أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - تاج السر عثمان - كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي















المزيد.....



كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي


تاج السر عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 8360 - 2025 / 6 / 1 - 22:30
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تاريخ سلطنة دار فور الاجتماعي
(1445م – 1874م )




تأليف :
تاج السر عثمان الحاج

الخرطوم: الطبعة الثالثة يونيو 2025





اسم الكتاب : تاريخ سلطنة دار فور الاجتماعي


المؤلف : تاج السر عثمان الحاج




الناشر:

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف


الإهداء

إلي روح المرحوم الشاب الصديق
فخري هارون
كان يحلم بتنمية وازدهار دار فور وتعايش سلمي
بين شعوبها وقبائلها















الفهرست

الرقم الموضوع الصفحة
1 مقدمة الطبعة الثانية 1
2 تقديم 7
3 مقدمة 9
4 القسم الأول : البنية الإنتاجية – الطبقية 20
5 أولا : الزراعة – الرعي – ملكية الأرض 21
6 ثانيا : التجارة 29
7 ثالثا : الصناعة الحرفية 38
8 رابعا : مصادر تراكم الثروة 45
9 خامسا : التركيب الطبقي 50
10 سادسا : خصوصية وسمات التشكيلة الاجتماعية 56
11 القسم الثاني : البنية الثقافية – الفكرية 71
12 أولا : النظام السياسي والإداري 72
13 ثانيا : نظام القضاء 85
14 ثالثا : انتشار الثقافة الإسلامية 92
15 رابعا : المرأة 96
16 خامسا : نماذج من الفن والتقاليد والأساطير 100
17 خاتمة 110
18 المصادر والمراجع 118


مقدمة الطبعة الثانية
منذ صدور الطبعة الأولى لهذا الكتاب عن دار عزة للنشر 2001 جرت مياه كثيرة تحت الجسر ، وحدثت متغيرات كثير ة وحرب أهلية وضعت دار فور في مركز الاهتمام الدولي وتصدرت وسائل الإعلام و القنوات الفضائية ، حتى أصبح العالم الذي أصبح قرية صغيرة متابعا وملما بما يجرى في دار فور من مأساة إنسانية ، لقد أكدت تلك الأحداث ضرورة هذا الكتاب ، وضرورة الاهتمام بعمق أكثر بالتاريخ الاجتماعي لسلطنة دار فور ، وبهدف الحفاظ على النسيج الاجتماعي وموروثا ته القابلة للاستمرار والحياة مثل التسامح وحل المشاكل عن طريق الأعراف والأجاويد ، واتساع الصدور واحتمال الآخر .
كما أن دراسة الخلفية الاجتماعية التاريخية للمنطقة مهمة وضرورية ، ولابد للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ننشدها للإقليم ، أن تأخذ في الاعتبار خصوصية الإقليم وتاريخه وواقعه في الاعتبار ، ولابد من الاستناد إلى الأعراف والتقاليد الإيجابية المتوارثة من عهود سلاطين دار فور في حل النزاعات القبلية وتنظيم حركة الرعي والمراحيل وفقا للأعراف التي ترسخت في الإقليم وتطويرها واحترام حق الجميع في الاستفادة من ألحوا كير باعتبار ذلك هو الضمان للاستقرار وحل النزاعات التي هزت استقرار الإقليم ، وضرورة التعايش السلمي لكل القبائل في الإقليم ، ونبذ محاولات الإقصاء العرقي الضارة بوحدة الإقليم ونسيجه الاجتماعي.
كما انه لابد من أحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في هذا الإقليم ذو التاريخ التلبد ، وتوفير خدمات التعليم والصحة والعناية البيطرية للحيوانات ، وتحقيق التعايش السلمي بين قبائل الإقليم المختلفة وإزالة آثار الجفاف والتصحر بإحياء عملية الغطاء النباتي . هذا فضلا عن إن بالإقليم إمكانات هائلة كامنة للفائض الاقتصادي في القطاع الزراعي والحيواني ، وإذا ماتم الاهتمام بها يمكن أن تكون مصدرا مهما لنهضة وتطور الإقليم والبلاد ، حيث لاتقل الثروة الزراعية والحيوانية أهمية عن البترول ، إضافة لثروات الإقليم الأخرى من معادن وغيرها .
ومعلوم انه قبل الاحتلال التركي _ المصري للسودان عام ( 1821 _ 1885 ) ، كانت هناك سلطنة سنار في شمال ووسط السودان ، وسلطنة دار فور في غرب السودان ، ولاشك إن هاتين السلطنتين تركتا بصماتهما على التركيبة الحالية للمجتمع السوداني وبالتالي ، فان دراسة هاتين السلطنتين تساعدنا على فهم حاضرنا وتحديد آفاق المستقبل .
على إن الاحتلال التركي _ المصري قطع التطور الطبيعي للمجتمع السوداني ، وتم فرض تشكيلة اجتماعية متوجهة خارجيا أو تابعة ، بمعنى إن النظام الحاكم كان يستنزف كل قدرات السودان الاقتصادية والبشرية لمصلحة دولة محمد على باشا في مصر ، وكان ذلك جذرا أساسيا من جذور تخلف السودان الحديث ، رغم دخول بعض ثمرات الثورة الصناعية الأولى مثل بواخر النقل النهري والزراعة الحديثة ، وإدخال بعض المحاصيل النقدية والتعليم المدني الحديث والقضاء المدني .. الخ .
اتسمت فترة الحكم التركي في دار فور بعدم الاستقرار من جراء النهب والسلب ( أم كواكية ) *مما تركت أثرا سلبيا على منطقة دار فور .
وجاءت فترة المهدية التي اتسمت بعدم الاستقرار من جراء الصراعات والنزاعات القبلية في الإقليم في عهد الخليفة عبد الله التعايشى حتى زالت دولة المهدية على يد الاحتلال الإنجليزي المصري ، ولم يتم ضم إقليم دار فور للسودان تحت الإدارة البريطانية إلا في عام 1916 . ولم يشهد الإقليم تنمية تذكر تحت الاستعمار البريطاني بل خضع الإقليم لقانون المناطق المقفولة .
وبعد الاستقلال استمر التخلف وإعادة إنتاج ا لتخلف في الإقليم في ظل الحكومات الوطنية المتعاقبة حتى وصل الحال إلى الوضع المأساوي الحالي الذي نعيشه والذي أعاد السودان مرة أخري إلي مربع الوصاية الدولية . ويعيد التاريخ نفسه في شكل مأساة .
تلك هي جذور التخلف في الإقليم ، والتي تحتاج إلى استقصاء وتوسيع ، لأنها تساعدنا على إضاءة الطريق نحو النهضة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الشاملة للإقليم .
حاولت في هذا الكتاب استصحاب بعض المصادر التاريخية لإلقاء الأضواء الكاشفة على التاريخ الاجتماعي أو التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية لسلطنة دار فور التي غطت الفترة ( 1445 _ 1874 ) والمقصود بالتشكيلة الاجتماعية هو تطور المجتمع السوداني في تلك الفترة وفى تلك المنطقة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية والعائلية ...الخ .
وإذا كان مقياس الحضارة هو بروز السلالات الحاكمة وظهور المجتمع الزراعي الرعوي ، والتجارة والصناعة وقيام المدن والأسواق واللغة المكتوبة ، فان سلطنة دار فور قد دخلت الحضارة من أوسع أبوابها في تلك الفترة من العصور الوسطى .
ولكن مفهوم التشكيلة الاجتماعية مفهوم أوسع واشمل من الحضارة لأنه يمتد ليدرس العلائق الاجتماعية وأنماط الإنتاج والتركيب الطبقي الناتج من علائق الإنتاج ( علائق الملكية والتوزيع ) وفى اعتقاد كاتب هذه السطور إن هذا الجانب يحتاج لمزيد من تسليط الأضواء عليه لأنه يرتبط بدراسة البنية الاقتصادية ومكوناتها من : نشاط زراعي ورعوي وصناعي وشكل ملكية الأرض والتركيب الطبقي ، وبدراسة البنية الثقافية بمكوناتها من نظام سياسي وادارى وديني وعائلي وتعليمي ... الخ ولأن هذا يلقى الأضواء على حياة إنسان دارفور المادية والروحية ، وهو يركز على المحكومين أكثر من الحكام .
لفت نظرنا اوفاهى بملاحظته التي جاءت في كتابه ( الدولة والمجتمع في دار فور ، 1980 ) ،إن تاريخ دارفور ضارب في القدم وانه يعود إلى العهد المروى والنوبي ، وهذا يحتاج إلي تأسيس من علماء الآثار .
بعد صدور الطبعة الأولى واصلت اطلاعي في تاريخ دارفور وأثناء ذلك تمكنت من الاطلاع على نصوص وترجمات 50 وثيقة ونسخ مخطوطات قضائية بعنوان ( الأرض في دار فور ) أصدرها د اوفاهى ود محمد إبراهيم أبو سليم، وصدرت عن دار كامبردج باللغة الإنجليزية عام 1983 ، والكتاب امتداد وتوسيع للوثائق التي أصدرها د .أبو سليم في كتابه ( الفور والأرض ، 1975 ).
كما حدث اهتمام بتاريخ دار فور ونلحظ ذلك في ترجمة كتاب اوفاهى ( الدولة والمجتمع في دار فور ) التي قام بها الأستاذ عبد الحفيظ سليمان عمر ، وصدرت عن مركز الدراسات السودانية القاهرة 2000 . وهو مؤلف مفيد في تاريخ دار فور الاجتماعي ويغطى الفترة ما بين ( 1750 _ 1916 ) .
كما صدرت ترجمة سائغة فيها لذة للقارئين لكتاب الرحالة الألماني جوستاف ناختقال ( سلطنة دار فور : أقاليمها و أهلها وتاريخها ) والتي نقلها عن الألمانية الشاعر النور عثمان أبكر وراجع النص العربي و قدم لها الشاعر عالم عباس محمد نور وصدرت عن دار عزة للنشر 2004 ، وكل هذا وجيد ويلقى الأضواء على تاريخ دار فور .
وأخيرا اشكر كل الذين اهتموا بهذا الكتاب عن التاريخ الاجتماعي لسلطنة دار فور وكتبوا تعليقاتهم حوله في الصحف والتي استفدت منها كثيرا وكذلك لسلبيات الطبعة الأولى والتي كان بها أخطاء مطبعية ، كما اشكر الصديق د .محمد المهدي بشرى والذي أمدني بملاحظات مكتوبة كان قد نشرها في صحيفة البيان الإماراتية والتي استفدت منها كثيرا .
تاج السر عثمان
الخرطوم: أبريل 2005م




تقديم :
كتب الكثير عن سلطنة دار فور الإسلامية مثل تاريخ نعوم شقير ، وكتاب محمد عمر التونسي ًًتشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان " ، وتاريخ محمد عبد الرحيم " النداء في دفع الافتراء ً، والشاطر بصيلى عبد الجليل ًً تاريخ وحضارات السودان الشرقي والأوسط ً ، ود . يوسف فضل ًمقدمة في تاريخ الممالك الإسلامية في السودان الشرقي ً، هذا إضافة لأبحاث ودراسات أكاديمية رصينة مثل كتاب موسى المبارك الحسن ًتاريخ دار فور السياسي ً، وكتاب اوفاهى مع اسبولدنق "ممالك السودان " ، ود. اوفاهى ً الدولة والمجتمع في سلطنة دار فور ً التي عالجت جوانب اقتصادية واجتماعية هامة ، كما صدر أيضا كتاب محمد إبراهيم أبو سليم الجيد ً الفور والأرض ً الذي غطى جانبا هاما في تاريخ دار فور الاجتماعي ،يتعلق بملكية الأرض في السلطنة وغير ذلك من المؤلفات ( انظر في ثبت المصادر مكان وتاريخ النشر ) .
كل هذا جيد وحسن ، ولكن في تقدير المؤلف أن هناك حاجة لالقاء الأضواء الكاشفة على تاريخ السلطنة الاجتماعي من خلال نظرة كلية مركبة من عدة مصادر أكاديمية وشعبية تتطور في سلسلة أبحاث مكثفة بهدف ترسيخ منهج جديد في كتابة تاريخنا يكون مركز الثقل فيه إبراز نشاط إنسان دار فور المادي والروحي في مختلف الجوانب أي دراسة التشكيلة الاجتماعية التي تشمل دراسة أنماط الإنتاج : ملكية الأرض ، الزراعة والرعى والصيد ، قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج ، التركيب الطبقي ، توزيع الثروة ، ودراسة البنية الثقافية _ الفكرية التي تقوم حول الأنماط الإنتاجية مثل النظام السياسي والإداري ، الديني ، العائلي ، الدولة .... الخ ، وفى هذا الإطار يأتى هذا البحث الموجز .
قسّمنا البحث إلى قسمين :
القسم الأول يتناول البنية الطبقية_ الإنتاجية التي تشمل : الزراعة والرعى وملكية الأرض ، التجارة ، الصناعة الحرفية ، مصادر تراكم الثروة ، التركيب الطبقي ، خصوصية تشكيلة السلطنة .
أما القسم الثاني بعنوان البنية الثقافية _ الفكرية فقد تناول النظام السياسي والإداري نظام القضاء ، المرأة ، نماذج من الفن والتقاليد والأساطير .
ثم اختتمنا بخلاصة النتائج في نهاية البحث .
وذيّلنا البحث بقائمة المصادر والمراجع التي اعتمدنا عليها للباحثين الراغبين في مواصلة هذا الموضوع الهام والحيوي ، واغنائه وتطويره في مختلف الجوانب .
والبحث رغم إيجازه الشديد ، فإننا نأمل إن يفيد طلاب الدراسات العليا والمثقفين والقراء و المهتمين بتاريخ السودان الاجتماعي .
وأخيرا لا يفوتني أن اشكر أسرة العاملين في دار الوثائق المركزية بالخرطوم على المساعدات التي قدموها ، والشكر للبروفيسور محمد إبراهيم أبو سليم ( رحمه الله ) الذي اطلع على مسودة البحث ، وابدى ملاحظات قيّمة ساعدت في تماسك البحث وتحسينه ، والشكر لكل الذين شجعوا على أن يرى هذا البحث النور .
المؤلف
الخرطوم: مايو 1993 م








مقدمة
معلوم أن سلطنة دار فور قامت على الأطراف الغربية من السودان الشرقي * في أواسط القرن السابع عشر ، وتزعم الروايات المحلية أن تأسيس أول دولة في بعض جهات دار فور يرجع إلى الداجو خلال القرن الثالث عشر والرابع عشر ( 1 ) .
وكانت سلطنة دار فور تحد من الشرق بجبل الحلة أو حلة الشريف التابعة لام كدادة ، وتحد من الغرب بواد يفصل بين الجنينة التابع لدار فور وادرى التابع للسودان الفرنسي ، وتحد من الشمال بوادي هور في الصحراء الواقعة شمال كتم ، وتحد من الجنوب ببحر العرب بمديرية بحر الغزال ( 2 ) . وكانت عاصمتها جبل مرة قبل أن ينقلها السلطان موسى إلى كبكابية ، ثم نقلها السلطان عبد الرحمن الرشيد إلى الفاشر ، ولم تزل بالفاشر إلى سقوطها عام 1874 م .
بالإضافة للداجو الذين أسسوا أول دولة في المنطقة ، تشير أيضا إلى التنجر الذين بسطوا نفوذهم على المنطقة الوسطى في نحو القرن الخامس ** .
وتختلف الروايات حول اصل التنجر يمكن تلخيصها في التالي:
أ_ عباسيون من دنقلا ، ب _من بنى هلال ج _ بديات أحد فروع قبيلة التيبو .
كما تختلف الروايات حول اصل الفور ، ويرجح بيتون انهم ابنا فر Fir أخو فيراث جد كثير من قبائل بحر الغزال مثل العروف وكرا وبنقا والتي يطلق عليها جميعا اسم الفرتيت ، والرأي الأخر يقول إن الفرتيت كانوا يسكنون غربي جبل مرة ونزحوا إلى بحر الغزال على اثر ضغط سلاطين دار فور المسلمين ، ويقول آخرون انهم جزء من النوبة ( 3 ) .
ويكتنف تاريخ منبت الكيرا والأسرة المالكة كثير من الغموض ، وذلك لندرة المصادر الوطنية ، وترتبط نشأة سلطنة دار فور ألا سلامية بالغريب الحكيم ذي الفطنة والرأي السديد ، ولهذا يعجب به السلطان ويزوجه ابنته ويعهد لابنه منه بالملك ( 4 ) . ويرى نعوم شقير أن هذا الغريب الحكيم هو احمد المعقور من بنى عباس الذي قدم للسلطنة أيام الملك شاودورشت الذي علمه احمد بعض آداب السلوك ، وانجب احمد ابنا سماه سليمان سولونج العربي الذي كان أول سلاطين دولة دار فور الإسلامية ، وفى رواية سلاطين باشا أن الملك هو كورو آخر ملوك الداجو وهو وثنى في مكان الملك شاودورشت .
وفى رواية دى كاد لفان يرد انه في نحو 850 / 1446 م قدم احمد المعقور وهو عربي من قريش من سلالة الفضل بن العباس عم النبي ( ص ) ، والذي ينتسب إليه بعض عرب السودان مثل رفاعة وأولاد فضل من الجعليين ، ونجح احمد بمعاونة بعض البدو في غزو دار فور وكردفان ونشر الإسلام فيها ويعطى دى كاد لفان قائمة مكونة من خمسة عشر ملكا يبدأ بأحمد المعقور الذي اعتلى العرش سنة 852 ه / 1448 م وتنتنهى بالسلطان محمد لفضل .
ويرى د . يوسف فضل أن احمد المعقور عربي من بنى هلال أو العباس ( الجعليين ) ويرمز للقاح الذي تم نتيجة الهجرة العربية من بلاد العرب مع التنجر والفور ، وان دالي يرمز لتقاليد الحكم التي ترسخت عند الفور قبل مجيء الإسلام ، وان سليمان سولونج هو شخصية واضحة المعالم في تاريخ دار فور ، ويرى التونسي وبرا ون ويوسف فضل إن عهد سليمان سولونج ازدهر في نحو سنة 1640 _ 1660 ، وهو تاريخ يجد قبولا عند كثير من الباحثين ( 5 ) .
كما أورد شقير قائمة ل26 من السلاطين أولهم سليمان سولونج مؤسس السلطنة عام 1445 م وأخرهم إبراهيم 1875 م ( 6 ) ، ولكن هذه القائمة مشكوك فيها مع الغموض الشديد الذي يكتنف تاريخ دار فور . أما الشاطر بصيلى فقد أورد روايتين حول موضوع ولاية الحكم : يبدأ الحكم في الأولى بعام 848 ه / 1445 م ونقله نعوم شقير ، و الرواية الثانية تبدأ من عام 1050 ه /1640 م ، وقد نقلها التونسي ، وهناك أيضا اختلاف في الأسماء .. ، وفى الرواية الأولى يبدأ الجدول بأسماء السلاطين من السلطان سليمان الأول ( 1445 _ 1476 ) ، وينتهى بالسلطان كورو ( 1683 _ 1695 ) . أما في الرواية الثانية فيبدأ الجدول بسليمات الثاني ( 1640 _ 1670 ) وينتهى بالسلطان على دينار ( 1898 _ 1916 ) ( 7 ) .
ويرى اوفاهى أن الكيرا بدءوا يوحدون الفور في جبل مرة في القرن السادس عشر ، ولكنهم لم يظهروا كمملكة إسلامية حتى منتصف القرن لسابع عشر على يد سليمان سولونج ، أي إن بدء السلطنة قد تم في جبل مرة في وقت غير محدد ، وعلى يد سلطان غير مشخص ، وان إنشاء السلطنة الذي ينسب إلى سليمان هو في الحقيقة ظهورها الإسلامي على يد سليمان هذا . ( 8 ) .
ويرى د . أبو سليم ً أن الفور بدءوا عجلتهم من جبل مرة في القرن السادس عشر بتأثير من جيرانهم التنجر والدا جو ، ويبدو أيضا أن توحيد الفور في جبل مرة بقيادة الكيرا الذين هم من الكنجارة والذين هم فرع من الفور ، قد أخذ وقتا كما يبدو إن علاقتهم بالداجو كانت وثيقة ، ولذلك تداخلت الأخبار واختلطت الروايات واسماء السلاطين ، غير أن الخط الفاصل بين هذه وتلك كان ظهور الإسلام في البلاط الملكي على يد سليمان سولونج والذي جعل من السلطنة إسلامية ً ( 9 ) . ويقول شقير ًً وقيل انه لما تولى السلطان سليمان الأول السلطنة لم يكن في جبل مرة مساجد للعبادة ، فبنى المساجد واقام صلاة الجمعه والجماعة ، ثم شرع في ضم كلمة المسلمين واستعان بعرب البادية المنتشرين في البلاد واخضع ملوك شبه السود البعيدين عن جبل مرة فبقوا على الوثنية ، فأصبحت دار فور كلها سلطنة واحدة لما يتولاها من ذرية السلطان سليمان إلى يوم انقضائها وكان جملة الذين خضعوا للسلطان سليمان إلى عهد خراب السلطنة 27 ملكا وثنيين من السود والباقون مسلمون من شبه السود ، أما السلاطين الوثنيين فهم سلاطين كاره ، دنقو ، فنقرو، ابنه ، بايه فروقي ، شالا .. وكلهم في بلاد فرتيت إلى الجنوب الغربي من دار فور .
أما الملوك المسلمين فهم في : البرقد ، التنجر ، كبقه ، الميمه المسبعات في الشرق من جبل مرة ، والمراريت ، الفور ، سمبار المسا ليت ، القمر ، تامة ، الجبلاويين ، أب درق ،جوجه ، اسمور في الغرب والشمال الغربي ..
ذلك ماعدا القبائل العربية الذين جمع كلمتهم واستنفر بهم واهمهم: الهبانية ، الرزيقات ، المسيرية ، والتعايشه ، وبنو هلبه في الجنوب والحمر في الشرق والزياديه في الشمال والماهر يه والمحاميد وبنو حسين في الغرب ( 10 ) .
وهكذا نصل إلى أن هناك تباينا في الآراء حول تاريخ سلطنة دارفور ، ولكن ما يهمنا هنا أن سلطنة دار فور الإسلامية كانت نتاج لتطور تاريخي طويل مر بمراحل تفكك المجتمعات البدائية ونشؤ ممالك وسلطنات الداجو والتنجر ، إلى أن تطور هذا الشكل في سلطنة دار فور الإسلامية والتي كانت بمثابة تطور أوسع واشمل لقيام السلطنات والسلالات الحاكمة في الإقليم .
إقليم دار فور :
يمكن تقسيم إقليم دار فور في حدوده الأصلية إلى ثلاث مناطق وهى :
أ _ المنطقة الجنوبية : وهى التي تقع جنوب خط عرض 12 شمالا وأمطارها تتراوح بين 25 ، 35 بوصة ، وتسكنها قبائل الرعي الذين ينتقلون في الصيف إلى مزاولة الرعي من الأنهار في الجنوب ، وهم رعاة ماشية من بقارة وقبائل نيلية .
ب _ المنطقة الوسطى : تقع بين المنطقتين الجنوبية والشمالية وهى جبلية في بعض أجزائها ورملية في طرفيها الغربي والشرقي وأمطارها تتراوح بين 12 بوصة في منطقة السهول و25 بوصة حول تلال جبل مرة ، وهى منطقة زراعية ويسكن بها سكان مستقرون كالفور والجوامعة . ج _ المنطقة الشمالية : وهى منطقة تكتنفها التلال وفيها وديان ( جمع وادي ) وكثيرة الشجيرات التي تصلح للرعى ويسكن هذه المنطقة بصفة عامة رعاة الإبل ( ألا باله ) مثل الزياديه والميدوب . وأمطارها حوالي 10 بوصة التي تساعد على نمو النباتات للرعى .
واهم مظاهر هذا الإقليم منطقة جبل مرة التي تتكون من هضبة ترتفع من ستة آلاف إلى حوالي عشرة آلاف قدم فوق سطح البحر .
وإقليم دار فور متباين في أنماط الإنتاج والمناخات والعادات والثقافات واللغات ، وهناك عدد كبير من اللغات أهمها لغات الفور والدا جو .
وطالما كان إقليم دار فور متعدد في علائق الإنتاج وقوى الإنتاج ( متعدد البني التحتية ) . سوف نطلق على هذا التعدد في ألبني التحتية : البنية الإنتاجية _ الطبقية . كما انه متعدد في ألبني الفوقية ( مجمل آراء الناس الدينية والثقافية ، والسياسية والحقوقية ... ) وسوف نطلق على هذا التعدد في ألبني الفوقية البنية الثقافية _ الفكرية.
وحاصل تفاعل وتداخل البنية الإنتاجية _ الطبقية والبنية الثقافية _ الفكرية يعطينا التشكيلة الاجتماعية موضوع دراستنا .
ومعلوم أن سلطنة دار فور الأولي استمرت حتى سنة 1874 م عندما هزم الزبير باشا رحمه السلطان إبراهيم قرض في واقعة منواشى الشهيرة ، واضحت تابعة للإدارة التركية _ المصرية .
ومعلوم أيضا أن سلطنة دار فور الثانية قامت عام 1899 م على يد السلطان على دينار ، واستمرت حتى مقتله في زالنجى عام 1916 م . ( 11 )
ولكن ما يهمنا في هذه الدراسة عن التشكيلة الاجتماعية لسلطنة دارفور السلطنة التي اتفق المؤرخون على إنها غطت الفترة ( 1445 _ 1874 م ) .
















هوامش المقدمة :

*المقصود بالسودان الشرقي هو المنطقة الواقعة جنوب الصحراء الكبرى والتي تمتد من خط عرض 12 أو 11 شمالا ، وتمتد من البحر الأحمر وحتى نهاية دارفور غربا ، الأقاليم نفسها التي تكون جمهورية السودان الحالية عدا بعض الأجزاء الجنوبية .
• 1 _ انظر د. يحي محمد إبراهيم : تاريخ التعليم الديني في السودان ، دار الجيل بيروت 1987 ، ص 235 _ 236 .
2 _ مذكرات محمد عبد الرحيم ، مخطوطة ، في حسين سيد احمد المفتى : تطور نظام القضاء في السودان ، الخرطوم 1959 ، ص 47 .
** كنا نود أن نفصل حول دولة الداجو والتنجر : النظام الاقتصادي والاجتماعي ، ولكن المصادر التي اطلعنا عليها لم تسعفنا بشيء حول هذا الموضوع الهام الذي يعطى خلفية لاعراف وعادات متوارثة لسلطنة دارفور من تلك الممالك القديمة .
3 _ د ز يوسف فضل : مقدمة في تاريخ الممالك الإسلامية في السودان الشرقي ( 1450 _1821 ) ، دار جامعة الخرطوم للنشر 1989 ، ص 75 .
4 _ نفسه ، ص 75 .
5 _ نفسه ص 76 .
6 _ نفسه ص 79 .
7 _ نعوم شقير : تاريخ السودان ، تحقيق د . محمد إبراهيم أبو سليم ، بيروت دار الجيل 1981 ، ص 162 _ 163 .
الشاطر بصيلى عبد الجليل : تاريخ وحضارات السودان الشرقي والأوسط ، القاهرة ، ص 371 _ 388 .
8 _ للمزيد من التفاصيل راجع اوفاهى واسبولدنق : ممالك السودان ، لندن 1974 ، ص 117 _ 124 ( بالإنجليزي ) .
9 _ د . محمد إبراهيم أبو سليم : الفور والأرض ، وثائق تمليك ، معهد الدراسات ألا فرو _ آسيوية ، جامعة الخرطوم ، 1975 ، ص 13 .
10 _ شقير المرجع السابق ، ص 152 _ 176 .
11 _ للمزيد من التفاصيل ، راجع : موسى المبارك الحسن : تاريخ دار فور السياسي ، الخرطوم 1970 .





القسم الأول :
البنية الإنتاجية _ الطبقية :
أولا : ملكية الأرض _ الزراعة _ الرعي
ثانيا : التجارة .
ثالثا : الصناعة الحرفية .
رابعا : مصادر تراكم السلطنة .
خامسا : التركيب الطبقي .
سادسا : خصوصيات نظام الرق والإقطاع ، ومن ثم فحص خصوصية التشكيلة الاجتماعية .









