أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - أحمد الجوهري - الجانب الآخر من الأمل: المنفى، البيروقراطية، وأشباح التضامن الطبقي














المزيد.....

الجانب الآخر من الأمل: المنفى، البيروقراطية، وأشباح التضامن الطبقي


أحمد الجوهري
مهندس مدني *مهندس تصميم انشائي* ماركسي-تشومسكي|اشتراكي تحرري

(Ahmed El Gohary)


الحوار المتمدن-العدد: 8361 - 2025 / 6 / 2 - 15:06
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


هناك شيء مفجع بهدوء في مشاهدة فيلم الجانب الآخر من الأمل للمخرج آكي كاوريسماكي، حين يكون حلمك أن تهاجر إلى الأراضي التي يصوّرها الفيلم. فنلندا، السويد—ما يُسمى بـ"الشمال الإنساني"—تمثل للكثيرين منا ليس فقط الأمان، بل الكرامة. مكان يستطيع فيه الإنسان أن يسير منتصباً، لا كمتهم دائم، بل ككائن يُسمح له أخيراً بالتنفس.

لكن كاوريسماكي، بأسلوبه الساخر البسيط وإطاراته الصامتة التي تقول أكثر مما تُقال بالكلمات، يكشف لنا أن حتى في الشمال، يظل اللاجئ سؤالاً لا إجابة له، يظل حالة طارئة، لا شخصاً كاملاً. يتتبع الفيلم رحلة خالد، لاجئ سوري يصل إلى فنلندا طالباً اللجوء، فيصطدم بمجتمع محاصر في جمود بيروقراطي لا يقل عن جمود الأنظمة السلطوية—فقط أكثر برودة، وأكثر تهذيباً في طريقة الرفض.

الحرب كتشريد، والرأسمالية كحرمان
رحلة خالد ليست استثناء، بل نتيجة منطقية لبنية عالمية. هو ليس ضحية صدفة، بل ضحية حرب، والحروب ليست عبثاً. إنها الأداة المفضلة للرأسمالية لإعادة تشكيل الأطراف الجغرافية، لتحويل البيوت الآمنة إلى أنقاض، والبشر إلى فائض لا يُراد له مكان.

اللاجئ إذن ليس فقط شخصاً بلا أوراق، بل هو إنسان جُرّد من حقه في الوجود داخل عالم قائم على الملكية، والحدود، والسلطة البيروقراطية. كاوريسماكي لا يبالغ في قول ذلك. لا يحتاج إلى ذلك. نظرة صامتة من خالد، باب مكتب مغلق، ورقة مرفوضة—كلها تقول ما لا يُقال.

البيروقراطية: الوجه البارد للسلطة الحديثة
محاولات خالد لتقنين وضعه القانوني تُقابل بعنف الدولة المحايد. لا دماء، لا ضرب، لكن القسوة كاملة. الأوراق تُرفض، المنطق يُتجاهل، ويُطلب منه العودة إلى الجحيم الذي فرّ منه. هذه هي جوهر السلطة البيروقراطية الحديثة: القدرة على تدمير حياة إنسان دون أن ترفع صوتها.

وفقاً للمنظور الماركسي، هذا ليس خللاً، بل وظيفة. فالدولة في النظام الرأسمالي ليست مصممة لخدمة الفقراء أو اللاجئين. إنها أداة لضمان استمرارية إنتاج الربح، وحين لا يمكن دمج اللاجئ بسهولة في سوق العمل، يُعامل كشوائب لا لزوم لها.

صاحب المطعم: تجسيد للأممية البروليتارية
ثم تأتي لحظة الأمل الحقيقية في الفيلم: صاحب مطعم من الطبقة العاملة يوظف خالد، ويعطيه أوراقاً، ويعامله بكرامة. لا يفعل ذلك بدافع الشفقة أو الشعور بالذنب الليبرالي، بل يفعله لأنه يعرف أن هذا هو الصواب، لأنه يرى في خالد إنساناً مثله، عاملاً مسحوقاً في عالم بلا رحمة.

هذه، بالنسبة لي، اللحظة الأكثر ثورية في الفيلم—not هروب خالد، بل التضامن الفعلي بين شخصين من عوالم مختلفة. إنها تُجسد جوهر الاشتراكية التحررية والنقابية: الخلاص لن يأتي من الدول أو المنظمات، بل من الأسفل—من تضامن المهمّشين، من رفاق يعرفون معنى أن تكون ضحية النظام.

البساطة كأداة سياسية
أسلوب كاوريسماكي البصري ليس تجميلياً، بل أيديولوجي. الإطارات الصامتة، الحوار المختزل، الكاميرا الثابتة—كلها رفض متعمّد لسينما العرض الرأسمالية، تلك السينما التي تمجّد الضجيج والسرعة والمبالغة. شخصياته بالكاد تتكلم، لأن العالم الذي يعيشون فيه قد أفرغ اللغة من معناها. لم يتبقَ سوى الفعل—الفعل الإنساني، البسيط، العميق.

