أياد الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 8119 - 2024 / 10 / 3 - 21:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يقول المثل العربي ( آخر الدواء الكي) . قديماً عندما يعجز الإنسان من معالجة مرض بالوسائل المعتادة , وخاصة في الأمراض المستعصية , نراه يستعين بالنار كآخر وسيلة لمعالجة مرض مستعصي على الشفاء, وعلى هذا الأساس قيل هذا المثل.
أن السياسة الأمريكية في العالم بشكل عام , وفي منطقتنا العربية بشكل خاص هو ما جعلني أستحضر هذا المثل العربي مع فارق التطبيق والغاية , ولتبيان ذلك عليَّ أن أوضح المنهج السياسي للولايات المتحدة الأمريكية في تحقيق ماتربوا اليه من أهداف سياسية , وما تخطط له في أستراتيجيتها البعيدة المدى .
قبل البدأ بخريطة الطريق التي وضعتها الأدارة الأمريكية , علينا معرفة الأهداف البعيدة المدى المنوي تحقيقها , في منطقة أصبحت مستعصية في الأستجابة لمطالب وأماني الجانب الأمريكو –صهيوني , وقد ضاقت ذرعاً أمريكا من عناد وتصدي شعوب منطقة الشرق الأوسط في مواجهة كل مخططات الولايات المتحدة الأمريكية , وقد نفذ صبرها , مما جعلها تفكر بآخر الحلول , وهو أستخدام القوة المفرطة , والعالية الخشونة , في أخضاع هذه الشعوب للأمر الواقع , وهو أجبارهم للدخول ببيت الطاعة الأمريكو-صهيوني . ومن الضروري بمكان الأشارة الى مبدأ قال به أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية ( جورج واشنطن) والذي نصح فيه الساسه الأمريكان بعدم التلاحم مع مشكلات العالم الخارجي , وأطلق عليها بسياسة الأنعزال , وأشار الى أن هناك مُسطحين مائيين كبيرين متمثلين بالمحيطين الأطلسي والهادي الذين يحققان سياسة العزلة هذه , ولكن دخول الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الثانية كسرت هذه السياسة ، متخطية لنصيحة أحد أهم مؤسسيها , والرئيس الأول لها , حين أشتركت بشكل مباشر في الحرب العالمية الثانية في معركة الروماندي عام 1944 م , في الجانب الغربي لأوربا .
بعد أنتهاء الحرب العالمية الثانية تقاسمت أمريكا مع الأتحاد السوفيتي وبريطانيا تركة ألمانيا , وصعد نجمها على الساحة الدولية خاصةً بعد أستعمالها للقنبلة النووية ضد اليابان عام 1945م ، وإن أستسلام اليابان لها , نفخ هذا النجاح غرور الطبقة السياسية الأمريكية , وأرتفع منسوب طموحاتهم , بكسب المزيد من السطو والأمتيازات من شعوب وبلدان أخرى , وهذا ما دفع بهم الى حلم فكرة حكم العالم , أعتماداً على فكرة إن الليبرالية هي أفضل فكر عرفته البشرية , وهو من يجب أن يسود العالم , وهو مايجب أن ينتهي التاريخ البشري له , وقد عبر عن الحلم الأمريكي هذا, الفيلسوف والسياسي الأمريكي فرنسيس فوكوياما في كتابه الشهير (نهاية التاريخ والأنسان الأخير) . هذه الفكرة لا يمكن ترجمتها على أرض الواقع من دون أن تمتلك المال , ومصادر الطاقة , والتكنلوجيا , وهذا هو سر عبور أمريكا عرض البحار والمحيطات للوصول الى مصدر الطاقة في الشرق الأوسط والسيطرة عليه , ولكي تتم السيطرة على هذا الجزء من العالم , كان عليهم أن يصنعوا في منطقة الشرق الأوسط حكومات ضعيفة وتابعة لنفوذهم , ولكي يتم ذلك لهم , يتوجب أقامة كيان مصطنع أسمه أسرائيل كقاعدة متقدمه لها , تكون حجر الزاوية والمنصة التي تنطلق منها للتآمر وتأديب من يحاول , أو ينوي الخروج من بيت الطاعة الأمريكي , فصنعوا كيانات هزيلة في الخليج والسعودية , وكذلك عمدوا على أنشاء كيانات مصطنعة كالأردن