أولا : ملكية الأرض -_ الزراعة -_ الرعي .
1-_ ملكية الأرض :
نبدأ بركيزة العمل الأساسية في عملية الإنتاج الزراعي والرعوي وهى الأرض ، ومن ثم دراسة علائق الملكية والتوزيع .
معلوم إن السلطان موسى بن السلطان سليمان سولونج هو أول سلطان من سلاطين دار فور يضع سياسة شاملة إزاء الأرض ، وقد اعتبر كل أراضى السلطنة ملكا خاصا له ، يقول شقير ًً وقد عمل السلطان موسى بالنظام المشهور في الشرق فيما يتعلق بملكية الأراضي ، فجعل البلاد كلها ملكا للسلطان ، وقسّم بلاد الحضر إلى حوا كير أو اقطاعات ، وزعها على أهله واخصائه وكبار قومه بحجج مختومة بختمه ، فعاشوا بريعها هم واهلها المزارعون ، وكذلك قسّم البادية وخص كل قبيلة بأمير من أبناء السلاطين ، أو بعين من الأعيان يجبى زكاتها ، وجمع السلطان نصيبه من الزكاة والفطرة والعشور حسبما يفرضه الشرع الإسلامي .
وكان المقاديم يجمعون الزكاة من البادية وملوك الجباه يجمعون الفطرة والعشور من الحضر وربما تنازل السلطان عن نصيبه في الحاكورة أو القبيلة فاعفى صاحبها حجه بالجاه ، فلا يقربه أحد من الجباه أو المقاديم ، وقد جرى على هذا النظام جميع السلاطين الذين أتوا بعد السلطان موسى إلى انقضاء السلطنة ( 1 ) .
كما نفهم مما أورده د . أبو سليم في كتابه ( الفور والأرض ) أن السلطان موسى هذا هو نفسه الذي ألغي نظام النواب من أهل البلاد وقد عين موسى أربعة مقاديم من اخصائه في أقاليم السلطنة الأربعة وجرد النواب من السلطنة ، أي انه جرّد هذه البقية الباقية من القوى المحلية من السلطة الإدارية ، كما جردها من القوى الاقتصادية بجعل ملكية الأرض والتصرف فيها في يده بعد أن كانت في يد هؤلاء ، فالتجريد الإداري واكبه تجريد اقتصادي ( 2 ) .
هكذا نصل إلى بعض سمات * النظام المشهور في الشرق فيما يتعلق بملكية الأراضي على حد تعبير شقير ، ويمكن أن نحدد هذه السمات في الآتي :
ا _ أصبحت الأراضي كلها تابعة للسلطان ( ملكية الدولة _ الملك ) والسلطان هو الذي يتصرف فيها وقسمها إلى حوا كير أو اقطاعات بشروط معينة كما تم ذكرها أعلاه .
ب _ استندت الضرائب على الشريعة الإسلامية والأعراف المحلية المستمدة من التقاليد السابقة للسلطنة .
ج _ نفهم مما أورده شقير ود . أبو سليم انه قبل قيام السلطنة الإسلامية كان النواب هم الذين يتصرفون في الأراضي ، وبقيام السلطنة تحول هذا الحق إلى السلطان ، أي أن التجريد السياسي واكبه تجريد اقتصادي .
التاريخ السابق للاسلام في دار فور ، أي التاريخ الاجتماعي لقبائل وشعوب دار فور البدائية غامض وغير واضح بشكل كامل والروايات الوطنية أو الشفهية متضاربة ، ولكن من تلك الروايات يمكن أن نرسم لوحة عامة لذلك التطور قياسا على التطور الذي حدث للقبائل البدائية التي بدأت حياتها اعتمادا على الصيد والتقاط الثمار ، ثم اكتشفت الزراعة والرعى بعد تطور تاريخي طويل ، بعد تفكك نمط الإنتاج البدائي ، وظهور أول انقسام طبقي الذي تطور وأدى إلى ظهور الدولة والجيش والسلالات الحاكمة التي تركزت عندها فوائض الإنتاج الزراعي والرعوي ، واصبحت هي المالكة لللاراضى من الناحية النظرية .
وفى الرواية الشفهية التي أوردها آدم الزين في كتابه التراث الشعبي لقبيلة المسبعات والتي قارنها احمد عبد الرحيم نصر مع روايات إبراهيم إسحاق وعبد الله آدم خاطر وعلى بحر الدين وماكمايكل وشقير ودى كاليفان ويوسف فضل وسلاطين باشا واوفاهى وخلص إلى أنها نموذج مكتمل بالنسبة إلى الروايات الأخرى ( 3 ) .
وسوف نعتمد على هذه الرواية والتي ما يهمنا منها انه جاء فيها أن القبائل الأصلية التي كانت موجودة في دار فور هي التنجر والدا جو والفور بل دخول العرب ، وان هذه القبائل كانت تعتمد على الصيد في معيشتها ، وكان الفائض من لحم الصيد ُيقطع ويٌجفف ( ٌيشرمط ) ، ونسبة لعدم وجود العملة فقد كانوا يقايضون الحم المجفف ( الشرموط )بالعيش أو بالشطة ، كما يرد في الرواية إن بعض القبائل مثل البديات كان يعيش على نهب وسلب القبائل الأخرى.
ونفهم من الرواية انه كانت توجد قبائل أخرى اكتشفت الزراعة أو لها إنتاج زراعي فائض من الذرة والشطة وغيرها والتي تقايضها باللحم المجفف ، ونفهم أيضا من هذه الرواية أن حرفة الرعى ظهرت بشكل واسع مع دخول القبائل العربية الرعوية ( البقارة والابالة ) ، هذا إضافة للقبائل النيلية مثل الهبانية والرزيقات وبنى هلبة والتعايشة والمسيرية والحمر والحوازمة .. الخ ، واستقر الابالة في شمال دار فور والبقارة في جنوب دار فور . مع تطور حرفة الزراعة والرعى ، بدأت تظهر السلالات الحاكمة ، فنسمع عن ممالك الداجو والتنجر حول جبل مرة وغير ذلك .
وبظهور هذه الممالك ، بدأ نمط الإنتاج البدائي الذي كان قائما على التعاون ( نفير ، فزعه ) يتفكك تدريجيا ، واصبحت السلالات الحاكمة هي المالك الفعلي لللارض ، واصبحت فوائض الإنتاج الزراعي والحيواني تتركز عندها عن طريق الضرائب حسب الأعراف المحلية والتي أطلق عليها السبل بأنواعها المختلفة .
ومع تطور حرفة الزراعة والرعى ازدادت أهمية الأرض باعتبارها ركيزة العمل الأساسية ، وربما تعايش وجود هذه الممالك ( الداجو التنجر .. ) مع نمط الإنتاج القريب من المشاعة البدائية .
وفى حالة غرب إفريقيا كما يقول د. سمير أمين ً تتشكل الدولة في الأصل من مجموعة الحكام وبلاطه ، ومثل هذه الطبقة الحاكمة لا تخضع للمواصفات الكلاسيكية للعبودية أو الإقطاع ، ورغم أن العبودية لم تكن مجهولة في ظل الدولة الجنينية تلك ، الاانها لم تكن قد أصبحت بعد نمط الإنتاج السائد ، وإذا كان العبيد وهم عادة أسرى حرب يعملون خدما في المنازل لدى الملك ورجال البلاط والإداريين والعساكر ، ولذا لم تكن وظيفتهم في المجتمع وظيفة اجتماعية .ًً( 4 ) ومعلوم أيضا انه في دولة كهذه ، فان لفائض في الإنتاج الزراعي ( السبل العادية ) أو الشطر الأكبر يذهب لرجال الدولة ( عساكر موظفين ، خدم ، رجال الدين ...الخ ) .
هكذا أو يشكل افضل منه ، يمكن تصور الملامح العامة للوضع فبل قيام السلطنة الإسلامية ، والتي شكلت حلقة أرقى واوسع في مسار تطور الدولة في دار فور ، كما حدث تطور جديد في نظام ملكية الأرض والتي كان النواب من البلاد يملكون أراضى البلاد التي كانوا يديرونها ويتصرفون فيها ، وعندما السلطان موسى اعتبر كل أراضي السلطنة ملكا خاصا ، وكما لاحظ د. أبو سليم فان ً التجريد الإداري واكبه تجريد اقتصادي ً. وهذا هو التطور الجديد الذي ظهر مع بداية نشؤ سلطنة دار فور الإسلامية ٌ. وهكذا اصبح السلطان من الناحية النظرية يمتلك كافة أراضى السلطنة ملكية مطلقة ، بل واعتبر السكان عبيدا له ، وهذه الملكية تم دعمها بالإضافة للعنف والقهر بمبررات استندت إلى الشريعة الإسلامية والأعراف والموروثات المحلية .
2 -_ الزراعة والرعى :
من وثائق ( الأرض والفور ) يتضح لنا إن أهم المحاصيل الزراعية في السلطنة كانت : الدخن ، الذرة ، السمسم ، الفول الصمغ ، الشطة ، العرديب ، ... ويفيدنا التونسي في كتابه ( تشحيذ الأذهان ) بمحاصيل إضافية مثل : البصل ، الثوم ، الفلفل ، الكسبرة حب الرشاد ، القرع ، الغثاء ، الخيار ، الفقوس ، الباذنجان ، الملوخية والبامية . كما يفيدنا بأنواع الأشجار مثل : الموز ، الليمون ، الهجليج النبق ، التبلدى ، الدليب ، الحميض ، الدوم ، العندراب ، المحيط اللولو ، العشر ، الهشاب ، السنط ، ( القرض ) ، الطلح ، السيال الكتر ، الحراز ، اللواوات ، والفقل ( 5 )
أما الرحالة الألماني ناختقال فيضيف للمحاصيل الزراعية: القطن ، الذرة الشامية ، الأرز الأبيض ، العنكوليب ، البطيخ العجور.
أما أدوات الإنتاج الزراعي التي استخدمها المزارع في دار فور فقد كانت بدائية كمثل أدوات الإنتاج التي استخدمت في مناطق السودان الأخرى منذ آلاف السنين ونذكر منها :
_ أم تقد : وهى السكين التي يحصد بها المحصول .
_ الكر بول : وتعنى السلوكة .
وكانت المناطق الزراعية الخصبة في مناطق مثل : غرب جبل مرة وجنوب دار فور ، وطبيعة الزراعة مطرية . كما كانت تعتمد الزراعة على العمل التعاوني ( النفير ) وخاصة في بداية الزراعة وفى الحصاد . كما نشير إلى المزرعة أو الجنينة الصغيرة التي تكون دائما قريبة من مكان السكن ويطلقون عليها ( الجبراكة ) .
كما يفيدنا محمد عبد الرحيم بمعلومات عن الثمار المأكولة مثل القنقليس ، العرديب ، الكوريب ، النبق ، الهجليج ، القضيم ، الكرسان ، الأرز ، التلبون ، البطيخ ، زيت اللولى ، القاش ، كردالى ، دانيو ، محبت ، الدليب ، الدم ، الوليلة ، أم تغلغل ( 6 ) .
وفى نمط الإنتاج الرعوي كما هو معلوم يلعب الحيوان ( الماشية ، الإبل ، الضان ، .. ) دورا مركزيا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . ( 7 ) .
وخلاصة القول ، كانت ملكية الأرض في السلطنة للسلطان الذي كان يقطعها وفقا لشروط معينة ، كما شكل قيام السلطنة تطورا جديدا في نظام ملكية الأرض كما عرفت سلطنة دار فور إنتاج محاصيل متعددة ومتنوعة ، أما أدوات الإنتاج الزراعي فقد كانت بدائية ، كما اعتمد السكان على العمل التعاوني ( النفير ) في الزراعة والحصاد ، كما تنوعت أساليب وأشكال الرعي الذي شكل الحيوان فيه محور الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية .


ثانيا : التجارة :
من الروايات الشفهية لتاريخ دار فور يتضح لنا أن بدايات التجارة كانت تتم بين قبائل المنطقة عن طريق المقايضة ، فكان الداجو والتنجر والفور يقايضون اللحم المجفف بالذرة والشطة ، وكانت المرأة تلعب دورا كبيرا في عملية المقايضة تلك ، كما هو الحال في غرب افر يقيا ، كان ذلك قبل ظهور العملة أو المعادل العام .
وتشير المصادر التاريخية إلى أن الإقليم وما جاوره كان قد تعرض بفضل الانتعاش التجاري إلى تحول حضاري أدي إلى ظهور عدد من ألد ويلات منها مملكة التنجر في شمال دار فور والتي يقال أنها كانت تمتد غربا إلى بعد حدود دار فور ومملكة الداجو في الجنوب .
أما الفور كما يقول د . أبو سليم ( يبدو أن الفور بدأوا عجلتهم من جبل مرة في القرن السادس عشر بتأثير من جيرانهم التنجر والدا جو ، ويبدوا أيضا أن توحيد الفور في جبل مرة تم بقيادة الكيرا . ( 1 )
كانت تجارة السلطنة الخارجية مع مصر يشكل رئيسي عن طريق درب الأربعين الذي يربط عاصمة السلطنة ( الفاشر ) بمدينة أسيوط في مصر ، وكانت الصادرات الرئيسية تشمل : الرقيق ، العاج سن الفيل ، ريش النعام ، التمرى هندي ، والنطرون . أما الواردات فتشمل : البهارات ، الصابون ، المنسوجات الرفيعة ، الأسلحة السروج ، المجوهرات . هذا وقد قدر الرحالة البريطاني و . ج . برا ون الذي زار دار فور خلال الفترة ( 1793 _ 1796 م ) حجم السلع التي كانت تحملها القافلة التي رجع معها إلى مصر بحوالي 155,000 جنية إسترليني وكانت بعض القوافل تتكون من 5000 جمل . ( 2 ).
أما شقير فيقول : انه كان يرد من السلطنة إلى مصر من 10 إلى 15 ألف جمل تحمل الرقيق ، السن ، الريش ، الصمغ ، التمرى هندي ، النحاس ، النطرون ، حبة العين ، الجلود ، الأقداح الخشبية ، الأطباق والعسل . وتعود إلى دار فور ومعها الأنسجة القطنية والحريرية والشبت والخام والجوخ والأطلس والملاءات الحجازية والبنادق والسيوف والسروج وأنواع الحلي الذهبية والفضية والمرجان والسوميت وغيره من أنواع الخرز ( 3 ) .
الطرق التجارية :
من أهم الطرق التجارية درب الأربعين ، يقول محمد عبد الرحيم : درب الأربعين سمى كذلك لان القوافل تسير فيه أربعين يوما من الفاشر عاصمة دار فور إلى أسيوط ، ثم تنقل التجارة إلى القاهرة فيبلغ طريق الأربعين 1080 ميلا . ( 4 ) . وكان لكل قافلة خبير وليس هو دليل القافلة ، ولكنه زعيم يحكم فيما شجر بين التجار ويمنعهم المضاربة فيما يعرض عليهم من أنواع التجارة ، وهو كربان الباخرة في المحيطات لا يقيد بقوانين الدول الأخرى ( 5 ) .
كان لكل قافلة حامية تتألف من 200 جندي مسلحين بالرماح والدرق لهم بوقات تضرب أما مهم إذا ما اعترض القافلة معترض ترجل الخبير وتولى قيادة الحامية ويتقدم للدفاع عنها أمام التجار فيحيطون القافلة . وذا ما عادوا لدار فور تنزل القافلة في بئر تسمى ليمنى ، وهناك يفرش الخبير سجادة ويدع التجار لتقديم هداياهم للسلطان فمنهم من يقدم سيوفا واخر يدفع سجادا أو حريرا وهلمجرا فيكتب بذلك كشفا وليس بعد ذلك نوع من الجمرك يطالبون به وتغادر القافلة بئر لبمنى بعد أن يكتب الخبير للسلطان يخبره بالوقت الذي يصل فيه إلى الفاشر ( 6 ) . بالإضافة لتحكم السلطان في التجارة ، فانه كان يجمع المكوس من البضائع والتي كانت تقدر ب5 % من للرقيق ، و10 % للبضائع الأخرى ( 7 ) . ويواصل محمد عبد الرحيم ويقول : عندما يحين الوقت لوصول القافلة يضرب النحاس وتنفخ بوقات الحرب ، ويخرج السلطان تحيط به كوكبة من الفرسان فيقابل القافلة خارج الفاشر . وقد يأتى التجار بملابس فاخرة وعلى روؤسهم طرابيش فيترجلون عند ركائبهم ويتقدمون لمصافحة السلطان ويسيرون معه إلى داره لتناول طعام الغداء معه ويدفعون إليه برسائل الخديوي وكبار المصريين ، أما القافلة فتسير إلى الوكالات والسوق وبعد خروجهم من السلطان يدفع الخبير كشفين كبيرين لكبير الأمناء أحدهما عن هدايا التجار والثاني عن مال الدولة ، وفى الغد تقدم التي بالكشفين ، ويوم عود القافلة يعتبر من أهم أعياد الفور فلا يكاد ينقطع سماع الزغاريت وضرب الآلات وجلبة الصراخ والرقص ليلا إلى وقت الفجر ( 8 ) .
من الوصف السابق نلاحظ الشكل التنظيمي والإداري المتقدم الذي كان سلاطين الفور ، كما كان الحال في سلطنة سنار ، ينظمون به التجارة كما في مثال خبير القافلة ، وحماية القافلة وتنظيم كشف هدايا السلطان وكشف ضرائب الدولة . كما أن من مهام الخبير حمل تجارة السلطان ويشترى للدولة ما يلزم من السيوف الهندية والدروع والخوذات والجوخ والروائح العطرية والسجاد والخيام والبنادق ، أي انه يتولى إدارة صادرات وواردات الدولة ، بالإضافة لتجارة القوافل الخارجية ، كانت التجارة الداخلية مزدهرة وقامت في السلطنة أسواق لتبادل المنتجات ، ومن أهم تلك الأسواق كانت كبكابية وكوز ( سوق رئيسي للدخن ) وكان الفور يبادلون الذرة بالدخن حيث كان يزرع الذرة والخن في منحدرات جبل مرة ، ومن الأمثلة للأسواق : سوق نملية وبرتى لمبادلة الملح وغير ذلك ( 9 ) .
وكان السلطان في دار فور اكبر تاجر ولا يسمح بأي قافلة بان تحمل بضائع اكبر من قافلته ، كما انه يستخدم مركزه التجاري في تقوية سلطته السياسية ، ويستخدم السلع الكمالية في تقوية تحالفاته . وإذا قارنا بسلطنة سنار نجد انه كان لسلاطين ستار الحق المطلق في رعاية وتنظيم القوافل التجارية ، وعندما تصل القوافل إلي العاصمة سنار ، تعرض أولا سلع السلطان قبل غيرها وتباع بأعلى الأسعار ، وهكذا كانت هيمنة الدولة في سلطنة سنار ودار فور على التجارة الخارجية ، وهذه الهيمنة كانت من سمات النظم الشرقية ( 10 ) .
وفى عهد السلطان عبد الرحمن الرشيد زار السائح الإنجليزي برا ون في 1793 م دار فور من طريق الأربعين الذي وصف التجارة وغيرها من أحوال البلاد ، بالإضافة لصادرات الرقيق ذكر برا ون صادرات أخرى مثل : العاج ، الذهب ، الخرتيت ، ريش النعام ، الصمغ ، النحاس ( 11 ) . وكان الرقيق يجلب من جنوب دار فور ( دارفرتيت ) بواسطة البقارة أو حملات السلطان المباشرة ، من المراكز التجارية لتجميع الرقيق في شمال وغرب دار فور : اورى (Uri ) ، سوينى ( Suwaini ) ، كبي ( Kobbe ) أو كبكابية .
وفى عهد السلطان عبد الرحمن أيضا يظهر أن المماليك ضيقوا على القوافل التجارية التي كانت من دار فور وعطلوا التجارة بينها وبين مصر ، وعندما دخل نابليون بونابرت مصر فى أواخر القرن الثامن عشر هنأه السلطان عبد الرحمن الرشيد برسالة ورد عليه نابليون مع طلب بار سال له 1000عبد من العبيد الأشداء المتجاوزين الستة السادسة عشرة من العمر مع وعد بحماية القافلة ( 12 ) . كما ارتبط توسع السلطنة شرقا وشمالا بأهداف تجارية .
وفى منتصف القرن التاسع عشر كانت دار فور تصدر وبوتائر سريعة الرقيق الجمال والبضائع الأخرى إلى مصر عبر الصحراء عن طريق الأربعين ، وبلغ هذا التوجه شرقا ذروته بغزو كردفان ( 1785 _ 1786 م ) ، وبنهاية القرن الثامن عشر كانت دار فور تحتل مساحات شاسعة تربوا على 300 ألف ميل مربع وتحكم أخلاط من القبائل وتمد مصر بأهم وارداتها الإفريقية ( 13 ) هذا إضافة لقوافل دار فور إلى النيل أو سلطنة سنار . وفى عهد السلطان احمد بكر بدأ التوسع في اتجاه الغرب وهو الذي نظم السلطنة في صورة جديدة تحت ظروف هذا التوسع وشجع هجرة العلماء وتجارة النيل إلى بلاده ، ويبدوا انه كان متيقظا لأهمية التجارة ، وما يمكن أن تلعبه التجارة في دولته من دور . وفى عهد السلطان عبد الرحمن الرشيد بلغت السلطنة اوجها من القوة والرخاء والقوة ، لقد توسعت تجارة بلاده مع مصر ، وكانت له علاقات مع الخارج ، وقد لتصل بالسلطان العثماني وارسل له الهدايا وفاز منه بلقب الرشيد .
وبعد الغزو التركي للسودان في عام 1821 م كانت سلطنة دار فور تعانى من ضغط الحكم الجديد ،وكانت الحالة الاقتصادية آخذة في التدهور بسبب هذا الضغط وبسبب الظروف التجارية التي خلفتها تجارة بحر الغزال المنتعشة والتي اتجهت إلى النيل بدلا من أن تتجه إلى دار فور ، وقوة قبائل البقارة التي رفضت الخضوع للسلطان ونازعت نفوذه ( 14 ) .

العملة :
كانت العملة الرائجة قطعا مختلفة من الدمور ، ثم راج بعد الفتح التركي للسودان المقاطع المصرية من الخام المصنوع ، وراج في كردفان أيضا قطع دقيقة من الحديد على أشباه المسامير الكبيرة تسمى الحشاشات ، وفى ظروف غياب العملة الموحدة في السلطنة ، كان الأعوان والموالون يكافئون عن طريق الأرض ليستفيدوا من إنتاجها . ويذكر التونسي أنواعا مختلفة من العملة كانت رائجة في أنحاء السلطنة المختلفة مثل :
• في الفاشر : تارنيه ( خواتيم من القصدير ) ، والتكاكى التي تنقسم إلى نوعين : الأول أربعة تكاكى تساوى ريال فرنسي ، الثاني 2 ونصف تكية تساوى ريال فرنسي ، وفى عدا ذلك مقايضة . كما كانوا يستخدمون الرقيق عملة ( الرقيق يساوى سداس ، والريال الفرنسي المسمى أبا مدفع .
• في كوبيه وكبكابية وسرف الدجاج يتعاملون بالخرش ( خرز ليس بالغليظ ولا الرفيع ) سبح كل سبحة مائة حبة ( التكية تساوى ثمانية سبح ) .
• في فرلى يستخدم الفلقو ( ملح صناعي ) .
• في سوق كسا يتعاملون بالدخان ( التبغ ) .
• أما في كربو والربل والشعيرية فانهم ، فانهم يتعاملون بالربط وهى ربط غزل من القطن ، طولها عشرة اذرع ، وفيها عشرون فتلة لاغير ، ويتعاملون أيضا بالقطن في الأمور التافهة جدا .
• في سوق نملية يتعاملون بالبصل .
• في سوق رأس الفيل : الحشاشات وهى قطع حديد مصنوع من الصفائح ولها أنبوبة .
• تموركة : تعاملهم بدمالج النحاس .
• أهل الفور : يتعاملون بالدن ، القر ( الفرس يساوى 10 بقرات أو 20 ) .
ويذكر التونسي أيضا التبادل بين أعراب البادية في دار فور ودار وداى حيث كانوا يبادلون الدخن والذرة والملبوسات بالسمن والعسل بالسمن والمواشي وجلود الصيد والبقر والإبل . ( 15 ) .
من المعلومات السابقة عن التجارة في سلطنة دار فور يمكن أن نحدد السمات العامة لها في الآتي :
1. كانت تجارة كمالية ، فأغلب واردات السلطنة كانت سلعا كمالية ( أسلحة، بهارات ، صابون ، منسوجات ، سروج ، مجوهرات .) ، ومثل هذه السلع كانت تهم بشكل أساسي البلاط الحاكم أو جيش السلطنة أو الفئات المتيسرة في المجتمع ..
2. كانت مصدر دخل هام للسلطنة ( مكوس ، هدايا السلاطين .) .
3. ارتبط توسع السلطنة شمالا وشرقا بأهداف تجارية .
4. كان السلطان يتحكم في التجارة بشكل مطلق كما هو الحال في السلطنة الزرقاء ، ولكن الطبقة التجارية في سلطنة الفور لم تصل إلى القوة والمنعة الاقتصادية التي تمكنها من الاستقلال عن السلطان ، كما حدث بالنسبة للطبقة التجارية في السنوات الأخيرة لسلطنة الفونج .
من أسباب تدهور سلطنة دار فور الحصار والضغط الذي فرضه الحكم التركي على السلطنة مما أدي إلى تدهور التجارة ومكوسها ، وبالتالي تدهور حالة السلطنة الاقتصادية مما مهد لزوالها فيما بعد .
ثالثا : الصناعة الحرفية
أدي تطور الزراعة والرعى وما نتج عنهما من وجود فائض إنتاج إلى تطور التجارة وتطور الصناعة الحرفية التي عرفتها سلطنة دار فور ، ويذكر شقير أرباب الصنائع في السلطنة ويقول ( كان بالسلطنة أرباب الصنائع وهم الحدادون والنجارون والحاكة والدباغون لقضاء حاجاتها كما في بلاد سنار ) . أي إن شئت فقل إن السلطنة عرفت الإنتاج السلعي الصغير لا المعد للاستهلاك فحسب ، بل الإنتاج للسوق أو مبادلته بسلع أخري . ويمكن أن نعرض أمثلة لبعض الصناعات الحرفية التي كانت منتشرة في السلطنة على النحو التالي :
• صناعة النسيج من الصوف والقطن الذي كان يزرع في السلطنة أو المستورد ، ومن أهم اللبس كان الدمور الذي كان يستخدم كعملة ، وكذلك صناعة ألا براش والسجاجيد والخيم ، وكانت اغلب هذه الصناعات من اختصاص النساء ، ومن أهم النسيج كان التكاكى وهو نوع من القماش طول القطعة منه 4 متر وعرضه ثلث متر ، وكان يسدد به ضريبة الأرض أو خراج السلطان ، ويتفرع من هذه الصناعة أيضا أدوات إنتاج النسيج نفسها مثل المغازل وغيرها .
• صناعة الزيوت : ومنها زيت السمسم والفول بواسطة العصارات التي كانت تجرها الدواب ( الجمال وغيرها) ، إضافة لصناعة السمن ، ونشير أيضا إلى صناعة العصارات الخشبية كأدوات لانتاج الزيوت .
• صناعة دباغة الجلود : والتي كانت تصنع منها الأحذية الملابس والمساكن وغير ذلك ، كما كانت الجلود تصدر إلى مصر ، ويذكر التونسي من الحيوانات التي كانت تستخدم جلودها والتي كانوا يصطادونها : الغزال أبو الحصين ، بقر الوحش ، التيتل ، الفيل ، الجاموس الضباع ، الزراف ( 1 ) ، إضافة لجلود الجمال والماعز والبقر وغير ذلك من التي يتم تربيتها .
• صناعة استخراج النحاس ( التعدين ) والذي كان يصدر إلى مصر ، ويستخدم في صناعة الأواني ، كما يستخدم كعملة في بعض مناطق دار فور .
• صناعة الأواني الخشبية ( الأقداح الخشبية ) ويبدوا أن هذه الصناعة كانت مزدهرة في سلطنة دار فور حيث كانت تصدر الأقداح الخشبية إلى مصر .
• صناعة الأطباق من الحصير أو السعف وكانت تصدر إلى مصر ، وكانت هذه من الصناعات النسائية .
• صناعة أدوات الإنتاج الزراعي مثل : السلوكة المنجل ، الفأس ، .... الخ .
• صناعة الأدوات الحربية مثل : السيوف ، السكاكين الحراب ، الدرق ، .. الخ .
• صناعة العنا قريب والمصنوعات الخشبية الأخرى .
• صناعة الفخار التي كان يقوم بها الفخرانجية مثل : الازيار ( والبوشاى ) وهو إناء من الطين في شكل زير ولكنه اصغر منه . وكان اغلب المصنوعات من الفخار من اختصا ص النساء .
• صناعة الآلات الموسيقية مثل ( أم كيكى ) وهى آلة موسيقية وترية عربية ، إضافة للآلات الإفريقية الأخرى مثل : الطبلة ، الدلوكة ، النحاس ، والتي كانت تصنع من الفخار والجلد والقرع والخشب .
• صناعة أدوات الزينة : الصياغة ، الخرز ، .... الخ .
• صناعة الخمور : واشهرها المريسة من الذرة أو السمسم أو الدخن ... الخ .
صناعة المنازل : ويذكر التونسي أن البيوت كانت تبنى إما من قصب الدخن أو من خشب رفيع يسمى المد هيب ، والثاني لا يعمل إلا لللاغنياء واكابر الدولة ، وهو قصب ناعم قليل الكعوب ، رفيع كالشمار ابيض يميل إلى الصفر، زكى الرائحة خصوصا بعد نزول المطر ( 2 ) . هذا إضافة للمباني الأخرى من الطين أو من الحجر .
الملاحظات العامة حول هذه الصناعات يمكن تلخيصها في النقاط التالية :
1. اعتمدت هذه على مواد خام محلية مثل القطن ، السمسم ، الماشية ، الخشب ، الحديد ، والنحاس .
2. أدى تطور هذه الصناعات إلى تقسيم اجتماعي للعمل حيث ظهرت فئات حرفية مثل الحدادين والنجارين والحاكة والدباغون والفخرانجية .... الخ ، وتخصصت هذه الفئات في هذه الصناعات واصبحت تورثها لابنائها ..
كان للمرأة دور كبير في هذه الصناعات مثل: صناعة النسيج والأطباق والفخار والخمور والسمن والزيوت ..
تطور المدن والحياة الاجتماعية :
مع ازدهار وتطور الصناعة الحرفية والتجارة نشأت وتطورت المدن والمراكز التجارية مثل مدينة الفاشر عاصمة السلطنة ، وكبكابية وكُسا وراس الفيل ونملية وتموركة ، ... الخ . كما تطورت الحياة في المدن وبرزت فئات اجتماعية مثل : التجار والحرفيين وملاك الأراضي والفقرا والعلما . وازدهرت الأسواق التي كانت تعرض فيها المنتجات الزراعية والحرفية إضافة للسلع المستوردة من مصر والأقاليم المجاورة ، إضافة للماشية ( الجمال ، الأبقار ، الأغنام ، ....) ومنتجات الحيوانات : اللبن ، السمن ، العسل ، الجلود ، ... الخ.
كما تطور المعمار وفن البناء حيث كانت المساكن تُنشأ من القش ( القصب ) والطين والحجر ، وبالطبع كما أشرنا سابقا كانت المساكن متفاوتة بحسب التفاوت الطبقي والاجتماعي . ومن المباني أيضا انتشرت المساجد التي تؤدى فيها شعائر الصلاة ويتم فيها تعليم القران ومبادئ الفقه واللغة العربية إضافة للخلاوى .
وفى الحياة الاجتماعية نذكر مجالس شرب الخمر التي كانت متفشية ومنتشرة في السلطنة رغم تحريم الشريعة الإسلامية لها وكانت توجد أماكن لبيع المريسة في الأسواق ( مانديرة ) ، وفى دار فور آثار ( عاديات ) الكثير من القصور المبنية من الحجر والجوامع والمنشآت الأخرى ، ومن المحتمل أن معظمها بُنى بعد سنة 1500 م ولكن من المؤكد فيما تقول مر جريت شيني ( أن إحداها هي آثار اورى عاصمة التنجر بنيت قبل هذا التاريخ ، وهى متينة البنيان ومشيدة على طراز إفريقي بحت ، يحيط به جدران أو سياج (3) وكان التنباك ( نوع من التبغ ) يلعب دورا كبيرا في حياة الناس الاجتماعية ، فعلى مستوى الرواية الشفهية في دار فور يوصف الفقيه حسين ودعمارى بأنه عالم أزهري جاء إلى دار فور فعمل بالتدريس والكتابة لدى البلاط السلطاني وطلب الجاه الملكي وعمل بزراعة وتجارة التنباك حتى عرف به فسمى تنباك ( ود عمارى ) ثم عاد إلى مصر (4 ) .
وتلعب الأغذية المخمرة دورا هاما في حياة الفور والتي تصنعها المرأة مثل : المرس والكول والفرو ندوا .. الخ وعى غنية بالبروتينيات وهامة في فصل الصيف .
ومن الاطعمة يذكر التونسي ويكة الهجليج والد ودرى وهى ويكة تتخذ من عظام الغنم والبقر وسائر أنواع الحيوانات ( طعام أمراء الفور ) . أما ويكة الهجليج ، أما تكون من الورق أو من التمر إضافة للدخن .
ويلعب الفكي الذي يعالج الناس دورا هاما في حياة الفور الاجتماعية ، وكانت الأمراض المنتشرة في السلطنة كما أوردها التونسي : أمراض الأطفال ( أبو لسان ) ، أم صقع ، أبو صفير الوردة ( الحمى ) ، والأمراض الوبائية مثل : الجدري ، الهيصة السيلان الأبيض والهبوب ، النقرس ( وجع المفاصل ) والد قرى والسوتية ( مرض يخص الركبة ) ، ومن الأمراض العامة : وجع الطحال والاستسقاء .. الخ واكثر العلاج السائد : التشريط ، الكي ولا يستعملون من الباطن إلا التمرى هندي وعسل النحل والسمن البقرى فيما ذكر التونسي (5 ) .