حتى الفكاهة في الفيلم لها طابع سياسي. جافة، صامتة، شبه عبثية—إنها ضحكة البروليتاريا، تلك الضحكة التي تنبع من قاع الألم، من داخل المخيم، من قلب الإضراب. ضحكة تقاوم الانهيار.

حلمي... ومخاوفي
شاهدت الجانب الآخر من الأمل بمزيج من الحنين والرعب. فنلندا أو السويد ليستا يوتوبيا بالنسبة لي. لست غافلاً. لكنني أحلم أن أتنفس في مكان لا يكون فيه وجودي جريمة، حيث لا تُطلب مني التضحية بكرامتي من أجل البقاء.

ومع ذلك، يذكّرني الفيلم أن الجغرافيا وحدها لا تخلّصنا. ما يُنقذنا هو خيوط التضامن التي نبنيها، والناس الذين يختارون أن يكونوا بشراً في عالم صُمّم لنزع الإنسانية. آمل أن تكون رحلتي أرحم من رحلة خالد، ولكن إن لم تكن، فليكن لي رفاق كصاحب المطعم—أناس يفهمون أن حريتنا واحدة، وأن نجاتنا لا تكون إلا معاً.



#أحمد_الجوهري (هاشتاغ)       Ahmed_El_Gohary#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الملكية الذاتية، الحرية، والمساواة: مراجعة ماركسية للأسس الل ...
- الكومونة الباريسية: مخطط للاشتراكية بلا دولة
- الإقتصاد بين السوق والدولة والصراع الطبقي: قراءة في النيوكلا ...
- الفيزياء وخلود الروح (مُترجم للعربية)
- النكبة من منظور الماركسية–التشومسكية الاشتراكية التحررية: ال ...
- فنلندا الأخرى: البروليتاريا المنسيّة في دولة الرفاه
- الاشتراكية لا تولد من رحم السلطة: رد تحرري على الاشتراكية وا ...
- أرض وحرية: صرخة من القبر لا تزال تتردد
- الاشتراكية لا تمر عبر الدولة: نقد تحرري لمقال من الدولة إلى ...
- نقد جذري لمقال -نحو تجديد ماركسي-لينيني يتجاوز المأزق اللاسل ...
- البجعة السوداء – مأساة السعي نحو الكمال
- توليف اشتراكي تحرري: نقد لكتاب جيرالد كوهين نظرية ماركس للتا ...
- نقد اشتراكي ليبرتاري لإعادة البناء التحليلية للمادية التاريخ ...
- البحث عن الإله في أدبيات نجيب محفوظ – الحلقة الثانية: ثلاثية ...
- البحث عن الإله في أدبيات نجيب محفوظ – الحلقة الأولى: أولاد ح ...
- من الإقطاع إلى النيوليبرالية: قراءة مادية جدلية في “حديث الص ...
- من الوهم إلى الواقع: قراءة ماركسية تحليلية لتحولات السلطة في ...
- نقد التجارب الاشتراكية الزائفة -رأسمالية الدولة- بين فؤاد زك ...
- من الوهم إلى الحقيقة: عبد الناصر لم يكن يسارياً ومصر لم تكن ...
- يزيد المصري: ثنائية الخالق والمادة في حديث الصباح والمساء — ...


المزيد.....




- مصادر فلسطينية لقناة سعودية: الوسطاء يسارعون لإنجاز التهدئة ...
- س?ره??داني مان?سفير و ?استي توند??و
- خ?ون و ئاواتي ک?م?نار?کان، ئيلهامي دونياي?کي س?شياليستيـي?
- ترامپ و ه??کشاني ک?ن?پ?رستيي جيهاني، گ??انکاري ل? سيست?مي سي ...
- مدفيديف يجري محادثة هاتفية مع الزعيم الكوبي راؤول كاسترو
- ه?ر?مي کوردستان ل? جي?ئابووري و جي?پ?ليتيکي ??ژه??اتي ناو??ا ...
- حكومة السمسرة تصر على طرد المستأجرين.. فلنظهر الغضب
- الجبهة الشعبية: تصريح المتحدث الأمريكي السابق إقرار ضمني بجر ...
- مقتل التونسي هشام ميراوي: جرائم اليمين المتطرف في نيابة مكاف ...
- اليوم الـ 31 من إضراب محمد عادل احتجاجًا على منعه من دخول ال ...


المزيد.....

- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي
- لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات) / مارسيل ليبمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - أحمد الجوهري - الجانب الآخر من الأمل: المنفى، البيروقراطية، وأشباح التضامن الطبقي