أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - التمثيل والكتابة والضجيج: عن موت القراءة وغياب المرجعيات!















المزيد.....

التمثيل والكتابة والضجيج: عن موت القراءة وغياب المرجعيات!


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8368 - 2025 / 6 / 9 - 02:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إبراهيم اليوسف

ما إن يُطرح رقم ثلاثة ملايين كردي، كعدد تقريبي في أقل تقدير للكرد في سوريا، داخل حدود كردستان سوريا وفي المدن السورية الأخرى، لكنه يُبيّن حجم الكتلة البشرية التي تستحق أن يتم تمثيلها في أي حوار مفصلي، لعوامل كثيرة، يمكن المرافعة عنها في موضع آخر خارج هذه الوقفة. فلا فضل لأحد على آخر، ولا امتياز خارج الكفاءة والنزاهة، ولكن هناك أولويات. لا يمكن أن يكون الصوت الأعلى، أو الأكثر مزاحمة، هو الأدق أو الأصدق. ولا يمكن أن تكون الكاميرا، أو عدد المتابعين، شهادة تزكية كافية.
أقول هذا من خلال موقف متابع محض، لا من موقع ناقد فقط، بل بصفتي أحد الذين عايشوا الكتابة والقراءة لأكثر من نصف قرن، ممارسة وتفاعلاً. كانت الكلمة المنشورة ذات يوم نافذة وعي وأداة تحول. الراديو كان وسيلة سريعة لتلقي الخبر، والتلفاز أخذ حيزاً لاحقاً، لكنه لم ينتزع مكانة الكتاب أو الجريدة أو المجلة. الكلمة المكتوبة كانت أقوى أثراً، أعمق نفاذاً، وأشدّ رسوخاً. الآن، انقلبت الآية.
لم يعد الكاتب يُقرأ، وهذه مفارقة مفجعة، وها نجد ديجيتالياً أمياً أكثر تأثيراً من أي كاتب كبير، ولا يتورع عن التنطع لترشيح اسمه كممثل:
لم لم أكن من ضمن الوفد الكردي؟
لم لم يكن فلان من ضمن الوفد الكردي؟
في مدينة كقامشلي، كان من يكتبون في الصحافة السورية أو العربية الجادة- في أوج زمن الكتابة- عندما كانت الكتابة في مواجهة السلطة خطراً على الذات والمحيط- لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة، ومن يكتبون أدباً- بكل مستوياته- المرضى عنه وغير المُرضي، في آن، لا يتجاوزون العشرين كاتباً، من مختلف الطيف الفسيسفسائي الجميل. اليوم، في كل بيت، ثمة شخص يكتب أو يظهر أو يتحدث باسم الآخرين، عبر وسائل التواصل الافتراضي: كتابة أو صورة افتراضيتين، بعد أن صار النشر أو البث الافتراضي اليومي، سواء على وسائل التواصل أو التطبيقات المرئية، مرجعين وهميين موهمين للجمهور.
هل ازدادت القراءة في هذا السياق؟ نعم. لكنها في غالبها قراءة سريعة، هشّة، استعراضية. بات كثيرون يكتفون بقراءة العناوين، بعد أن كان هذا السلوك مقتصراً على قلة من هواة اقتناء الكتب دون قراءتها. تغيّر الزمن، ولم تتغير الحاجة إلى العمق.
ما دعاني للكتابة هنا، هو هذا التجاهل المؤلم لأسماء من يكتبون، ومن يواظبون على البحث والقراءة والإنتاج، وذلك ضمن حملات الترشيح العاطفية التي تتكرر كل مرة، حيث يُقدَّم من يجيد الترويج لذاته، أو من يحظى بشعبية لحظية، ويُقصى من بنى تجربته على أساس متين.