رابعا : مصادر تراكم السلطنة
ليس المقصود بالتراكم هنا تراكم رأس المال بالمعنى الدقيق فالتراكم في المجتمعات ما قبل الرأسمالية ( كما في حالة سلطنة دار فور ) لايعنى تراكم رأس المال ، بل تراكم الناتج الفائض . ويمكن تحديد مصادر تراكم ثروة السلطان والفئات الغنية في السلطنة على النحو التالي :
أ – دخل السلطان :
يقول شقير ( وللسلطان دخله من حقوق السلطنة ، فله العشور والفطرة من الحضر والزكاة من البادية وعشور البضائع من التجارة ونصيبه من قانون دالي وهو القانون العرفي للفور والضرائب على التجارة والحدادين وهدايا الحكام واصحاب ألحوا كير والتجار وهو يصرف من هذا الدخل على بيته واخصائه وجنوده ( 1 ) . وتسمى الهدايا ( بالسلام ) وهى تشمل : الرقيق ، الإبل ، الخيل ، البقر التكاكى ، الذهب ، والفضة والعسل والسمن والريش .
ب – دخل أصحاب النفوذ :
أما أصحاب النفوذ الآخرين في السلطنة مثل الحكام والمقاديم والشراتى والدمالج ، فكان نصيبهم من قانون دالي والهدايا ومرتبات أصحاب ألحوا كير ومن حواكيرهم الخاصة ، كما كان سلاطين الفور يكرمون رجالهم الذين يصدقونهم الخدمة حتى كانوا يزوجونهم بناتهم ويمهرونهم ألحوا كير والعربان كما كان الحال عند الفونج كما أفادنا د . محمد ابر أهيم أبو سليم في مقابلة ومناقشة معه .
ج – الضرائب :
نفصل هنا الضرائب باعتبارها أحد مصادر الثروة الأساسية للسلطان واصحاب النفوذ .
من وثائق الأرض وتمليكها التي نشرها د . أبو سليم في كتابه ( الفور والأرض ) وعددها تسعة وعشرون وثيقة ( 2 ) ، وبعد دراستها يمكن استخلاص الضرائب الآتية على الأرض :
• ضرائب تعتمد على الشريعة الإسلامية : ( زكاة وفطرة ) وكانت تذهب للسلطان ، وفى الوثائق ترد الزكاة أحيانا باسم ( الأوساخ ) ، والتي قد تعنى أن الزكاة والصدقة تطهر الناس وتزكيهم كما جاء في الآية الكريمة ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ... ) .
ضرائب مستمدة من العرف وتسمى السبل ومن أنواعها : الدم الفيق ، الهامل ، النار ، القوار أو( الثوار ) ، الزنا ، الدرقة ، البقر و الربطة ، هذا إضافة للضرائب في شكل عمل غير مدفوع الأجر كان يقوم به المزارعون في أراضى السلاطين وحكام الأقاليم ( عمل السخرة ) . هذا ونلاحظ أن هذه الضرائب اعتمدت على الشريعة الإسلامية والأعراف المحلية .
ويبدوا أن السبل هي من الضرائب التىكانت تدفع لملوك الداجو والتنجر قبل قيام السلطنة الإسلامية ، ونلاحظ عند الفونج أيضا كما أفادنا د . أبو سليم السبل ( العوائد ، المضار ، الغرامات ... ).
ويبين التونسي جانبا من توزيع الضرائب بين السلطان واصحاب النفوذ والآخرين ويقول : ( كيفية ما يأخذه هو أن زكاة الحبوب كلها للسلطان كزكاة الماشية ، فلا ينالون منها شيئا ، وانما لكل ملك منهم أفدنه كثيرة يزرعها دخنا وذرة وسمسما وفولا وقطنا تزرعها الرعايا وتحصدها وتدرسها ، له قهرا عليهم ، وله الهامل وهو الضال من رقيق وبقر وغنم وحمير يبيعونها له ويأخذ ثمنها .. الخ ، فيذكر التقادم وهو هدية والحطية وهى غرامة والدم وهو الدية ، وكان يجبى حقوقه من الحبوب عن طريق الجبايين ، أي الذين يجبون الغلال من البلاد ، فيـخذون عشر محصول الحبوب ويجعلونه في مطامير لاحتياج السلطان (3 ).
ونشير هنا إلى أن من أصحاب النفوذ العلما والفقرا الذين كانت لهم أراضى واسعة يزرعها الأهالي بلا مقابل ( عمل السخرة ) ، يقول د . أبو سليم ( ولكن العمل عند هؤلاء لم يكن قسرا ، إذ لا يملك الفقرا والعلما قوة قاسرة ، وانما كانوا يقومون بالخدمة تحت تأثير الدين وهو نوع من الاستغلال بغير شك ) ( 4 ) .
ويوضح ناختقال بعض التفاصيل المفيدة عن محصول السلطان من ألحوا كير فهو يقول بان الديوان كان يجمع المحصول كل اربع سنوات ، وان كمية المحصول كانت تختلف وتتفاوت حسب إنتاج المنطقة ونوعيته كالآتي :
• مناطق الرعي كانت تدفع من الجمال والخيول حتى 1300 رأسا .
• كانت بعض القبائل تدفع رقيقا .
• كان البعض يدفعون كميات من الذرة والدخن والتمباك والملح والعسل والسمن ، وكان يجبى من ألحوا كير التي يعطيها لمعاونيه من رجال الدولة نحو 50 إلى 100 والى 200 جرة سمن .
وبخلاف ذلك كان يتفق مسبقا على أن يدفع صاحب الحاكورة نصف ما يحصل عليه إلى السلطان بينما يفوز هو بالنصف الأخر .
أما إذا كان معفيا من الدفع – وهم غالبا العلما والفقرا – فانه كان يقدم كمية مناسبة على سبيل الهدية ويضاف إلى ذلك ضريبة التكاكى وهو قطعة من القماش المصنوع محليا وطوله 4 متر وعرضه ثلث متر بخلاف الضرائب الخاصة بالحواكير ، فدار الريح مثلا – شمال دار فور – كان يدفع 800 قطعة ، ودار الدالي 7000 قطعة ، ودار كرتي 8000 قطعة ، ودار فيا 5000 قطعة ، ودارمادى 4000 قطعة ودار ديما 6000 قطعة ، ودار اوما 3000 ( 5 ) .
وإذا أخذنا في الاعتبار أن سلاطين دار فور شأنهم في ذلك شأن سلاطين الفونج كانوا يحتكرون التجارة والتي كان حجمها كبيرا كما أوضحنا في مكان سابق ، إذا أخذنا كل ذلك في الاعتبار نجد أن سلاطين دار فور والفئات الغنية تمتعوا بالثراء في عصرهم الذهبي من مصادر التراكم المشار إليها .


خامسا : التركيب الطبقي
عندما نتحدث عن التركيب الطبقي في سلطنة دار فور نأخذ في الاعتبار أن التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية للسلطنة كتشكيلة سابقة للرأسمالية لم تعرف مفاهيم ومصطلحات مثل الطبقة الاجتماعية ( البرجوازية ، البروليتاريا ، البورجوازية الصغيرة ، .... الخ ) بالمعنى الدقيق الذي حدده علماء الاجتماع ( ماركسيين وغير ماركسيين ) في أوربا بعد الثورة الصناعية ، ولكن ما نريد أن نوضحه هنا أن سلطنة دار فور عرفت الفوارق الاجتماعية أو المراتب الاجتماعية .
ونتفق هنا مع ما أورده د . سمير أمين أن ممالك إفريقيا عرفت ( ظهور الفوارق الاجتماعية قبل مجيء الاستعمار الغربي لها ، ولدليل على ذلك أن العديد من الشعوب الأفريقية قد غادرت حقبة ما قبل التاريخ لعدة قرون خلت ... ) ( 1 ) .
وسنحاول البرهنة على ذلك من خلال سلطنة دار فور الملموسة التي عرفت المراتب والفوارق الاجتماعية . ويمكن تقسيم التركيب الطبقي للسلطنة إلى الآتي :
أ – السلاطين والملوك .
ب – ملاك الأراضي .
ج – التجار .
د – الفقرا والعلما .
ه – أرباب الصنائع .
و – المزارعون .
ز – الرقيق .
أ – السلاطين والملوك :
ويدخل في هؤلاء الطبقات والفئات الحاكمة مثل السلاطين وحكام الأقاليم والدمالج والمقاديم والشراتى ... الخ . وهؤلاء تمتعوا بنفوذ سياسي واقتصادي وثروة وغنى على النحو الذي أوضحناه في مكان سابق .


ب – ملاك الأراضي ( أصحاب ألحوا كير) :
وهؤلاء تمتعوا بالنفوذ والثروة في المجتمع والدولة ، ومن الأمثلة كما ورد في وثائق الأرض :
• الأمير أبو بكر الذي أعطى أراضي واسعة أر ضاءا له لانه كان ينافس السلطان محمد الحسين في الولاية ، ولان مركزه الاجتماعي كان عظيما ، وقد استغل ثراءه لمزيد من الو جاهه والنفوذ السياسي .
• الاياباسى زمزم التي مارست نفوذا طاغيا وكانت تطوف على الأقاليم تجبى من الناس قسرا ، وكانت صاحبة أراضى واسعة .
• احمد شطة الذي بثرائه ونفوذه الإقليمي يستطيع أن يتحدى السلطان ، فيمنع الفقيه محمد البولالاوى من الأراضي التي اقطعها إياه السلطان .
• كان الأمير بخيت يملك اقطاعات واسعة من الأراضي .
• كان الكامنة يملك اقطاعات واسعة .
• كما فاز الياس نور الدين بأراضي كثيرة في شمال دار فور .
وكان السلطان عبد الرحمن الرشيد قد عين صديقه مالك بن على الفوتاوى حاميا لكل الفولاني في سلطنته ووزيرا ، واعطاه حوا كير ضخمة بالقرب من الفاشر وبالذات في كوبو . ( 2 ) .
ج - التجار :
من الصعب فرز طبقة التجار عن السلاطين والملوك وملاك الأراضي وبقية أصحاب النفوذ ، فهؤلاء أنفسهم – بالإضافة إلى دخلهم من الضرائب وخراج الأراضي وعائد أراضيهم الخاصة – كانوا تجارا . فسلاطين دار فور مع ملاك الأراضي المتحالفين معهم كانوا يحتكرون التجارة .
وكان احتكار السلاطين لللاراضى والتجارة الخارجية وهيمنتهم على التجارة الداخلية ومحاصرتها بالضرائب المختلفة ومصادرة أموال بغض الأثرياء من التجار أحيانا ، كل ذلك من الأسباب التي أضعفت الطبقة التجارية وقصت أجنحتها ، ولم تستطع الصراع ضد هيمنة السلاطين على التجارة كما حدث في السنوات الأخيرة لدولة الفونج ، حيث استطاعت الطبقة التجارية أن تتحرر من نفوذ السلطان بعد أن قويت واشتد ساعدها . وبالتالي يمكن القول أن الطبقة التجارية كانت ضعيفة وتحت الرقابة والسيطرة الدائمة للسلاطين ، وبالتالي لا نستطيع القول عن تطور وازدهار رأسمالية تجارية أو تراكم رأس مال تجارى بالشكل الذي حدث في سلطنة الفونج .
د – الفقرا والعلما :
هؤلاء بالإضافة ألي نفوذهم الروحي كان لبعضهم نفوذ اقتصادي ، وكان الفقرا يحصلون على الأراضي ويزدادون بذلك نفوذا ، فالسلطان عبد الرحمن الرشيد أعطى لاسرة محمد حدوج الكنانى حاكورة ضخمة بجديد السبل بشمال الفاشر ، وكان السلطان تيراب قد انعم عليهم بحاكورة أخرى في القرشي .
• حصل الفكي محمد من قبيلة الميم في سمين وكان ذا نفوذ عظيم .
• حاز عمر التونسي ( والد محمد عمر التونسي ) على حاكورة في قربى بجبل مرة ثم حاز على حاكورة أخري في مكان آخر عندما تضر رمن قربى .
• وفقرا ارقراقا الذين جاء جدهم حامد بن عبد الله من الشرق في عهد السلطان سليمان قد حازوا على أراضي في رقراقا على يد السلطان محمد الفضل الذي بنى مسجدا ( 3 ) .
ه – أرباب الصنائع :
وهذه الشريحة كما حددها شقير تضم الحدادين والنجارين والدباغين ( البقدو ) ، وهؤلاء يمتلكون أدوات إنتاجهم ويعرضون منتجاتهم في الأسواق ، إما بشكل مباشر أو بواسطة التجار ، وكانت بعض الحرف مثل الحدادة محتقرة .
و – طبقة المزارعين :
كان وضع هذه الطبقة على أسوأ حال ، وكان المزارعون يدفعون الضرائب بشقيها والتي تقوم على الشريعة الإسلامية والعرف ( الزكاة ، الفطرة ، السبل العادية ) ، وكان هؤلاء هم الذين يقومون بالإنتاج فعلا ولكنهم بفقدون جزءا من فائض إنتاجهم والذى يذهب إلى السلاطين وأقرباءهم أو للفقرا والعلما أ و حكام الأقاليم أو ملاك ألحوا كير ، أي انهم يفقدون جزءا كبيرا من إنتاجهم الفائض بحكم ما تفرضه عليهم الشريعة والأعراف . هذا إضافة إلى انهم كانوا يخدمون في مزارع حكام الأقاليم والسلاطين والفقرا والعلما ( عمل السخرة ) غير مدفوع الأجر ، وبالتالي كانوا يعيشون في فقر مدقع وبعضهم من شدة الفقر كان ينطبق عليه المثل ( عبد مجيّه ولاحر مجهجه ) كما يرد في أمثال تلك الفترة ، أي عبد يجد ما يكفى معيشته من سيده ولامزارع حر لايجد قوته الضروري .
ز – طبقة الرقيق :
كانت تلك الطبقة في قاع الهرم الاجتماعي ، وكانت لها وظائف هامة في نسيج مجتمع دار فور الاقتصادي والاجتماعي من زاوية انهم: -
- كانوا يعملون في أراضى أسيادهم وفقا لعلائق الإنتاج العبودية التي تقوم على العمل مقابل معيشتهم ومعيشة أسرهم ، أي كان كل إنتاج عملهم الفائض يستحوذ عليه الملاك .
- كانوا عنصرا أساسيا في جيش سلطنة دار فور .
- في بعض الحالات كان نصيب السلطان من محصول ألحوا كير يدفع في شكل رقيق ( أي وسيلة دفع ) .
- كان الرقيق سلعة تصدر للخارج ومصدرا من مصادر تراكم ثروة السلاطين والتجار .


سادسا : خصوصية تشكيلة السلطنة
لتعيين خصوصية وسمات التشكيلة الاجتماعية لسلطنة دار فور يجدر بنا أولا دراسة خصوصية الرق والإقطاع في السلطنة بشيء من التفصيل ، وبدون إقحام مفاهيم ومصطلحات الرق والإقطاع بالمعنى الذي كان ينطبق على حالة التاريخ الأوربي القديم ، وفى العصور الوسطى والتي حددها ماركس كملامح عامة في لوحة خماسية ، وبدون إقحام نمط الإنتاج الآسيوي أو نمط الإنتاج الخراجى ( 1 ) ، كما يسميه د . سمير أمين ، الذي كان سائدا في بعض بلدان الشرق .
واللوحة الخماسية الكلاسيكية هي : الشيوعية البدائية ، الرق ، الإقطاع ، الرأسمالية ، الاشتراكية ، أما تعريف نمط الإنتاج الآسيوي الذي أضافه ماركس للشرق كنمط متميز عن اللوحة الخماسية للتاريخ الأوربي والتي وردت في مؤلفه ( أسس نقد الاقتصاد السياسي ) فيتحدد على أساس ظهور مجتمع طبقي في إطار أشكال ملكية الأرض الجماعية على أساس من مستوى للقوى المنتجة ما يزال بالغ التدنى ولكنه يسمح مع ذلك باقتطاع فائض إنتاج ( 2 ) .
ما يهمنا هنا أننا نريد أن نبحث خصوصية تشكيلة دار فور في الواقع التاريخي وبذهن مفتوح وبدون فرض لوحة خماسية مسبقة أو صيغة نمط الإنتاج الآسيوي أو الخراجى .
أولا : خصوصية الإقطاع في السلطنة :
عند دراسة خصوصية الإقطاع في السلطنة نلاحظ السمات الآتية :
أ – ينقسم إقطاع سلطان دار فور للأرض إلي نوعين :
- نوع يعطى لشخص بزرعه ويستفيد من إنتاجه في معيشته ، وهذا النوع كان غالبا في شكل قطع صغيرة ، وهو ما يوصف عادة بأنها ملك أو هبة أو صدقة ، وغالبا ما كان ذلك لطبقة الفقرا والعلما وصاحب الأرض يزرع أرضه بواسطة المزارع إذا لم يكن مباشرا الزراعة ، وقد يستغل جيرانه ويجبرهم على العمل بطائله ونفوذه ، وهو حر التصرف في الأرض غالبا بأن يؤجر أو ينشئ فيها ما شاء أو بأن يتصرف في ملكيته بالبيع أو الهبة وما إلى ذلك ، ومثل هذه الحقائق تبين عادة في وثيقة التمليك ( 3 ) . ومثل هذه الملكيات الصغيرة لاتدخل في مفهوم الإقطاع بالمعنى أو المصطلح الدقيق له .
- ألحوا كير : * والحاكورة هي قطعة ارض كبيرة كأرض قمقوم وبناين كما ورد في وثائق الأرض ، وقد تمتد أميالا ، وقد تكون قرية واحدة كقرية كورا في الوثيقة الحادية عشر ، أو تكون عددا من القرى وقد تكون بطنا من قبيلة . والسلطان هو الذي يعطى الحاكورة بهدف مساعدة قريب أو صديق أو تعطى للفقرا والعلما بهدف إعادة إنتاج النظام وترسيخه . ويستطيع صاحب الحاكورة بعد ذلك ، إما أن يزرع ما شاء بنفسه وبعبيده وبمن يستطيع تسخيره من الأهالي ، ومن حقه أن يعقد ما شاء من العقود مع المزارع ، فيما ينال من الإنتاج مقابل تسديد الضرائب أو الخراج للسلطان حسب ما تقتضي الشريعة الإسلامية والعرف .
والسلطان يتنازل عن هذه الحقوق أو بعضها لصاحب الحاكورة حسب كل حالة على حدة فيقوم هو بجمعها للانتفاع بها في معيشة اتباعه وتدبير سلاحه وأموره وهو مقابل ذلك ، يقوم بتدبير بعض الخدمات للسلطان ، ويقدم الولاء ويكون في خدمته ويدافع عنه ، وهو يعاونه في الإشراف على أهل الحاكورة واهم الخدمات إعانة السلطان في الحرب ، ويقدم له فوق ذلك جعلا سنويا متفقا عليه ، إضافة للغرامات والهوا مل والهدايا التي تقدم في المناسبات ، أما العلما والفقرا ، فعليهم خدمة الكتابة والقضاء والدعاء للسلطان واقامة الشعائر الإسلامية وتعمير المساجد ( 4 ) ، وحاكم الإقليم لانصيب له وانما يؤخذ من نصيب السلطان .
وبالتمعن في هذا الشكل من ملكية الأرض نلاحظ الآتي :
أ – إن المزارع يعمل في الحاكورة ، ولا يملك جزءا من الأرض بحيث يعمل أياما في أرضه وأياما أخرى في ارض الإقطاعي ، كما كان الحال في إقطاع أوربا في العصور الوسطى ، وكان المزارع مرتبطا بالأرض وعليه أن يزرع ، ولايتا ثر بالمنازعات حول الأراضي لأن المنازعات تمس أصحاب ألحوا كير الذين كان نصيبهم يزداد كلما اتسعت أراضيهم ، فعلى المزارع أن يزرع ليأخذ ويوزع الإنتاج الفائض في شكل حق الأرض والعادة والشريعة مهما اختلف المالكون ( 5 ) .
ب – مثل هذا النوع من الإقطاع يمكن أن نسميه الإقطاع القلق أو الإقطاع غير المستقر ، لأن المالك الحقيقي للأرض هو السلطان ، وهو يستطيع أن ينزع الأرض في أي وقت شاء ويعطيها لمن شاء والقاعدة العامة أن الحاكورة لا تورث لأنها في الأصل تعطى مقابل خدمات للسلطان ، وذا وقع في سخط السلطان أُخذت منه الأرض ، وكما لاحظ د . أبو سليم فأن ( التملك مؤقت بطبيعته) ( 6 ) .
ونكمل الصورة بذكر ارض السلطان وحكام الأقاليم ، فقد كان السلطان يزرع في أملاكه الخاصة وهى التي كانت ملكا خاصا لأجداده أو مخصصة لزراعته ، ويُذكر انه كان للسلاطين أملاك خاصة في جبل مرة واقطاعات أخري بكيرلى وتندلتى أو مناطق أخري غيرها . وكان على الأهالي أن يقوموا بزراعة أرضه دون مقابل ( عمل السخرة ) وذلك بخلاف ما كان يقوم الأرقاء ، ونشير هنا إلى أن ذلك من بقايا المجتمع البدائي حيث كان العمل التعاوني التطوعي هو الأساس ، وبعد تفكك المجتمع البدائي وظهور الملكية والفوارق الاجتماعية والسلالات الحاكمة ، استمر العمل التطوعي في أراضى في أراضي السلطان ورجال الدين .
ويذكر التونسي ( أن السلطان له مزرعة معلومة يزرعها لنفسه في كل سنة ، وفى يوم بذر الحب فيها بعد الأمطار يخرج في مهرجان عظيم ، ويخرج معه البنات الجميلات المتجملات بالحلي والحلى ما ينوف عن مائة من مخاطبه الخاصة حاملات على روؤسهن آنية فيها كل المأكل الفاخرة ، وهذه الأواني تسمى بالعمار ( مفردها عمرة ) فيمشين وراء جواد السلطان صحبة العبيد الصغار الحاملين للحراب المسمين كوركوا ، واصحاب العصافير ، وهؤلاء يغنون بغناء حال تصفيرهم ، وكوركو الحاملين للحراب يغنون معهم ، فحين تخرج البنات مع السلطان يغنين معهم أيضا فيبقى لجموعهم صوت جميل جدا وحينما يصل السلطان إلى المزرعة ينزل عن جواده ويأخذ البذر ويأتي أحد عبيده ويحفر الأرض بمسحاة معه ويرمى السلطان البذر وهو أول بذر يقع في الأرض والقواد ، فيبذرون الحب ويزرعون المزرعة في أسرع وقت ، وبعد تمام زرع المزرعة يحضر الطعام المحمول على روؤس البنات المذكورة فيوضع أمام السلطان ، فيأكل منه هو ووزراؤه ، ثم يركب في مهرجانه حتى يصل إلى دار ملكه وهذا اليوم من الأيام المشهورة في دار فور ( 7 ) .
ويشير د . أبو سليم إلى انه في هذا اليوم توزع الكسوة الجديدة ، وتتم نظافة الأرض والزراعة والصيد ، وهو ما يوافق عيد الزراعة ، فالسلطان هو الذي يبدأ الموسم الزراعي ، وهذه العادة عرفت في سنار أيضا .
مما سبق يمكن أن نصف علائق الإنتاج في أراضي السلطان أو إقطاعيات السلطان على النحو التالي : -
أ – على السخرة أو عمل الأهالي بدون مقابل .
ب – على الرقيق أو بيد السلطان فيها حسب علائق الإنتاج العبودية .
كما كان لحكام الأقاليم مزارع خاصة أيضا ، وكانت اكبر الأراضي للاباديما والتيكناوى ، ثم بعدها كبقية الأعيان حسب مراتبهم أو قربهم إلى السلطان ، وعلائق الإنتاج في تلك الأراضي أيضا كانت تقوم على السخرة أو إرغام الأهالي قسرا بالعمل فيها بدون مقابل أو على عمل الرقيق حسب علائق الإنتاج العبودية .
ثانيا : خصوصية الرق في سلطنة دار فور . :
يمكن أن نحدد خصوصيات ووظائف الرق في السلطنة على النحو التالي :
أ – كان يلعب دورا أساسيا في صادرات السلطنة إلى مصر ، فقد كان الرقيق يجلب من المناطق التي تقع جنوب السلطنة ( دار فرتيت ) وكانت السلطنة تصدر منه من 2000 إلى 3000 إلى مصر على الأقل في السنوات ( 1750 – 1830 م ) ( 8 ) ، وقد تحدثنا بتفصيل في بحث سابق عن تاريخ الفونج الاجتماعي عن الجذور التاريخية للرق في السودان وما معنى الرقيق وكيف بحصل عليه ، ولا نحتاج إلى تكرار ذلك في هذا البحث ( انظر تاج السر عثمان الحاج : لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي ، مركز محمد عمر بشير 2004م)
ب – كان الرقيق يعمل في أراضي السلطان الزراعية واراضى أصحاب ألحوا كير الآخرين أو أراضى الفقرا والعلما وفقا لعلائق الإنتاج العبودية ، أي مقابل معيشتهم واسرهم ( أو مقابل بطونهم كما يقول السودانيون ) وفى بعض الأحوال كان سلطان الفور يعطى الأرض لمن يشاء برقيقها أو عبيدها ، كما فغل السلطان محمد الحسين المهدى الذي أعطى حاكورة نعمة لصهره الحاج احمد بن عيسى برقيقها ، وكان عددهم خمسون رقيقا ( 9 ) .
ج – كان الرقيق يلعب دورا أساسيا في جيش السلطنة ، وخاصة في عهد السلطان تيراب الذي كان يسير في اتجاه التوسع بالفتوحات شرقا ، والاتجاه في تنظيم الدولة إلى المركزية والاعتماد اكثر فاكثر على جيش الأرقاء ( 10 ) .
ج – كانت بعض القبائل تدفع محصول السلطنة ( أو الجزية ) رقيقا ، أي أن الرق كان وسيلة دفع عند بعض القبائل .
وبذلك يتضح الدور الخطير الذي كان يلعبه الرقيق في النسيج الاقتصادي والاجتماعي لسلطنة دار فور .
خصوصيات تشكيلة السلطنة :
عند فحص التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية لسلطنة دار فور وعلى مستوى البنية الإنتاجية –الطبقية نلاحظ السمات والخصوصيات التىكانت تتفرد بها ، كما نلاحظ أنها كانت تتكون من الأنماط الآتية :
أ –نمط الإنتاج البدائي عند القبائل التي كانت تقطن جنوب السلطنة ( دارفرتيت ) والذي كان يقوم على الصيد والتقاط الثمار وتربية الحيوانات . هذا إضافة إلي أن تلك القبائل نفسها كانت عرضة لحملات صيادي وتجار الرقيق ، فقد كان اغلب الرقيق الذي كانت تصدره السلطنة للخارج يجلب من تلك المناطق .
ب – نمط الإنتاج العبودى : وبالخصوصيات التي تم تحديدها سابقا فقد كانت تجارة الرقيق أحد مصادر الأرباح للسلاطين وتجار الرقيق إضافة إلي انهم كانوا يعملون في الزراعة والرعى وفقا لعلائق الإنتاج العبودية ، هذا إضافة لدور الرقيق في جيش السلطنة ، فضلا عن انه كان وسيلة تبادل أو دفع للجزية أو الخراج .
ج – نمط الإنتاج الإقطاعي السائد وبالخصوصيات التي حددناها سابقا : هيمنة السلطان المركزية أو في نظام حكم اقطاعي استبدادي مطلق ، يحتكر السلطان فيه الأرض ويعطيها لمن يشاء وينزعها ممن يشاء ، هذا إضافة لاحتكار السلطان للتجارة ، هذا فضلا عن علائق السخرة فقد كان المزارعون يجبرون على العمل في أراضي السلاطين وحكام الأقاليم بلا مقابل . إضافة للاستحواذ على الجزء الأكبر من فوائض إنتاج المزارعين وتقسيمه بين أصحاب ألحوا كير وحكام الأقاليم والسلاطين .
د – نمط الإنتاج البضاعى الصغير : وما ينتج عنه من تقسيم العمل ،حيث ظهر أصحاب الحرف وأرباب الصنائع من حدادين ونجارين والفخرانجية ... الخ ، كما ظهرت الأسواق وظهرت طبقة تحترف التجارة ، ونشأت المدن وتطورت الحياة الاجتماعية وظهرت فئات اجتماعية جديدة مثل : الفقرا والعلما والكتاب والإداريون والتجار ... الخ . كما لاحظنا هيمنة السلطان على التجارة من خلال التنظيم الدقيق الذي كان يسيطر به سلاطين دار فور على التجارة ، وكان السلطان اكبر تاجر في السلطنة . هذا إضافة لازدهار وتطور التجارة الداخلية والخارجية والعائد من السلع الكمالية التي كانت تهم السلاطين واصحاب النفوذ والفئات المتيسرة .

