولكن الخطة بائت بالفشل., فقد مارس الأتراك حكماً أقصائياً , وتعسفياً أتجاه الشيعة , ويذكر السياسي العراقي كامل الجادرجي مؤسس الحزب الوطني الديمقراطي , وهو سني المذهب يذكر فيه وضع الشيعة أيام الحكم العثماني في كتابه (من أوراق كامل الجادرجي ص80) قائلاً (كانت الطائفة الشيعية تعد في زمن السلطان عبد الحميد , وبالحقيقة في زمن الدولة العثمانية أقلية تنظر أليها الدولة بعين العداء, فلم تفسح لها مجالات التقدم في أية ناحية من نواحي الحياة العامة , ومن الأمثلة البارزة على ذلك أنها كانت لا تقبل لها تلميذ في المدرسة الحربية , ولا يُقبل منها فرد في وظائف الدولة , إلا ماندر , وعند الضرورة القصوى , وحتى في مدارس الدولة الأعدادية القليلة كانت توضع العراقيل في طريق دخول أبناء الطائفة فيها). وأخيراً وليس آخراً وأختصاراً للبحث أذكر ما ذكره الباحث في شؤون الأقليات في الدولة العثمانية (لورانت واني شابري) ( في الأمبراطورية العثمانية قبعت الطائفة الشيعية في العراق مستبعدة عن أجهزة الدولة , وقد أحتفظ العثمانيون للسنة بكامل المراكز الوظيفية , وفتحوا أمامهم أوسع الأبواب للوصول الى التربية الحديثة)( الأقصاء السياسي تجاه الشيعة في العراق العثماني) , ولم يكن المحتل التركي وحده من مارس الأعمال الطائفية ضد القسم الأكبر من سكان العراق وأهله الحقيقيون , بل أغرت السلطة التركية بما أوغرته من روح العداء للطوائف الأخرى في نفوس أتباعها , مما أغرى بعض المواطنين ممن هو على لون طائفي واحد مع الأتراك بالحث , ودفع السلطة وأغراءها , وتحريضها على أعمال عدوانية بدافع طائفي , وهذا ماحدث في (1869م) أيام الوالي العثماني مدحت باشا من قِبل أحد علماء بغداد الوهابي أحمد شاكر الآلوسي , حيث أغرى هذا الطائفي الوالي بأصدار منع أقامة الشعائر الحسينية , وحينها هدد الوالي بمعاقبة كل من يُقيم مجلساً للقراء الحُسيني (مجلة العلوم الإنسانية/كلية التربية للعلوم الإنسانية المجلد 22: العدد الثاني ,2015: صلاح هادي عبادة)...يتبع
#أياد_الزهيري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