كاتب جاد مثل د.محمود عباس- أكثر الكرد غزارة كتابية متواصلة ومتابعة للشأن الكردي- يكتب كل يوم، منذ تأسيس الصحافة الإلكترونية، قبل ربع نصف قرن، ولا تزال أعداد قراءاته محدودة، كردياً، وهكذا أ. إبراهيم محمود. وذكري لكليهما يأتي من قبيل الإشارة إلى أن أي ترشيح لأكاديميين أو كتّاب ينبغي أن يبدأ من هنا: من الذين ظلوا في الطليعة بالفكر، لا بالشكل، سواء تعلق الأمر باتحادات كتاب، أو منظمات مدنية، أو أي منبر للحوار الجاد.
في المقابل، قد تجد أميَّاً يدوّن منشوراً منقولاً، لا يتجاوز السطرين، ويحظى بآلاف المتابعين. بل تجد من لا يقرأ ولا يكتب، يطلب من باحث مختص أن يعينه في موضوعات ذات طابع بحثي عميق، لا يمتلك عنها سوى عنوانها، كموضوع الإيزيدية مثلاً، بينما هو لا يعرف منه إلا عنواناً مبسطاً. أرسل له روابط ومقالات وخلاصات، فرد عليه: " أرجو منك كتابة بضعة أسطر، أنا" مافيني أقرأ". هنا لم يعد الباحث المستعان به قادراً على الاستمرار في تلبية مطلبه.
لقد طُرحت أسماء كثيرة لمراجع كردية يمكن الاستناد إليها- من أجل المهمة الخاصة ذاتها- في الحوارات المصيرية الكبرى، و يمكنني أن أضيف إليها: كما مئات الأسماء الأخرى، وأعتذر عن عدم إمكان إيرادها كلها، لكن الرؤية غالباً ما تكون عاطفية، انتقائية، تستند إلى الزاوية لا إلى المشهد الكامل. ومع ذلك، لا يمكن نفي الجهد المبذول من أحد. فكل من يكتب أو يعبّر، هو مشكور، ما دامت النية خالصة.
وبما أننا في صدد الحوار، فإنني أعرف شخصياً نصف أعضاء وفد كردي الجديد، ومن خلال علاقتي الممتدة زمنياً مع أكثرهم الذين عملنا معاً عن قرب، وأستطيع أن أقول بثقة: إنهم صالحون لافتتاح أو إرساء دعامات أي حوار استراتيجي. فهم ليسوا ملاكمين ولا شتامين، لكنهم يتمتعون بالصبر، والحكمة، والخبرة. ومن هنا، أرى أن هؤلاء جميعهم قادرون على وضع حجر الأساس الذي يُبنى عليه التوازن، واستمرار الحضور السياسي المتزن.
لكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى أن الوفد الذي يمثل شعبنا- بحق- من خلال وجهة نظري، كان يحتاج إلى إعداد أفضل، ومراجع متعددة: سياسية، قانونية، إعلامية، لوجستية... وذلك بالتوازي مع مرحلة تشكيله.
وقد يكون من المفيد التذكير بما جرى مع قيادة الكتلة الكردية في الائتلاف، والتي لم تستعن إلا بالمقربين بهذا الشكل أو ذاك، ففقدت كثيراً من زخمها. رغم أن هناك من ضحى، نعم، هناك من ضحى، وهناك من اجتهد، لكن ذلك لا يعفي من مسؤولية التقييم النقدي.
أعترف بأنني لا أعرف بدقة من شارك من بعض الأسماء الجديدة التي ظهرت بعد مغادرتي الوطن، إلا أن وجود النساء- تحديداً- ضمن الوفد أقدّره عالياً، لأن مشاركة المرأة الكردية ليست ترفاً، بل ضرورة لاكتمال أي تمثيل حقيقي.
وأرى أن الوفد- رغم كل الملاحظات الناتجة عن معرفة شخصية أو عامة ببعض أفراده- يمثلني كشخص، إذ جمعتنا ميادين عمل مع مقربين من الطرفين، الذين كان لهم حضور آنذاك.
كل كردي يُوفَد ويجسد مطالب شعبي بشجاعة، ودون أي تنازل عن حقوقنا الكاملة، يمثلني.