هوامش القسم الأول
أولا : هوامش ملكية الأرض – الزراعة - الرعي
1- نعوم شقير : المرجع السابق ، ص 152 –175 .
2- د . محمد إبراهيم أبو سليم : المرجع السابق ، ص 75 .
• للمزيد من التفاصيل حول هذه السمات راجع محمد علي نصر الله : تطور نظام ملكية الأراضي في الإسلام – نموذج أراضي السواد ، دار الحداثة بيروت ، ط2 1985 .
3 – آدم الزين : التراث الشعبي لقبيلة المسبعات ( شرق الفاشر ) سلسلة دراسات في التراث السوداني ( 10 ) الخرطوم ، شعبة أبحاث السودان ، كلية الآداب جامعة الخرطوم ، مارس 1970 ص 12 – 18 ، في د . أحمد عبد الرحيم نصر : رصد دراسة لبعض جوانب السيرة الهلالية في السودان ، في مجلة الدراسات السودانية ، معهد الدراسات الآسيوية – والإفريقية ، عدد ( 1 ، 2 ) مزدوج ، المجلد الثاني ، اكتو بر 1988 ، ص 102 .
4 – سمير أمين : الصراع الطبقي في إفريقيا ، مجلة الفكر المعاصر مايو 1979 ، ترجمة بيومي قنديل .
5 – للمزيد من التفاصيل راجع محمد عمر التونسي : ( تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان ) ، تحقيق د . خليل محمود عساكر و د . مصطفي محمد مسعد ، ومراجعة د . محمد مصطفي زيادة ، القاهرة 1965 .
6 – محمد عبد الرحيم : النداء في دفع الافتراء ، الجزء الأول, يوليو 1952 ، ص 40 .
7 – للمزيد من التفاصيل عن أنماط الإنتاج الرعوية : راجع د . عبد الغفار محمد أحمد وآخرون : تنمية واستقرار الرحل ، دار جامعة الخرطوم للنشر ، بدون تاريخ .
ثانيا : هوامش التجارة :
1 – د . أبو سليم : الفور والأرض ، ص 13 .
2 – Ofahey and Spaulding : Kingdoms of Sudan ( London 1974) P . 160 .
3 – محمد عبد الرحيم : المرجع السابق ، ص 46 .
4 – نفسه
5 – نفسه ص 46 – 47 .
6 – Ofahey and Spaulding , P .160
7 – محمد عبد الرحيم : المرجع السابق ، ص 47 .
8 – Ofahey : Religion and trade in Sultanate of Dar Fur , in Sudan in Africa , ed. and introduced by Yousif Fadl , U . of . K , 1985 , P . 87 . –
9 – تاج السر عثمان : لمحات من تاريخ سلطنة دار فور الاجتماعي ، مركز محمد عمر بشير ، 2004 .
10 – Brown : Travels on Africa Egypt and Syria for the years 1792 to -1798 ( London 1799 ) ,P . 302 -304.
11 – شقير : المرجع السابق ، ص 162 – 163 .
12 – د ز محمد سعيد القدال : الإمام المهدي ( لوحة لثائر سوداني ) ، دار جامعة الخرطوم للنشر 1985 ، ص 5 .
13 – د . أبو سليم : الفور والأرض ، ص 79 .
14 – التونسي : تشحيذ الأذهان .. ص 239 – 296 .

ثالثا : هوامش الصناعة الحرفية :
1 – التونسي : المرجع السابق .
2 – المرجع السابق ، ص 314 .
3 – مر جريت شيني : موجز لتاريخ السودان إلي سنة 1500 م ، ص 11 .
4 – إبراهيم إسحاق إبراهيم : تحقيق وثيقة سلطانية من دار فور خطاب إلي السلطان محمد الفضل إلي والي مصر محمد علي باشا ، في مجلة الدراسات السودانية ، ديسمبر 1982 ، ص 60 .
5 – للمزيد من التفاصيل راجع التونسي : المرجع السابق ، ص 268 وما بعدها .
رابعا : هوامش مصادر تراكم السلطنة .
1 – شقير : المرجع السابق ، ص 180 .
2 – انظر وثائق التمليك في د . أبو سليم : الفور والأرض ، ص 89 – 142 .
• مقابلة ومناقشة مع د . أبو سليم .
3 – التونسي : المرجع السابق ، ص 184 .
4 – د . أبو سليم : الفور والأرض ، ص 69 .
5 – نفسه : ص 70 .
خامسا : هوامش التركيب الطبقي :
1 – د . سمير أمين : الصراع الطبقي في أفريقيا : المرجع السابق .
• هناك تداخل بين السلاطين والملوك وملاك الأراضي لأن السلاطين كانوا أنفسهم أصحاب أملاك .
2 – للمزيد من التفاصيل راجع د . أبو سليم : الفور والأرض ص 85 .
3 – د . أبو سليم : الفور والأرض ، ص 86 .



سادسا :هوامش خصوصية وسمات التشكيلة الاجتماعية :
1 – للمزيد من التفاصيل عن نمط الإنتاج الخراجي راحع د . سمير أمين : التطور اللامتكافئ ( ط4 دار الطليعة بيروت 1985 ) ، ترجمة برهان غليون ، ومصطلح نمط الإنتاج الخراجي اقترحه الماركسي الياباني حيروهو باكو كمفهوم أفضل من مقولة الرق والإقطاع الكلاسيكيتان في بلاد الشرق وكمصطلح اكثر دقة من مصطلح نمط الإنتاج الآسيوي : أنظر : حول نمط الإنتاج الآسيوي ( مجموعة من الكتاب ) ، دار الحقيقة بيروت 1972 ، ص 74 .
2 – نمط الإنتاج الآسيوي : المرجع السابق ، ص 32 .
3 – راجع أبو سليم : الفور والأرض ، ص 61 .
• ألحوا كير : جمع حاكورة ، والحاكورة لفظها عربي ، و اللفظ الفوراوي المقابل له هو رو( Ro )، روتا ( Rota ) ، وهو يأتي من الحكر ، أي أن يحوز الرجل أرضا ويستغلها دون أن يكون له حق الملكية المطلق ( راجع د . أبو سليم : الفور والأرض .
4 – نفسه ص 64 .
5 – نفسه ص 64 .
6 – نفسه ص65 .
7 – التونسي : المرجع : المرجع السابق .
8 Ofahey and Spaulding : P .161
9 – وثائق التمليك الوثيقة ( 25 ) ص 136 ، في د . أبو سليم : الفور والأرض .
10 – نفسه ، ص 20 .















القسم الثاني
البنية الثقافية – الفكرية : -
أولا – النظام السياسي والإداري ( الدولة والجيش ) .
ثانيا– نظام القضاء .
ثالثا– انتشار الثقافة الإسلامية .
رابعا– المرأة .
خامسا– نماذج من الفن والتقاليد والأساطير .







أولا – النظام السياسي والإداري:
كان نظام الحكم من النوع المركزي الملكي المطلق عكس ما كان الحال عليه في مملكة الفونج ، يقول شقير ( كان السلطان الأول لما اخضع ملوك البلاد قد خلعهم من مناصبهم وولى على البلاد نوابا من أهلها وجعل مع كل نائب عدة شراتى أو مد راء ومع كل شراتى *عدة دما لج أو مأمورين ومع كل دملج عدة مشايخ بلد ، بقى هذا النظام معمولا به إلى أيام السلطان موسى ، فرأى عدم الإخلاص من النواب الوطنيين ، فعين عليهم أربعة مقاديم من رجال حاشيته الإحصاء في كل جهة من الجهات الأربع مقدوما وجرّد النواب من السلطة ، الاانه أبقاهم في مراكزهم يحكمون بالاسم فقط ، واستمر هذا النظام إلى انتهاء السلطنة ، وكان تعيين المقدوم بفرمان خاص يقرأ على النواب والشراتى والدمالج ومشايخ البلدان والعربان واصحاب ألحوا كير وغيرهم ، ولباس المقدوم كلباس السلطان وإكرامه في ناحيته كإكرام السلطان وحكمه نافذ في كل القضايا حتى في القتل الافى في بعض الأحوال الخاصة ، فأنه يرجع في حكمه إلى السلطان ( 1 ) .
حاشية السلطان:
كانت حاشية السلطان تتكون من الآتي :
أ – وعليه إدارة شئون البلاد سياسيا واداريا وحزبيا .
ب – أبو شيخ : وهو كبير الخصيان ومقامه اكبر مقام في السلطنة ، إذ هو المرجع الأعلى لقانون دالي ، وله الفضل في الخلاف الذي يقع في حرم السلطان ، وهو مقدوم الشرف رسما والمحافظ على نحاس السلطنة .
ج – من رجالات الإدارة المركزية : ملك الفاشر أو محافظها ، ملك الجباة ، ملك الحدادين ، كما كان لكل سلطان من سلاطين دار فور وكيل رسمي من ذرية السلطان شاودورشت يسمى ( الكامنة ) ، وفى دار السلطنة من في بيدهم الحل والعقد الميارم * أخوات السلطان والحبو بات جدات السلطان ، وفيها رهائن النواب المسلمين ورهائن ملوك الوثنيين السبعة ، وكان كل من هؤلاء الملوك يرسل ولىّ عهده ليكون رهينة عند السلطان فيجعله السلطان في خدمته ويعوده على طاعته ويعلمه القراءة والكتابة ، حتى إذا ما مات الملك أعطي السلطان ولىّ عهده كسوة فاخرة وعكازا وطاقية مقصبة بقرنين ونعلين ونقارة ونحاس وولاه بفرمان خاص على بلاده في مكان سلفه ، وكان على كل ملك من هؤلاء الملوك جزية سنوية معلومة من الرقيق والسمن والعسل . ومعلوم أن أول من وضع أسس السلطنة في طورها الإسلامي هو السلطان سليمان سولونج ، ثم جاء بعده ابنه موسى الذي نظم ملكية الأرض ، ولكنه لم يترك إلا أثرا ضئيلا في اتساع السلطنة. ويفيدنا الشاطر يصيلى ببعض الاختلافات بين التنظيمات في السلطنتين الفونجية والفوراوية من ناحية الوظائف والإقطاع ، وعلى أي حال فقد كانت سلطنة دار فور تستمد أسس تنظيماتها من الغرب الإفريقي بينما كانت سلطنة الفونج تأخذ بتنظيمات اكثر عربية مع قبول بعض التقاليد المتوارثة ( 2 ) ، ولكن لا يكفى أن نقول أن سلطنة دار فور كانت تستمد تنظيماتها من الغرب الإفريقي ، فالسلطنة شأنها شأن سلطنة الفونج كانت لها تقاليدها المتوارثة ، بالإضافة إلى تفاعلها مع بلدان المشرق .
ولاية الملك :
من التقاليد المتوارثة أن الملك المختار ( من داخل البيت الحاكم ) لولاية العرش عليه أن يحتجز في بيته لسبعة أيام ولاتصدر عنه أوامر في أي صورة من الصور ، عليه بطبيعة الحال أن لا يحضر مجلس القضاء ، وان لا يقبل أي دعوة ، وقد حافظ السلاطين على هذه العادة ، عادة الاعتكاف لسبعة أيام قبل ولاية العرش إلا السلطان عبد الرحمن ، فانه قد خرق هذه العادة بحكم الشرع الإسلامي والظرف الطارئ . ويرى الشاطر بصيلى أن هذه العادة : ترجع إلى عهود ما قبل الإسلام وأنها ترمز إلى قدسية السلطان ، وان بقاءه في الاعتكاف لهذه الفترة تهدف إلى تصفيته روحانيا قبل ممارسة الحكم ( 3 ) ، كما أشار اركل أيضا إلى تقديس سلاطين دار فور ، فكان الأهالي يحجون إلى قبورهم ، كما كانوا يعتقدون أن أولئك السلاطين يجلبون الحياة والموت والصحة والمرض ، كما كان السلطان مصدرا لخصوبة الأرض لذلك فقد يقوم بافتتاح موسم الزراعة ( 4 ) .
إذن سلاطين دار فور لم يستمدوا شرعية حكمهم بالقهر والقمع فقط ، بل أيضا استندوا في حكمهم على تلك التقاليد والمعتقدات ونشير أيضا إلى أن السودان القديم في ممالك نبتة ومروى عرف حكم الملوك ألا لهه ، كما عرفت كثير من شعوب العالم الحكم بالحق الإلهي بأشكال وصور مختلفة . وبعد خروج السلطان من الاعتكاف تقوم على استقباله مجموعة من الحبو بات ( السيدات الكبار ) ، وعلى رأسهن ملكة الحبو بات وتحمل كل منهن قطعتين من الحديد تعرف بالكرباج ،ويضربن بعضها على بعض ليحدث منها صوت وتمسك واحدة منهن قبضة من سعف ابيض ومعها ماء أضيفت إليه بعض المواد لم يكشف عنها . فتدخل الحبوبة السعف في ذلك الماء وتردد بعض التعاويذ وترش بالماء الذي علق بالسعف على السلطان ، ويسير السلطان في وسطهن على قدميه ووراءه كبير أخواته ومن ورائها جمهور من الجواري اللابسات أبهى الحلي والحلل ومن خلفهم وعلى جانبهن الخصيان حاملين السياط والسلطان نفسه مكمم بقطعة قماش ، يمسك بطرفها من خلفها كبير أمنائه ، ويمشى الهوينا إلى مكان النحاس ( النقارة ) وتقدم إليه عند وصوله إلي النحاس قطعة من عظام ضلع الماشية التي أعدت لهذا الغرض بمعالجتها للاستعمال في ضرب النحاس ، وتشمل معالجة الضلع إن يكون قابلا للكسر عندما يضرب به السلطان النحاس ، فإذا انكسر الضلع كان ذلك نصرا وسلاما وتزغرد النسوة ويضرب النحاس وإلا أوجس جمع الحاضرين شرا .
ويذكر التونسي : إن الحبو بات يطفن بالسلطان في البيت ثم يتوجهن إلى الدار من النحاس ويأتين بالنقارة المعروفة باسم ( المنصورة ) فيقفن حلقة حول هذه النقارة والسلطان وحده معهن ويضربن بالكرابيج على بعضها البعض ويرتلن التعاويذ التقليدية الخاصة بهذا الموقف وبعد ذلك يرجعن بالسلطان إلي كرسى الملك ( الككر ) ، وبعد جلوسه على العرش تدخل إليه الشكاوى ، ويصدر الأحكام من المسطبة . وللدخول على السلطان مراسيم خاصة منها انه لا يسلم على أحد صغيرا أو كبيرا عظيما أو فقيرا – والكلام – إلا عن طريق ترجمانه ، فإذا دخل قوم على السلطان حثوا على ركبهم ثم يتقدم الترجمان ويسميهم واحد بعد واحد إلي أخرهم .
ويقول الشاطر بصيلى : ( والسلطان يملك السلطة التامة على رعاياه ، فإذا قتل منهم أحدا لا يسأل ، وإذا عزل ذا منصب لا طلب منه إبداء الأسباب للعزل ، فهو كامل التصرف في كل ما يريده وإذا أمر أمرا لا يرجع فيه ،ولو كان منكرا ، ولا من الشفاعة لاترد له كلمة ) . وبرى الشاطر بصيلى : أن هذه صورة واضحة لتقليد ألوهية الحكام على نفس الأسس التي قامت عليها في حوض النيل الأوسط في عهد الملكيات القديمة إلى السلطنةالسنارية مع تعديلات طفيفة ( 5 ) . العوامل المؤثرة على النظام السياسي : -
تأثر النظام السياسي في السلطنة بالحروب والتوسع الجغرافي نذكر منها : -
أ – حروب السلطان احمد بكر الذي بدأ في التوسع في اتجاه الشمال والغرب وهو الذي نظم السلطنة في صورة جديدة تحت ظروف هذا التوسع وشجع العلماء وتجار النيل للحضور إلي بلاده .
ب – ظل الاتساع إلي الغرب حتى جاء السلطان تيراب وحول اتجاهه إلي الشرق ونقل العاصمة من جبل مرة إلي بلدة موية قرب كبكابية وقد اتسع في عهده نطاق التأثير الإسلامي ، وظهرت الألقاب الإسلامية كالأمير والوزير والقاضى ، وبعد ذلك بدأت تظهر جماعات لا تعتمد على الانتماء لسلالة الفور بل على الولاء الخالص ، وعلى كفاءتها في العمل ( اوردكا ومحمد كرا ) ، وظهرت ألقاب جديدة كالأمين والوزير وبمراكز جديدة لم تكن معهودة لانهم يمثلون وضعا جديدا في تنظيم الدولة .
ج – صراعات الحدود بين السلطنة ووداى .
د – الصراع حول إقليم كردفان وتارة ضد المسبعات ، وتارة ضد الفونج وتارة ضد المصريين .
هذا إضافة إلي الصراعات الداخلية : مثل الصراع بين السلاطين والبقارة في جنوب دار فور وشرقها ، مما أدى إلي إرهاق السلطنة إرهاقا عظيما في سبيل إرغام هؤلاء على الخضوع لها .
وفى عهد السلطان عبد الرحمن الرشيد استمر الاتجاه نحو المركزية في تنظيم الدولة والاعتماد على الجيش بدل وجهاء الأقاليم وزعماء القبائل كما أن تأثير الإسلام قد زاد بفضل النفوذ الذي حظي به الجيش بدل وجهاء الأقاليم وزعماء القبائل ، كما أن تأثير الإسلام قد زاد بفضل النفوذ الذي حظي به الفقرا والعلما وفى عهد السلطان محمد الفضل استولت القوات التركية – المصرية على إقليم كردفان التابع لسلطنة دار فور ، وكان ذلك بداية اضمحلال السلطنة .
ومنذ عام 1821 م دخلت السلطنة في مرحلة الحصار الشامل والذي بلغ قمته في عهد السلطان محمد الحسين الذي تدهورت في عهده الأحوال الداخلية واشتدت الصراعات على السلطة والنفوذ ،وارهق ولاة الأقاليم كاهل الناس نتيجة لعدم قدرتهم على تغيير الفاسدين والمستبدين منهم ، واستمر هذا الوضع حتى زالت السلطنة على يد الزبير باشا رحمة في عهد السلطان ابر أهيم قرض في عام 1874 ( 6 ) .


الدولة في سلطنة دار فور :
استندت الدولة في دار فور في تركيبها إلى الشريعة الإسلامية والأعراف المحلية ، وهى امتداد وتطور للدويلات أو الممالك السابقة التي بدأت تظهر في المنطقة قبل الإسلام مثل ممالك الداجو والتنجر . ويرى د . سمير أمين أن ( الدولة في غرب إفريقيا كانت قد ظهرت إلي الوجود في القرن العاشر والتاسع عشر ، غطت الدولة منطقة غرب إفريقيا ، مالي ، ممالك اولوف ، سونغاى ، بامبارا بيل ، هوسا ، موسى ، ساركوا ، انشانتى ، لوروبا ، الخ ( 7 ) . ومعلوم أن الدولة تظهر كعملية طويلة معقدة مع تفكك المشاعة البدائية ، وظهور أول انقسم طبقي ، أي مع ظهور الفوارق الطبقية ، لان الدولة ماهى إلا الأداة التي تسيطر من خلالها طبقة ما على طبقة أو طبقات أخرى ، ولا تخرج دولة الداجو ودولة التنجر ودولة الفور على هذا القانون العام للتطور الإنساني مع اخذ خصوصيات ونشؤ كل دولة في الاعتبار وتداخل وتفاعل العوامل الاقتصادية والطبقية والسياسية والدينية التي تؤدى إلى نشؤها .
إذن يمكن القول ، بأن دولة الفور في شكلها الإسلامي كانت مرحلة أرقي في تطور الدولة في تلك المنطقة ، وإذا قارنا دولة الفور بدولة الفونج نجد أن دولة الفونج أكثر تقدما من دولة الفور لأن دولة الفونج استندت إلى حضارة سابقة كمثل حضارة كرمة ، نبتة ، مروي ، وممالك النوبة المسيحية ، والتي شهدت ظهورها منذ أقدم دولة سودانية في عام 2000 ق .م ، وهي مملكة كرمة . كما اتخذت دولة الفونج الشكل اللامركزي ، بينما أخذت دولة الفور الشكل المركزي أو نظام الحكم الملكي الاستبدادي المطلق ، والذي يعكس مرحلة متخلفة في تطور الدولة على النطاق العالمي . كما توجد بعض نقاط الشبه عندما يعيّن سلطان الفور ملكا جديدا أو شيخا جديدا علي أحد الأقاليم التابع له مع الفونج . وسلطان الفور كان عندما يعيّن ملكا جديدا كان يعطيه كسوة فاخرة ، وعكازا وطاقية مقصبة بقرنين ونعلين ونقارة ونحاس ، للجلوس على الككر، والمشترك هنا الككر والطاقية أم قرنين.
علي أن القوة الحاسمة في تركيب دولة الفور كانت قوة السلطان الذي كان يتمتع بنفوذ مطلق ، أما الجهاز الذي يليه رغم تضخمه ورغم كثرة الألقاب فلم يكن أكثر من معاون ومنفذ لمشيئة السلطان . فدولة الفور كانت دولة ملكية استبدادية ، وحكم السلطان فيها كان نافذا ومطلقا ، وبالتالي ، فإن تلك الدولة كانت طبقية ، وتعبر عن مصالح السلطان والشريحة الحاكمة وأصحاب ألحوا كير، إضافة لوظائفها الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .


الإدارة والتنظيم :
كما أشرنا سابقا ، فإن أول جهاز وضع لإدارة الدولة كان في عهد السلطان سليمان الذي خلع ملوك البلاد الأصليين وولي من أهل البلاد نوابا ينوبون عنه في مباشرة السلطة والإدارة في الأقاليم ، وقد جعل لكل نائب عدد من الشراتي وجعل تحت كل شراتي عددا من الدمالج وجعل تحت هؤلاء مساعدين آخرين . ثم جاء تعديل آخر في عهد السلطان موسى إذ قسّم السلطنة إلي أربعة أقسام وجعل علي كل قسم مقدوما من قبله ، وقد عيّن المقدومين من رجال حاشيته مجردا النواب من كل سلطة أو قوة ، إلا ما يأتيهم من قبل المقدومين ، وكان في رجال حاشيته يمثلون وظائف مركزية مهمة ، كالوزير والقاضي وأبو شيخ والأخير كان في الوقت نفسه حاكم الولاية الشرقية والمرجع الأعلى لقانون دالي ، ذلك المرجع القانوني المعتمد للفور ورئيس أمور حاشية السلطان . اهتم الفور بالتوثيق والأختام ( 8 ) . كما استخدموا اللغة العربية التي كانت مزيجا من الفصحى والدارجة ( 9 ) ، ويرى الباحث علم الدين عمر : أن هناك تأثيرا واضحا من قبل مملكة كانم برنو علي لغة ونشاطات بعض الجماعات القاطنة في إقليم دار فور فكلمات مثل ( ميرم ) بالنسبة لامرأة السلطان ، وكلمة ( فاشر ) من له علاقة بالسلطان ، وكذلك الهيكل الإداري لممالك دارفور القديمة ، كل ذلك يوضح تأثير ثقافة مملكة كانم برنو التي تقع غربهم مباشرة ( 10) وبدون التقليل من أهمية التأثير الخارجي ، نأخذ في الاعتبار التطور الباطني لممالك دار فور القديمة ، وما راكمته من تجارب في الإدارة والتنظيم والثقافة .
سلطنة دار فور والعالم الخارجي :
يقول شقير ( كانت سلطنة الفور مستقلة عن دول الأرض كلها لا تدفع الجزية لأحد ماعدا الحرمين الشريفين ، فإنها كانت تخدمها بمحمل وصرة كل سنة ، وكان موكب المحمل يأتي إلى مصر ومعه الريش والسن والصمغ وغيرها من خيرات البلاد فيبيعها ويتم بثمنها نقود الصرة ، يستطرد الحج إلي الحرمين مع الراكب المصري (11). وكمثال جاء في وثائق من دار فور بعنوان إرسال ألف ريال للمدينة جاء فيها : ( من أمير دلوت فور السلطان إبراهيم المعتصم بالله تعالي آمين إلي حضرة المتسلم كبير الأغوات خادم الحرم بالمدينة المنورة دام عزه آمين ، بعد السلام عليكم فنحن نحمد الله طيبين الذي أوصل لكم ألف دينار وباقي الصرة ، يصير تفريقها علي الحاج إدريس بموجب القائمة التي تحت يده والسلام ) ( 12 ) .
الجيش :
يمكن أن نتحدث عن مرحلتين في تطور جيش السلطنة :
1 – في البداية لم تعرف السلطنة الجيش النظامي المركزي ، وكان سلاطين الفور إذا أرادوا جمع الرجال للحرب أصدروا أمرهم إلى المقاديم الذين بدورهم يصدرون الأمر إلى الشراتى ومشايخ البادية ، فجمعوا عددا معلوما من الرجال علي نسبة عدد بلادهم حتى إذا اجتمع العدد المطلوب ساقهم المقاديم بأنفسهم إلى ساحة الحرب ، وكانت الأسلحة غالبا تتكون من السيوف والحراب والدرق .
2 – عندما تولي السلطان حسين ، نظم جيشا من عبيده وسلحهم بالبنادق المعروفة بأبي روحين ، وجعل عليهم عددا يقال له ( خبر قريب ) قومندانا ، وبقي هذا الجيش إلى زمن السلطان إبراهيم فحارب به الزبير باشا ( 13 ) .
وكانت مرتبات قادة الجيش والجنود تتم في شكل إعطاء الأراضي التي يعيشون من إنتاجها وخراجها . ومع اتجاه السلطنة للتوسع شمالا وشرقا وغربا زادت الحاجة إلى جيش دائم في المركز وتأمين حياة مستقرة له . وكانت وظائف الجيش معلومة ، فهو أداة السلطنة للتوسع الخارجي وأداة قمع للمعارضة الداخلية وذراع السلطنة المسلح لفرض إرادتها ، الملاحظة الهامة هنا أن جيش سلطنة دار فور كان متطورا من الناحية التقنية باستخدامه الأسلحة النارية ، عكس جيش سلطنة الفونج الذي كان قاصرا فقط علي الأسلحة البيضاء ومعلم أن الفونج لم يعرفوا الأسلحة النارية بشكل واسع في الجيش ولكن ترد إشارات إلى أسلحة نارية ( البندق ) في وصف الرحالة بونسية الذي زار سلطنة سنار عام ( 1698 – 1699 م ) ، كما وردت في الطبقات باسم ( البندق ) ، وهو السلاح الناري الذي تم اكتشافه في أوربا في القرن السادس عشر ونستنتج من ذلك أن تاريخ دخول السلاح الناري للسودان يرجع إلى القرن السابع عشر ( 14 ) . وكانت هذه التقنية الجديدة يمتلكها بشكل محدود السلاطين والملوك وكبار رجال الدولة والتجار . أما الفور فقد توسعوا في استخدام الأسلحة النارية حتى سلحوا جيشهم بها .