ولبنان , والى أضعاف القوى القوية التي تحيط بأسرائيل والقريبة منها , لتوفير حزام آمن لهذا الكيان المصطنع , وهذا هو السبب بخلق المشاكل لسوريا وأضعاف مصر عبر حروب وخلق أزمات ماليه لها , وتدمير العراق من خلال أحتلاله 2003م. بعد أنتصار الولايات المتحدة الأمريكية بالحرب الباردة على الأتحاد السوفيتي , والذي أدى الى تفتيته الى عدة دول , فتوجهوا حينئذ الى بسط سيطرتهم بشكل أكبر على دول النفط في الشرق الأوسط , والتمركز في أهم مناطق العالم أستراتيجية , بأعتبارها تمثل أهم مناطق مصادر الطاقة بالعالم , أضافة الى أنها تمثل سوق كبير لتسويق المنتجات الأمريكية والأوربية , وبالتالي تكون عنصر مهم بأنتعاش الصناعة والتجارة لأمريكا وحلفائها من الأوربيين . أن ماذكرنا أعلاه يمثل خارطة الطريق النظرية للولايات المتحدة الأمريكية , التي تحتاج الى أدوات عمل لتطبيقها على أرض الواقع . أدوات هذا المشروع العملاق والخطير تمثلت بسردية نظرية أختصرها فرنسيس فوكوياما في كتابه ( نهاية التاريخ) , كشعار , وأدب سياسي , ولاشك إن كل أدب سياسي يحتاج الى نظرية عمل , وهنا يبرز لنا مفكر أستراتيجي , وهو المدعو برنارد لويس (1916-2018م) , وما أدراك ما برنارد لويس , وهو مستشرق بريطاني –أمريكي الجنسية يهودي الديانة , حاصل على الدكتوراة الفخرية من جامعة تل أبيب , متخصص بالتاريخ الأسلامي , وصاحب نظرية تقسيم الوطن العربي , فقد قدم هذا المستشرق خريطة كاملة المعالم والتفاصيل لكل بلد مراد تقسيمة , موظفاً عوامل عدة , كل وحسب تشكيلته السكانية وتلاوينها الطائفية والقومية والدينية , كما جاءت وزيرة الخارجية السابقة كوندريزا رايس كعامل مكمل لبرنارد , حيث قدمت مشروعها المسمى بنظرية الفوضى الخلاقة , وهي نظرية تقوم على خلق فوضى قائمة على الصراع بين الحاكم وشعبه , وبين فئات الشعب المختلفة , آملين بالوصول الى حالة التصادم الدموي , التي تنتهي بأنهيار الدول والمجتمعات , مما يسهل أستباحتها , والسيطرة عليها من قِبل الولايات المتحدة بشكل مباشر بالأحتلال , أو بشكل غير مباشر من خلال شخصيات محلية تأتمر بأوامر أمريكا . أن فلسفة السياسة الأمريكية القائمة على فرض مشروعها الحضاري الليبرالي على بقية الشعوب الأخرى التي هي الأخرى تعتز بحضارتها وموروثها الحضاري والديني لا يمكن أن تتنازل عن هويتها الحضارية والثقافية والدينية , مما يؤدي حتماً الى صراع على كل المستويات , والتي قد تنتهي الى صراع مسلح يصحبه دمار كبير يذهب ضحيته الإنسان . السؤال الذي يطرح نفسه , من الذي أعطى للولايات المتحدة الوصاية على الإنسانية لكي تدعي مسؤوليتها عن ما يجب أن تنتهجه من أسلوب , وما ينبغي أن تعتقد به من منهج بالحياة , وقد قدمت تفسيراً لنهجها الشمولي والخشن بما سموه بصراع الحضارات , وقد قدموه كنظرية أقرب لمنهج نظرية التطور لدارون التي تتلخص بالبقاء للأقوى, ونظرية صراع الحضارات تتلخص بالبقاء للحضارة الأصلح , وهي في أعتقادهم الحضارة الليبرالية التي ينبغي فرضها على كل البشرية , وبما أن الشعوب لا تستسلم لهذا النوع من الفرض بالقوة لطرف من الأطراف على حساب طرف آخر , مما يؤدي حتماً الى المزيد من الصراعات المصحوب بكثير من الدمار على هذا الكوكب , والذي قد يقود الى تدميره , ولا أجد من مبرر لكل هذا , الا مبرر واحد , وهو مبرر عنصري شوفيني , يصبح فيه العالم طوع الشعب اليهودي , فيكون سيداً عليه , خادماً له , تحت مبدأ شعب الله المختار , وهو مبدأ شعبوي مقيت .
من المعيب والمخزي على دولة عظمى تسخر كل طاقات بلدها , وعصارة جهود شعبها من أجل أهداف عنصرية تلمودية تتبناها مجموعة صغيرة من الناس لا يمثلون نسبة أكثر من 0.2% من بين شعوب العالم , الا وهو الشعب اليهودي المتجمع في أرض أغتصبها من شعبها الأصلي , وشرده في كل أصقاع العالم , ويسوم من تبقى في أرضه سوء العذاب . أن ما تقوم به الولايات المتحدة من خدمة لأسرائيل هي أساءة للشعب الأمريكي نفسه ، وتبديد لمصالحه , وتهديد لمستقبله السياسي والأقتصادي , ولا أمل لأمريكا الا بالرجوع لنصيحة , وحكمة رئيسهم الأول جورج واشنطن , وذلك بالرجوع الى سياسة الأنعزال , وترك مشاكل العالم الاخر , وسيكون للولايات المتحدة مزيد من الحصانة والقوة والمنعة , أذا أخذت الحكومات الأمريكية بنصيحة بنيامين فرانكلين (1706-1790)م واحد من مؤسسي الولايات المتحدة الأمريكية , والتي تتلخص بالأتي ( هناك خطر عظيم يهدد الولايات المتحدة الأمريكية , وذلك الخطر العظيم هو خطر اليهود . أيها السادة : في كل أرض حل بها اليهود أطاحو بالمستوى الخلقي , وأفسدوا الذمة المالية التجارية فيها) , ولكن للأسف فأن أمريكا أنقادت لأوامر أصحاب رؤوس الأموال اليهود , ضاربين توصيات الآباء المؤسسين لها عرض الحائط, عازمين على تغير المعادلات السياسية في منطقة الشرق الأوسط , عبر تغير الخارطة السياسية لها , تنفيذا حرفياً لسيناريوهات برنارد لويس , موظفين القوة العسكرية , وتهادن دول عربية مطبعة خانعة , ذليلة , متخذين من السياسي الأسرائيلي الطموح والشرس نيتنياهو كفارس لخوض هذه المغامرة المجنونة , لرسم خارطة جديدة للشرق الأوسط , وقد قالها نيتنياهو بُعَيد أغتيال حسن نصر الله مباشرة , في لحظة نشوة الأنتصار , وبطريقة يفوح منها الغرور قائلاً , الآن ومن خلال أنتصارنا هذا , بات الطريق سالكاً لتغير أستراتيجي في المنطقة , وفي بيان نشرته وكالة رويتر للأنباء قال فيه ( القضاء على حسن نصر الله خطوة ضرورية نحو تحقيق الهدف الذي حددناه لتغير ميزان القوى في المنطقة لسنوات مقبلة) , وقد أشار الصحفي السعودي المعروف (مشاري الذايدي) في مقال له في جريدة الشرق الأوسط , الصادرة في أكتوبر 2024م في مقال له ( نلاحظ الأسم الذي أطلقته إسرائيل على عملية قتل حسن نصر الله , وطبقة القيادة للحزب , وهو النظام الجديد) , وهكذا نعرض للقاريء العربي أن ما يجري هو حلقة في سلسلة تنتهي الى سايكس-بيكو جديد تعتزم أمريكا وأسرائيل معاً على تحقيقة في المنطقة , وسيكون مشروع أكثر أيلاماً وتدميراً من مشروع سايكس-بيكو 1916م بين فرنسا وبريطانيا , الذي قسم منطقة الشرق الأوسط الى كيانات متشظية وضعيفة يحكمها عملاء تعينهم أمريكا وأسرائيل على شعوب مقهورة الجانب , ضعيفة القوى , لاتملك من ثرواتها الا الفتات , لينتهي بهم الحال بأن يكونوا عبيد لبني صهيون , وحينئذ يحقق اليهود ما أوصت ووعدت به توراتهم وصحف تلمودهم , وهو أستحمار الشعوب الغير يهودية .
#أياد_الزهيري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