الشجاعة مطلوبة، إلى جانب الحكمة والخبرة والتاريخ النضالي. نعم، قد تكون لدي ملاحظات على كل واحد منهم، وهذا أمر طبيعي في أي تشكيل سياسي أو مجتمعي، إذ لا يمكن أن يتكوّن أي وفد واقعي بلا ملاحظات.
من كان في الصف الأول، وتحمّل أعباء المرحلة، يستحق أن يكون في واجهة الحوار، لا أن يُستبدل بأسماء تقفز من موقع إلى آخر دون مرجعية واضحة..
عامل الشجاعة في زمن الرعب يجب ألا يُغفل. التجربة التاريخية لا تُقاس بالمواسم، بل بمن وقف حين تراجع غيره، ومن تكلم حين صمتت الحناجر، قبل سقوط جدار الرعب. إذ هناك من يرشّحون ذواتهم اليوم، ولم يكن لهم في زمن الخطر أي حضور، لا في الكلمة، ولا في الموقف، ولا حتى في مجرد التعليق، إلى جانب أسماء أخرى اجتهدت بصمت، وأضاءت الفكرة دون أن تتسلق الضوء.
موت الكتابة أمر واقع. موت القراءة واقع أيضاً. لكن موت المصداقية هو الأخطر. لا نريد وفوداً تكرر ما سبق. ولا نريد كتاباً بلا قراءة، ولا قراءً بلا وعي.
كلهم مستحق. أجل، لكن ليس جميعهم مؤهلاً بالدرجة نفسها. وهنا تبدأ معركة التمثيل الحقيقية: أن يمثل من يحمل هموم شعبه، ويقرأ، ويكتب، ويفهم... لا من يتقن الظهور فقط، من عداد أولئك الذين يمثلون شعبنا خير تمثيل بحق.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفيدرالية السورية من عفوية التفكك إلى ضرورة التنظيم
- الاتحاد الديمقراطي: فرصة تاريخية لتصحيح المسار ب. ي. د، ما ل ...
- تجنيس الإرهاب ووطنية المثقف الكردي
- وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ النقد اليومي: هَلْ نَحْنُ هُوَاةُ أَذَى ...
- نغوجي واثيونغو حين كتب بلغته كي لا يُمحى شعبه... دروس لكردست ...
- خطر الأدوات التركية في سوريا الإيغور نموذجًا بين الخطة الأرد ...
- طمأنات زائفة بين نقد الواقع ومكيجته
- إعادة تدوير التطرّف: كذبة تُهدد الدستور
- إضاءة في الذكرى العشرين لاغتيال الشيخ الشهيد د. محمد معشوق ا ...
- بعد عشرين سنة على اختطافه واغتياله: لماذا لا تزال ملفات اغتي ...
- إمبراطورية بلا ذاكرة... وعدالة بلا خريطة! لماذا يعتذر الأمري ...
- أنيس حنا مديواية: حارس الثقافة وذاكرة المدينة1
- كرد سوريا ووصاية الجزء الآخر: ازدواجية الخطاب والاستلاب المف ...
- أنيس حنا مديواية: حارس الثقافة وذاكرة المدينة
- إضاءة نقدية حول رواية الزلزال للكاتب ريبر هبون
- إضاءة نقدية حول رواية الزلزال للكاتب ريبر هبون بقلم الناقد ا ...
- تلويحة النار و دمعة الجبل: سفير عفرين جوان حسن في أغنيته الأ ...
- في حضرة المفارقة من -نبوءة التخوين- إلى السقوط في شراكه
- خدعة مرتد الهوية: خيانة الذات وأقنعة النموذج المأزوم-1-
- خدعة مرتد الهوية: خيانة الذات وأقنعة المأزوم-2-


المزيد.....




- -بعد الهجوم الكبير-.. أوكرانيا تعلن قصف مطار روسي وتدمير مقا ...
- نجمات ومؤثّرات عربيات يخطفن الأنظار بإطلالات صيفيّة ساحرة في ...
- حاكم كاليفورنيا يرد على سؤال حول احتمال اعتقاله
- بدقة غير مسبوقة.. مسبار -باركر- يوثق انفجارا شمسيا غامضا يتح ...
- -هآرتس- تتحدث عن ضغوط قطرية على -حماس- لوقف إطلاق النار
- خبير: تقدم الجيش الروسي في دنيبروبتروفسك يعزل قوات كييف ويقط ...
- -باييس-: قوات كييف تنشر مراكز تجميع المسيرات في المباني السك ...
- شرطة لوس أنجلوس تفرض حظرا على التجمع وسط المدينة
- إيران تدعو المجتمع الدولي للتحرك العاجل لوقف الإبادة الجماعي ...
- خفايا الهجوم الإسرائيلي على سفينة -الحرية-!


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - التمثيل والكتابة والضجيج: عن موت القراءة وغياب المرجعيات!