ثانيا - نظام القضاء :
معلوم أن نظام القضاء في سلطنة الفور كان يقوم علي الشريعة الإسلامية والأعراف المحلية . يقول د . أبو سليم ( في سلطنة الفور طبقت الشريعة الإسلامية ما أمكن ، ولكن الحكم بمقتضى العرف كان هو الغالب ، وقد سبق الفور غيرهم من السودانيين في أمر العرف من عدة أوجه ، ولعل ذلك لأن نظامهم كان نظاما مركزيا في حين أن نظام الفونج ومن تحتهم كان نظاما لا مركزيا . إذا صح لنا أن نستعير هذه الاصطلاحات العصرية ، لقد سبقوا غيرهم عندما نظروا في عرفهم القديم وأخضعوه لحالهم فأسقطوا منه ما كان قبيحا ومنعوا تداوله وعدلوا فيه ما كان مستحقا للتعديل ، وقد تم ذلك علي يد السلطان ( دالي ) فيما يقال ، وقد سبقوهم عندما دونوا هذا الذي انتهوا إليه في سجل معروف هو قانون دالي ، وقد تم ذلك علي يد السلطان ( دالي ) * أيضا فيما يقولون ، ثم سبقوهم ثالثا عندما جعلوا لهذا القانون حفيظا هو الأب الشيخ ( 1 ) . أي أن الأحكام العرفية كلها جمعت في كتاب عُرف بقانون( دالي ) ، وهو بمثابة القانون الجزائي وكان القائم بتنفيذه المقاديم ومن هم دونه من الحكام بالاتحاد مع أصحاب ألحوا كير والقبائل والقاضي الأعظم الذي يرجع إليه في هذا القانون هو كبير الخصيان الملقب بأبي شيخ . ويلخص لنا شقير أحكام هذا القانون في الآتي : -
أ – إن الملك يكون وراثيا للابن الأكبر ، إلا إذا كان الأكبر غير لائق للحكم فيولون غيره ممن فيه اللياقة من العائلة المالكة .
ب – قصاص السارق غرامة ست بقرات أو ما هو ثمنها ، فإذا لم يقدمها حبس إلى أن يفتد به أهله ( لاحظ أن القانون أخذ بالعرف ولم يأخذ بالشريعة الإسلامية أو حد القطع ولا بسجن محدد ) ج – قصاص القاتل القتل إذا كان القتل عمدا ، وإلا فدفع الدية مائة بقرة إذا كان من البقارة ( رعاة البقر ) أو مائة بعير إذا كان من ألا بالة (رعاة الإبل).
د – الزاني إذا زني بمحصنة فغرامته ست بقرات أو بأيم فبقرة واحدة ( هنا أيضا تم الأخذ بالعرف ولم يتم الأخذ بالشريعة الإسلامية ) .
ه – قصاص الضارب ، فغن كان في الضرب جرح فغرامة ثوب من الدمور ، وإن لم يكن جرح فنصف ثوب وهكذا جزاء الشاتم .
و – قصاص شارب الخمر الجلد ثمانين جلدة وكسر أواني الخمرة في بيته ( ويلاحظ شقير ومع ذلك لا ينقطعون عن تعاطي الخمرة لأنهم مولعون بها ) .
ز – إذا حصل حريق في الصحراء في العشب الذي ترعاه المواشي غرمت أقرب بلدة إلى الحريق علي حساب بقرة لكل درقة ، ذلك سواء كان الحريق من أهل البلدة أو من طارئ مفاجئ ، والمزاد بتعميم هذه الغرامة منع الناس عن إحراق الزرع وتحريضهم حتى إذا ما شبت حريقه في جوارهم أسرعوا إلي إطفائها في الحال لئلا تتسع فيتسع الجزاء عليهم .
ح – في دار فور خرافة قديمة عند بعض العجائز مؤداها انه لا يخصب لهن زرع إلا إذا قتلن شخصا بسم حية ، ولكن قانون دالي يعاقب علي هذه الجريمة بأعظم عقاب ، وذلك بتصدير مال القاتلة إلى خزينة السلطنة وإحراق بيتها ثم لفها بحصير من شوك وضربها بالعصي إلى أن تموت .
ط – أما محصول الدالي ( عائد الغرامات ) فنصفه للسلطان والنصف الباقي لأصحاب ألحوا كير والمقاديم والشراتي علي نسب معلومة (2).
كان السلطان ينظر الدعاوى الهامة بنفسه في أغلب الأحيان ولم تنشئ الحكومة منصب الإفتاء ، ولمن يريد أن يستفتي في مسألة أن يسأل عالما من العلماء ( 3 ) في المسائل الشرعية ، ولم تجعل سلطنة للقضاة رواتب ، بل كان لهم من الملك ما يغنيهم عن ذلك فالقاضي لا يقربه أحد من الجباة ولا يدفع شيئا لخزينة الدولة مما يجب أن يدفعه الأهالي من زكاة وفطرة وغير ذلك ( 4 ) ، كما كان السلاطين يكرمون هؤلاء القضاء ويمهرونهم ألحوا كير والعربان بحجج مختومة للانتفاع بريعها وأهلها في الزراعة ، ولذلك فانه قد كان القاضي يظهر دائما بمظهر طيب في مأكله وملبسه ومسكنه ،وكان القاضي يرتدى جبة وقفطانا من أجود واردات القطر المصري ويلبس الطربوش المغربي من غير أن يضع عليه عمامة ، كما كان جل القضاء من خريجي الأزهر الشريف ، إذ ذهب كثير من الطلاب حين ذاك إلى الجامع الأزهر في مصر لتلقى العلم ( 5 ) . وكان مذهب المحاكم هو مذهب الإمام مالك .
القضاء العرفي : -
كما عرف الفور القضاء العرفي الذي كان بقوم به الأجاويد في القرى والبوادي ، وكان من مواد القضاء العرفي كما لخصها مولانا حسين سيد أحمد المفتي علي النحو التالي :
أ – حرمان النساء من الإرث .
ب – كل من يسرق يحاكم بغرامة مقدارها ست بقرات .
ج – كل من يزني بغير متزوجة فيحاكم بغرامة قدرها ست بقرات ( المادة نفسها في قانون دالي )
د – جزاء القاتل الدية وهي من البقر مائة ، إذا كان القاتل من ملاك البقر ، وإذا كان من أصحاب الإبل فالدية مائة بعير .
ه – كل من يضرب غيره ضربا مبرحا بكسر العظم أو يهشم اللحم بحاكم بغرامة هي ثوب من الدمور ، فإذا كان الضرب غير مبرح فالغرامة نصف ثوب من الدمور .
و – كل من يشتم غيره شتيمة فظيعة فغرامته ثوب من الدمور ، فإذا كانت الشتيمة غير فظيعة فالغرامة نصف ثوب من الدمور .
ز – لاعقاب علي الجرائم التي تقع بين الصغار بعضهم علي بعض ، ويقال لهذه الجرائم في عرفهم ( فراشة ) .
ح – لا عقاب علي الذي يأخذ من بهائم غيره بغرض ذبحها في وليمة عرسه بشرط أن يكون العدد المأخوذ في حيز المعقول . ( 6 ) .
القضاء في كردفان :
يقول مولانا المفتي ( وانه وان كانت منطقة كردفان قد أصبحت أخيرا ولاية تابعة لسلطنة دار فور ، إلا أن نظام القضاء فيها يختلف قليلا عما هو عليه في دار فور ، فقد كان القضاء في كردفان مع بساطته مستقلا استقلالا تاما في عهد سلطنة المسبعات ، ومن المعروف أن المسبعات هم سلاطين فور من جد واحد ، ففي الوقت الذي تولي فيه الفور سلطنة تولي المسبعات السلطنة في كردفان . ثم احتل سلاطين دار فور كردفان في أوائل القرن التاسع عشر الهجري وعينوا فيها حاكما من قبلهم وهو المعروف بلقب ( المقدوم ) ، وهذا المقدوم يرجع بأحكامه إليهم ( 7 ) . وكان العلماء في كردفان يتولون الفصل بين الناس ويسمون بعلماء الشريعة البيضاء . وبعد احتلال سلاطين دار فور في أوائل القرن الثالث الهجري كردفان ، دخل القضاء في عهد جديد في نظامه ودقته لايقل عن نظام القضاء في سائر البلاد الإسلامية ، فعين سلطان دار فور قاضيا عاما لدار كردفان ، وجعل مقره الأبيض وأمره بالقضاء بين الناس بالعدل ، وفي الوقت نفسه ، فإنه لم يمنع علماء الشريعة البيضاء من مباشرة القضاء كما كان الحال سابقا قبل الاحتلال ، غير أنه قد جعل قبول أحكام هؤلاء العلماء اختياريا ، فإذا لم يقبل الخصوم بأحكامهم فعليهم المثول أمام قاضي عموم كردفان للنظر في قضيتهم ( 8 ) . وهذا أيضا كان في دار فور ، وفي المنازعات بين الملوك يجلس القاضي أو المحكم ممثلا للسلطان للنظر فيما يتصل بالجانب الشرعي ، وفريق حفظة العرف وأهل المعرفة بالمنطقة الذين يفتون فيما يتصل بالعرف والأوضاع المحلية . وفي قضايا الأرض يجب علي الشخص الذي ينظر في القضية أن يحمل تفويضا من السلطان ، لأن السلطان هو مصدر السلطة ( وهذا الناظر يسمي محكما ) . وهو إما أن يكون من القضاء مثل محمد السنوسى أبي الحسن ، أو يكون خارج القضاء ، وفي كل الحالات لابد أن يبين المحكم الصفة التي يستمد بها السلطة القضائية من السلطان ( 9 ) .
ويبدو من وثائق الفور والأرض أن بعض أهل المناصب كانوا مختصين بالنظر في القضايا وأول هؤلاء بالطبع هم القضاة ، وهم من طبقة الفقرا والعلما ويجلس مع المحكم العلما للجوانب الشرعية وحملة العرف والتقاليد من أهل الجهة المعروفة بالحدود وبالأوضاع المحلية وبالأوجه التي يحددها العرف والتقاليد ( 10 ) . وضع العلما وأهل العرف استشاري بحت ، وفي مجال رعاية شئون المواطنين وحفظ الأمن استند الفور علي أعرافهم المحلية ، ونذكر علي سبيل المثال تنظيم ( الورناق ) عند المسا ليت ، وهو تنظيم ديمقراطي إذا جاز استخدام هذا المصطلح الحديث ، لشباب وشابات القرية أو مجموعة قرى في دار مسا ليت ، والكلمة أصلا تطلق علي قائد التنظيم الشبابي تزامله في هذا التنظيم الدقيق امرأة من ( الميارم ) ، أي من أصل له علاقة بالسلطة ، ويطلقون عليها في تنظيم الورناق ( أم شوشية ) ، أي الشيخة ويتم اختيار كليهما بصورة ديمقراطية مباشرة . معايير الاختيار هي الالتزام بأعراف وتقاليد القبيلة الفاضلة ، الشجاعة ،الكرم ، نكران الذات ... الخ . ويشبه هذا التنظيم في جوانب عديدة التنظيم العسكري الحديث كوحدة القيادة ، الضبط والربط ، فعّالية الاتصال ، حماية التراث والمجتمع ( 11 ) . وهذا شكل متقدم لتنظيم الشباب مستمد من التقاليد والأعراف المحلية .
وخلاصة القول نرى أن الفور استنبطوا نظاما قضائيا متطورا استند في أحكامه علي الشريعة الإسلامية والعرف .


ثالثا - انتشار الثقافة الإسلامية :
معلوم أن الإسلام دخل دار فور من عدة اتجاهات منها :
أ – من بلاد النيل عبر كردفان .
ب – من مصر عبر درب الأربعين .
ج – من المغرب العربي عبر دروب الصحراء ومن بلاد السودان الغربي .
وانتشار الإسلام في سلطنة دار فور شبيه بانتشار المسيحية في ممالك النوبة من حيث الانتشار ثم من داخل البلاط الحاكم . وإذا قارنا دولة الفونج بدولة الفور نلحظ أن دولة الفونج الإسلامية قامت علي أنقاض ممالك مسيحية سابقة ،أي ممالك عرفت ديانة توحيدية ، علي عكس مملكة الفور التي قامت ديانات وثنية سابقة ، والفور مثلهم في ذلك مثل البجة عرفوا الإسلام كأول ديانة توحيدية . ونأخذ مثالا علي الديانات والأعراف السابقة التي كانت سائدة قبل الإسلام ، بل ظل بعضها مستمرا بهذا الشكل أو ذاك ، رغم انتشار الإسلام والمثال نأخذه من قبيلة البديات . وصف سلاطين باشا قبيلة البديات ، وذكر أنها قبيلة متعلقة بعادات وثنية ، ولها أعياد دينية تقع في أوقات غير معينة فيصعدون إلى التلال ويقفون علي القمة التي يطلونها بالجير ثم يذبحون أضحيا تهم . وحول نظام الميراث ذكر أن لهم عادات غريبة في الميراث ، فإذا مات أحدهم اجتمع أقاربه وحمله إلى قبره في الجبانة التي تقع خارج الحلة أو القرية التي يعيشون فيها ، فإذا دفن وقفوا مستعدين فتشارلهم إشارة خاصة فيعدون إلى بيت الميت متسابقين ، فمن بلغه قبل غيره غرز رمحه أو غرسه فيصير بذلك الوارث الوحيد لما ترك الرجل من مال ونساء ، ما عدا أم المتوفى وله الحق عندئذ في أن يتزوج النساء أو يسرحهن حسب حالته المالية, فإن عدد النساء يتوقف علي غني الرجل أو فقره ( 1 ) . ونفهم من ذلك أن النساء كن يورثن ، وأنه كلما كان الرجل غنيا كلما تزوج أكبر عدد من النساء وغير من الأعراف التي كانت سائدة قبل الإسلام . وقس علي ذلك الأعراف والديانات الوثنية التي كانت سائدة عند القبائل التي كانت سائدة عند القبائل التي كانت موجودة في دار فور قبل الإسلام .
ومن خصوصيات دخول الإسلام في دار فور انه دخل كدين ومعتقد ، ولم يكن مسنودا بهجرات عربية واسعة كما هو الحال في إقليم النيل حيث استغرقت هذه الهجرات حوالي اكثر من ستة قرون قبل قيام دولة الفونج . ومن علماء وفقراء دار فور الذين أسهموا في نشر الإسلام والثقافة الإسلامية فيها : محمد بن صالح الكناني الذي كان إماما للسلطان محمد دورا وهو من الحجاز ، وإدريس الذي جاء في عهد السلطان موسى وصار أبناؤه حفظة المقر القديم للسلطنة في طرة وهو من أولاد البحر ( أو من أهل النيل ) ، بالإضافة إلى مركزهم الديني المرموق ، وحسن الأحمر من كردفان وبعضهم من السودان الغربي من أمثال علي الفوتاوى الذي جاء من باقر مي في عهد السلطان محمد الحسين والفكي محمد من قبيلة الميما وعمر التونسي وابنه من تونس ( 2 ) ، ومعروف أن هؤلاء العلما والفقرا وغيرهم أنهم لعبوا دورا بارزا في سلطنة دار فور وفي المجتمع وكانوا يستمدون نفوذهم وقوتهم من نفوذ الإسلام الروحي ، يقول د . أبو سليم ( إن جماعة العلماء والفقراء ظلت تقف بعيدة عن السلطة لأن الفقير أو العالم لا يمثل قوة مادية أو سلطة دستورية أو كيانا إداريا كالوزير أو الجندي أو الأمين أو المقدوم ، ولكنها تساند السلطان باعتبارها قوة معنوية هائلة ( 3 ) .
أي أن النظام في سلطنة دار فور كان يعيد إنتاج نفسه بوسائل سياسية وقمعية ، واقتصادية ، وبوسائل روحية يلعب فيها العلما والفقرا دور ا أساسيا .
وبتفاعل الإسلام مع الأعراف المحلية نتج الإسلام المتميز بخصوصياته في دار فور ، أسهم العلما والفقرا في نشر الإسلام واللغة العربية كما هو الحال عند الفونج ، فكان في دار فور مساجد جمة في كل بلدة مسجد أو اكثر يعلم بها الكتابة والقرآن ، وكان لكل عالم مسجد قرب منزله يصلي به الصلوات الخمس ، وفي نصفه خلوات المجاورين يعلم بها العلوم الشرعية ، وله ( حاكورة ) هبة من السلطان يعيش هو وتلاميذه من ريعها . وكان أبناء دار فور يحضرون إلى مراكز العلم كالدامر والغبش وكترانج والحلفايا لتلقي العلوم الشرعية واللغة العربية ، كما كان بعضهم يذهب إلى مصر لتلقي العلوم في الأزهر ، وكان لهم رواق معروف برواق دار فور وكان سلاطين دار فور يشجعون نشر الإسلام واللغة العربية . ويروي المرتضي الزبيدي في مقدمة كتابه ( تاج العروس من جواهر القاموس) كيف أن سلطان دار فور قد بعث إليه بمبلغ جزيل من الذهب الخالص لكيما يغتني نسخة من هذا المؤلف الهام والتي تقارب أجزاؤه العشرين جزءا ، مما يعكس اهتمام سلاطين دار فور بالتراث العربي الإسلامي في ذلك الوقت من مصادره الأصلية ( 4 ) .
والفقرا والعلما كما هو الحال في سلطنة سنار* كانوا يلعبون دورا هاما في حياة الناس الدينية والاجتماعية ، والفقرا يتصدرون حفلات الزواج والمآتم ويعالجون بالأعشاب والبخرات المرضى ، كما يتدخل الفقرا والعلما في حل مشاكل اجتماعية كثيرة .


رابعا – المرأة :
كانت المرأة تلعب دورا هاما في مجتمع سلطنة دار فور وتقوم بأعمال الزراعة ، أعمال النسيج ، تربية الأطفال ، إعداد الطعام صناعة الفخار ، صناعة الخمور ، بناء المساجد ، وتشترك في الصيد أحيانا ، ويذكر التونسي أن الرجال لا يستقلون بأمر إلا في الحروب .
وكانت هناك عادة تعرف بالحضن وهي أن المرأة تسمح لمن أعجبها من الرجال أن يحضنها ، أي ينام معها علي طهارة حتى يتزوجها أو تتزوج بغيره ، وأهل المرأة لا يعترضونها ، أما إذا وطئها فترذل هي ومعشوقها ( 1 ) . ومن العادات التي لاحظها التونسي إبان رحلته إلى دار فور أن الرجل لا يتزوج المرأة حتى يصاحبها مدة وتحمل منه مرة أو مرتين ، وحينئذ يقال أنها ولود فيعقد عليها ، ومن عوا ئدهم أن النساء لا يحجبن عن الرجال حتى أن الرجل يدخل داره فيجد امرأته مختلية بآخر فلا يكترث ( 2 ) ، ويري د . عبد الحميد متولي : أن هذه العادات هي من رواسب نظام العشيرة الطوطمية التي تسود فيها الشيوعية الجنسية ، حيث تعد جميع نساء العشيرة مشاعة من الناحية الجنسية بين رجالها ولذلك ينتسب الابن إلي أمه ( 3 ) .
ولكن في تقديري ، أنه لا يجوز النظرة التبسيطية ، أو النظر من الخارج والحكم علي شيوعية جنسية أو فوضي جنسية ، فقبائل دار فور شأنها شأن جميع القبائل في العالم حكمتها أعراف وتقاليد كانت تنظم العلاقات الجنسية بين الرجال والنساء وهي لها تنظيمها الداخلي . ويري إدوارد وستر مارك أن الحياة الزوجية الحقة في الحقيقة لا تبدأ بين كثير من الشعوب عند الأشخاص الذين تزوجوا أو خطبوا رسميا أو لا يصبح الزواج نهائيا حتى يولد الطفل ، وتظهر دلائل الحمل بينما في حالات أخرى كما أوضحنا فعلا ، تكون العلاقات الجنسية ، وهي المؤدية إلي الحمل أو مولد الطفل يتبعها الزواج أو تجعل الزواج اضطراريا ( 4 ) . إذن قبائل دار فور ليست نشازا عما كان سائدا عند القبائل والشعوب الأخرى ( مثل ايرلندا ) .
وللحبو بات نفوذ في حفلات تنصيب الملوك في غرب السودان ( 5 ), وربما ترجع تلك إلى نظام الأمومة الذي كان للمرأة فيه احترام ونفوذ كبير كما كان الحال عند ملوك مروي حيث كان لهم نظام الملكة الأم ، وكذلك ملوك النوبة كان لأمهاتهم دور كبير في تسيير شئون الحكم ، والنساء في غرب السودان يشاركن الرجال في كل شئ إلا في الحروب ، ولا يتم عرس ولا حزن الابهن ، فترى النساء يحضرن في الأمور المهمة ، ومن ذلك الأذكار فتحضر حلقة الذكر امرأة تنشد لهم والنساء خلفها وقوف لا يتكلمن ، بل ينظرن أزواجهن وأقاربهن ليعلمن أيهن أحسن إنشادا ، وقد ينشد رجل والنساء يسمعن كبقية الرجال . وكانت لأخوات السلطان والحبو بات جدات السلطان والزوجة في دار فور نفوذ قوى في السلطنة ، ومثال لذلك ما أورده شقير أنه كان للسلطان حسين أخت تسمي أياباسي زمزم اشتهرت باتساع الثروة وكان لها نفوذ قوي في السلطنة ( 6 ) . وكانت المرأة المطلقة من البقارة ( مثل النوبة ) تذهب إلى خالها ، لا إلى والديها ، وربما كان ذلك من بقايا نظام الأمومة الذي كان للخال فيه دورا كبيرا ، وأهل دار فور لم يعرفوا عادة الختان الفرعوني حتى القرن التاسع عشر ، فالتونسي يقول عن أهل دار فور ( ومن عاداتهم ختن البنات ، ولكنهم في ذلك علي أقسام فمنهم من لايرى ذلك أبدا وهم أعجام الفور ، ومنهم من يخفض خفضا خفيفا كعادة أهل مصر وهو أكابر الناس ( يعني الخفض ) السني ، ومنهم من ينهك الخفض حتى يلتحم المحل ببعضه ( يعنى الخفض الفرعوني ) ، ثم سري الختان الفرعوني إلى عرب البقارة ، وكانوا من قبل يستخدمون الختان السني فقط ) .
وعند قبيلة الميدوب عادة ممتدة من نظام الأمومة ، وهي في حالة وفاة الملك عندهم كان يليه ابن أخته وهو النظام نفسه الذي كان سائدا في ممالك النوبة القديمة في شمال السودان ، وكما ذكرنا سابقا فإن الرجل في قبيلة البديات كان يرث ما خلفه المتوفى من مال ونساء كما أن للرجل الحق عندئذ في أن يتزوج النساء أو يسرحهن حسب حالته المالية ، فإن عدد النساء يتوقف علي غني الرجل أو فقره . أي أنه عند قبيلة البديات كان عدد نساء الرجل يتناسب طردا مع ثروته وعند قبائل دار فور أيضا ظاهرة عدم الاعتراف بتوريث النساء فالنساء ليس لهن الحق في الميراث حسب ما أوردنا في موضع سابق عن القضاء العرفي عند الفور ، وعند قبائل البقارة كانت المهور تدفع بالبقر ، فالبقر عندهم رمز الثروة والوجاهة الاجتماعية ومقياس الثروة يقاس بعدد ما يملكه الفرد من قطعان البقر وعند قبائل ألا بالة ( رعاة الإبل ) كانت المهور تدفع في شكل جمل أو ناقة ، فالجمل عند ألا بالة تدور حوله كل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفنية .
وكان في دار فور عادة تسمي (الحنبقة ) وهى أن يتفق الولد والبنت على الزواج ، وعندما يعترض الأهل يهربان إلى بلد آخر ويبرمان عقد الزواج بواسطة المأذون ، وهذه العادة نجدها عند قبائل أخري مثل الأنقسنا وقبائل جبال النوبة ( النيمانغ ، المورو ، ... الخ ) في جنوب كردفان . وفي دار فور عادة تسمي الخلع ، ويعني طلب المرأة الطلاق من زوجها مقابل دفع مبلغ معين من المال .
وهكذا نلاحظ الدور الكبير الذي كانت تلعبه المرأة في مجتمع سلطنة دار فور .


خامسا– نماذج من الفن والعادات والتقاليد والأساطير :
عندما نتحدث عن الفن والعادات والتقاليد والطقوس والأساطير كمكون هام من مكونات البنية الثقافية الفكرية يجب ألا نعزلها عن البنية الإنتاجية وعن أنماط المعيشة ، فالبنية الفوقية هي انعكاس معقد يؤثر ويتأثر بالبنية التحتية ( قوى وعلاقات الإنتاج ) ، كما أن لها استقلالها النسبي وليست انعكاسا آليا للبنية التحتية . وبالتالي نجد أن المستويات المختلفة من الفنون والعادات والتقاليد والأساطير لها علاقة بالأمطار التي بدونها تنعدم الحياة التي تعتمد علي الزراعة والرعي ،والأحجار والأشجار ومواسم الحصاد ، وبالحيوانات ( بقر, جمال،..) التي تشكل محور الحياة عند القبائل الرعوية ( البقارة ، ألا بالة ، .. ) وكل ما هو ضروري وأساسي لحياة الإنسان في ذلك الزمن الغابر وعن آمال وأحلام الإنسان في تخطي قوي وسيطرة الطبيعة .
ويذكر التونسي : أنه في جبل مرة سمع أن الجن ترعي مواشيهم التي ترعي في الكلأ بدون راع معهم ، ولقد أخبره عدة رجال ممن يظن صدقها أن الإنسان إذا مر بمواشيهم ورأي ألا راعي لها ، ربما طمع فأخذ منها شاة أو بقرة أو غير ذلك ، فإن ذبحها تلتصق يده بالسكين علي منحرها ويعجز عن مكانها حتى يأتي أرباب الماشية فيقبضون عليه يقول التونسي : ( ولقد تكرر علي سماع ذلك حتى بلغ من التواتر مع إني لا أصدقه ( 1 ) . ويلاحظ أن هذا الاعتقاد مرتبط بحماية الماشية من السلب والنهب .
ومن الملاحظ أيضا أن آثار تقديس الشجرة والحجر ظاهرة تكاد تكون عامة بين قبائل دار فور ، ما عدا القبائل العربية ، وهناك مواضع معينة من ديارهم يقدس في كل منها شجرة أو صخرة ويسمي الموضع عندهم سرجتي ( Sergitte ) ويعتقدون أن تحت كل شجرة أو صخرة منها شيطانا ، فإذا مرّ زعيم العشيرة بأي موضع منها ، وقف أمامه ليقدم قربانا إلى الشيطان الثاوي تحت الشجرة فهو في اعتقادهم علي شكل حية سمينة بيضاء طولها قدمان ولها رأس أسود اللون يكسوه وبر كوبر الصوف وهو في حجم قبضة اليد ، ولها عينان كبيرتان وتقوم عجوز بالمراسم اللازمة في هذه المواضع فتقدم للحية اللحوم والدماء ، وهي تتمتم لها بالا تصيب القاصدين إليها بشيء من السوء والأذى وتخاطب الحية بقولها ( يا ولدي ) ( 2 ) .
وفي تلال بخابو ( دار فور ) أو قريبا منها تقام الطقوس مرة أو مرتين في السنة لنوعين أو ثلاثة من الأشجار والأحجار تبدأ عادة قبل نزول الأمطار أو في مواسم الحصاد قبيل نضوج الثمار أملا في الحصول علي ثمار جيدة وغلال طيبة ويقوم بطقوس الاحتفال نساء عجائز يأخذن الحق بالوراثة ويقمن بكنس المكان وتنظيمه حول الشجرة بعناية وتقدم الخراف قربانا كما يقدم السمن والدقيق ، ثم تؤدى شعائر العبادة ( 3 ) .
ومن العادات والطقوس أيضا عند بعض أهالي دار فور احتفالات بمناسبة الزفاف ومواسم الأمطار يتوجه العروسان مع زعيم إلي الصخرة المقدسة ، وهي عبارة عن صخرة تظهر علي رأس تل وهناك يذبحون ضحية ويرسم الزعيم بدم الضحية إشارة صليب واضحة علي الصخرة ثم علي جبهة العروسين ، ومن الممكن أن يستعمل قليلا من الدهن بدل الدم ، ثم يأخذ الزعيم قليلا من الطين ويمسح جبهة العروسين وكتفهما من الأمام ومن الخلف وصرتهما وركبتهما وأخيرا يربط برزمة من الأعشاب عنقيهما ومعصميهما وقدميهما ، وهكذا يتم الاحتفال وتعاد هذه الحفلة عندما يرزق العروسان طفلا غير أن المسحات المختلفة لاترسم علي الوليد بل علي الوالدة ، وفي اليوم السابع يكحل الطفل ويرسم علي جبهته علامة صليب بالكحل أيضا ( 4 ) .
أما الأهالي في جبال ميدوب فإنهم يذهبون إلي الصخرة المقدسة لتنصيب ملكهم الجديد ويذبح كاهنهم ضحية ويرسم بدمها إشارة صليب علي جبهة الملك وعلي الصخرة ، ثم يقوم الملك الجديد بنفس الحركة علي جبينه وعلي الصخرة ، فإذا حان موسم الأمطار يصعد الملك إلي تل مع وفد ن الأهالي ويذبحون عنزة في قربتهم الكبرى التي تدعي ( تورتي ) وبعد تنظيف القربة يملئونها ماء يشتقونها من عين اسمها ( نويرو ) لامن عين أخري ثم يحملون القربة إلي الملك ، ويأخذ الملك قليلا من الماء في كوب ويحمله بموكب مهيب إلي كوخ ( قطيه ) تحفظ فيها ( النقارة ) المقدسة ، ويكرر في طريقه هذا الدعاء ( ليمنحنا الله المطر ، يأرب جد علينا بأمطار غزيرة ، ويرش الطريق بالماء ، وعندما يصل إلي الكوخ ويخرج النقارة ويضعها علي فروة ويرشها بالماء ثم يعيدها إلي مكانها ( 5 ) .
ويري د . الأب . ج . فانتيني أن هذه العادات ربما ترجع جذورها إلي المسيحية القديمة في السودان . ومن جانبي أضيف أن إشارة الصليب عند الميدوب ربما تكون نقطة لصالح الرأي القائل أن أصل قبيلة الميدوب نوبي ، حيث هاجرت إلي جبال الميدوب بعد زوال ممالك النوبة المسيحية في شمال السودان .
ومن عادات الميدوب أيضا ( البازا ) والذي يعتبر احتفالا شعبيا سنويا يقام في شهر ديسمبر من كل عام أو شهر الحصاد ( Oree ) وهذا الاحتفال يعتبر حقا لكل شاب بلغ سن الرشد وغير متزوج ولا يشترك فيه غير الميدوب ، ولكل شخص فرصة واحدة في العمر للاشتراك فيه قبل بداية الاحتفال يتوجب علي كل مشترك إحضار حفنة من التراب وتبدأ الاحتفالات برقصة ( البازا ) وفي هذا الأثناء يقفز الشباب عبر خور متجهين نحو صخرة كبيرة وهم يرددون بلغة الميدوب بعض الأبيات والتي تأتي ترجمتها كما يلي : هذا رش المياه / وكل الناس مبتهجين في ذكري أسلافهم / وإذا لم توج روح عليا / فأنا أعرف جماعتي فقط . وتستمر احتفالات ( البازا ) لمدة شهر كامل ، ويقسم الشهر إلي قسمين ، شهر أبيض ( الليالي المقمرة) وشهر أسود ، ويقوم الشباب في هذه الاحتفالات بجمع الهدايا من القري المختلفة لجماعة الميدوب والقرية التي لاتعطي لرئيس ( البازا ) يحل بها الخراب علي حسب زعمهم ، ثم تجمع الهدايا وتعطي لرئيس ( البازا ) ، وليس للملك والذي يعتبر مشاهدا عاديا فقط لهذه الاحتفالات ( 6 ) .
وفي رقصة النقارة نجد رقصة البنت التي تربط عمامة في وسطها وتبسطها بيديها في شكل جناحي فراشة ، شبيهة بشكل البقرة في فترة النضوج ، وكذلك الرجل في الجانب الآخر وهو متأبط سيفه وعصاه ، ويتقدم بخطى بطيئة نحو المرأة متمثلا شكل الثور الجامح المتقدم نحو البقرة ، من هذه الرقصة نستقرئ علاقة سبل كسب العيش عند هذه الجماعات وارتباطها بالشكل والمضمون الذي يعبر في الرقصات وكأداة من أدوات التعبير الجمالية ( 7 ) .
وهكذا نري الارتباط بهذا الشكل أو ذاك للفنون والعادات والتقليد والأساطير عند الفور بالبنية الإنتاجية وسبل كسب العيش ، وإن كانت العملية معقدة لأن البنية الفوقية لها استقلالها النسبي ولا ترتبط بشكل آلي بالبنية التحتية .

















هوامش القسم الثاني :
أولا – النظام السياسي والاداري :
• الشرتاي عند الفور وظيفة إدارية بتقلدها شيخ القبيلة ومنطقته تسمي شرتاوية ( انظر قاموس اللهجة العامية في السودان لد . عون الشريف قاسم ، القاهرة ، 1985 ، ص 604 .
1 – شقير المرجع السابق ، ص 177 .
• الميارم جمع ( ميرم ) : وهي البنت الحسنة الأداء رفيعة الذوق قال التونسي : إن رئيسة النساء تسمي الميرم وهي أيضا وزيرة العروس والميرم لقب بنات السلطان بدار فور ومعناه الأميرة ، وهو مأخوذ من مملكة البرنو علي الأرجح ( قاموس د . عون الشريف ، ص 111 ) .
2 – الشاطر بصيلى عبد الجليل : تاريخ وحضارات السودان الشرقي والأوسط ، ص 372 .
3 – نفسه ، ص 376 .
4 – اركل – تاريخ دار فور – السودان في رسائل ومدونات ( بالإنجليزي ) المجلد ، 32 ، لعام 59 ، ص 227 – 228 .
5 – الشاطر بصيلى : المرجع السابق ، ص 379 .
6 – للمزيد من التفاصيل راجع موسى المبارك ، تاريخ دار فور السياسي ، دار جامعة الخرطوم للنشر 1970 .
7 – د . سمير أمين : المرجع السابق ، ص 18 – 19 .
8 – للمزيد من التفاصيل حول الأختام راجع د . أبو سليم الفور والأرض ، ص 23 – 46 .
9 – راجع وثائق الأرض : المرجع السابق ، ص 89 – 142 .
10 – علم الدين عمر : الأخذ والعطاء في الثقافة السودانية ، مجلة الثقافة السودانية العدد ( 14 ) ، مايو 1980 .
11 – شقير : المرجع السابق ص 186 ، وللمزيد من التفاصيل حول إرسال الصرة والأغوات راجع وثائق من دار فور ص 415 - 416 من كتاب يحي محمد إبراهيم : تاريخ التعليم الديني في السودان ، دار الجيل بيروت – لبنان 1987 .
12 – يحي محمد إبراهيم : تاريخ التعليم الديني ، ص 415 – 416 .
13 – شقير : المرجع السابق ، ص 186 .
14 – تاج السر عثمان الحاج : تاريخ الفونج الاجتماعي ، مركز محمد عمر بشير 2004 .
ثانيا- نظام القضاء :
• دالي : لفظ في لغة الفور بمعني لسان السلطان أوامره علي أن بعض الرواة يجعل دالي سلطان من سلاطين الفور المتقدمين .
1 – د . أبو سليم : في الشخصية السودانية ، دار جامعة الخرطوم للنشر 1979 ، ص 126 .
2 – شقير المرجع السابق ، ص 180 .
3 – حسين سيد أحمد المفتي : تطور نظام القضاء في السودان ، الجزء الأول ، الخرطوم 1959 ، 51 .
4 – نفسه ، ص 51 .
5 – نفسه ، ص 59 .
6 – نفسه ، ص 60 – 61 .
7 – نفسه ، ص 65 .
8 – نفسه وللمزيد من التفاصيل عن نظام القضاء في دار فور انظر المرجع السابق .
9 – د . أبو سليم الفور والأرض ، ص 79 .
10- نفسه ، ص 81 .
11 – انظر يوسف تكنة ً الثقافة وأثرها في تحديد الاتجاهات الإدارية مجلة الثقافة السودانية ، العدد ( 23 ) ، يناير 1988 ، ص 8 .
ثالثا - إنتشار الثقافة الإسلامية :
1 – سلاطين باشا : السيف والنار في السودان ، دار الجيل بيروت 1988 ، ص 45 .
2 – راجع د . أبو سليم : الفور والأرض ، ص 16 ، وللمزيد من التفاصيل انظر أيضا أوفاهي ، الدين والتجارة في سلطنة الكيرا ، المرجع السابق ، ص 87 ، وما بعدها .
3 – د . أبو سليم الفور والأرض ، ص 18 .
4 – د . منصور خالد : الفجر الكاذب ، دار الهلال ، 1986 ، ص 336 .
• تاج السر عثمان الحاج : تاريخ الفونج الاجتماعي ، مرجع سابق .
رابعا – المرأة :
1 – د . عبد المجيد عابدين : تاريخ الثقافة العربية في السودان ، 1976 ، ص 84 .
2 - التونسي : المرجع السابق ص 159 ، يري المؤرخ محمد عبد الرحيم في كتابه النداء في دفع الافتراء ، أن التونسي يبالغ أحيانا ، فحسب تجربته في دار فور كانت هناك غيرة من الرجال علي النساء ، وليس كما أورد التونسي .
3 – د . عبد الحميد متولي : تطور نظام الحكم في السودان منذ أقدم العصور ، الجزء الأول ، الخرطوم 1969 ، ص ، 58 – 59 .
4 – إدوارد وستر مارك : قصة الزواج ، ترجمة عبد المنعم الزيادي ، مكتبة النهضة بدون تاريخ ، ص 36 .
5 – د . عبد المجيد عابدين : تاريخ الثقافة العربية ، ص 84 .
6 -شقير ، ص 180 – 182 ، ود . أبو سليم وثائق الأرض ، ص 89 – 142 .
خامسا- نماذج من الفن والعادات والتقاليد والأساطير : -
1 – التونسي : المرجع السابق .
2 – د . عبد المجيد عابدين : المرجع السابق ، ص 111 .
3 – نفسه ، ص 112 .
4 – الأب . ج . فانتيني : تاريخ المسيحية في ممالك النوبة القديمة ، الخرطوم 1978 .
5 – نفسه ، ص 204 – 205 .
6 – علم الدين عمر : المرجع السابق ، ص 37 – 38 .
7 – نفسه ، ص 39 .







خاتمة :
شهد الجزء الغربي من السودان الشرقي قيام ممالك الداجو والتنجر ثم أخذت شكلها الأوسع والأشمل بقيام سلطنة دار فور الإسلامية ،وهي تعبير عن تطور تاريخي طويل ومعقد ، وتعبير عن أن إنسان تلك المنطقة تطور ماديا وروحيا وشق طريقه نحو الحضارة علي النحو الذي عرفته المجتمعات البشرية في التاريخ القديم والعصور الوسطي مع التفاوت في درجات التطور ، ومعلوم أن الحضارة تنشأ مع بروز الأسر والسلالات الحاكمة وتطور الزراعة والتجارة والصناعة وقيام المدن والأسواق واللغة المكتوبة ... الخ .
• رغم الغموض والشح في المعلومات عن تاريخ الممالك القديمة وما يواجه الباحث في التاريخ الاقتصادي – الاجتماعي لمنطقة دار فور من صعوبات ، إلا أننا حاولنا أن نستخلص خطوطا عامة وملامح عامة نأمل أن تغتني وتتطور في كل الجوانب مع تطور العلم والمعرفة بتاريخ المنطقة .
• قام النشاط الاقتصادي في السلطنة علي الزراعة والرعي والصيد ، فكانوا يزرعون السمسم والدخن والذرة والفول والصمغ والتمباك .. الخ . واستخدموا أدوات إنتاج زراعي كتلك التي المستخدمة في مناطق السودان الأخرى ، وعرفت المنطقة رعي الإبل في الشمال والأبقار في الجنوب . كما نظم سلاطين دار فور ملكية الأرض ، فقد اعتبر السلطان كل أراضي السلطنة ملكا خاصا له يقسمها في حوا كير لاتباعه ، يحدد الخراج أو الإعفاء منه في كل حالة علي حدة استنادا إلى الشريعة الإسلامية والعرف .
• كانت تجارة السلطنة مزدهرة مع مصر ، وكان السلطان يحتكر التجارة مما أضعف التجار ، وبسبب قبضة السلطان المركزية لم يستطع التجار الانفلات من تلك القبضة ، كما بالنسبة للتجار في سلطنة الفونج في سنواتها الأخيرة ، كانت الأهداف التجارية من أسباب حرب السلطنة وتوسعها ، أما السمات العامة للتجارة فقد كانت كمالية ، فأهل المنطقة استطاعوا توفير غذاءهم الأساسي من الزراعة وتربية الحيوانات والصيد ، كما وفروا ما يحتاجون أدوات من الصناعة الحرفية ، وبالتالي لم يدخل الغذاء في والمنتجات الحرفية في واردات السلطنة ، بل تقريبا كانت كل الواردات من السلع الكمالية التي تهم السلطان وحاشيته والمترفين من الأغنياء وأصحاب النفوذ . وإذا صح استخدام المصطلح المعاصر ، يمكن القول أن سلطنة دار فور عرفت الاكتفاء الذاتي . وكان من أسباب زوال السلطنة تدهور التجارة مع مصر بعد أن حاصرتها قوات الحملة التركية – المصرية ، كانت العملة الرائجة في السلطنة متعددة ومتنوعة مثل الدمور الحشاشات ، الرقيق ، .. الخ ، وفي أغلب الأحوال كانت الأجور تدفع في شكل أراضي لتوفير سبل العيش من إنتاجها
• تطورت الصناعة الحرفية ونشأ أرباب الصنائع مثل: الحدادين النجارين ، الحاكة ، الباغون ، الفخرانجية ، .. الخ ، وكانت الصناعات مزدهرة مثل صناعة النسيج ، الأحذية ، الزيوت ،والسمن ، الخمور ، الدباغة ، ... الخ . كما اعتمدت هذه الصناعات علي مواد محلية مثل : القطن ، السمسم ، الماشية الخشب ، الحديد ، النحاس .
• أما مصادر تراكم ثروة السلاطين فكانت تتكون من عشور البضائع من التجار : الزكاة ، الفطرة ، نصيب السلطان من قانون دالي ، الضرائب الأخرى علي التجار والحدادين والهدايا التي تصله من أصحاب ألحوا كير والتجار إضافة للجراية من الممالك والمناطق التابعة . كما تطورت المدن والأسواق والحياة الاجتماعية . كما عرفت سلطنة الفور التفاوت الطبقي أو الفوارق الاجتماعية والتي تتلخص في السلاطين والملوك ، أصحاب ألحوا كير ، التجار ، الفقراء العلماء ، أرباب الصنائع ، المزارعون ، الرقيق .
• السمات العامة التي ميزت الإقطاع في السلطنة كانت كالآتي:-
أ – لم يكن المزارع في سلطنة دار فور كما كان عليه الحال في إقطاع أوربا في العصور الوسطي يعمل أياما لنفسه في أرض الإقطاعي ، بل كان المزارع جزءا من الأرض لا يتأثر بالمنازعات حولها فعلى المزارع أن يزرع ليوزع عائد إنتاجه في النهاية حسب الشريعة أو العرف ، مهما اختلف المالكون ، كان النصيب الأكبر من نتاج عمله الفائض يذهب إلى أصحاب ألحوا كير والسلاطين ، في حالة عمله في أراضي السلاطين أو أراضي حكام الأقاليم كان كل إنتاجه يستحوذ عليه السلطان ( عمل السخرة ) ، وبالتالي فإن المزارع كان يعيش في أوضاع سيئة مزرية .
ب – الإقطاع عند الفور يمكن أن نسميه الإقطاع القلق أو غير المستقر لأن المالك الحقيقي لللارض كان السلطان الذي كان يعطى الحاكورة لمن يشاء وينزعها ممن يشاء ، كما إن الحاكورة لا تورث ، فإذا مات صاحبها يمكن أن تعطى لغيره .
ج – كانت علائق الإنتاج في مزارع السلطان أو حكام الأقاليم تقوم علي العبودية ( عمل السخرة ) .
أهم وظائف وخصوصيات الرق في السلطنة كانت مصدر لأرباح السلاطين التجارية ، مصدر من مصادر الإنتاج الزراعي الرعوي وفقا لعلاقات الإنتاج العبودية ، وسيلة تبادل وعنصر أساسي في جيش السلطنة ، مما يشير إلى الدور الخطير الذي كان يلعبه الرقيق في النسيج الاجتماعي والاقتصادي لمجتمع السلطنة .
أما خصوصية التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية فقد كانت : تشكيلة متعددة الأنماط الإنتاجية : بدائي ، رق ، إقطاع ، نمط الإنتاج السلعي الصغير ، مع سيادة نمط الإنتاج الإقطاعي وفقا للخصوصيات التي ميّزت نظام الفور الذي كان نظاما إقطاعيا استبداديا مركزيا يحتكر السلطان فيه الأرض ، هذا إضافة لاحتكار السلطان للتجارة الكمالية نفسها .
حول البنية الإنتاجية – الطبقية أو القاعدة الاقتصادية نشأت بنية ثقافية – فكرية كانت في تفاعل مع القاعدة الاقتصادية ، تسهم بهذا القدر أو ذاك في إعادة إنتاج النظام الإقطاعي السائد ، فقد استنبط سلاطين الفور نظاما سياسيا وإداريا استند في تكوينه إلى الإسلام والأعراف المحلية .
أما دولة الفور ومكوناتها من ( جيش ، قضاء ، ... ) فقد كانت دولة ملكية استبدادية ، وكانت الدولة طبقية تعبر عن مصالح السلطان والشريحة الحاكمة واصحاب ألحوا كير والفئات المترفة في قمة الهرم الاجتماعي . أما السلطنة نفسها فقد كانت حلقة من حلقات الممالك السودانية المستقلة التي نشأت في السودان الشرقي في العصور الوسطى .
بعد انتشار الثقافة الإسلامية تفاعل الإسلام مع الموروثان المحلية في المنطقة مما أدى إلى بروز الإسلام في دار فور يشكله المتميز ، كما أصبحت اللغة العربية أداة التدوين بجانب لغة الفور التي ظلت لغة الحياة العامة ، وانتشرت المساجد والخلاوى بالإضافة لسفر أبناء دار فور إلى مراكز العلم كالدامر ، الغبش ، كترانج ، الأزهر طلبا للعلم .
كان الفقرا والعلما يلعبون دورا في حياة الناس الاجتماعية والروحية ، وكانت لهم أراضيهم المعفية من الضرائب التي يعمل فيها المزارعون بدون مقابل غير البركات ، كانت تلك الفئة تساند السلطان باعتباره قوة معنوية وروحية هائلة ، وبعبارة أخري يمكن القول أن النظام الإقطاعي في السلطنة كان يعيد إنتاج نفسه بوسائل سياسية وقمعية واقتصادية ووسائل روحية يلعب فيها الفقرا والعلما دورا أساسيا .
أما نظام القضاء فقد استند إلى الشريعة الإسلامية والأعراف المحلية ، وان سلاطين دار فور قننوا الأعراف في قانون أطلقوا عليه قانون دالي .
كان للمرأة دور بارز في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في السلطنة كما أوضحنا في سياق البحث .
وأخيرا تناولنا نماذج من الفن والعادات والتقاليد والأساطير التي كانت سائدة في تلك الفترة وربطناها بحياة الإنسان المعيشية الإنتاجية التي تلعب دورا هاما في مجتمع زراعي رعوي يلعب فيه الحيوان دورا هاما ، كما ارتبطت تلك العادات والأعراف بالثقافات والتقاليد والأديان الوثنية السابقة لقيام السلطنة .














القسم الثالث

دار فور: الازمة ومفتاح الحل
1- الازمة في دارفور:
من مؤتمر صلح 1989 الي ملتقي الفاشر –فبراير 2003م
قبل الانفجار الأخير للاحداث في جبل مرة ، كان الكثيرون يرون في احداث العنف والنهب المتفرقة في دارفور وميض نار يوشك أن يكون له ضرام، ولقد أدت التراكمات الكمية من المظالم الي تحول نوعي جديد في الاجداث التي نشهدها الان في دارفور.
والواقع أن الصراعات والصدامات القبلية في دارفور ليست جديدة ، فعلي سبيل المثال ، لا الحصر:
حدثت صدامات قبلية عام 1916م، وهو العام الذي تم فيه ضم دارفور للسودان، وكذلك في العامين 1958م، 1968م، الا أن تلك الصدامات، كانت تحل بطرق سلمية عن طريق مؤتمرات الصلح والاعراف التي توارثها اهل دارفور منذ عهود السلاطين.
ولكن منذ عام 1970، بدأت الصراعات القبلية تطل برأسها في الاقليم بشكل متواتر ، وكان من عوامل ذلك السياسات الخاطئة للنظام المايوي مثل اقامة مشاريع التنمية العشوائية في السبعينيات من القرن الماضين وما نتج عنها من القطع الجائر للاشجار ، مما ادي للجفاف والتصحر والمجاعة التي عمت البلاد ، وما نتج عنها من نزوح وسنين عاني فيها الناس من ضنك العيش(1982- 1984).
وكان من نتائج ذلك شح المراعي وموارد المياه والنزوح من الشمال الي الجنوب ، والذي ادي الي احتكاكات وصدامات بين بعض القبائل العربية والفور ، ومحاولات طرد الفور من اراضيهم الخصبة ، اضافة للعامل الاجنبي مثل الحرب التشادية- التشادية، والحرب الليبية – التشادية، ودخول بعض القبائل من تشاد والمتداخلة مع القبائل السودانية، ودخولها باسلحة حديثة ومتطورة ، زادت من فداحة الخسائر في الارواح والممتلكات والمواشي..الخ.
وبعد انتفاضة مارس – ابريل 1985م، كانت الصراعات القبلية في دارفور قد وصلت الي ذروتها ، وخاصة في الفترة: 1986- 1989م، مما ادي الي قيام مؤتمر الصلح القبلي بين الفور وبعض القبائل العربية في الفترة: 15/4/1989- 8/7/1989م. وكان من اهم توصيات وقرارات المؤتمر:
أولا: في الجانب الأمني:
أ‌- تصفية مليشيات الفور والمجموعات المسلحة، وأى تنظيمات قبلية مسلحة.
ب‌- أن تقوم الحكومة بابعاد كل الاجانب الذين يدخلون البلاد بطرق غير مشروعة من مناطق الاقليم.
ج- أن تقوم الحكومة بفتح المراحيل المتفق عليها وفق الاتفاقيات السابقة في الوقت المناسب ، وأن تتخذ الاجراءات الأمنية والوقائية اللازمة لذلك ، مراعاة لحقوق الرعاة والمزارعين.
د- أن تعمل السلطات المختصة علي اصدار اوامر تنص علي تشديد العقوبة علي الذين يقومون بحرق المراعي وقفل المراحيل ، واقامة زرائب الهواء ، وقطع الاشجار واتلاف المزارع.
ه- أن تعمل الحكومة علي فتح المزيد من مراكز الشرطة، ودعم مراكز الشرطة باجهزة الاتصال والقوة المناسبة.
و- الاسراع بمنح رجالات الادارة الاهلية السلطات القضائية.
ز- يلتزم الطرفان بوقف النهب والسلب والسرقة وايواء المجرمين ، كما يوصي بأن يتعاون الطرفان في عمليات الفزع.
ثانيا: المراعي والمراحيل ونقاط المياه:
أ‌- تحدد فترة دخول القبائل الرعوية في شمال دارفور الي مناطق جنوب دارفور بنهاية شهر فبراير من كل عام حتي يتمكن المزارعون من جمع محاصيلهم الزراعية كما تحدد فترة خروج هذه القبائل بنهاية شهر يونيو من كل عام (علي السلطات بشمال دارفور الاخطار في حالة الظروف البيئية).
ب‌- ازالة جميع العقبات التي تعترض المسارات والمراحيل المتفق عليها بما يمكن القبائل الرعوية من الابتعاد عن التحرش بالمزارعين والمستقرين عموما، كما توصي بازالة الزراعة الهامشية التي تلاحم الطرق العامة ، بما لايقل عن مائة متر من الجانبين باستثناء المناطق البستانيةالقديمة.
ج- عدم استغلال اماكن الرهود والموارد العامة للمياه الخاصة بالحيوان وبالزراعة أو الحجز، أو اى أشياء تمنع الاستفادة منها علي أن تنظم استغلال الموارد المشتركة بين المزارعين والرعاة وفق الاعراف المتبعة.
د – عدم فتح مشاريع جديدة، الا عند مصادقة السلطات الفنية المختصة ، حماية لما تبقي من الغطاء الشجري مع توعية المواطنين من قبل الجهات المعنية والمسئولة.
ه – عدم قطع الاشجار والمحافظة علي الثروة الغابية مع تشجيع المزارعين لزراعة اشجار الهشاب.
و- تكثيف الخدمات البيطرية باماكن المخارف والمصايف المصاحبة للرحل ضمانا لاحتواء اى امراض تظهر.
* بالرغم من سلامة وصحة تلك التوصيات والقرارات، الا أنها لم تجد طريقها للتنفيذ ، وظلت حبرا علي ورق.
* وفي الفترة: ابريل 1989- فبراير 2003م، حدثت متغيرات جديدة اهمها:
- اتساع دائرة الجفاف والتصحر في دارفور ، مما ادي الي شح المراعي ، والي انفجار الصدامات القبلية من جديد.
- تهور خدمات التعليم والصحة والمياه والكهرباء ..الخ.
- تزايد عمليات النهب المسلح وانفراط عقد الأمن وحالات حرق القري والمزارع والصدام بين بعض المجموعات القبلية والفور والصراع بين المعاليا والرزيقات.
- كانت القبائل في دارفور تعيش في سلام ووئام ، وكانت الصراعات القبلية العابرة تحل عبر الاعراف ، وكانت ديار القبائل معروفة ومحددة. وبالتقسيم الاداري الجديد اختل النظام الذي كان سائدا، مما ادي الي الصدامات.
- توقف مشاريع التنمية في في الاقليم مثل مشروع جبل مرة للتنمية الريفية.
- توقف العمل في طريق الانقاذ الغربي.
- النزوح الكبير من الارياف الي المدن ، وتوسع المدن كما نلاحظ في مدينة نيالا التي زاد عدد سكانها وتوسعت وارتفعت فيها ايجارات المنازل واسعار الاراضي.
ملتقي الفاشر – فبراير 2003م:
جاء ملتقي الفاشر بعد انفجار الاحداث وتوصل الي توصيات وقرارات في مجملها سليمة مثل:
- الاسراع بتكميل طريق الانقاذ الغربي مع توفير تمويل اجنبي ومكون محلي له.
- انشاء مفوضية لتنمية ولايات دارفور.
- تأهيل مرافق الصحة والمياه وتأمين الحد الأدني من الخدمات للمواطنين في دارفور.
- وضع خطة استثنائية عاجلة لمعالجة التردي في الخدمات
- التقسيم العادل للمشاريع التحتية القومية لدارفور.
- ضعف المقدرة الادارية لبعض اجهزة الدولة وتباطؤها في التصدي للانفلات الامني.
- معالجة عدم الالتزام بتنفيذ مقررات المؤتمرات السابقة.
- حمّل الملتقي الحكومة مسئولية خلق كيانات ادارية جديدة والاستغلال السياسي للقبيلة والاعتماد علي التوازنات القبلية في التعيينات السياسية.
كما كان مدخل الملتقي سليما في حل المشكلة سلميا عن طريق التفاوض ، ولكن الحكومة لجأت للحل العسكري الذي عقد الامور وزادها تفاقما، حتي وصلت للماساة الانسانية التي نعيشها الآن في دارفور.
لقد اكد تطور الاحداث ضرورة الحل الشامل ، وأم يجري في دارفور جزء من مشكلة السودان الكلية، ويجب أن ينظر اليها قوميا في اطار الحل السياسي الشامل ، وصولا الي سلام حقيقي وتنمية وعدالة لكل انحاء السودان.
15/5/2004م


2- الأزمة في دارفور: مفتاح الحل في يد السودانيين:
اجاز مجلس الأمن في اجتماعه بتاريخ:28/2/2006م، تقرير لجنة الخبراء التي شكلها المجلس في وقت سابق لدراسة الموقف في دارفور.
رصد التقرير الانتهاكات التي حدثت في درافور ولخصها في نسعة بنود هي:
1- خرق اتفاق انجمينا الانساني لوقف اطلاق النار، وهو اتفاق تم التوصل اليه في 8/ابريل/ 2004م.
2- فشل حكومة السودان وحركتي تحرير السودان والعدل والمساواة في الالتزام بما جاء في الاتفاق الموقع في 9/نوفمبر/2004م، لتحسين الوضع الأمني في دارفور.
3- فشل الحكومة في نزع وتحييد سلاح الجنجويد.
4- اثارة التوتر بين المحموعات الاثنية القبلية والسياسية وغيرها في دارفور.
5- توفير الدعم للمليشيات المسلحة والمجموعات الأخري التي ترتكب الاعتداء وتتقاتل في دارفور.
6- الهجوم علي قوات الاتحاد الافريقي والشرطة المدنية ومراقبي وقف اطلاق النار التابعين للاتحاد الافريقي وعرقلة نشاطه امنعه من اكمال مهامه.
7- فشل اطراف الصراع في دارفور في الزام المقاتلين وغيرهم بتحمل المسئولية حول انتهاكات القانون الدولي للحقوق الانسانية وقانون حقوق الانسان.
8- فشل الحكومة المركزية وحكومات الولايات المعنية في تنفيذ قرار مجلس الأمن بشأن الاوضاع في دارفور.
9- الممارسات التي تفشل أو تضعف الجهود المبذولة لاجراء التفاوض حول السلام بما في ذلك الانقسامات الداخلية والصراع من اجل القيادة.
* اقترح التقرير تطبيق عقوبات علي افراد بعينهم بدلا من اصدار قرار بتوقيع عقوبات علي السودان ، وارفقت مع التقرير قائمة تحوى سبعة عشر شخصا ، عشرة من القيادات المدنية والعسكرية في الحكومة، واثنين ممن اسمتهم قادة الجنجويد وخمسة من قيادات حركات التمرد المسلح في دارفور.
كما رصد التقرير 68 حالة انتهاك ، وأشار الي عدم قدرة الاتحاد الافريقي علي المراقبة والردع بسبب ضعف موارده، اضافة للهجمات ضده.
كما أشار التقرير الي أن كل الاطراف ارتكبت بدرجات متفاوتة انتهاكات شملت التعذيب ، الاعتداء علي كرامة الانسان ووقاره، المعاملة القاسية ةالمذلة للاشخاص غير المشاركين في القتال أو الذين توقفوا عن المشاركة في القتال ، وكلها انتهاكات للحقوق المدنية والسياسية في الميثاق الدولي، والتي كفلها دستور السودان الانتقالي.
استنادا الي تلك الوقائع والحقائق جاءت فكرة تدخل قوات الأمم المتحدة لوقف تلك الانتهاكات.
وبطبيعة الحال لا أحد يرضي بقوات اجنبية أو اقليمية في وطنه لحراسة امنه، ولكن القهر الداخلي وعجز نظام الانقاذ وفشله في وقف انتهاكات حقوق الانسان والمجازر في دارفور ، هو الذي اوصل البلاد الي تلك الحالة ، فالمجتمع الدولي لايمكن أن يقف مكتوف اليدين امام تلك الانتهاكات والمجازر، ولاسيما بعد احداث رواندا 1994م وغيرها.
كما أنه من حصاد سياسات الانقاذ وبعد توقيع اتفاق السلام في 9/يناير/2005م، أن تحول السودان الي اكبر مستودع للقوات الدولية المتعددة الجنسيات، واصبح السودان تحت حماية الامم المتحدة بتكوين قوة سلام تتكون من 10 ألف قابلة للزيادة(بعد القرار الاخير حول دارفور)، اضافة الي 750 جندي شرطة ، وتكون رئاسة البعثة في الخرطوم ولها افرع في ست قطاعات: الاستوائية، بحر الغزال، اعالي النيل، جبال النوبا، جنوب النيل الأزرق، ابيي، كسلا.
اذن قوات الامم المتحدة اصلا موجودة في السودان، كما فشلت قوات الاتحاد الافريقي في وقف تدهور الوضع الانساني في دارفور حيث فرّ حوال 1,8 مليون شخص من منازلهم ولايمكنهم العودة اليها، 1,5 مليون شخص يعيشون خارج المعسكرات، ولكنهم في حاجة لمساعدات انسانية.
ومعلوم أن مفتاح الحل في يد السودانيين من خلال تعميق التحول الديمقراطي ، وعقد المؤتمر الجامع لكل القوي السياسية لحل الأزمة، ومواصلة الحوار بين ابناء دارفور للتراضي والوصول لحل يضمن سلامة ووحدة واستقرار الاقليم والبلاد، والاستجابة لمطالب اهل دارفور في المفاوضات مثل:
1- حقوق عادلة في السلطة والثروة.
2- اعادة الاقليم الي حدوده التاريخية وفقا للعام 1956م.
3- أن تكفل لهم المشاركة الفاعلة في رئاسة الجمهورية بنائب رئيس، وكذلك مجلس الوزراء والخدمة المدنية والقوات النظامية.
ان تحقيق هذه المطالب من شأنه أن يوقف التدخل الأجنبي، ويفتح الباب لعودة السلام والأمن في الاقليم.
وبدلا أن تسير الحكومة في خطوات حثيثة نحو حل الأزمة وتقديم المجرمين للمحاكمة العادلة، وضبط المليشيات الموالية، والتعاون مع المحمة الجنائية في لاهاي، التي بدأ مسئولون عنها مباحثات مع الحكومة بالخرطوم، الا أنها سارت في طريق تصعيد الأزمة، فعلي سبيل المثال، جاء في السوداني بتاريخ: 5/3/2006م، مايلي:
( أصدرت مجموعة اطلقت علي نفسها – حركة جهاد دارفور – بيانها الأول متوعدة ومحذرة القوات الدولية من التدخل في السودان، لخصت الحركة اهدافها في الآتي:
- وقف التدخل الاجنبي في ولايات دارفور بكل الوسائل المشروعة دينيا.
- رصد وكشف ومحاربة المنظمات ذات الاجندة الخاصة التي لاتخدم الوطن ولا المواطن.
- حماية الدين والتقاليد والاعراف من آثار الوجود الاجنبي والمحافظة علي وحدة التراب وعلاقات المجتمع الدارفوري بمكوناته الثقافية والاثنية عبر مقاومة التدخل الاجنبي بكل الوسائل المتاحة ، اعتماد الكفاح المسلح برفع راية الجهاد بعيدا عن واجهات الحكومة أو تنظيمات المعارضة بشتي انواعها مسلحة وغير مسلحة ، التنسيق مع كل المنظمات الجهادية في الساحة الاسلامية عموما متي ما التقت الاهداف واتحدت الوسائل).
مما أثار المخاوف من المجتمع الدولي حول وجود تنظيم القاعدة في السودان، علي سبيل المثال: ممثل الأمين للامم المتحدة في السودان(يان برونك) أورد صراحة في مؤتمره الصحفي الذي عقده بنيويورك توفر معلومات استخباراتية مختلفة تشتبه في وجود لتنظيم القاعدة في السودان، معتبر أن ارسال قوة يسيطر عليها حلف شمال الاطلسي(الناتو) لحماية سكان دارفور سيكون (كارثة محتمة) لأن الشعب السوداني سيبدأ بالفعل ( الجهاد ضدها)( السوداني: 5/3/2006م).
هذا اضافة للربط بين بيان حركة الجهاد وحركة الاستنفار والاستعداد والتعبئة التي تواصلت متصاعدة والتي ربما يكون اجتماع المرخيات الذي نظمته قوات الدفاع الشعبي يوم الجمعه ، واعلن فيه مليون من مقاتليه البيعة علي الموت، مما ادي الي اتهام السودان بدعم الارهاب ، ولكن السفير جمال محمد ابراهيم نفي بعدم وجود أى انشطة للقاعدة بالسودان، كما نفى الفريق/ عبد الرحيم محمد حسين ما تردد عن انتقال عناصر من تنظيم القاعدة الي داخل السودان تمهيدا للقيام بعمليات في دارفور في حالة دخول القوات الاممية( السوداني: 5/3/2006).
اما نائب رئيس الجمهورية عي عثمان محمد طه فقد أشار( أن السودان قد يدرس السماح بأن تكون هناك بعثة لللامم المتحدة في دارفور بمجرد التوصل الي تسوية سياسية للنزاع في المنطقة(الايام: 9/3/2006).
اما في امريكا، فقد تواصلت الحملات الشعبية الموسعة التي تطالب بوقف الابادة في دارفور ، واتسعت دائرة الحملات لتصل الي سحب المؤسسات الاكاديمية في الولايات المتحدة الامريكية اسهمها من الشركات التي تعمل في السودان، ففي غضون اقل من عام قررت ست جامعات وثلاث ولايات امريكية علي الاقل التخلص من الاسهم التي تملكها شركات في السودان، وتدرس ثماني ولايات اخري اصدار تشريع مماثل ، ذلك بحجة أن هذه الاستثمارات تسهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة في انتهاك حقوق الانسان في دارفور ، علي غرار ماحدث مع الشركة الكندية(تاليسمان)التي تم اقصاؤها من مشروع النفط السوداتي للاسباب نفسها، وهذا مايشير الي احتمالية تأثير الضغوط الشعبية في امريكا علي موقفها في اجتماعات بروكسل لتمارس هى ضغوطا علي الحكومة السودانية(السوداني:9/3/2006).
هذا وقد تضمنت قائمة خبراء الامم المتحدة، كما جاء في صحيفة (سيتزن) بتاريخ: 3/3/2006م( اسماء وزير الداخليةووزير الدفاع ورئيس المخابرات السودانية ضمن 17 اسما اقترح فرض العقوبات عليهم).
اما العقوبات المقترحة فهي: تجميد الاصول الخاصة، فرض حظر السفر، كما لم توافق الصين علي العقوبات والتي تستورد النفط من السودان.
كما جاء في كلمة صحيفة(سيتزن) بتاريخ:3/3/2006م: ( ظلت الحكومة تعارض التدخل الاجنبي الذي ينوي المجتمع الدولي القيام به في اقليم دارفور لمنع ما يسميه الابادة الابادة الجماعية والتطهير العرقي بالاقليم، نحن نعارض التدخل الدولي بدارفور ، فالسودانيون قادرون علي ايجاد الحل السياسي اذا ارادوا، ولكن نقول أنه، وطالما كان هناك شعور واسع المدي بالظلم، فان التدخل بالاقليم سوف يصبح واقعا لامحال).
ويبقي مفتاح الحل في يد السودانيين وضرورة عقد مؤتمر جامع تشارك فيه كل القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني للوصول لحل يرضي جميع الاطراف المتنازعة ومعالجة جذور الأزمة.
لقد اوقفت اتفاقيات نيفاشا الحرب في الجنوب، ولكنها لم توقف في دارفور والشرق وبقية اقاليم السودان ، مما يتطلب توسيع نطاق الحل ليشمل كل اقاليم السودان، وضرورة تلبية مطالبها العادلة في الثروة والسلطة، والحكم الذاتي والتنمية المتوازنة، وتوفير الاحتياجات الاساسية في التعليم والصحة والخدمات..الخ.وتكوين مجلس رئاسي يمثل اقاليم السودان السبعة: الجنوب، الشرق، دارفور، كردفان، الاوسط ، الشمالية، الخرطوم.
باعتبار أن الحل الشامل هو الذي يحقن الدماء ويختصر الحل بدلا من الحلول الجزيئة.
مارس 2006م

4- ماهي طبيعة قضية دارفور؟
اصبحت قضية دارفور مرتبطة بتوسيع نطاق اتفاقيات نيفاشا لتشمل كل اقليم السودان، وضرورة تلبية مطالبها العالة في الثروة والسلطة والحكم الذاتي والتنمية المتوازنة وتوفير الاحتياجات الأساسية في التعليم والصحة والخدمات..الخ، وتكوين مجلس رئاسي يمثل كل اقاليم السودان: الجنوب، دارفور، الشرق، كردفان، الأوسط، الشمالية، باعتبار أن الحل الشامل هو الذي يحقن الدماء بدلا من الحلول الجزئية التي تعيد انتاج الازمة، وانفجارها بشكل اوسع من السابق.
اذن حل قضية دارفور نبحث عنه في اطار قومي شامل، ولايمكن اختزال القضية أو صراع اثني بين العرب والافارقة، أو صراع حول الحواكير..الخ، ولو كان الأمر كذلك، فان اهل دارفور قادرون علي حل هذه المشكلة.
واذا تأملنا في تاريخ سلطنة دارفور، نلاحظ انه تميز بالاستقلال والسيادة الوطنية(عدا فترتي الاحتلال التركي والانجليزي)، كجزء من احتلال كل السودان.
كما أن قبائل وشعوب دارفور شهدت قفزة في تطورها الاجتماعي، وشقت طريقها من مجتمعات بدائية، كانت تقوم علي الصيد والتقاط الثمار، الي مجتمعات زراعية رعوية تشكل الارض(الحواكير) ركيزة العمل الاساسية، كما أن اقليم دارفور كان موطنا لحضارات وممالك مثل: مملكة الداجو والتنجر وسلطنة دارفور.
واذا كان مقياس الحضارة هو بروز السلالات الحاكمة والزراعة والرعي وقيان المدن والاسواق والصناعات الحرفية والتجارة واللغة المكتوبة ..الخ، فتكون سلطنة دارفور قد دخلت الحضارة في العصور الوسطي من اوسع ابوابها.
كان مجتمع دارفور مترابطا، فاهل المنطقة استطاعوا توفير غذاءهم الأساسي من الزراعة وتربية الحيوانات والصيد، كما وفروا ما يحتاجون اليه من ادوات ومن الصناعات الحرفية التي كانت مزدهرة في السلطنة، بل تقريبا كانت كل الواردات من السلع الكمالية التي تهم السلطان والمترفين من الأغنياء واصحاب النفوذ مثل: المنسوجات، العطور الراقية، الأسلحة النارية..الخ.
واذا صح استخدام التعبير المعاصر، يمكن القول أن سلطنة أن سلطنة دارفور عرفت الاكتفاء الذاتي، ولكن الاحتلال التركي والانجليزي قطعا التطور الطبيعي والباطني للسودان ككل، ومن ضمنه دارفور التي تعرضت للاهمال في العهود المختلفة بعد الاستقلال.
علي أن التدهور الكبير في الاقليم،كان في فترة الانقاذ التي اهملت توصيات ومؤتمرات الصلح التي عقدت بعد عام 1989م. ولو نفّذت جزء من التوصيات والقرارات لما تدهور الوضع الامني والسياسي والاجتماعي في دارفور وادت الي بروز معارضة مسلحة انفجرت من جبل مرة.
وجاء ملتقي الفاشر – فبراير 2003م، بعد انفجار الاحداث وتوصل الي توصيات وقرارات في مجملها سليمة ، كما أشرنا لها سابقا، وكان مدخل الملتقي صحيحا في حل المشكلة سلميا عن طريق التفاوض ، ولكن حكومة الانقاذ سارت في طريق الحل العسكري والقمع وحرق القري والابادة الجماعية، مما ادي الي تفاقم الوضع المأساة، وحدث التدخل الدولي الذي تتحمل الحكومة مسئوليته.
وكان الضحايا حسب احصاءات الامم المتحدة :
- 300 الف قتيل.
- اكثر من 2 ألف قرية محروقة.
- 2 مليون نازح( الايام: 21/3/2006م).
وكانت الحصيلة ابادة جماعية وانتهاكات لحقوق الانسان، استوجب المساءلة حسب ميثاق الامم المتحدة لحقوق الانسان.
ويبقي مواصلة الحوار بين الحكومة والحركات المعارضة والحوار بين ابناء دارفور للوصول لحل يضمن سلامة وتنمية ووحدة واستقرار الاقليم، وتوصل الحركات المعارضة الي موقف تفاوضي واحد، كما انه من المهم أن تستجيب الحكومة لمطالب اهل دارفور في المفاوضات مثل:
- حقوق عادلة في السلطة والثروة.
- اعادة الاقليم الي حدوده التاريخية وفقا للعام 1956م.
- أن تكفل لهم المشاركة الفاعلة في رئاسة الجمورية بنائب رئيس، وكذلك في مجلس الوزراء والخدمة المدنية.
ان تحقيق هذه المطالب من شانه أن يوقف التدخل الاجنبي ويفتح الباب لعودة السلام والأمن في الاقليم.
كما أن حكومة الانقاذ هي التي تتحمل مسئولية التدخل الاجنبي ، لأنها فشلت في وقف الابادة والتطهير العرقي في الاقليم، وكذلك فشلت قوات الاتحاد الافريقي، هل يقف المجتمع الدولي مكتوف الايدي امام استمرار هذه الابادة والمأساة الانسانية، أم يتدخل لوقفها.
الوضع في دارفور معقد ولايصح اختزاله في نزاع أو خصومة عرقية بين العرب الأفارقة، فمجتمع دارفور هو نتاج تطور تاريخي طويل تمازجت وتصاهرت فيه قبائلها وشعوبها، ولكن سياسة الانقاذ هي التي اذكت واثارت الفتنة العرقية التي كانت نائمة. كما أن اهل دارفور قادرون علي حل مشاكلهم اذا كانت قبلية أو عرقية أو حول حواكير..الخ، ولكن المشكلة سياسية وقومية ، وتحل في اطار مشاكل السودان ككل والتي تتطلب التحول الديمقراطي والتنمية المتوازنة، والحكم الذاتي، والتقسيم العادل للسلطة والثروة..الخ.
كما نأخذ في الاعتبار، رغم تسليح الحكومة لجماعات من القبائل العربية( الجنجويد)، ولكن ذلك يجب الا يحجب عنا حقيقة أن العرب في دارفور هم انفسهم ضحايا تاريخيين، كما ظل الجسم الأساسي للقبائل العربية ضد الفتنة العرقية، وهي نفسها من ضحايا نظام الانقاذ الذي نهب مواردها مثلما نهبت ودمرت القبائل الافريقية.
وبالتالي، فان مصلحة قبائل وشعوب دارفور( عربية وافريقية) في التحول الديمقراطي والتنمية والحكم الذاتي والتعايش السلمي بينها.
كما انه من المهم دراسة الخلفية الاجتماعية والتاريخية للمنطقة التي تساعد في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ننشدهل للاقليم، ان تأخذ في الاعتبار خصوصية الاقليم وتاريخه وواقعه في الاعتبار، ولابد من الاستناد الي الاعراف والتقاليد الايجابية المتوارثة من عهود سلاطين دارفور في حل النزاعات القبلية وتنظيم حركة الرعي والمراحيل وحسب ما توصلت مؤتمرات الصلح السابقة مثل مؤتمر صلح 1989م.وكذلك احترام حق الجميع في الاستفادة من الحواكير، باعتبار ذلك هو الضمان للاستقرار وحل النزاعات التي هزت الاقليم، وضرورة التعايش السلمي لكل القبائل في الاقليم، ونبذ محاولات الاقصاء العرقي الضار بوحدة الاقليم ونسيجه الاجتماعي، كما أنه لابد من احداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في هذا الاقليم ذو التاريخ التليد، وتوفير خدمات التعليم والصحة والعناية البيطرية للحيوانات، وتحقيق التعايش السلمي بين قبائل الاقليم المختلفة، وازالة آثار الجفاف والتصحر باحياء عملية نشر الغطاء النباتي ، هذا فضلا عن بالاقليم اماكانات هائلة كامنة للفائض الاقتصادي في القطاعين الزراعي والحيواني، واذا ما تم الاهتمام بهما يمكن أن يكونا مصدرين مهمين لنهضة وتطور الاقليم والبلاد، حيث لاتقل الثروة الزراعية والحيوانية اهمية عن البترول ، اضافة لثروات الاقليم الاخري من بترول ومعادن وغيرها. ويبقي من المهم الوقف السريع لاطلاق النار وعودة اللاجئين الي الي اراضيهم الزراعية ومراعيهم، والتعويض العادل عن الخسائر الناجمة ومحاكمة مجرمي الحرب ونزع السلاح، ولاسيما سلاح الجنجويد.
ان عودة اللاجئين الي اراضييهم ومواطنهم الاصلية، يعني تخليص شعب دارفور من مذلة الاعتماد علي الاغاثات مع تقديرنا للمجتمع الدولي التي وفرها عند الشدة، ويعني ايضا عودة شعب دارفور الي وضعه الطبيعي كشعب منتج، كان مكتفيا ذاتيا من حيث توفير الغذاء لنفسه منذ عهود السلاطين، وبالتالي يرجع الي وضعه الطبيعي عزيزا مكرما بعيد ا عن مذلة وهوان الاغاثات.
لقد اكد تطور الاحداث ضرورة حل قضية دارفور في اطار قومي شامل، وضرورة قيام مؤتمر جامع تشارك فيه كل القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وحل القضية عبر الحوار الجاد والوسائل السلمية بين الحكومة واطراف الحركات المعارضة، بما يؤدي الي وقف الحرب والاقتتال وتحقيق التنمية في الاقليم، ومعالجة جذور المشكلة.وتحقيق التحول الديمقراطي باعتباره مفتاح الحل للازمة في دارفور، وعود النازحين الي قراهم في اسرع ما يمكن والتعويض العادل عن الاضرار التي لحقت بهم.
واخيرا، نؤكد انه رغم مخطط حكومة الانقاذ لاثارة الفتنة العرقية، الا أن الحسم الاساسي للقبائل العربية في دارفور ظل متماسكا، ولم ينساق وراء الفتنة العرقية، بل ظلت هذه القبائل مع بقية قبائل وشعوب دارفور تطالب بالحل القومي لمشكلة دارفور ، وأن المشكلة سياسية وليست عرقية، كما ظلت القبائل العربية، وكجزء من شعب السودان، صامدة في مقاومة الانقاذ مع القبائل الافريقية الاخري، وباعتبار ان نظام الانقاذ هو الذي دمر النسيج الاجتماعي لدارفور.


دارفور في اطار:
المسألة القومية في السودان
معلوم أن المسألة القومية تنشأ نتيجة للشعور بالاضطهاد القومي سواء كان ذلك بالاحتلال المباشر وقهر شعب لشعب اخر أو اضطهاد قومي أو اثني داخل الدولة الواحدة، بمعاملة شريحة من المواطنين باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية.كما أن المسألة القومية اتخذت في كل بلد طابعا يميزها عن البلدان الاخري.
علي أن المسألة القومية تنشأ نتيجة للتطور المتفاوت بين الشعوب ، واتخذت طابعها الحديث مع تفكك النظم الاقطاعية في اوربا، وبروز نمط الانتاج الرأسمالي ، وبعد تحول الرأسمالية الي احتكار واتجاهها للتوسع في بقية بلدان العالم الثالث بهدف تصدير نمط الانتاج الرأسمالي واستعمار شعوب اخري بحيث تظل بلدان المستعمرات منتجة للمواد الخام ومستهلكة للسلع الرأسمالية من البلدان الرأسمالية المتطورة ، وبالتالي وقع علي شعوب المستعمرات التحرر من الاضطهاد القومي بالنضال من اجل الاستقلال السياسي ، والمضي الي ابعد من ذلك باستكمال الاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي.
ما هي سمات وخصائص تطور المسألة القومية في السودان؟.
مهم أن نتابع خصائص وسمات المسألة القومية في السودان بذهن مفتوح ومن خلال تحليل ملموس للحقائق والاوضاع التاريخية التي تجلت فيها، لأن ذلك يساعد في الاقتراب من حلها لمصلحة وحدة السودان من خلال تنوعه.
معلوم أن السودان شأنه كبقية الامم شهد تكوينات ماقبل الرأسمالية في السودان، والتي تدرجت من التكوينات العشائرية التي تربطها صلة القرابة والدم الي القبيلة التي توحد مجموعة من العشائر المعينة في رقعة معينة من الارض، حيث عرفت في البداية الملكية الجماعية للارض والتقسيم البدائي للعمل بين الرجال والنساء، ونظام الامومة، كما اوضحت حضارات المجموعة(أ)، (ج) التي اكتشفها علماء الآثار، والتي بدات تعرف بدايات الزراعة وتربية الحيوان.
مع اكتشاف الزراعة وتربية الحيوانات بدأت تعرف تلك القبائل الفائض الاقتصادي، والذي أدى الي نشوء اقدم مملكة سودانية: مملكة كرمة والتي شهدت التفاوت الطبقي والدولة والجيش وتطور الزراعة والصناعات الحرفية، والتبادل التجاري مع البلدان المجاورة مثل: مصر، كما اوضحت اثار تلك الفترة، وهذا يعكس أن الدولة تنشأ نتيجة لوحدة قبائل معينة في رقعة معينة من الارض مما مهد الطريق لنشؤ المسألة القومية، ثم بعد ذلك تم التوسع في تطور الدولة السودانية في السودان القديم: كما هو الحال في ممالك نبتة ومروى، وفي السودان الوسيط الذي شهد قيام ممالك النوبة المسيحية(نوباتيا، المقرة، علوة)، الممالك الاسلامية(الفونج، الفور ، تقلي، المسبعات).
شهدت تكوينات ماقبل الرأسمالية في السودان نشأة الدولة التي وحدت مجموعة من القبائل، وبالتالي ظهرت المسألة القومية، اذ ان القومية تضم مجموعة من القبائل، كما عرفت هذه الدول أو الحضارات المدن، اقتصاد السلعة – النقد ، التجارة الداخلية والخارجية، كما شهدت تطور حرفة الزراعة والرعي، وتطور اللغة المكتوبة: حيث حدث تطور لغوي من اللغة المصرية القديمة(الهيرولوغلوفية) الي استنباط ابجدية محلية بدأت باللغة المروية ، ثم اللغة النوبية في الممالك المسيحية، ثم اللغة العربية، كما تفاعلت الثقافات التي شكلت حضارات السودان المختلفة ، ونتج من هذا التفاعل الثقافة أو الهوّية السودانية والتي تتميز بالوحدة والتنوع، كما نتج من هذا التفاعل تاريخ مشترك أو تنوع تاريخي وثقافي.
كما عرفت تكوينات ما قبل الرأسمالية في السودان نظم الرق والاقطاع بخصوصيات وسمات معينة، تمت معالجتها بتفصيل في مؤلفات لكاتب هذه السطور( انظر: تاج السر عثمان: تاريخ النوبة الاقتصادي الاجتماعي، دار عزة 2003، لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي، مركز محمد عمر بشير 2004، تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي، مكتبة الشريف الاكاديمية 2005م).
كانت حضارات أو تكوينات ماقبل الرأسمالية في السودان، تنفي بعضها ديالكتيكيا، بمعني أن كل حضارة كانت تستند علي منجزات الحضارة السابقة وتضيف لها الجديد الذي يكسبها قوة ومنعة واتساعا، وهذا ما نلمسه في الامثلة التالية:
1- في ممالك النوبة المسيحية بدأ الشعور القومي بالوحدة يتنامي، كما يتجلي ذلك في اتحاد مملكتي نوباطيا والمقرة في مملكة دنقلا(المقرة)، والتي وصفها المؤرخون، بأنها كانت عظيمة.
2- نلاحظ في ممالك النوبة المسيحية ، وان لم تنتشر المسيحية بشكل اوسع وشعبي في السودان، الا ان الديانة المسيحية الجديدة وحدت قبائل مختلفة علي أساس الدين الجديد ، وبالتالي خلقت بذور الشعور القومي المشترك ، فضلا عن الدفاع عن الوطن والذي عبر عن نفسه في الدفاع عن العقيدة، كما تجلي ذلك في مقاومة حملة عبد الله بن ابي السرح، والتي نتجت عنها اتفاقية البقط بين الدولة المسيحية في المقرة، ودولة الخلافة الاسلامية.
3- اما السلطنة الزرقاء أو سلطنة الفونج فقد كانت ميلا اوسع نحو الوحدة، اذ نلاحظ انها ضمت الرقعة التي كانت تضم ممالك النوبة المسيحية(المقرة وعلوة)، كما بدأ الشعور القومي يتسع، حيث نجد الطريقة الصوفية توحد افراد من قبائل مختلفة علي اساس الانتماء للطريقة بدلا من القبيلة.
كما شهدت السلطنة الزرقاء تطورا غير متوازن بين شعوبها وقبائلها، اضافة لنظام الرق الذي كان سائدا وكتشكيلة اقتصادية- اجتماعية استغلالية عرفتها كل شعوب العالم،مما شكل الخلفية التاريخية لبروز المشكلة القومية في السودان.
4- علي أن التطور الكبير الذي شهده السودان في تطوره نحو امة ، باعتبار أن الامة تضم مجموعة من القوميات في مساحة أو رقعة جغرافية اوسع، كان في فترة الحكم التركي- المصري (1821- 1885م)، والذي شهد تكوين السودان بشكله حيث ضم دارفور ، المديريات الجنوبية، اقليم التاكا(كسلا)، وظهر السودان بحدوده الحالية تقريبا.
كما بدأ الشعور القومي يزداد وتنداح دائرته، كما نلمس ذلك في ظهور طرق صوفية اوسع مثل الختمية التي وحدت قبائل من شرق وشمال ووسط السودان.
علي أن اللافت للنظر في تلك الفترة ظهور بذور نمط الانتاج الرأسمالي الذي تجلي في ارتباط السودان بالتجارة الخارجية عن طريق سلعتي( العاج والصمغ)، واتساع التعامل بالنقد نتيجة لظهور المحاصيل النقدية مثل: القطن، النيلة، الخ، اضافة لظهور العمل الماجور، نتيجة لاقتلاع الالاف المزارعين من اراضيهم وسواقيهم بسبب الضرائب والجبايات الباهظة، ليجدوا أنفسهم عمال ماجورين في مصانع ومؤسسات الحكم التركي.وبالتالي بدأ يظهر نمط الانتاج الرأسمالي الذي يضم كادحين من قبائل واصول مختلفة يعملون في المشاريع الزراعية والصناعية للحكومة أو الافراد بأجر، ويجمهم الشعور المشترك بالظلم والقهر والنضال من اجل تحسين مستوى المعيشة ، وهذا ما كان يظهر في انتفاضات العاملين في عمل السخرة والمؤسسات التي كان يديرها الاحتلال التركي. كما تزايد الشعور القومي والاحساس المشترك لشعوب وقبائل السودان بالاضطهاد والقهر الذي كان يمارسه الاحتلال وخاصة في جباية الضرائب والنهب المنظم لقدرات البلاد الاقتصادية والبشرية لمصلحة دولة محمد علي باشا في مصر. اضافة لمقاومة القبائل في الجنوب وجبال النوبا وجبال الانقسنا لحملات جلب الرقيق الجائرة.
كما تم التوغل في جنوب السودان بهدف تجارة الرقيق التي شهدت توسعا كبيرا في تلك الفترة ، اضافة لتجارة العاج ، حيث تم اقتلاع قبائل بكاملها من مواقعها. كما قاومت قبائل وشعوب الجنوب الاحتلال التركي وحملات صيادي الرقيق ، ومن هنا جاءت جذور المسألة القومية في الجنوب والتطور غير المتوازن بين الشمال والجنوب وجذور التخلف في الجنوب وجبال النوبا، وجبال الانقسنا، وجنوب دارفور..الخ.
لقد ادى التطور غير المتوازن الي مركزية الثقافة العربية الاسلامية و تهميش القوميات التي شكلت حزاما حول الوسط مثل: النوبا في الشمال، البجا في الشرق، والانقسنا في جنوب النيل الازرق ، الجنوب، جبال النوبا،..الخ، اضافة للتهميش علي المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي(راجع:تاج السر عثمان: الجذور التاريخية للتهميش في السودان، مكتبة الشريف الاكاديمية 2005م).
كان الشعور القومي طاغيا في بداية الثورة المهدية، التي وحدت القبائل في الشمال والجنوب والشرق والغرب ضد المستعمر(شاركت حتي قبائل الدينكا والشلك في الثورة).
علي أن سياسة الخليفة عبد الله التي عملت علي تهجير قبائل باكملها من الغرب الي الشمال ، والسياسة الحربية التي ادت الي قيام معسكرات في اطراف ووسط البلاد، ادت الي المزيد من دمج وصهر القبائل، وبالتالي، عمقت التصاهر والتمازج القومي وخاصة في المدن السودانية مثل ام درمان، القضارف وغيرهما.
ولكن سياسة الخليفة عبد الله التعايشي في ايامه الأخيرة التي كرّست الهيمنة وحكم الفرد وضرب القبائل التي قاومت القهر والتعسف في الشمال والجنوب والغرب والشرق ، اضعفت الشعور القومي وفتت من عضد السودانيين كامة، وبالتالي، كان السودان لقمة سائغة للاحتلال الانجليزي – المصري عام 1898م.
5- شهدت فترة الاحتلال البريطاني للسودان توسعا في الشعور القومي المشترك والذي اهمه الشعور بالاحتلال الأجنبي للسودان، والذي بدأت المقاومة له: بالمقاومة القبلية في الشمال والجنوب والغرب والشرق، والمقاومة من من منطلقات دينية، حتي قيام التنظيمات الحديثة التي وحدت افراد من قبائل مختلفة علي اساس سياسي واجتماعي وثقافي ورياضي وفني، مثل: قيام جمعية الاتحاد السوداني وجمعية اللواء الابيض، ومؤتمر الخريجين والاحزاب السياسية بعد الحرب العالمية الثانية، اضافة الي اندية الخريجين واندية العمال والاندية الرياضية والثقافية والنقابات والاتحادات.
كما وحدت المشاريع الزراعية والصناعية والخدمية التي انشأها المستعمر بعد سياسة تحرير الرقيق ، والتي كان هدفها تحويل البلاد الي مزرعة قطن كبيرة ، وحدت العاملين في تلك المؤسسات والمشاريع والورش ، والتي ضمت ابناء قبائل من مناطق مختلفة ، كما تطورت وتوسعت المدن والحركة التجارية واقتصاد السلعة- النقد ، اضافة للتعليم المدني الحديث الذي ضم طلابا من قبائل وشعوب مختلفة مما عمق الشعور القومي ، اضافة للمدن التي انصهرت واندمجت فيها القبائل المختلفة.
علي أن سياسة المستعمر وخاصة بعد ثورة 1924م، عرقلت ذلك التطور الموضوعي، عندما ادخلت الادارة الاهلية، وسنت قانون المناطق المقفولة، والسياسة اللغوية في الجنوب(مؤتمر الرجاف)، وتقليص التعليم في الجنوب ، وتعميق الصراع بين الشمال والجنوب بتصوير العرب فقط هم تجار الرقيق ، علما بأن تجارة الرقيق كانت تجارة كونية، قام بها شماليون وجنوبيون ومصريون واوربيون..الخ.
كما عمق الاستعمار سياسة التنمية غير المتوازنة، علي سبيل المثال في الجنوب: لم يتم اى مشروع غير مشروع الزاندي والذي توقف بعد احداث 1955م، هذا اضافة لضريبة الدقنية والاجر غير المتساوى للعمل المتساوى بين العمال الشماليين والجنوبيين، وغير ذلك من القنابل الموقوتة التي خلفها الاستعمار والتي عمقت الصراع القومي بين الشمال والجنوب والتطور غير المتوازن في البلاد.
علي أن عمق وتطور الحركة الوطنية كان ترياقا ضد السياسة الاستعمارية ، وكان الشعور القومي طاغيا في معركة الاستقلال، حتي اجلاء القوات الاجنبية عام 1956م.
وبعد الاستقلال لم يتم تعزيز الاستقلال السياسي باستقلال اقتصادي وتنمية متوازنة بين اقليم السودان المختلفة، وسارت الحكومات المدنية والعسكرية علي خطى التمية الرأسمالية الاستعمارية التي عمقت الفوارق الطبقية والتفريط في السيادة الوطنية، وتكريس الفقر وتعميق التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والاستعلاء الديني والعنصري والقهر والتسلط باسم الدين، وعدم الوفاء بالعهود والمواثيق.
كل ذلك ادى الي تعميق مشكلة الجنوب التي انفجرت عام 1955م، وانفجرت مرة اخري بشكل اوسع بعد فشل اتفاقية اديس ابابا عام 1983م. كما انفجرت الحركات الاقليمية في دارفور وجبال النوبا، واتحادات شمال وجنوب الفونج، بعد ثورة اكتوبر 1964م، وقبل ذلك كان مؤتمر البجا الذي تأسس عام 1958م. طالبت تلك الحركات بمطالب مشروعة تتلخص في : تطورير وتنمية مناطقها وتوفير الخدمات الاساسية لمواطنيها(التعليم، الصحة، الخدمات-كهرباء، مياه - ، العناية البيطرية...الخ). وكانت تلك الحركات ظاهرة صحية حركت سكون وركود تلك المناطق وجذبتها الي حلبة الصراع السياسي والقومي والاثني، وطالبت بالاعتراف بهويتها الثقافية.
علي أن المسألة القومية انفجرت بشكل اعمق واوسع في فترة الانقاذ التي عمقت الفوارق الطبقية والتنمية غير المتوازنة والاستعلاء الثقافي واللغوي والديني، حتي اتسع نطاق الحرب الذي شمل الغرب والشرق وجبال النوبا وجنوب النيل الازرق..الخ.حتي تم توقيع اتفاقية نيفاشا التي اكدت علي الاعتراف بالفوارق الثقافية والتحول الديمقراطي والتنمية وتحسين احوال الناس المعيشية ، ولكن حتى الآن لم يتم تنفيذ الاتفاقية مما يهدد بالعودة لمربع الحرب مرة اخري.
وخلاصة ما نود أن نقوله في هذا المقال:
• الوحدة والتنوع والاندماج والانصهار القومي والثقافي والاثني في السودان، هي نتاج تطور تاريخي.
• الحل لايكمن في الانفصال وتمزيق اوصال البلاد، كما يبشرنا بذلك غلاة الانفصاليين في الشمال وفي حركات الاقليات القومية في المناطق المهمشة، هذا فضلا عن أن ذلك ضد التطور التاريخي للمسألة القومية في السودان، والذي عبرت عنه حضارات وثقافات السودان المتنوعة، ولكن الحل يكمن في التكامل والتطور المتوازن والحكم الذاتي والعدالة في توزيع الثروة والسلطة، والوحدة من خلال التنوع وعلي أسس المساواة الحقيقية بين كل الاعراق والاثنيات ونبذ فكرة المواطن من الدرجة الثانية.
• الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع هي الضمان ضد التشرذم والتفتت والانفصال والذي تكرّسه الدولة الدينية.








المصادر والمراجع
أولا : العربية ( وثائق ، كتب ، دوريات ) .
1 – إبراهيم إسحاق إبراهيم : السيرة الهلالية في دار فور ، دراسة تحليلية في مناهج المؤرخين العرب ، التراث الشفاهي – رسالة ماجستير ، جامعة الخرطوم أغسطس 1982
2 – إبراهيم إسحاق إبراهيم : نكات السخرية بين المجموعات السكانية ( استقصاء في الوظيفة التاريخية للعينة في دار فور ) ، مجلة الثقافة السودانية ، فبراير 1980 .
3 - إبراهيم إسحاق إبراهيم : تحقيق وثيقة سلطانية من دار فور – خطاب السلطان محمد الفضل إلى والى مصر محمد على باشا ، مجلة الدراسات السودانية ديسمبر 1982 .
4 – أحمد عبد لرحيم نصر : رصد ودراسة لبعض جوانب السيرة الهلالية في السودان ، مجلة الدراسات السودانية ، معهد الدراسات الآفرو – آسيوية ، العدد 221 ، مزدوج المجلد الثاني اكتو بر 1988.
5 – آدم الزين : التراث الشعبي لقبيلة المسبعات شرق الفاشر ، سلسلة دراسات التراث السوداني ، الخرطوم ، شعبة أبحاث السودان ، كلية الآداب جامعة الخرطوم ، مارس 1970 .
6 – إدوارد وستر مارك : قصة الزواج ، مكتبة النهضة ، القاهرة بدون تاريخ ، ترجمة : عبد المنعم الزيادي .
7 – احمد الصافي : مدخل لدراسة الطب التقليدي في السودان ، مجلة الدراسات السودانية ، العدد الثاني ، المجلد السادس ، ديسمبر 1982 .
8 – الشاطر بصيلي عبد الجليل : تاريخ وحضارات السودان الشرقي والأوسط ، من القرن السابع إلى القرن التاسع عشر للميلاد ، الهيئة المصرية للكتاب 1972 .
9- الانتقال من الإقطاع إلي الرأسمالية – مجموعة من الكتاب دار ابن خلدون – بيروت ط2 1982 م ، ترجمة عصام الخفاجي .
10 – تاج السر عثمان الحاج : مدخل لدراسة التاريخ الاقتصادي الاجتماعي للسودان القديم ( مخطوط غير منشور ) .
11 – تاج السر عثمان الحاج : تاريخ النوبة الاقتصادي الاجتماعي ( دار عزة للنشر 2003 م )
12 –تاج السر عثمان الحاج : لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي ، مركز محمد عمر بشير 2004 .
13- حسين سيد أحمد المفتي : تطور نظام القضاء في السودان ، الجزء الأول ، الخرطوم 1959 . 13 – جوستاف ناختقال : سلطنة دار فور : أقاليمها وأهلها وتاريخهم ، ترجمة النور عثمان أبكر ومراجعة النص العربي : عالم عباس محمد نور ، دار عزة للنشر 2004
15 – ج . فانتيني : تاريخ المسيحية في ممالك النوبة والسودان الحديث ، الخرطوم 1978
16 – محمد بن عمر التونسي : تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان ، تحقيق د . خليل محمود عساكر ود . مصطفي محمد مسعد ومراجعة د . محمد مصطفي زيادة ، القاهرة 1965 .
17 – محمد إبراهيم أبو سليم الفور والأرض ، وثائق تمليك الخرطوم معهد الدراسات الآفرو – آسيوية ، جامعة الخرطوم 1975
18 – محمد إبراهيم أبو سليم : في الشخصية السودانية ، دار جامعة الخرطوم للنشر 1979 .
19 – محمد سعيد القدال : الإمام المهدي لوحة لثائر سوداني ، دار جامعة الخرطوم للنشر 1985 .
20 – محمد عبد الرحيم النداء في دفع الافتراء ، الجزء الأول ، يونيو 1952 .
21 – محمد علي نصر الله : تطور ملكية نظام ملكية الأراضي في الإسلام ، نموذج أراضي السواد ، دار الحداثة بيروت ط2 1985 .
22 – موسى المبارك الحسن : تاريخ دار فور السياسي ، الخرطوم 1970 .
23 – موسى آدم عبد الجليل وعبد الله آدم خاطر : التراث الشعبي لقبيلة الفور ، وحدة أبحاث السودان 1977 .
24 – منصور خالد : الفجر الكاذب ، در الهلال 1986 .
25 – مرغريت شيني ك موجز لتاريخ السودان إلي سنة 1500 م ترجمة ثابت حسن ، مصلحة الآثار بدون تاريخ .
26 – نعوم شقير : تاريخ السودان ، تحقيق د . محمد إبراهيم أبو سليم بيروت – لبنان ط2 1988 .
27 – سلاطين باشا : السيف والنار في السودان ، دار الجيل بيروت ط2 1988 م .
28 – سمير أمين : الصراع الطبقي في إفريقيا ، مجلة الفكر المعاصر ، مايو 1979 . ، ترجمة بيومي قنديل .
29 – سمير أمين : التطور اللامتكافئ ، ط4 دار الطليعة بيروت 1985 ، ترجمة برهان غليون .
30– عبد الحميد متولي : تطور نظام الحكم في السودان منذ أقدم العصور ، الجزء الأول ، مطبوعات جامعة أم درمان الإسلامية 1969 .
31 – عبد المجيد عابدين : تاريخ الثقافة العربية في السودان ، ط2 1967 .
32 – عبد الغفار محمد أحمد : السودان والوحدة في التنوع ، برلين الغربية 1987 .
33 – عبد الغفار محمد أحمد وآخرون ، جمع وإعداد وتقديم ، تنمية واستقرار الرحل ، مجموعة مقالات ، مجلس الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية ، بدون تاريخ .
34 – عون الشريف قاسم : قاموس اللهجة العامية في السودان القاهرة 1985 .
35 – علم الدين عمر : الأخذ والعطاء في الثقافة السودانية ، العدد 14، مايو 1980 .
36 – هنري رياض : موجز تاريخ السلطة التشريعية في السودان دار الثقافة بيروت ، مكتبة النهضة الخرطوم 1967 .
37 – يوسف فضل : مقدمة في تاريخ المملك الإسلامية في السودان الشرقي ( 1450 – 1821 م ) ، دار جامعة الخرطوم للنشر 1989 .
38 – يوسف تكنة : الثقافة وأثرها في تحديد الاتجاهات الإدارية مجلة الثقافة السودانية ، العدد 23 ، يناير 1988 .
39 – يحي محمد إبراهيم : تاريخ التعليم الديني في السودان ، دار الجيل بيروت – لبنان 1987 م .



ثانيا: الإنجليزية :
1- Arkell,A . J : Ahistory of The Sudan to 1821 ( London 1961 ).
2- Arkell, A,J,: The history of Darfour, S.N.R. Vo.32 (1951).
3- Brown, W . G , : Travels on Africa Egypt and Syria for the years 1792 to 1798 , London 1799
4- Ofahey, R , S and J . L , Spaulding : Kingdoms of The Sudan , London 1974 5- Ofahey , R, S , : The state and Society in Dar Four ( Hurst- London 1980 ).
6- Ofahey , R , .S : Religion and trade in Kayra Sultanate of Dar Four , Sudan in Africa ed. and intro By Yousif Fadl ( U . of . K , 1985 ) .
7- Ofahey , R, S , and M I , Abu Salim : Land in Dar –
Fur , Charters and related documents from the Dar Fur Sultanate ( Cambridge University Press 1983 ) .





د. محمد المهدي بشري
حول كتاب تاريخ الفور الاجتماعي

تاريخ الفور الاجتماعي
تأليف: تاج السر عثمان الحاج محمد
الناشر: دار عزة للنشر ـ الخرطوم 2003
الصفحات: 74 صفحة من القطع المتوسط
عن دار عزة للنشر والتوزيع صدر كتاب «تاريخ الفور الاجتماعي» لمؤلفه تاج السر عثمان الحاج، والمؤلف استاذ رياضيات بالمرحلة الثانوية وقد دخل الى عالم الاهتمام بالتاريخ من باب اهتمامه بالسياسة وكتب العديد من الدراسات عن تاريخ السودان الوسيط وله دراسة عن مملكة الفونج عالج فيها هذه المرحلة المهمة من تاريح السودان بالتركيز على القضايا الاجتماعية، اما مؤلفه الحالي عن تاريخ الفور الاجتماعي فهو كراسة تقع في سبعين صفحة مقسمة الى قسمين يعالج القسم الاول ما اسماه المؤلف بالبنية الانتاجية الطبقية، اما القسم الثاني فعنوانه البنية الثقافية الفكرية.
في القسم الاول يدرس الكاتب قضايا مثل الزراعة، التجارة، والتركيب الطبقي، ويخصص القسم الثاني لقضايا مثل النظام السياسي والاداري، المرأة، نظام القضاء، الخ ولكن ثمة خيط يربط هذه الموضوعات جميعها ببعضها البعض وهذا الخيط يجيء من منظور الكاتب الذي يركز على ما اسماه بالتشكيلة الاقتصادية الاجتماعية، ونلمس هنا محاولة الكاتب تجاوز الكثير من الدراسات التاريخية السابقة التي يركز اغلبها على الصراع السياسي وتداعيات هذا الصراع على الواقع مع اغفال تام لجوهر قضية هذا الصراع الذي عادة لا يأتي من فراغ بل هو نتيجة حتمية لجملة قضايا اخرى وعلى رأسها الواقع الاقتصادي والاجتماعي للجماعة التي تعالجها الدراسة يمكن القول هنا ان هذه الدراسات كانت تنظر للغابة وتتجاهل الاشجار لهذا وقعت هذه الدراسات في الكثير من الاخطاء مثل تقسيم تاريخ السودان الى فترات زمنية تبدأ بالحضارات القديمة وتنتهي بالعصر الحديث، وعادة ما ينظر لكل فترة على حدة مثل الفونج، المهدية، الحكم الثنائي، الخ دون الانتباه الى ما يربط هذه المراحل ببعضها البعض، اما الدراسة التي نحن بصددها فهي محاولة لتجاوز هذه النظرة التجزيئية لتاريخ السودان،
والمؤلف على وعي بقصور هذه النظرة لذلك يقول صراحة في مقدمة مؤلفه الذي انه يهدف من خلال هذه الدراسة اليك «ترسيخ منهج جديد في كتابة تاريخنا يكون مركز الثقل فيه ابراز نشاط انسان دارفور المادي والروحي في مختلف الجوانب» ويعني المؤلف بقوله هذا ما ذكره في موقع آخر وهو اشارته الى ضرورة «دراسة التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية التي تشمل دراسة تنماط الانتاج: ملكية الارض، الزراعة والرعي والصيد، قوى الانتاج وعلاقات الانتاج، التركيب الطبقي، توزيع الثروة.. الخ»
ومن الواضح ان الكاتب ادخل نفسه في تحد كبير ينطوي على تكريس منهج جديد في دراسة تاريخ بعض المجتمعات السودانية عبر مراحله المختلفة، وقد اعد الكاتب نفسه بشكل جيد لهذا التحدي نلمس هذا في اطلاعه الواسع لمراجع ومصادر مجتمع الفور باللغتين العربية والانجليزية ويمكن القول انه اطلع على اغلب المصادر الرئيسية التي درست تاريخ المنطقة، وامر مهم اخر هو اهتمام الكاتب بالمصادر الشفاهية التي قلما يهتم بها المؤرخ، خاصة ذلك المؤرخ الذي ينتمي للمدرسة التقليدية التي اشرنا لها سابقا، اضافة لهذا فقد وظف الكاتب اطلاعه الواسع هذا في دراسة بعض ملامح مجتمع الفور التي عادة لا تكون محل اهتمام المؤرخ او الباحث وهي تلك القضايا التي تقع في دائرة ما يمكن ان نسميه بالمسكوت عنه ونشير هنا على سبيل المثال لقضية بالغة الحساسية مثل قضية الرق، فنجد المؤلف يفرد حيزا لهذه القضية ويحاول ارجاع الظاهرة الى جذورها التاريخية وذلك في اطار حديثه عن التركيب الطبقي فهو يفرد حيزا يعطيه عنوانا «خصوصية الرق في سلطنة دارفور» ويحاول فيه ابراز الدور الاقتصادي والاجتماعي ويخلص للقول بأهمية هذا الدور الذي يلعبه الرق في النسيج الاقتصادي والاجتماعي في سلطنة دارفور.
كذلك اهتم الكاتب بقضية المرأة في دارفور وافرد لها حيزا في القسم الثاني من كتابه واشار الى الدور الكبير الذي تلعبه المرأة في هذا المجتمع، ويقول في هذا الصدد «كانت المرأة تلعب دورا مهما في مجتمع سلطنة دارفور وتقوم بأعمال الزراعة، اعمال النسيج، تربية الاطفال، اعداد الطعام، صناعة الفخار، صناعة الخمور، بناء المنازل وتشترك في الصيد احيانا.. الخ، ومن المعرف ان المرأة في هذا المجتمع عرفت عادة الخلع اي طلب الطلاق من الزوج مقابل دفع مال معين من المال وذلك حسب ما اشار المؤلف ومن الطريف حقا ان المرأة في دارفور في ذلك الزمان البعيد عرفت هذه العادة الامر الذي يثير ضجة في بعض البلاد العربية حاليا خاصة في مصر.
نخلص للقول بأن هذه الدراسة رائدة ومبتكرة وعلى الرغم من عدم اجابة الدراسة عن الكثير من الاسئلة التي تطرحها الدراسة مثل تناقض وضع المرأة، فهي في جانب تملك الكثير من الحقوق مثل حق الخلع، ولكنها في جانب آخر تبدو مستغلة وكأنها جزء من املاك الرجل، الا ان المؤلف يكفيه فضل اثارة هذه الاسئلة وهو على كل حال ترك الباب مفتوحا لغيره من الباحثين والمؤرخين خاصة، ليدلو بدلوهم في هذه القضايا الشائكة والمعقدة.
محمد المهدي بشرى
سودانيز اون لاينز : 7 / 10 / 2003م















السيرة الذاتية للمؤلف:
• تاج السر عثمان الحاج
• اللقب: السر بابو.
• من أبناء أمبكول بمنطقة مروي بالولاية الشمالية.
• من مواليد مدينة عطبرة، يناير 1952م.
• تلقي تعليمه الأولي والاوسط والثانوي بمدينة عطبرة.
• تخرج في جامعة الخرطوم- علوم رياضيات – ابريل 1978م.
• باحث ومهتم بتاريخ السودان الاجتماعي.
• صدر له:
1- تاريخ النوبة الاقتصادي – الاجتماعي، دار عزة 2003م.
2- لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي، مركز محمد عمر بشير 2004م.
3- تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي، مكتبة الشريف 2005م.
4- النفط والصراع السياسي في السودان، بالاشتراك مع عادل احمد ابراهيم، مكتبة الشريف 2005م.
5- خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية، الشركة العالمية 2006م.
6- الجذور التاريخية للتهميش في السودان، مكتبة الشريف 2006م.
7- التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي في السودان، مركز محمد عمر بشير 2006م.
8- تطور المرأة السودانية وخصوصيتها، دار عزة 2006م
9- الدولة السودانية: النشأة والخصائص، الشركة العالمية 2007م.
10- تقويم نقدي لتجربة الحزب الشيوعي السوداني ( 1946- 1989م)، دار عزة 2008م.
11- دراسة في برنامج الحزب الشيوعي السوداني، الشركة العالمية 2009م.
12- أوراق في تجديد الماركسية، الشركة العالمية 2010م.
13- دراسات في التاريح الاجتماعي للمهدية، مركز عبد الكريم ميرغني 2010م
14- قضايا المناطق المهمشة في السودان، الشركة العالمية 2014
15- أسحار الجمال في استمرارية الثقافة السودانية، دار مدارات 2021
16- الهوّية والصراع الاجتماعي في السودان، دار المصورات ، 2021
17 – الأرض والصراع الطبقي والاجتماعي في السودان، دار المصورات 2025 .
18- في ذكراها المئوية : دور ثورة 1924 في تطور الحركة السياسية والثقافية، الشركة العالمية 2025
19 – دراسات ومواقف في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني ، دار عزة 2023
• كاتب صحفي وله عدة دراسات ومقالات ومنشورة في الصحف السودانية والمواقع الالكترونية، ومشارك في العديد من السمنارات وورش العمل داخل وخارج السودان.
• عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني
• أُعتقل مرتين خلال ديكتاتورية نميري عامي 1973م، و1977م، ومرتين خلال ديكتاتورية الانقاذ عام 1995م لمدة سنة وتعرض لتعذيب وحشي، وفي مارس 2018 بعد هبة 16 يناير ضد النظام.
• متزوج وأب



#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يمكن إعادة الإعمار بدون وقف الحرب؟
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها
- كتاب نهب الذهب الدموي في السودان
- منهج الماركسية متجدد مع تغير الواقع
- الحرب وتفشي الكوليرا ومصادرةحقوق الإنسان
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة
- في ذكرى انقلاب مايو ما هي حقيقة التأميمات والمصادرة عام 1970 ...
- في ذكراه ال ٥٦ كيف حدث انقلاب ٢٥ مايو &# ...
- العقوبات الأمريكية والمزيد من العزلة والمعاناة
- كتاب التعليم في السودان : الحصاد والاصلاح
- تعيين د. كامل إدريس حلقة في المخطط لتصفية الثورة
- الذكرى ال ٥٦ لانقلاب ٢٥ مايو ١¤ ...
- لا جدوى لتعيين رئيس وزراء من انقلاب غير شرعي
- في ذكرى رحيله ٨٤ كيف كان معاوية نور شعلة من الإبدا ...
- في ذكرى رحيله ٨٤ كيف كان معاوية نور شعلة من الإبدا ...
- لا بديل غير وقف الحرب ومنع تكرارها
- استمرار فساد ونهب الطفيلية الاسلاموية بعد الحرب
- أوقفوا التصفيات على أساس عرقى وعنصري
- عودة لزيارة ترامب لدول الخليج وحرب السودان
- كيف كشف انقلاب القصر عن طبيعته الديكتاتورية؟


المزيد.....




- حيوان غير متوقع على طريق سريع يتسبب بحادث قوي لدراجة نارية.. ...
- كوريا الجنوبية: تصويت لانتخاب رئيس جديد بعد اضطرابات الأحكام ...
- شتّتهم الحرب وجمعهم المنفى... أمّ فلسطينية تلتقي أطفالها بعد ...
- 4 أسئلة لـ-اختبار الولاء- لترامب
- أوربان: حل الصراع الأوكراني سيكون ضمن اتفاق بين روسيا والولا ...
- إدانة رجل من مواليد تركيا أحرق نسخة من القرآن في لندن.. فبما ...
- طهران ترد على البيان الختامي لاجتماع المجلس الوزاري للتعاون ...
- مراسلتنا في لبنان: حركة مغادرة كثيفة لعائلات سورية من طرابلس ...
- وزير الخارجية الإيراني من بيروت: نحترم شؤون لبنان الداخلية و ...
- برونو روتايو.. سياسي فرنسي بدأ صحفيا وانتهى وزيرا للداخلية


المزيد.....

- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - تاج السر عثمان - كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي