أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - تاج السر عثمان - كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة















المزيد.....



كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة


تاج السر عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 8355 - 2025 / 5 / 27 - 18:00
المحور: سيرة ذاتية
    


تاج السر عثمان الحاج
طمي الأتبراوى
محطات في دروب الحياة..
الخرطوم : فبراير 2024


يا أهلنا ومبتدأنا
ياحلاة مسرح صبانا
وذكرياتنا ومشتهانا


الإهداء
إلي شقيقي إسماعيل عثمان
ذلك الانسان
رجل البر الإحسان
أمد الله في عمره
كما كان سببا في مد عمري
عندما تبرع لي بكليته
في ظروف قاسية.















تقديم
رغم أن الكتابة عن النفس ثقيلة علي الانسان، الا أنني رأيت من المهم تسجيل ملحطات مهمة من تجربتي في الحياة بدروبها الوعرة وذكرياتها الجميلة والمؤلمة، ولا سيما في خريف العمر وعلي أعتاب مغادرة الحياة، عسي أن تستفيد الأجيال القادمة من دروسها بسلبياتها وايجابياتها، رايت أن ذلك، واجب وفرض عين علي الذين اشتغلوا بالعمل العام، أن يسجلوا تجاربهم التي هي ملك شعبنا للاستفادة منها.
وفي هذا المنحي سجلت محطات من تلك الذكريات التي غطت الطفولة والنشأة الأولي بمدينة عطبرة، ومراحل الدراسة من الخلوة حتى التخرج في جامعة الخرطوم، ومشاهدات وذكريات من مدينة عطبرة غطت سوقها وانديتها الرياضية والفنية ومكتباتها العامة والخاصة ، ودار الرياضة ودور السينما ، وتجارب في أندية الصبيان وعمال السكة الحديد والشبيبة، وتجارب العمل الصحفي وذكريات بمرها وحلوها عاشها الانسان،يجدها القارئ الكريم مسجلة في ذكريات العمل الصحفي والأدبي والفني ، وتجربة في الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم ، وتجربة في دراسة التاريخ الاجتماعي للسودان، وتجربتي مع مرض الفشل الكلوي ، وذكريات البحر ، وغيرها مما يجده القارئ في هذا الكتاب الذي نأمل أن يفيد القراء والباحثين.
تاج السر عثمان
فباير 2024








المحتويات
الموضوع الصفحة
1- النشأة والتكوين
2- زيارة اسماعيل الأزهري لمدينة عطبرة 1957
3- تجربة في الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم
4- سوق مدينة عطبرة
5- تجربة في نادي عمال السكة الحديد بعطبرة
6- ذكريات من مكتبات مدينة عطبرة
7- ذكريات من نادي الصبيان بعطبرة
8- ذكريات اذا ما آخر العلاج الكي
9- ذكريات أدبية وفنية
10 – ذكريات من الأندية الرياضية والاجتماعية والثقافية
11- ذكريات من الحركة السياسية والوطنية بعطبرة
12 – ذكريات من البحر
13- ربط الدراسة بالعمل
14- تجربة مقاومة البعد والغربة
15- تجربة في دراسة التاريخ الاجتماعي للسودان
16- تجربتي في العمل الصحفي
17- تجربتي مع مرض الفشل الكلوي
18 – تحربتي مع مرض الكورونا

























1
النشأة والتكوين
نشأت في مدينة عطبرة التي ولدت فيها في اوائل الخمسينيات من القرن الماضي ، وتلقيت تعليمي فيها حتى المرحلة الثانوية، وبعدها التحقت بجامعة الخرطوم التي تخرجت فيها – علوم رياضيات- عام 1978 . ولدت في حي امبكول وهو من الأحياء القديمة في عطبرة ، كان أغلب سكانه يعملون في السكة الحديد والبعض الآخر يعمل في التجارة، هاجر ابناء قرية امبكول التى تقع في محافظة مروى بالولاية الشمالية حاليا، الى مدينة عطبرة ( اتبرا)، في أوائل القرن الماضي للعمل في السكة الحديد التى تحول مركزها الى مدينة عطبرة في العام 1906 م، وكانت هجرة أبناء امبكول الى عطبرة بشكل واسع وكبير في عام 1929 م ، بعد الازمة الاقتصادية العالمية المشهورة ، واستقر اغلب ابناء امبكول في الحى الذي عُرف باسم قرية امبكول، وقبل ذلك كان يسمى بحلة آدم، وكان ايضا يسمى بحى الشايقية، وهم يقولون أنهم في الأصل " بديرية دهمشية".
يقع حى امبكول في الزاوية المحصورة بين نهر "اتبرا" ونهر النيل، وبصورة اكثر تحديدا، بين خط السكة الحديد غربا والخور الذي يفصل بين الحى وحى الموردة شرقا وشارع كسلا شمالا . قضيت طفولتي في حى امبكول في وسط الجروف وصيد الطيور والأسماك والتقاط ثمار الجوافة والبرتقال والمانجو والذنيا ( التى تشبه ثمرتها الزيتون مع طعم لذيذ) وثمار السدر ( النبق) والهجليج ( اللالوب) والتمرى هندى والنخيل . الخ ، كنا نقضى أاغلب أوقات الاجازة في السباحة على نهرى عطبرة " الاتبراوى" والنيل حتى اصبحت من الماهرين في السباحة وسط أقراني في الحى، كنت مسكونا بحب الطيور وانواعها ومتابعة مواسم حركتها وأسماءها مثل: القمرى، الدباس، والقيردون، الدليب، طير الجنة بالوانه الزاهية، ابصلع ، والزرزور.الخ، كما كنت مسكونا بحب الحدائق والأشجار التى كانت تقع على ضفاف نهر الاتبراوى والنيل ، كنا نصنع من ثمار العشر عوامات نطفو بها لساعات طويلة في مياه النيل العذب ، كنت اسبح لمسافات طويلة قاطعا المسافة بين ملتقى "الاتبراوى" مع نهر النيل وحتى السيالة ( وهو من الأحياء العريقة يقع شمال غرب عطبرة) ، كنت اقطع مع اقراني ( هاشم عبد الباقى، عمر برسى.الخ) نهر النيل من الضفة الشرقية التى تبدأ من المكان الذي تقع عليه مدرسة عطبرة الثانوية القديمة حتى نصل للضفة الغربية في المكان الذي كانت تقع فيه معدية أو" بنطون" الفاضلاب(سابقا).
هذا اضافة لفرق كرة القدم التى كنت العب فيها داخل الحى مثل : فريق الشهداء والدفاع والمنتصر ، ولاحقا انضم عدد من لاعبي الشهداء لفريق الهدف العطبراوى مثل: عوض الحاج ،وهاشم سرالختم( الكدارى)، وعثمان احمد العمدة ( الطوافى)، كما انضم عدد من لاعبى الدفاع الى نادى النيل مثل : رمضان عبد الهادى ، وانضم عدد من لاعبى المنتصر الى فريق الشبيبة مثل الإخوان : عمر النور وعوض النور، وكنت لفترة سكرتيرا لفريق الدفاع ومديرا لألعابه.

الخلاوي في اتبرا:
خلوة عبد الحميد والفكي العوض والجامع الكبير
خلوة عبد الحميد:
اذكر عندما بلغ عمرى الخامسة، ادخلنى الوالد خلوة عبد الحميد التى كانت تقع في حى امبكول، واسمه عبد الحميد السيد، وكان يساعده أخوه بدوى السيد الذي كان مدرسا في المدارس الأولية في الاجازات ، كنا نطلق على عبد الحميد "الناظر" ، وقبل بداية الدراسة وعندما نلمح قدوم الناظر مع شقيقه من بعيد كنا نهتف باصوات عالية :
الناظر جا
البدوى جا
والبدوى هو والد أمين بدوى ذلك المعلم المناضل الجسور الذي استشهد تحت قهر وتعذيب زبانية أمن الانقاذ في أول التسعينيات من القرن الماضي.كان عبد الحميد حازما وعطوفا ، فقد علمنا باهتمام شديد القراءة والكتابة على احسن ما يكون، حتى اذكر اننى عندما دخلت المدرسة الأولية في سن السابعة كنت اعرف القراءة والكتابة .
خلوة الفكي العوض:
اضافة لخلوة عبد الحميد ادخلنى الوالد خلوة الفكى العوض، وخلوة الفكى العوض كانت تقع في حى السوق، جوار منزل عوض الله دبورة ( رحمه الله) ، حاليا تقع جوار نادى الشاطئ وجوار موقف البصات السفرية للخرطوم (سابقا).
تأسست خلوة الفكى العوض عام 1940 م، الفكى العوض كان صديقا للوالد، وفي تلك الخلوة حفظنا جزءً كبيرا من القرآن، كنا نكتب بأقلام البوص على الواح، ونصنع الحبر في دواة ، كنا نصنع الحبر من سكن الصاج ( الدوكة) الذي نخلطه بعجين الصمغ والماء وسبيب الخيل حتى يصبح متماسكا وجاهزا للاستعمال.وكنا نمحو الالواح بالمحاية التى تتكون من حجر كبير به ماء ونستخدم الجير في محو الالواح بعد رشها بالماء، وكان كل يوم أربعاء نسَمع ما حفظنا خلال الاسبوع، ويسمى هذا اليوم "العرضة" ، وبعد ذلك يقدم لنا "البليلة" المصنوعة من العيش. وكان كل منا يجلب معه كميه من العيش من المنزل قبل يوم من "العرضة" ، وكان الذين يفشلون في التسميع يعاقبون ب"الفلقة" ، وهى الضرب بالعصا على أخمص القدمين التى كانت وسيلة العقاب في ذلك الزمان.
أذكر اننى حفظت جزءً كبيرا من القرآن، وقد ساعدنى ذلك كثيرا في تنمية ملكاتى اللغوية
خلوة الجامع الكبير:
كما لا أنسي خلوة الجامع الكبير في عطبرة التى ادخلني فيها الوالد واستاذ مجذوب الذي ثابر على تعليمنا القراءة والكتابة.
كما لا انسي معلمي عثمان الطيب الذي علمني اللغة العربية كنت اذهب اليه في منزله بعد أن اوصلني اليه الوالد ، وعثمان الطيب تربطه بي صلة القرابة، وهو شقيق المرحوم الكاتب والقاص بشير الطيب الذين كان من مؤسسي "رابطة نهر عطبرة الأدبية" التي تأسست في خمسينيات القرن الماضي، وكان من أعضائها محجوب ( المنبثق)، امين عبد المجيد، وعبد الله على ابراهيم ،. الخ. وبشير الطيب (رحمه الله، فارق دنيانا مبكرا) كان أديبا مرهفا وقاصا ، كان من اوائل الذين اعتنقوا الفكر "الوجودي" في عطبرة وانعكست الفلسفة الوجودية في قصصه وكتاباته.
تجربة في التعليم الصناعي بورشة علي سعيد بدرى:
اذكر ايضا، في المرحلة الاولية رغم أن نتائجى كانت ممتازة لا تخرج من العشرة الأوائل في الصف الأول،الا أننى كنت معجبا بالتعليم الصناعي، بعد اكمالي المرحلة الأولية لم اتحمس كثيرا للاستمرار في المدرسة ، اذكر أن والدى رحمه الله كانت علاقاته واسعة في مدينة "اتبرا "، فقد كان خليفة خلفاء في الطريقة الختمية، ادخلني لاتعلم الحدادة في ورشة على سعيد بدرى التى كانت تقع في المنطقة الصناعية بعطبرة.
علي سعيد بدري هو ابن عم الشاعر الغنائي خليل فرح بدري، كانت تجربة مفيدة بالنسبة لي فقد تعرفت فيها على: مبادئ الحدادة، واصلاح أعطال العربات ، وأدوات الإنتاج مثل: "الدربكين" ، "المرزبه "، "السنبك" ، "البريمة" ، "الكور"، "السندان"، " المنجلة"، " المدقاب"،. الخ.
كما تعلمنا كيفية تحويل لوارى "الفورد" السفرية الى بصات للركاب. اخذت حوالى اكثر من عام في الورشة ، في تلك الورشة تعرفت على قريبنا من امبكول عثمان الرفاعى الذي كان يمتلك ورشة للنجارة مجاورة لورشة على سعيد ، اذكر أن عثمان الرفاعى كان شيوعيا ،
وعلى سعيد كان وطنيا اتحاديا ، وكانت بينهما مناقشات حادة ، كان ذلك بداية معرفتى بالسياسة
كان ذلك في السنوات الاخيرة لحكم الفريق عبود.وبعدها تركت المنطقة الصناعية وادخلني الوالد معهد عطبرة العلمي.
تجربة في معهد عطبرة العلمي:.
ادخلنى الوالد "معهد عطبرة العلمى" الذي دخلته بسهولة بعد اكمالي المرحلة الأولية، ولأننى كنت احفظ جزءً كبيرا من القرآن الكريم ، كان ذلك في اغسطس 1963 ، في معهد عطبرة العلمى درست على يد الشيخ ابوزيد الجعلى ( ابن عم الشيخ الجعلي بكدباس) الذي كان يعمل بالمشاهرة ، بعد أن أخذ المعاش، الشيخ ابوزيد كان معلما للغة العربية والتربية الاسلامية في مدرسة الاميرية الوسطى ، شيخ ابوزيد ايضا كان استاذا لوالدى الذي تلقى على يديه اللغة العربية الفقه الإسلامى،اذكر انه كان يقول لى :" يا تاج السر خلى بالك وخلى الشغب والفوضى، انا درست ابوك" ، كان انسانا فاضلا وعظيما.
كما لا انسى ابنه محمد ابوزيد الذي درسنا ايضا في المعهد ، واذكر اسهامه بنشاط في مظاهرات ثورة اكتوبر1964 م، وقبل اعوام زرت مدينة عطبرة ، وعلمت انه تم انشاء مركز ثقافي باسم الشيخ ابوزيد وكنت مسرورا بذلك الحدث، وقمت بتسجيل زيارة للمركز الذي يقع في حى المربعات بعطبرة.وشيخ ابوزيد من الذين حببوا لنا دراسة اللغة العربية والفقه الاسلامى وكنت مبرزا في المادتين، وكنت اجيب على الاسئلة التى يسألنى عنها الوالد حول احكام الحج والصيام والزكاة والصلاة. الخ. كان الوالد فخورا بي ويسر كثيرا عندما اجيب على كل الاسئلة وسط اقرانه في الامسيات في زاوية امبكول التى كان يؤم المصلين فيها.
بعد ثورة اكتوبر 1964 تم ضم معهد عطبرة الأوسط الى وزارة التربية والتعليم، وصار اسمه مدرسة مسعود الوسطي، وتم توحيد المناهج مع المدارس الوسطى، اذكر من الأساتذة الذي تركوا اثرا كبيرا لدى استاذ مجذوب النقر جلال الدين، الذي درسنا اللغة الانجليزية في المرحلة الوسطى ، كنت متأثرا بطريقته الجذابة في تدريس اللغة الانجليزية حتى اصبحت من المبرزين في اللغة الانجليزية، ومجذوب كان من الشيوعيين السودانيين الذين درسوا في مصر مع الشهيد عبد الخالق محجوب والجنيد علي عمر و محمد عبد الرحيم الوسيلة والشهيد صلاح بشري الذي استشهد تحت تأثير التعذيب في سجن ليمان طرة بمصر.الخ ، وتم اعنقال مجذوب النقر وابعاده الى السودان حيث عاد واستقر في بلده الدامر، اذكر أن صديقي وقريبي المرحوم هاشم سوركتي الذي كان قياديا في الحزب الشيوعي بمنطقة عطبرة ،أشارإلي أنه بعد عودة مجذوب النقر الي الدامر، تمت مناقشته من الحزب للعمل متفرغا للحزب في عطبرة ووافق، ولكن لسبب ما لم يتم ذلك ، وعمل استاذا بمعهد عطبرة العلمي الأوسط ، والذي تغير اسمه بعد ضمه للتربية والتعليم الي مدرسة مسعود الوسطي بعد ثورة اكتوبر 1964م، بعد ذلك استلم مجذوب النقر السجادة خلفا لوالده ، وكان الشهيد عبد الخالق محجوب في زياراته لعطبرة كثيرا ما ينزل في الدامر ويزوره...
، كما لاا نسى الاستاذ صلاح الدين الذي درسنا اللغة الانجليزية والتاريخ في الصف الرابع من المرحلة الوسطى فقد بذل معنا جهدا كبيرا وخاصة أن وزارة التربية والتعليم في ذلك العام الذي امتحنا فيه قررت ستة كتب في الأدب الانجليزى ، كنا حقل تجارب، مع ذلك استطعت دراسة تلك الكتب بسهولة.

عموما جو الدراسة في الوسطى كان مريحا ، كان ترتيبي في الامتحانات لايخرج من العشرة الأوائل رغم نشاطي الواسع قي رياضة الجمباز والسباحة، وبعدها امتحنا للمرحلة الثانوية، ونجحت والتحقت بمدرسة عطبرة الثانوية الحكومية القديمة.

مدرسة عطبرة الثانوية الحكومية القديمة:
مدرسة عطبرة الثانوية الحكومية القديمة، من أوائل المدارس الثانوية الحكومية التي تأسست بعد حنتوب ووادي سيدنا وخور طقت، وتختلف عن تلك المدارس بأنها أُنشئت في مدينة كانت تعج بالنشاط النقابي والسياسي والثقافي مما كان له انعكاسه علي تطور الحياة الثقافية والسياسية والأدبية في المدرسة.
تأسست مدرسة عطبرة الثانوية عام 1954م، وكان أول مدير لها حسن فريجون، تلاه عبد الرحمن عبد الله عبد العال، الذي عمل مديرا لها في منتصف خمسينيات القرن الماضي الذي كان من انجازاته أنه عمل اول تجربة ليوم الأمهات والتي كانت ناجحة تجاوب معها مواطنو عطبرة ، كما كان من مدراءها ايضا محمد عبد المجيد طلسم " والد البلابل" اللائي اثرين الساحة الفنية بشجي الالحان والاغاني في سبعينيات القرن الماضي،ومن مدراءها ايضا علي صالح داؤد الذي عاصرناه مديرا لها، اضافة لمدراء آخرين متميزين مثل:ابراهيم شبيكة، مامون أحمد السيد، عبد القادر حسن الضو،أحمد حاج علي، عبد الرازق سليمان، احمد حسن الصائم..الخ.
تميزت عطبرة الثانوية بنشاطات طلابها الثقافية والاكاديمية والرياضية والسياسية ، وارتباط طلابها بعمال عطبرة، اذكرنا أننا في المرحلة الأولية والوسطي كنا نشارك مع طلاب عطبرة الثانوية في المظاهرات ضد حكم الفريق عبود، ونتعرض للقمع بالعصي والهراوات والغاز المسيل للدموع، وكان مواطنو عطبرة يفتحون ابوابهم للطلاب المتظاهرين ويحمونهم من مطاردة العسكر.
اذكر أن مدرسة عطبرة الثانوية تميزت بجمالها المعماري الذي انشأه قسم هندسة السكة الحديد، وتميزت بجمال داخلياتها التي كانت تسمي في ذلك الوقت بدقنة، فريجون، عنبر الوادي، لوممبا، الزبير.اذكر أننا عندما كنا صغارا كنا مرتبطين بأنشطة عطبرة الثانوية الثقافية بحكم قرب المدرسة من المنزل والتي كانت ثقافية ومسرحية ، وخاصة في المناسبات الوطنية، اذكر اول احتفال ضخم اقامته مدرسة عطبرة الثانوية بمناسبة العيد الأول لثورة اكتوبر 1964م.
عندما دخلت عطبرة الثانوية كان لدى رصيد كبير من النشاط الثقافي والرياضي والفني والادبي ، وواصلت في المدرسة ناشطا في جمعية التاريخ وجمعية اللغة الانجليزية، اضافة للتدريب العسكرى ، ودخلنا معسكر التدريب العسكري والذي تعلمنا فيه كل المبادئ الاولية على العسكرية وحتى اطلاق النار بالذخيرة الحية، وتمت ترقيتي في نهاية المعسكر الي رقيب ( 3 شرائط). كما كنت مبرزا اكاديميا وكان ترتيبي لايخرج ايضا من العشرة الأوائل ، كنت احب مادة الرياضيات اضافة لقراءة التاريخ والأدب، كانت مدرسة عطبرة الثانوية من المدارس الكبيرة تشمل 6 انهر ، كانت تقع على مقرن نهر عطبرة مع نهر النيل ، كان بناؤها الهندسى على شكل حدوة حصان.
كان بها "كورنيش" النيل الذي كان مبنيا من الحجر ، كان يوجد بها داخليات واربعة ميادين نجيلة لكرة القدم وميدان لكرة السلة واستديو كبير للفنون ومعامل ، وكان بها مكتبة كبيرة كنت من المداومين للقراءة فيها وخاصة في الحصص التى يتغيب فيها الاستاذ لعذر ما، المكتبة كان بها ايضا المجلات الاسبوعية مثل: مجلة صباح الخير، وروز اليوسف ،والفكر المعاصر، اضافة للكتب الادبية والثقافية المتنوعة كما كان بها عدد كبير من كتب الأدب الانجليزى .
رغم اهتمامي بالتاريخ والأدب الا اننى انضميت للمساق العلمى "رياضيات" ، كان فصل الرياضيات تخصص يضم 14 طالبا ، اذكر منهم الصديق/ عادل محمد الخضر الذي اصبح استاذا في كلية الهندسة بجامعة الخرطوم، وفريد العمراني الذي اصبح مهندسا معماريا، وكمال محمد احمد الذي اصبح مهندسا بالسكة الحديد، اضافة لصلاح قرشي وصلاح الطيب ومكى عوض الكريم (له الرحمة)، ورمضان علي، وفؤاد العمراني. الخ.
ومن الأساتذة الاجلاء الذين مازلت اذكرهم في عطبرة الثانوية : محجوب مصطفى ( له الرحمة) ، مدنى في الرياضيات ، عثمان السيد الذي حبب لنا مادة التاريخ ، عمار في الرياضيات ، خلف الله مصطفى في التاريخ، محمد بشير المر في الفنون ، عوض التلب( فنون)، ميرغنى طمبل في اللغة الانجليزية ، حسن على عبيدى في الكيمياء (له الرحمة)، ضو البيت في الأحياء ، بدر الدين مركز في الفيزياء ، سعيد حواية الله، عثمان خليفة (له الرحمة) في الانجليزي ...الخ ( رحم الله من فارقوا دنيانا وأطال عمر من زالوا على قيد الحياة)..
كان مدير المدرسة في ذلك الوقت (1969- 1973م) على صالح داؤد ، كان شاعرا ومديرا مقتدرا.
وبعد ذلك امتحنت الشهادة السودانية ، ودخلت جامعة الخرطوم بسهولة بعد أن احرزت اكبر "بوكسنق" "في عطبرة الثانوية في فصل الرياضيات تخصص ( 240).
التكوين الفكري في عطبرة الثانوية:
عندما دخلت عطبرة الثانوية، كان لدي رصيد كبير من الاطلاع الثقافي من خلال انتظامي في مكتبات نادي الصبيان، ومكتبة البلدية عطبرة، ومكتبة الخدمات الاجتماعية بالسكة الحديد، ومكتبة نادي عمال السكة الحديد ، . الخ.
اثناء دراستى في عطبرة الثانوية اهتميت بقراءة أعمال المفكرين مثل : سلامة موسي( عقلي وعقلك ، الاشتراكية، حرية الفكر عبر التاريخ ، الانسان قمة التطور . الخ) ، طه حسين ( الأيام ، الفتنة الكبرى، في الأدب الجاهلى.الخ)، عباس محمود العقاد ( كتب العبقريات: عبقرية محمد ، عمر، خالد.الخ).
كما اهتميت بدراسة الماركسية من مصادرها الاصلية ، اذكر اننى اطلعت على "البيان الشيوعي" لماركس وانجلز،" نقد برنامج غوتا " لماركس ، وكتاب انجلس "لودفيغ فرباخ ونهاية الفلسفة الالمانية الكلاسيكية" ، و"الحرب الأهلية في فرنسا" لماركس ، و"الثامن عشر من برومير لويس بونابرت "لماركس ، و"الاشتراكية العلمية والخيالية "لانجلس، و"اصل الدولة والعائلة والملكية الخاصة " لانجلز، اضافة لمختارات من اعمال ماركس وانجلز، ورسائل ماركس لانجلز واصدقائه ، كما اطلعت على مؤلفات لينين مثل : "ما العمل؟" ، "خطوة للأمام وخطوتان للخلف"، و"مصادر الماركسية الثلاثة" .. الخ ، وفي المرحلة الجامعية واصلتأايضا الاطلاع في بقية مؤلفات ماركس وانجلز ولينين مثل: " رأس المال" لماركس ، "انتى دوهرينغ" لانجلز ،" المادية والمذهب النقدي التجريبي" للينين، و"الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" و"الدولة والثورة" للينين....الخ من أعمال لينين. وكنت اجلس في مكتبة كلية الاقتصاد لفترة طويلة في الاطلاع على مؤلفات ماركس وانجلز ولينين ،اضافة للمجلات اليسارية مثل: دراسات عربية، الفكر المعاصر، الطليعة المصرية، الطريق البيروتية، ومجلة دراسات اشتراكية .. الخ.
كما تابعت باهتمام انقسام عام 1970 م في الحزب الشيوعي الذي كان مفيدا من زاوية الدراسة العميقة للماركسية وتاريخ الحزب ، اذكر أن محمد الخضر والد صديقي عادل كان عضوا في الحزب الشيوعي اطلعت منه على وثائق الانقسام ، وثيقة معاوية ابراهيم، ولاحقا اطلعت على وثيقة عبد الخالق محجوب وبعد دراسة ناقدة للوثيقتين ومناقشات واسعة مع الرفاق في عطبرة ، توصلت ألى أن حل الحزب الشيوعي وتكرار التجربة الناصرية ونظام الحزب الواحد وحكم دولة المخابرات يعنى تكرار تجربة فاشلة ، وينطبق على من يكرر التجربة الفاشلة المثل المصري ( من جرب المجرب صار عقله مخرب)، كنت متابعا باهتمام المناقشات الواسعة للتجربة الاشتراكية الناصرية في مصر بعد هزيمة يونيو 1967 والتى كانت تدور على صفحات مجلة "الطليعة" المصرية الذي كان رئيس تحريرها لطفى الخولى، هذا اهم النقد الذي وجهته للانقساميين ، كما وجهت نقدا لمجموعة عبد الخالق بعدم الوضوح والتناقض من زاوية رفض التكتيك الانقلابي وتأييده والمشاركة من داخله في اللحظة نفسها ، رغم اعجابي بوثيقة عبد الخالق التى طرحت قضايا مبدئية ، اذكر من اهم النقد الذي وجهه عبد الخالق في وثيقته الارتجال في تطبيق السلم التعليمي دون الاعتبار لواقع السودان والنقل الاعمى للتجربة المصرية وتجاهل تجارب حركة المعلمين السودانيين في بخت الرضا وغيرها، كما اشار عبد الخالق محجوب الى أن مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية يجمد التطور الوطني الديمقراطي وحركة الجماهير التى تشكل الشرط لنجاح الاشتراكية. الخ ، عكس وثيقة معاوية التى كان اغلبها هجوم شخصي على عبد الخالق لايفيد في مناقشة القضايا الفكرية والسياسية ، تجربة المناقشة التى خضتها في عطبرة ، تزامنت مع اطلاع على الماركسية وعلى وثائق الحزب ومبادئ الفلسفة الماركسية ( اذكر كتاب الفيلسوف الشيوعي الفرنسي بولترز في المنهج الديالكتيكي) ودستور الحزب الشيوعي السوداني ( الذي اطلعت عليه بواسطة جعفر أحمد حسن، والد الصديق وزميل الدراسة في جامعة الخرطوم يوسف جعفر الذي كان رساما وفنانا واصبح معماريا مرموقا) ، ووثيقة "الماركسية وقضايا الثورة السودانية " ،وارشيف صحف الميدان، والفجر الجديد، والضياء وأخبار الإسبوع..الخ، وكتاب ثورة شعب، ومؤلف محمد سليمان: اليسار السوداني في عشرة أعوام ، وكتابات عن الثورة الروسية مثل: "متى يطلع الفجر يارفيق ؟ "ومؤلف مكسيم جوركى "الام" ، وكتاب جون ريد: "عشرة ايام هزت العالم "، يالها من ذكريات جميلة مازالت عالقة في الذهن ، كما لاانسى الزميل عبد الله الحاج القطيني الذي تبادلت معه الكثير من الكتب والذي كنت كثيرا ما اقابله في مكتبة البلدية ومكتبة الخدمات الاجتماعية، وكان يجدنى منكبا في قراءة "رأس المال" لماركس، فقد كان قارئا واسع الاطلاع.
كل هذا الاطلاع كان مقدمة ضرورية لانضمامي للحزب الشيوعي عام 1973 م بجامعة الخرطوم ، لم يجندنى احد للحزب فقد دخلت بقناعة عميقة ، وكتبت طلبي وسلمته للمرحوم عابدين صديق الذي كان ينتمى لى بصلة القرابة وقابلته أول مرة في معسكر الشباب في الإجازة الصيفية الذي اقيم عام 1970 في عطبرة الثانوية وبعدها انتقل لمدرسة الدامر الثانوية حيث ساهمنا مع اتحاد الشباب السوداني بعطبرة في بناء النصب التذكاري لشهداء الجمعية التشريعية ،وبناء الفصلين الخامس والسادس للسلم التعليمي الجديد.
اذكر في حلقة للمرشحين التى كان مسؤولا عنها الزميل محمد عباس كانت هناك مشكلة في تقديم برنامج الحزب ، اذكر اننى قدمت محاضرة البرنامج بعد الرجوع الى برنامج الحزب المجاز في المؤتمر الرابع وكتاب محمد سعيد القدال "التعليم في مرحلة الثور الوطنية الديمقراطية" وقمت بتقديمها لاعضاء الحلقة والتى كان يوجد بها كمال مالك له الرحمة والمغفرة ، محمد بيرك ، عصام مصطفى ،.الخ، بعد أن اكملت فترة الترشيح تم قبولي عضوا في الحزب الشيوعي السوداني











2
زيارة إسماعيل الأزهري لمدينة اتبرا عام 1957م.
اعود بالقارئ مرة اخرى الى سنوات الطفولة الباكرة في مدينة اتبرا ، تلك المدينة الفذة التى شكلت وجداني وحياتي ، فهى مدينة الحديد والنار والثقافة والمعرفة، فهى مدينة حديثة بمعنى الكلمة صهرت قبائل الشمالية من جعليين وشايقية وميرفاب ومحس ودناقلة وقبائل السودان الاخرى، وكانت الحصيلة هذا الانسان العطبروى .
اذكر وانا في حوالى الخامسة من عمرى عام 1957 م زيارة الرئيس اسماعيل الأزهرى لمدينة اتبرا الذي استقبلته جماهير عطبرة استقبالا جماهيريا كبيرا، وبهتافات : حررت الناس ياسماعيل/ الكانوا عبيد ياسماعيل ، وكان الرئيس في عربة مكشوفة وتحيط به الجماهير من كل جانب ، بدأ الموكب من محطة السكة وحتى وصل الى مقابرعطبرة التى كانت تقع في الجزء الشرقي من عطبرة جوار نقابة عمال السكة الحديد، وسجل الرئيس الأزهرى زيارة لمقابر شهداء الجمعية التشريعية الذين حصدهم رصاص البوليس في معركة النادى الاهلى التى قادتها قوى المعارضة السياسية والنقابية ضد الجمعية التشريعية وعلى رأسها الشيوعيون والاتحاديون. الخ. وكان من ضمن الشهداء : فؤاد سيداحمد ، قرشي الطيب ، عبد الوهاب حسن مالك ،. الخ.من الأسماء المكتوبة على شواهد قبورهم، وعندما رجعت الى المنزل وبعد فترة سألت والدتي التى كانت متابعة للأحداث عن شهداء الجمعية التشريعية وحكت وقائع النادي الأهلي وعلمت منها أن أحد الشهداء من امبكول : عبد الوهاب حسن مالك والذي ينتمى لنا بصلة قرابة شديدة .
حكت لى الوالدة التى كانت حافظة لتاريخ امبكول، أن قرية امبكول بمحافظة مروى بالولاية الشمالية، قبل الهجرة منها الى عطبرة كانت عامرة بالنشاط الزراعي والصناعي ( حيث كانوا يصنعون النسيج وأجزاء الساقية) ، كما كانت مركزا تجاريا هاما يقع في منتصف المسافة بين مروى والدبة ، كما كانت عامرة بخلاوى العلم والقرآن والقباب التى أبرزها قبة مدني الأزرق التى يرجع تاريخها الى عهد السلطنة الزرقاء .
منذ خلوة عبد الحميد والتى كنت ممتلئا فيها بالحيوية والنشاط كان الأطفال يطلقون على اسم ( السربابو) ، سألت الوالدة ماقصة السربابو هذه؟ ، فقالت لي: اريتك تبقي عظيم زى بابو، سألتها كيف؟ فذكرت أن جدى لأبي، كان يطلق عليه أحمد بابو ، وبابو لقب بمعنى الطفل الرضيع أو الصغير، كان أحمد بابو من التجار اثرياء امبكول ، كان يمتلك ثروة كبيرة واراضي وسواقي واطيان، وكان يعمل في تجارة القوافل التى كانت تتجه الى مناطق كردفان وسواكن،وكان انسانا محبوبا وكريما، ويساعد الناس دون أن تعلم يمينه ما فعلت شماله، وما أن تجيئه فى مشكلة فلن تخرج منه دون أن يحلها لك، وعند رجوعه من تجارة القوافل للبلد كان يأتى محملا بالهدايا للناس ، حتى عندما تصل القافلة ينتظرها الناس بقولهم :
تجار امبكول جو / فيهم بابكر والا احمد بابو، لما كانا يكرمان الناس بالهدايا، وبابكر هو جد عبد الوهاب حسن مالك الذي كان من شهداء الجمعية التشريعية.
كانت الوالدة تحتفظ باوانى نحاسية اثرية كانت بمنزل الاسرة بامبكول ،الذي كان يقع على دكة كانت تسمى ب "دكة ودبابو"، بعد أن تم هجره، كما كان من صفات أحمد بابو عتق أعداد كبيرة من الرقيق الذي كانت تجارته سائدة في تلك الأيام.
هكذا ، كانت تحكى الوالدة ، كما ذكرت أن احمد بابو كان حافظا للقرآن، وذهب الى الحج اكثر من مرة ، ومعلوم ان الحج بالقوافل في تلك الايام ( فترة الحكم التركي والمهدية) كان شاقا ويستغرق فترة زمنية طويلة ذهابا وايابا. كما تذكر الوالدة أن احمد بابو توفي في مكة في احدى حجاته ودفن هناك. أما الوالد فيحكى أن أحمد بابو ساند الثورة المهدية لحظة اندلاعها في الأيام الاولى وكانت علاقته وطيدة بالامام المهدى، وانه كان اعداد من الشايقية والبديرية ايضا ساندوا المهدى واصبحوا من انصاره. وكانت هناك معلومة خاطئة في ذهني انه لايوجد انصار وسط الشايقية، بل كلهم ختمية ، حتى صحح لى الوالد هذه المعلومة.
أشار الوالد ايضا أن جدى محمد الذي كان يُلقب بالحاج محمد لذهابه الحج اكثر من مرة، كان ايضا انصاريا ، وكان انسانا متدينا حافظا للقرآن، والحاج محمد هاجر الى عطبرة في أوائل القرن الماضي بعد نقل مركز السكة الحديد اليها عام 1906 ، وقبلها عمل في تجارة الصمغ بسوق امدرمان وبعدها استقر في عطبرة حيث كان تاجرا بسوق عطبرة ، وكانت دكاكينه مواجهه للجامع الكبيروتفتح جنوبا علي ميدان المولد، كما كان له املاك ( منازل ، دكاكين) في عطبرة ، واشقاء الحاج محمد هم: مكى بابو ، وأحمد الذي توفى صغيرا ، وبخيته التى كان يقال انها كانت مجاورة في المدينة المنورة، ولها منزل هناك كان من أملاك أحمد بابو ، وتوفيت بالمدينة المنورة، ولم يهتم احد من الأسرة بمصير المنزل هناك.
عمل مكى بابو في البداية في سلاح الهجانه، ثم استقر في العمل التجارى بمورة التى تقع بالضفه الشرقية لقرية امبكول، وعندما تقدم الحاج محمد في العمر حوالى 79 عاما رجع مرة اخرى الى امبكول وعاش فيها الى أن توفى هناك، ويقال أن سبب الوفاة ذهابه صباحا ليتوضأ في النهر ووقع في حفرة داخل النهر ومات غرقا، وكان انسانا صالحا ، تزوج في ايامه الأخيره من سرورة شقيقة زوجة مكى بابو وانجب منها خضر الحاج محمد رجل الاعمال المشهور بخضر "الديمقراطي" له الرحمة ، الذي بدأ حياته عصاميا الى أن اصبح من الأثرياء في مدينة مدني قبل أن ينتقل الى الخرطوم.
تلك هى صلة القرابة مع أبناء مورة وكوري مثل : عثمان الطيب وبشير الطيب والرشيد مهدى المصور والمخرج السينمائي المشهور الذي انتج فيلم " امال واحلام " في عطبرة ، وكذلك الخال عبد الرحمن تكه وابراهيم الشوش الذي كان شيخا لمدينة عطبرة، وود البيه صاحب المقهى الشهير في عطبره، إبراهيم الشوش اضافة الى صلة القرابة معه كان صديقا للوالد، كان دائما يزوره بالمنزل بحماره المميز ، كان انسانا فاضلا وسباقا لعمل الخير وكان من أعيان عطبره الذين ساهموا في التعليم وبناء المدارس مثل: المدرسة الاهلية الوسطى.
كان هناك أعداد كبيرة من ابناء موره وكوري يملكون مخابز في اتبرا مثل : آل السقد وتكه والشوش وعبد الرحيم على مدني. الخ، وكان اغلب شبابهم يلعبون بفريق الشاطئ الرياضي بعطبره، وكان يطلق عليهم الشراقه ( تقع موره وكوري شرق امبكول).
اما عن أبناء الحاج محمد احمد "بابو" محمد موسي محمد صالح، فهم على الترتيب : احمد الذي توفي صغيرا ، بابكر ، عثمان ( والد كاتب هذه السطور)، على، خضر الديمقراطى، وكلهم انجبوا ذرية كبيرة من البنين والبنات والأحفاد.
عمل بابكر تاجرا في الخضروات بسوق عطبرة، اما عثمان (والد كاتب هذه السطور)، فقد بدأ حياته سائق قطار، وبعدها ترك السكة الحديد ليعمل في تجارة الخضروات بسوق عطبرة ، اما على فقد كان عاملا في السكة الحديد وكان له دكان بحى الموردة الذي يسكن فيه يعمل فيه بالامسيات قبل أن ينتقل الي مدني، اما خضر الديمقراطي فقد اصبح من رجال الأعمال في مدينة مدني كما اشرت سابقا.وقد استقر الأعمام في مدن: عطبرة ،الخرطوم ،مدني، وكوستي.
تزوج عثمان الحاج ( والد كاتب هذه السطور) من التومه البشير تكه، وكان البشير تكه جدى لأمى ، من أثرياء امبكول كان يمتلك اطيان وسواقي في امبكول والقرى المجاوره ، وكان البشير تكه متزوجا من السعديه محمد صالح( جدتى لامى) والتى كان يطلق عليها (الملكه)، ايضا كان والدها ثريا. وتذكر الوالده انه في فترة المهديه هاجم الأنصار مخازن والدها (البشير تكه) والتى كانت مليئه باالعيش والسمن والعسل والبلح ونهبوها، كان خالى شقيق الوالدة أحمد البشير تكه يعمل سائق قطار الى أن اخذ المعاش وفتح بعد ذلك دكان في سوق عطبره ظل يعمل فيه الى ان توفى رحمه الله.
اعود مرة اخرى بالقارئ الى حى امبكول باتبرا، فقد كانت الطريقة الختمية سائدة بين سكانه، وقد اعتنق والدى الطريقة الختمية خلافا لجدى الحاج محمد الذي كان انصاريا، وترقي في سلك الطريقة الختمية الى أن اصبح خليفة خلفاء ، كان متفقها في الدين وحافظا للقرآن وكانت لديه مكتبه ومراجع فقهيه،كان صديقا للمجاذيب في الدامر، وصديقا للشيخ الحعلى في كدباس وكان كثيرا مايزوره ، اضافه لسفره في المناسبات المختلفة للخرطوم بحرى لحضور حولية السيد على ولمتابعه شئون الطريقة الختمية ، وكان سفر الوالد الكثير اضافه لانشغاله بالعمل في الطريقة الختمية يجعلنا نقابله في ساعة متاخرة من الليل وكان برنامج عمله: يخرج من المنزل لصلاة الصبح ثم يعود ليشرب الشاى ثم يذهب الى الدكان، وبعد ذلك يتجه لحلقات العلم أو للعمل في شؤون الطريقة الختمية، وكانت علاقاته ومعارفه واسعه في عطبره، وكانت له القاب مختلفه مثل : عثمان "بابو" ، عثمان "قهوه" ، وكان محبا بشكل كبير لشرب القهوة باللبن والتى كان يطلق عليها (الفرنساوى)، ما أن تصل اليه في الدكان حتى يرسلك لطلب (فرنساوى)، وكان لديه كراس يسجل فيها الديون الشهرية لزبائنه وكان يسجل بخط كبير واضح، وكان اماما لزواية امبكول التى تأسست عام 1945، كان يطلق عليها زاوية الميرغنية لأبناء امبكول، وكان كثيرا في أعياد الضحية ما يكلفنا مع شباب الحى لجمع جلود الضحية لصالح الزاوية.وكان مواظبا على حلقات العلم والدراسة التى كان يقيمها شيخ ابوزيد الجعلى وغيرها من الحلقات ، وكان مستمعا جيدا للمذياع ، كان انسانا طيبا واسع الافق وصبورا زاهدا ، لم ينتفع شخصيا بالعمل العام في سلك الطريقه الختميه ووضعه القيادي فيها ، حتى وفاته لم يلم جاها او يبنى ثراءا من العمل العام.
اذكر انه في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي كان أغلب شباب امبكول ينتمون للحزب الشيوعي عكس ابائهم الذين ينتمون للختمية، وكان يطلق على حى امبكول ( حى موسكو)، وكان صندوق حى امبكول حاسما في ترجيح كفة مرشح الحزب الشيوعي، كما حدث في انتخابات 1968 ، عندما فاز الحاج عبد الرحمن في دائرة اتبرا.حاولت أن افسر جذور وعي أابناء امبكول ودورهم القيادي الذي لعبوه في مدينة اتبرا في الحركة السياسية والنقابية والرياضية والاجتماعية، فقد كان ابناؤها روادا في هذا الجانب في اتبرا، فتجد عددا كبيرا من النقابيين من ابناء امبكول مثل : على محمد بشير ، محمد الحسن عبد الله ، حسين السيد ، عثمان الرفاعى ، بشير محمد بشير، والحاج عبد الرحمن الذي كان والدته من امبكول ووالده عم عبد الرحمن الذي كان تاجرا في سوق عطبرة ، من جوارى... الخ.
وفي الأندية الرياضية كان لهم بصمات واضحه ، فنادى الهدف الرياضي كان أغلب إدراته من أبناء امبكول ، وكذلك تجد هاشم محمد خير ( رحمه الله في ادراة نادى الشبيبه، اضافه لبابكر محمد محجوب ( كروكر) – رحمه الله ، وكذلك خضر ابراهيم عثمان العربي في نادى النيل ، وعبد الله جاه الله في إدراة نادى الامل.. هذا على سبيل المثال لاالحصر ، كما كان هناك كثير من أعيان عطبرة من امبكول اسهموا في الأعمال الخيرية وبناء المدارس مثل: ابراهيم عثمان العربي ، محمد خير خوجلي ، ابوشام ، سرالختم حاج البشير،.. الخ، كما كانت نسبة التعليم عاليه وسط شباب امبكول، في التعليم كان منهم الأستاذ مندور المهدى عميد بخت الرضا (سابق)،.وتفسير ذلك ربما يرجع الى ان بلدة امبكول بالشمالية كانت بها خلاوى كثيره، اضافة الى انها كانت مركزا تجاريا كبيرا( في فترة السلطنة الزرقاء والتركية والمهدية) يقع في وسط المسافة بين مروى والدبة، كما كان بها عمودية المنطقة ، وكانت الصناعات الحرفية بها مزدهرة.. الخ.اضافة الى نسبة التعليم العاليه في الشمالية والخلفية الحضارية القديمة من الممالك القديمة، ولذلك استعان الانجليز بهم كعمال وموظفين في السكة الحديد، اضافة الى ابناء المناطق الاخرى من محس وجعليين ومن أبناء بربر والدامر. الخ من الذين شكلوا مجتمع مدينة اتبرا ، كان حى امبكول يطلق عليه حى الشايقية ، ويذكر والدى رحمه الله أن أبناء امبكول من البديرية الدهمشية
امبكول في وصف الرحالة : بكلر مسكاو "
من الرحالة الذين زاروا بلاد الشايقية بكلر مسكاو (1837) الذي توقف عند مروي قائلا:
" وفي منتصف الطريق بين (الدبة) و (مروي) تقع أمبكول التي يصفها بأنها مقر الكاشف ، وتعقد فيها سوق في حقل رملي بالقرب من اكواخ القرية- امبكول- ،ونصف البضائع التي تعرض فيها من الصناعات الأوربية مثل: المرايا والآلآت المعدنية البسيطة والخرز الزجاجي وبعض البفتة الانجليزية الخشنة ، أما باقي البضائع المعروضة فعبارة عن المنتجات الرئيسية وبخاصة المواد الاستهلاكية ، كما تعرض الصنادل الحجازية الملونة"
نسيم مقار: الرحالة الأجانب في السودان ( 1730- 1854م)، ص 159 .

دورالسينما في اتبرا .
اعود بالقارئ مرة اخرى الى مرحلة الطفولة، اذكر أن مدينة اتبرا كان بها 3 دور للسينما هى : الوطنية ، الجديدة، والجمهورية، كنت في مرحلة الطفولة مدمنا لمشاهدة السينما ، كنت متابعا للافلام الامريكية ( الكاوبوى)، والافلام التاريخية الرومانية والإسلامية، والافلام العربية ، والافلام الانجليزية الرومانسية اضافة لافلام التجسس لجيمس بوند ، ما زلت اذكر ابطال هذه الافلام مثل: جارى كوبر، وبيرت لانكستر، وجوليانو جيما ، وجون واين ، واحمد مظهر ورشدى اباظه وفريد شوقي ، ومحمود المليجى ، وسعاد حسنى ، ... الخ من أبطال الافلام السينمائية في ذلك العهد ، كانت السينما الجمهورية شبه متخصصة في الافلام العربية والهندية ، والسينما الوطنية متخصصة في الافلام الرومانسية أو الهادفة الانجليزية ( اذكر من الافلام الرائعة الى قدمتها فيلم "زد"، الذي حضره جمهور عطبرة باعداد غفيرة لأيام متتالية )، وكانت السينما الجديدة التى كانت تقع قرب دار الرياضة متخصصة في افلام الكاوبوى والافلام الرومانية التاريخية، وعندما دخلت الكشافات لدار الرياضة التي كانت مجاورة لها، واصبحت المباريات ليلا، تأثرت السينما الجديدة بها مما ادى الى توقفها











3
تجربة في الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم
(1973-1978م)):
في جامعة الخرطوم كنت منتظما في حوض الجامعة الذي كان يقع خلف داخلية "البركس" اضافة للحوض الآخر الذي يقع خلف كلية العلوم، اما رياضة الجمباز فقد توقفت عنها، عموما في جامعة الخرطوم اخذ منى النشاط السياسي وقتا كبيرا. فقد كانت الفترة التى كنت فيها في الجامعة عصيبة، كنت السكرتير السياسي للجبهة الديمقراطية في الفترة: 1975-1977م ، وكانت المعارك السياسية في قمتها، كنا نطالب باستقلال الجامعة وعودة الاتحاد واطلاق سراح الطلاب المعتقلين في سجون كوبر ودبك..الخ ، كما كنا نطالب بديمقراطية التعليم وتحسين احوال الطلاب في السكن والمعيشة والاستقرار الاكاديمي وعود الطلاب المفصولين سياسيا..الخ، لقد تم اعتقال اغلب كادر الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية في تلك الفترة وتم الزج به في سجون كوبر ودبك ،ولذلك تحملنا اعباء جسيمة ، واستطعنا المحافظة على تأميننا ونظمنا مقاومة سرية تمثلت في العرائض والمذكرات واصدار صحيفة "مساء الخير" في البركس بعد قفل مقهى النشاط ودار الاتحاد، كما كنا نصدر البوستر في شكل شعارات محددة ، كما كنا ننظم المخاطبات والندوات والمواكب والاعتصامات .. الخ اذكر كنت مسئولا عن تأمين الدرداقه التى نطبع بها المنشورات في غرفتى لفترة طويلة كانت بيانات الجبهة الديمقراطية منتظمة وكانت عناصر الامن تعتقد ان طباعة المنشورات تتم خارج الجامعة بينما في الواقع كانت تتم من داخل الجامعه، حتى تم انتزاع شرعية الاتحاد وتحقيق بعض الانفراج السياسي بعد المصالحة الوطنية عام 1977 م، كما ثابرنا في الجبهة الديمقراطية من اجل تحقيق اوسع تحالف طلابي من اجل دستور التمثيل النسبي ، حتى نجح هذا التحالف في تحرير جامعة الخرطوم من ديكتاتورية الاخوان المسلمين عام 1979 بفوز قوى التمثيل النسبي ، اضافة لمساء الخير كان للجبهة الديمقراطية اركان نقاش ، وصحف في الكليات مثل: "المطارق" في كلية الاقتصاد ، "الطريق" في كلية العلوم و"الملايين" في كلية الطب و"الراصد" في كلية التربية والتى انشئت عام 1975 م بعد تحويل معهد المعلمين العالى لجامعة الخرطوم ، اضافة للمجلات الثقافية التى كانت تركز على القضايا الفكرية والثقافية ، وكان فرع الحزب الشيوعي يصدر صحيفة باسم "السلام"، اضافة للنشاط السياسي، اهتميت بالنشاط في الروابط مثل رابطة طلاب كلية العلوم التى كانت تهتم بالشئون الاكاديمية والاجتماعية للطلاب وتمكنت الجبهة الديمقراطية من الوصول لقيادتها، اضافة لجمعية التصوير والسينما ، التى كانت تحت قيادة الجبهة الديمقراطية ، كما ساهمت في جمعية اصدقاء الثورة الاريترية ، وتمكنت الجبهة الديمقراطية من الوصول لقيادتها، كما شاركت بنشاط في رابطة أبناء عطبرة بجامعة الخرطوم وتمكنت الجبهة الديمقراطية من الوصول لقيادتها ونظمت انشطة اجتماعية متعددة ومتنوعة في الإجازات، مثل فصول التقوية وندوات صحية واخرى عن الخفاض الفرعونى وليلة ترفيهية ، كنا نجلب لها فنانين من العاصمة. ومن أهم الأحداث في تلك الايام اضافة الى انتفاضة اغسطس 1973 م ، المظاهرة بسبب زيادة سعر السكر 1974 ، واحتلال الجامعه في ديسمبر 1973 ، حتى تمت عودة الاتحاد، والمظاهرات في كلية الطب ضد نظام مايو، والهتافات في وجه الرئيس نميرى اثناء زيارته للكلية بمناسبة احتفالها باليوبيل الفضى عام 1974 م، وانقلاب 5 سبتمبر 1975 بقيادة حسن حسين، وبعد الانقلاب تم تطويق الجامعه بواسطة الجيش وتم تفتيش داخليات البركس بحثا عن اسلحه مزعومه في الجامعه ، وبعد محاكمات وادى الحمار تم إعدام قادة الانقلاب ومنهم عباس برشم الذي كان طالبا في كلية الاقتصاد بتهمة المشاركة في الانقلاب، وكنا في حالة حزن شديد لذلك وازددنا حقدا على نظام نميرى وصممنا على مواصلة المقاومة حتى اسقاطه.
كان خط الحزب الشيوعي بعد دورة اللجنة المركزية في يناير 1974، الاضراب السياسي العام والانتفاضة الشعبية التى تبدأ من وحدة قوى المعارضة من أجل الغاء القوانين المقيدة للحريات واطلاق سراح المعتقلين والغاء الزيادات في الأسعار وخلق اوسع جبهة من اجل استعادة الديمقراطية واوسع حملة تضامن مع شعب السودان، وأن تراكم المعارك سوف يفضى الى تحول نوعى في تغيير النظام ، وهذا يتطلب العمل اليومى الدؤوب الصبور،وثابرنا على هذا الخط في نشاطنا السياسي الجماهيري وعملنا على خلق اوسع جبهه طلابيه من اجل استعادة حرية الجامعة واطلاق سراح الطلاب المعتقلين وحرية البحث الاكاديمى ورفض تدخل الجيش والأمن في الجامعه وحرية النشاط السياسي والفكرى في الجامعه وقانون ديمقراطى للجامعه.. الخ.
بعد ذلك جاءت احداث 2 يوليو1976 م، اذكر اننا كنا نائمين على سطوح داخلية الدندر ب"البركس"، وفي صبيحة يوم الجمعه صحونا على صوت طلق نارى ودانات، صحونا منزعجين وبعدها عرفنا أن هناك محاوله انقلابيه وتجمعنا في داخلية "البركس" لمعرفة الحاصل ، بعد فترة جاءنا ابراهيم السنوسى الذي كان مشاركا في الحركة عن الإخوان المسلمين وخاطب جمعنا وشرح اهداف الحركة وبعدها توالى الضرب، اذكر أن قذيفة "آربجى" جاءت طائشه في احد الغرف ولحسن الحظ لم يكن بها شخص وحرقت الغرفة ، بعدها حوالى الساعة واحدة تسللت من الداخلية بعد كثرة الضرب مع الزميل محجوب محمد ميرغنى" اسناوى" ، وتابعنا شارع النيل متجهين شرقا الى كبرى برى، وبعد أن قطعنا كبرى برى تم الصدام بين قوات الحركة والجيش ونجونا باعجوبة ، ثم بعد ذلك ،تابعنا سيرنا على الأقدام، حيث وصل محجوب الي الشعبية بحري حيث تسكن أسرته، وواصلت سيري حتى وصلت الى ام درمان وتوجهت الى منزل حسام زاهر بحى الموردة ، قضيت تلك الليله معه في متابعة الأحداث، وبعد ان انجلى الموقف عدنا الى الداخلية، بعد حملات تمشيط كانت تجرى في الشوارع وداخلية الجامعة ، بعد ذلك صدر بيان الحزب حول الاحداث ووزعناه في الجامعه وعلقناه بالقرب من سفر الداخليات ومقهى النشاط. بعد ذلك جاءت المصالحه الوطنيه بعد فشل الجبهه الوطنيه التى كانت تضم (الامه، الاتحاديين، الإخوان المسلمين.. الخ)، في يوليو 1977 م ، اصدرت مركزية الجبهه الديمقراطية بجامعة الخرطوم بيانا حول المصالحة الوطنية، اشرنا فيه أن من شروط المصالحة هو الغاء القوانين المقيدة للحريات واطلاق سراح المعتقلين وشككنا في جدية نظام نميري في عمل مصالحة حقيقية، كما طالبنا باطلاق سراح الطلاب المعتقلين وعود الاتحاد وحرية الجامعه.. الخ، وكنا قد استبقنا بيان اللجنه المركزية الصادر في اغسطس 1977 م بعنوان ( الديمقراطية مفتاح الحل للازمة السياسية: جبهة للديمقراطية وانقاذ الوطن)، والذي وزعناه على الطلاب وعلقناه بمقهى النشاط ، وجاء ذلك البيان متوافقا مع مزاجنا الرافض لأساليب الخداع والتضليل باسم المصالحه بدون استيفاء شروطها الحقيقية، هذا وقد شارك حزب الامة بقيادة الصادق في النظام، كما شارك الإخوان المسلمين بقيادة الترابي في الحكومة ومؤسسات النظام وظللنا ننتقد ذلك حتي خروج الصادق من النظام بحجة تأييد الرئيس نميري لاتفاقية الصلح مع اسرائيل "كامب ديفيد"، واعتقال الترابي ومجموعته ، واكدت التجربه ان النظام كان يهدف للمراوغه والمناورة باسم المصالحه الوطنية.
اضافه للنشاط السياسي كنا متابعين للترفيه سواء كان ذلك في الحفلات التى كانت تقوم في الجامعه أو في نادى الضباط ودار الاطباء الذي كان مجاورا للجامعة أو في حديقة الموردة مع الاصدقاء ايام الخميس ونعود بعدها متاخرين للداخليه.
في تلك الفترة حافظنا على وحدة وتماسك الجبهه الديمقراطية كتحالف ثابت بين الديمقراطيين والشيوعيين ، كنا نركز على أن التحالف يجب أن يقوم على الندية واسهام الديمقراطيين في النشاط القيادى وأن الدور القيادي لفرع الحزب لايأتى بالوصايه، بل بالنشاط والاقناع واخذ اراء الديمقراطيين في الاعتبار، واجرينا مناقشات واسعه مع بعض اعضاء الجبهه الديمقراطيه الذين كانوا يرون تغول الحزب الشيوعي على الجبهه الديمقراطية وتم تصيح بعض الاخطاء في نشاط الحزب تجاه الجبهه مثل عدم اصدار بيانات باسم الجبهه، كما طرحنا ضرورة تنوع عمل الجبهة من نشاط ثقافي وفنى وترفيهى ورياضي ، كما كان لفرع الحزب نشاطه المستقل عن الجبهه الديمقراطيه ، اضافه لصحيفة مساء الخير كان فرع الحزب يصدر جريدة السلام التى كانت تهتم بقضايا فكريه وفلسفية اضافة الى تعليق صحيفة الميدان وبيانات الحزب في مقهى النشاط والداخليات.كما ركزنا على العمل الفكرى وتقديم المحاضرات مثل: برنامج مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ، وديمقراطية التعليم ، والديالكتيك والمفهوم المادى للتاريخ وقواعد التامين والعمل السرى وكيف نواجه الاستجواب في حالة الاعتقال.. الخ.وكان لذلك اثره الكبير في صمود الجبهه الديمقراطيه وفرع الحزب الشيوعى، ومواجهة تلك الفترة حالكة السواد في تاريخ جامعة الخرطوم حتى تم انتزاع شرعية الاتحاد وحرية العمل السياسي والفكرى في الجامعه.
كما لاننسى الصداقات التى قامت مع الاخوه الاريتريين والفلسطيينين والاثيوبيين الذين كانوا يدرسون في الجامعة والتضامن معهم في تلك الايام ، حيث تابعنا احداث الثورة الاثيوبية وطالبنا لنجاح الثورةالاثيوبيه باطلاق الحريات العامة وضمان حق تقرير المصير للشعب الاريترى ، وكانت علاقاتنا جيدة مع كل الفصائل الاريترية،حسب خطنا كنا لانتدخل في صراعاتهم ، وكنت منتدبا مع زميلى محمد صالح فرح للتفاوض مع الاريتريين ، ومن اصدقائى من الاريتريين عمر يس والذي سكنت معه في غرفه بداخلية "السوباط" في "البركس"، كما كنت في لجنة جمعية اصدقاء الثورة الاريتريه.
كما تابعنا الاحداث العالمية التى تمت في تلك الفترة وشرحناها للطلاب من خلال مقالات في صحيفة " مساء الخير" مثل: استقلال انغولا وموزامبيق من الاستعمار البرتغالى ، كما تابعنا التحولات الديمقراطية التى تمت في البرتغال اثر انهيار ديكتاتورية "سالازار"، والتحولات التى تمت في اسبانيا بعد انهيار نظام "فرانكو" الفاشى وانهيار الحكم الديكتاتورى في اليونان واستعادة الديمقراطية فيها، كما استنكرنا اعدامات الشيوعيين العراقيين ، وعقدنا اجتماعا مشتركا مع قيادة حزب البعث في الجامعة ووصلنا لهم وجهة نظر الحزب الشيوعي واستنكاره لاعدامات الشيوعيين العراقيين والذي لايساعد في بناء تحالف يقوم على احترام اطرافه ، كما كتبنا سلسلة مقالات في صحيفة "مساء الخير" حول طبيعة نظام صدام حسين والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العراق وتحليل طبيعة الجبهة التقدمية في العراق الذي كان يهيمن عليها حزب البعث. كما انجزنا في الجبهه الديمقراطيه دراسه عن التغيير الاكاديمى في الجامعه بعد نظام "السمستر" الذي تم ادخاله في الجامعه عام 1976 وجرت مناقشات واسعه حوله وقاطعه الطلاب في معركة سميت معركة "السمستر".
كما واصلت النشاط الثقافي في جامعة الخرطوم، اضافة لمكتبة الاقتصاد بجامعة الخرطوم كنت مواظبا في مكتبة المركز الثقافي السوفيتي الذي كان يقع قرب الجامعه على شارع الجمهوريه اضافة للمركز الثقافي البريطاني، كما كنت متابعا لإنتاج دار النشر بجامعة الخرطوم وقارئا لإنتاجها السوداني، وكنت متابعا بطريقة منتظمه لمجلة "الثقافة السودانية" التى كانت تصدرها مصلحة الثقافة السودانية ، وكذلك مجلة "الخرطوم" ومجلة "الدوحة" التى كان رئيس تحريرها د. محمد ابراهيم الشوش ومجلة "العربي" ، كما كنت مداوما على مكتبات العاصمة العامة مثل مكتبة امدرمان المركزية والتى كانت في حالة يرثى لها، عموما المكتبات العامة في ذلك الوقت في العاصمة كانت بائسه مقارنة بمدينة اتبرا التى جئت منها، كما كنت زائرا دائما لمكتبات العاصمة التجارية مثل مكتبة السودان ومكتبة مروى التى كان يملكها اسكندر فهمى واستمرت علاقتى بمكتبة مروى حتى الآن( قبل إغلاقها أخيرا) ، كما كنت متابعا لمكتبة الجامعة التابعة لدار النشر في جامعة الخرطوم والتى كانت تقع في كلية العلوم وكان مسئولا عنها نور الهدى محمد نور الهدى (صاحب دار عزة الحالية) ، كان نور الهدى يختار الجياد من الكتب التقدمية واليسارية وخاصة في ذلك الوقت الذي كان يتميز بردة سياسية بعد احداث يوليو 1971 م وكنا نطل على الجديد من المطابع البيروتية، كما لاانسى مكتبة دار المعارف السودانية التى انشأها د.محمد سعيد القدال وابوزيد محمد صالح بعد فصلهما من العمل، وكانت نافذة ايضا كنا نطل منها على الجديد من إنتاج مطابع بيروت والقاهره ودمشق في تلك الايام حالكة السواد، كما كنا زوارا دائمين لمكتبة عباس ابوالريش التى كانت تقع في مكان عمارة الدهب الحالية ومكتبة الثقافة الوطنية بالخرطوم بحرى ومكتبة امدرمان التى كانت تقع في الجهه الشمالية من المحطة الوسطى ام درمان.كما كنت متابعا لمعارض الكتب مثل معرض الكتاب السوفيتي ومعرض الكتاب العربي الذي كانت تقيمه دور النشر العربية، كانت الكتب باسعار زهيدة واستطعت تكوين مكتبه لابأس بها في ذلك الوقت، كما كنت متابعا للأنشطة الثقافية في الجامعه وفي نادى السينما .. الخ. كما كنت متابعا للحركة الفكرية في الجامعه وكانت لى حوارات مع الإخوان الجمهوريين وربطتنى بهم صداقات مثل : احمد المصطفي(دالي) وعمر القراى..الخ ، وبعد ذلك طورت ذلك الحوار واطلعت على مؤلفات محمود محمد طه واستطعت انجاز بحث بعنوان: (تقويم نقدى للفكر الجمهورى)، امل أن يرى النور قريبا، كان الجمهوريون يتمتعون بالسماحه واتساع الصدر والصبر ومناقشة الرأى الآخر عكس الإخوان المسلمين الذين كانوا يتسمون بضيق الصدر ويبادرون بالعنف لاسكات وقمع الرأى الآخر.
وفى سفرى خلال سنوات الدراسة الجامعية لبعض مناطق السودان مثل مدنى وبورتسودان كنت مواظبا على مكتباتها في السوق اذكر اننى اشتريت اكثر من نسخه من كتاب "اليسار السودانى في عشرة اعوام" لمحمد سليمان من مكتبة الفجر بمدنى التى كان يملكها المرحوم محمد سيد احمد والذي كان يستقبلنا هاشا باشا. كما تابعت على صفحات مجلة دراسات اشتراكية المناقشات التى كانت دائرة حول الشيوعية الأوربية حول الديمقراطية والتعددية السياسية والتداول الديمقراطي للسلطة وحياد جهاز الدولة، كما اطلعت على مؤلف سانتاغو كاريللو سكرتير الحزب الشيوعي الاسباني حول الشيوعية الاوربية، واتجاه الحزب الاسبانى لحذف اللينينيه من برنامجه باعتبارها ظاهره خاصه بروسيا،وكان تلك مناقشات مثيره للاهتمام ، كما تزامنت تلك المناقشات مع دورة اللجنه المركزية في اغسطس 1977 م الديمقراطية مفتاح الحل للازمة السياسية التى طرحت ضرورة الوصول لنظام الوطنى الديمقراطي بطريق ديمقراطي تعددى وكانت من الوثائق المهمة في تاريخ واجرينا حولها مناقشات واسعه في فرع الحزب بجامعة الخرطوم وفي الجبهة الديمقراطية.
وفي فرع الحزب والجبهة الديمقراطية كنت ناشطا في العمل الثقافى وفى التعليم الحزبي: كنا نقدم ونناقش دورات اللجنة المركزية التى صدرت في تلك الفترة مثل دورة يونيو 1975 ودورة يناير 1974 ودورة مايو 1973 ، اضافة لمحاضرات مكتب التعليم الحزبي التى صدرت في ذلك الوقت مثل: الحزب الشيوعي : استراتيجيته وقضاياه ، الانقسامات وقانون نمو الحزب والجبهة الوطنية الديمقراطية.. الخ.كما عملنا مناقشات حول وثيقة "الحزب الشيوعي وقضية الجنوب" والتى ناقشت آفاق تطور البلاد بعد اتفاقية اديس ابابا، اضافة لوثيقة:" القطاع التقليدي والثورة الوطنية الديمقراطية"، التى خرجنا بعد مناقشتها بوجهه حول ضرورة التركيز في العمل مع ابناء المناطق الاكثر تخلفا في التجنيد للحزب والجبهة الديمقراطية واحرزنا نتائج كانت حصيلتها ايجابية.
اضافة لمناقشة وثيقة "الماركسية ومسألة اللغة في السودان" التى صدرت ضمن سلسلة كاتب الشونه ، اضافة لوثيقة "نحو حساسية شيوعية تجاه الابداع والمبدعين" التى دارت حولها مناقشات واسعة،.. الخ، وفي الإجازات كان يتم توصيلى بفرع الحزب بعطبره ضمن سياسة الحزب في ذلك الوقت : توصيل الزملاء في الجامعات لمناطقهم، وكنت اساعد في توصيل المطبوعات وتوزيعها ومناقشتها ، كما كنت اقدم المحاضرات للمرشحين من العمال بطريقه مبسطه لتكون مفهومه للمستمعين من العمال.كما كنت اساعد الزملاء من طلاب الثانويات في تدريس مادة الرياضيات من خلال حلقات التقوية وتقديم الحصص لهم، اضافة لتقديم المحاضرات للزملاء الشيوعيين والديمقراطيين من جامعة الخرطوم.
اذكر في احد الاجازات والامتحانات تبقى لها حوالى شهرين ، وكنت قد سلمت مهامى كسكرتير سياسي للجبهة الديمقراطية الى الزميل صديق الزيلعى على امل ان اتفرغ واستعد للتخرج، تم اعتقالى في عطبرة، كان ذلك في منتصف نوفمبر عام 1977 وبعد المصالحة الوطنية ، كان الحزب قد اصدر بيانا كشف فيه اسماء الشيوعيين المعتقلين، وزعنا هذا البيان بكميات كبيرة في اتبرا، وتم اعتقالى وتحويلى الى سجن كوبر وكان معتقلا معى حسن أحمد خليل اضافة لمعتقلين وجدتهم في سجن كوبر من البعثيين : عز الدين الطيب على موسى وآخر قريب بدرالدين مدثر( نسيت اسمه)، وبعد فترة واثناء احتفال برأس السنه احضروا معتقلين شيوعيين من بورتسودان وهم : سيد الامين،عبد العاطى محمد السيد ، حاج موسى ، خيرى ، وعبد الجليل عثمان محمد خير... الخ احتفلنا بهم احتفالا كبيرا واستقبلناهم بالهتافات والاناشيد ، وكنت الوحيد المعتقل من جامعة الخرطوم بعد اطلاق سراح كل الطلاب بعد المصالحة الوطنية، وقامت الجبهة الديمقراطية بحملة كبيرة من اجل اطلاق سراح : السربابو ، ونجحت تلك الحمله في الضغط على اتحاد الطلاب الذي كان على قيادته الاتجاه الاسلامى وزارنى في المعتقل رئيس الاتحاد وقتها: التيجانى عبد القادر ومعه عميد الطلاب التيجانى حسن الامين وبعد فترة، تم اطلاق سراحى بعد أن قضيت اكثر من شهر في كوبر، اذكر بعد اطلاق سراحى اخطرنى عميد الطلاب أن كنت تريد أن تجمد العام لأن الامتحانات اصبحت على وشك الأبواب، قلت له سوف امتحن ولن اجمد ، وبذلت جهدا خارقا وبمساعدة د.فاروق هبانى الذي راجع معى كل التجارب في الفيزياء التى فاتتنى وبمساعدة زملائى الطلاب في نقل كل المحاضرات وتسليمها لي في كراسات وتمكنت من الجلوس للامتحان وتخرجت بدرجة البكالوريوس في الرياضيات والفيزياء.
كما اذكر ايضا أنه خلال تبادل الجامعات الافريقية رشحتنى كلية العلوم للدراسة في جامعة اكرا بغانا بقسم الهندسة ولكننى لم اذهب لمسؤولياتى في العمل السياسي والنشاط الواسع في العمل السري الذي كنت اقوم به، هذا فضلا عن اننى كنت قد قبلت في كلية الهندسة بعد السنه الاولى في الجامعه ولكننى، رجعت لدراسة الرياضيات رغم رغبة الوالد الذي كان يريد أن ادرس بكلية الهندسة.بعد التخرج حاولت أن اواصل في الدراسة العليا ولكن اتجاهى اصبح في مسار اخر هو دراسة التاريخ الاجتماعي والاقتصادى للسودان.والذى انجزت فيه اكثر من عشرة كتب.
كما تم اعتقالى في المرة الاولى بعد التحاقى بالجامعة في اغسطس 1973 وبعد الانتفاضة المشهورة ، اذكر اننى سجلت ووضعت شنطتى في الغرفه بداخلية البركس وتوجهت للجامعة لاجد الاستعداد للخروج في مسيرة كبرى بقيادة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم الذي كان رئيسه المرحوم أحمد عثمان مكى، في الموكب اخذت موقعى في صفوف اعضاء الجبهة الديمقراطية وبهتافاتهم بالمكرفون الاحمر وبالشعارات المحددة : ضد قانون امن الدوله ، اطلاق سراح المعتقلين ، وكان تقدير الجبهة الديمقراطية أن هذه معركة في سلسلة طويلة من المعارك تتوج في النهاية بالاطاحة بالنظام ، بينما كان تقدير الإخوان المسلمين واحزاب الجبهه الوطنية ( امه، اتحاديون...)، أن هذه المعركه هى الفاصله ، واثناء المعارك تم استشهاد طالب وظنوا أن ذلك سوف يكرر تجربة أكتوبر بشكل ميكانيكي، ولما لم يتم ذلك كانت هتافاتهم المحبطه: "الشعب جعان لكنه جبان"!! وقد انتقدت الجبهة الديمقراطية ذلك الشعار واشارت الى أن اسقاط النظام يتم عبر تراكم نضالى ومعارك طويله تنضج بعدها الأزمه الثورية ويتم الاطاحه بالنظام، وبالفعل تم هذا التراكم حتى سقط النظام في انتفاضة مارس ابريل وبعد 12 عاما من انتفاضة شعبان، تم اعتقالى من المشرحه في وقت متأخر من الليل وبعد مداهمة البوليس للمشرحة بالغاز المسيل لدموع لأخذ جثة الشهيد، قبل أن يخرج به الطلاب في موكب هادر في اليوم التالى، وبعد اعتقالى تم تحويلى مع زملائي الطلاب الى حراسات الخرطوم بحرى جوار مجلس بلدى بحرى وبعدها تم تحويلنا الى سجن كوبر، ، كان عدد الطلاب المعتقلين كبيرا ، وتم وضعهم في خيام في حوش الطوارى، وبعد شهرين تم اطلاق سراحى ورجعت للبركس الذي كان محتلا بواسطة البوليس ودخلت غرفتى واخذت متاعى ورجعت الى عطبرة في اليوم التالى. من المعتقلين من الطلاب معى كان: حموده فتح الرحمن ، حافظ عمر، احمد خير تيراب،. الخ.
كما لازلت اذكر الحملة الواسعه التى خضناها لتغيير التركيبة السياسية لكلية التربية والزراعة شمبات والتى كانت شبه منطقتين مقفولتين للاتجاه الإسلامي ، وتمكنا بعد نشاط جم وأركان نقاش في الكلية اضافة للعمل الفكرى والنشاط الدعائى المكثف من تغيير التركيبه لمصلحة الجبهة الديمقراطية.
كما اسهمت في تنشيط مركزية الجباه الديمقراطية للجامعات والمعاهد العليا التى كانت تتكون من المسئولين السياسيين للجباه الديمقراطية في جامعة الخرطوم والتى كنت امثلها، والمعهد الفنى وجامعة القاهره الفرع والجامعة الإسلامية.
اذكر بعد التخرج تم ترشيحى لامثل الجبهة الديمقراطية في اتحاد الطلاب العالمى، ولكنى لم اتحمس للفكره ولم اسافر، وسافر بدلى بعد فترة : عبد السلام سيداحمد، بديلا لفتحى فضل.


















4
سوق مدينة عطبرة
تقديم:
عندما قام انقلاب الجبهة الاسلامية(الانقاذ) في 30/يونيو/2008م، وجد مقاومة كبيرة من الشعب السوداني، وبصفة خاصة من مواطني مدينة عطبرة(اتبرا)، ذات التاريخ الناصع في المقاومة البطولية للأنظمة الاستعمارية والعسكرية ، فكان اضراب عمال السكة الحديد الشهير عام 1990م، التي قمعته دكتاتورية الانقاذ بعنف ومن خلال طرد العاملين من منازلهم، وتشريد حوالي 5 الف عامل من السكة، مما ادي الي تدمير مرفق السكة الحديد، لم يكتف النظام بذلك ، بل حاول محو تاريخ مدينة (اتبرا) من الذاكرة بتغيير معالم المدينة التاريخية مثل: سوق عطبرة، وميدان المولد الذي شهد المعارك التاريخية في المدينة والليالي السياسية، اضافة الي محو ارشيف نقابة عمال السكة الحديد، وهذا امتداد لسياسة النظام لمحو تاريخ السودان مثل: محاولة محو آثار مروي والبجراوية، وتصوير تاريخ السودان وكأنه بدأ من سلطنة سنار، ولكن النظام فشل في ذلك اذ انه من الصعب محو ذاكرة الشعوب.
واحاول في هذه اللوحة استعادة معالم سوق (اتبرا) الذي حاول نظام الانقاذ ان يمحوه من الذاكرة علي أن، يكمل هذه اللوحة أبناء عطبرة الذين عاشوا فيها في الفترة ماقبل 1989م، بهدف توثيق تاريخ مدينة عطبرة الاجتماعي، كما اشير الي مساهمات قيمة حافظت علي تاريخ عطبرة علي سبيل المثال لا الحصر: كتاب د. عثمان السيد محجوب حول:الاثار الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسكك حديد السودان، وكذلك كتاب د. الناصر ابوكروق: ام المدائن، والذي يحكي سيرة وتاريخ عطبرة منذ تأسيسها وحتي العام 1948م،ومؤلف محمد العوض سكنجة عن التاريخ الاجتماعي لمدينة الحديد والنار(عطبرة)، وغيرهما من الكتابات عن تاريخ عطبرة.
سوق اتبرا:
حول سوق (اتبرا) الذي كنت من المداومين للحضور له تقريبا بشكل يومي بحكم عمل الوالد في التجارة، كان من اهم معالم السوق: زنك الخضروات واللحوم والفواكه التى كانت قريبه من بعضها، في الجزء الشمالى الشرقي من السوق ، اضافه الى سوق الحوش الذي كان كبيرا وتُعرض فيه المحاصيل: من ذرة ،قمح ، لوبيا، كبكبى ،لالوب (ثمار شجر الهجليج) ،دوم، قنقليز(ثمار شجر التبلدي)، نبق(ثمار شجرة السدر)، وفول مصرى وسودانى. الخ.
كان ابناء الجاليه اليمنية منتشرين في السوق، اضافه للعمل في دكاكين القطاعى كانوا يمتلكون مطاعم تخصصت في الفول المصرى، من اهم المطاعم كان مطعم (عتيق) الذي كان يقع بالقرب موقف التاكسى وطلمبة البنزين جوار السينما الوطنية، اضافة للمقاهى التى كانت منتشره في السوق مثل قهوة فضل المولى وود البيه والامين والفكى .. الخ وكانت تلك القهاوى منتديات للإنس والترفيه مثل لعب الطاولة والضمنه والورق ومتابعة الرياضة والحاله السياسية ، وكانت من اهم المقاهى: قهوة فضل المولى التى كنا نرتادها في الاجازات ونحن طلبه في جامعة الخرطوم، في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، كنا نتناول فيها الأحوال الرياضية والسياسية واخبار اتبرا والبلد عموما ، كانت تضم طلاب وعمال وموظفين من مختلف الوان الطيف السياسي مثل دسوقي الذي كان اقتصاديا مرموقا يعمل بالسكه الحديد وحسن أحمد خليل ( حسنوف)، والإخوان عمر وفيصل هيبه ومحمد حسين( جيس)وكمال محمد احمد الذي ربطتنى معه علاقة وصداقة من عطبره الثانويه وامتدت الى جامعة الخرطوم وبعد التخرج حتى هجرته الى امريكا ، كما كان من رواد المقهى عبد الله القطينى، ومن الشخصيات الطريفه التى كانت ترتاد المقهى( الباع شبابو)، الذي كان يحمل مذياعين وحجار بطاريه في جيوبه الاثنين ، وكان متابعا لأخبار الرياضة ومشجعا لفريق المريخ ، وبعد أن حل الرئيس النميرى أندية الهلال المريخ، وعمل ما يُسمى بالرياضه الجماهيرية تحول للسياسة ناقدا للحكومة حتى عودة الأندية الرياضية.
ومن أهم معالم سوق اتبرا كانت دكاكين العجلاتيه مثل: عبد اللطيف واحمد حسن سابل .. الخ، والعجله كانت وسيلة مواصلات مهمه في اتبرا، اذكر اننى تعلمت سواقة العجله وأنا طفل وكنا نؤجر العجلات من عبد اللطيف ونعيدها في نهاية اليوم، وفي بيتنا كانت هناك عجلتين،وتاريخ العجله قديم في اتبرا ، كان عمال اتبرا يستخدمونها كوسيلة ترحيل للورش، وتعتبر اتبرا يومئذ من اكبر المدن في افريقيا بها عدد من العجلات، وهى عمليه ولاتلوث البيئة ، وقيادتها ممارسه للرياضه والحركة.
كما كان من اهم معالم سوق اتبرا دكان الطير الابيض ، الابس(الذى يصنع ايسكريم يمتاز بالجودة)، الدبل، دكان احمد عبد الله، دكان ابراهيم عثمان العربي الذي كان وكيلا للسجائر، ومحمد خير خوجلى الذي كان تاجرا بالجملة، اضافة لعبد الله الفكى محمود وأحمد البشير حنتبلى، وخيال ودكان سنجر.
وكانت اغلب دكاكين القطاعى تتعامل بالدين ذلك أن اغلب سكان اتبرا كانوا عاملين وموظفين في السكه الحديد ويحاسبون اخر الشهر ، كان السوق يعتمد بشكل أساسي على العاملين بالسكة الحديد وشركة اسمنت اتبرا . اضافة لدكان عبد الفتاح الذي كان متخصصا في صناعة الباسطه والبسبوسه بالسمن البلدى والتي كانت تنفد قبل الساعة الثامنه مساءا.
من اهم المخابز في اتبرا كان مخبز حسن الشوش وعبد الرحمن تكه والسقد. الخ.
كما من اهم الطواحين في ذلك الزمان كانت طاحونة ابوشام وطاحونة زكى.كما كان من اهم معالم سوق اتبرا ( الدخوليه) التى كان يباع فيها الماشيه والفحم والحطب التي كانت تقع جوار موقف حاج الريح وهو من شيوخ وأعيان اتبرا والذي اسهم في بناء المدارس والأعمال الخيريه الكثيره، اضافه للدلاله التى كان يعمل فيها من أبناء امبكول رشوان.
من اهم الاستديوهات كان استديو الرشيد مهدى ومحمدين الذى انتقل الى الخرطوم في السعينيات من القرن الماضى، اذكر من الترزيه البارزين كان محمد الخضر الذى كان متخصصا في تفصيل الملابس النسائية اضافة للشيخ محمد عثمان الذي كان ترزيا افرنجيا ممتازا قبل أن ينتقل الى الخرطوم في موقعه بشارع الجمهوريه.
وجنوب السوق كانت تقع بيوت الدعاره والتى كانت مفتوحه بتصديق من مجلس بلدى اتبرا وبعد الكشف الصحى.وغرب السوق كانت تقع ورش السكه الحديد ومكاتب إدارة وحسابات ومحطة السكة الحديد، وشمال السوق كانت تقع بلدية اتبرا بحديقتها الجميلة ، اضافه للبوسته ومدارس الكمبونى ومكتبة بلدية اتبرا والمدرسه الصناعية التى تحولت حاليا الى كليه الهندسة اتبرا، اضافة للمحكمه وسجن اتبرا الذي اعتقلت فيه سياسيا عام 1977 م.
اما المنطقه الصناعية فكانت تقع شمال شرق السوق، ومن اهم الورش فى المنطقه كانت ورشة عوض حسين للنجارة وورشة عجمى وعلى سعيد وعثمان الرفاعى، وعم الجعلى الذي كان متخصصا في اصلاح طلمبات المياه.. الخ، كما يقع المطار شمال شرق السوق، اما ميدان المولد فيقع جنوب السوق، كانت تقام فيه اضافه لاحتفالات المولد الليالى السياسية وتتحرك منه مواكب العمال الى دار النقابه، ويقع موقف التاكسى شرق ميدان المولد جوار نقطة بوليس اتبرا ونادى الشبيبه الرياضي.
وكانت اتبرا راقيه في طلب التاكسى، اذا طلبت تاكسى يمكنك أن تطلبه بالتلفون يصلك صاحب التاكسى حتي المنزل ، كانت مدينة اتبرا فى ذلك الزمان تمتاز بالنظافة وصحة البيئة، فكان عمال الصحة يمرون على البيوت ويصبون الزيت على الماء الراكد ولم نسمع في ذلك الزمان بملاريا في المدينة.
كما كان معمل الالبان، الذي يقع شمال اتبرا، من اهم المعالم حيث كان يمد اتبرا باللبن ، اضافه لأصحاب اللبن الذين كانوا يحضرون من الفاضلاب وام الطيور غرب المدينة وبقية القري المجاورة.
كان من أهم أحياء اتبرا التى كانت تحيط بالسوق : حى الداخله ، السودنه ، السكه الحديد، حى امبكول، المربعات ، المورده ، القلعه ، حى السوق، والحصايا ..الخ، وبعد ذلك ومنذ العام 1969 بدأت تتسع اتبرا لتشمل الأحياء الجديدة :الشرقي، الشمالى ، حى المطار،. الخ.
حاولت أن افصل معالم سوق اتبرا في ذلك الزمان بعد أن تم هدمه في بداية نظام الانقاذ بطريقه عشوائيه وسريعه ونحتاج لتوثيق معالم تاريخه باعتباره من المعالم المهمه في تاريخ مدينة اتبرا.


















5
تجربة في نادي عمال السكة الحديد بعطبرة
تقديم:
كما هو معلوم ، في عام 1946 م بدأت أولى الخطوات لتنظيم الحركة النقابية السودانية في مدينة عطبرة مركز رئاسة مصلحة السكة الحديد، وكان عمال السكة الحديد يشكلون في عطبرة قوة عمالية كبيرة ومتجانسة، وذلك بعكس الحالة العامة لأوضاع عمال المدن الأخرى في البلاد حيث كانت الغالبية تعمل في ورش ومحلات تجارية صغيرة متعددة ومتنوعة ومع مخدمين متعددين ومتنوعين وتحت شروط خدمة متباينة في شروطها وظروفها، أما في عطبرة في عام 1946 كان العمال يشكلون 90 % من سكان المدينة ( هولت : تاريخ السودان الحديث ، لندن ، 1961)، وحوالي ال 40 % من مجموع عمال السكة الحديد، وبحكم وجود مدرسة السكة حديد في مدينة عطبرة نفسها فقد كان العمال المهرة يشكلون جزءً هاما من مجموعات العمال هناك،مثال: ذلك في عام 1944 م كان عدد العمال المهرة حوالي 6680 عاملا من مجموع عمال السكة الحديد البالغ عددهم 20,000 ، وللمزيد من التفاصيل عن تاريخ مدينة عطبرة راجع الناصر عبد الله أبو كروق : تاريخ عطبرة ، رسالة دكتوراه من جامعة أم درمان الإسلامية ، راجع أيضا بحث محمد العوض سكنجة عن التاريخ الاجتماعي لمدينة عطبرة .
الفنيون " العمال المهرة"
والواقع أن مجموعة العمال المهرة هي التي تحملت مسئولية المبادرة وبداية النشاط النقابي وسط عمال السكة الحديد، ذلك نتيجة لوعيهم المتقدم ولشعورهم الحاد بالغبن والاضطهاد ، فرغم التدريب الذي تلقوه في المدرسة الصناعية، ومن خلال الخبرات العملية ، فإن أجورهم كانت قريبة جدا من أجور العمال ، يقول هندرسون ( العامل الصناعي بورش السكة حديد امهر صانع في السودان لا يدانيه في مهارته أو يجاريه عامل صناعي في أي بقعة من بقاع السودان، يمكن أن يضع مقاس لنسبة الواحد من الألف للبوصة الواحدة، ومع ذلك فهو يصطدم بواقع متناقض: فبعد عشرين سنة من الخدمة يجد ابنه الصغير من أرباب الياقات البيضاء في الكادر الكتابي قد حصل علي مرتب اكبر من مرتبه ) .
من المهم أن نذكر هنا أن بعض العمال الذين تقدموا نشاط الحركة العمالية في الأربعينيات كانوا من الجنود المسرحين من قوة دفاع السودان، وخاصة الذين تحصلوا علي تدريب في المجالات الفنية داخل وخارج السودان .
كما تكونت أندية العمال في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي في المدن الكبري مثل : الخرطوم، عطبرة، بور تسودان التي انطلقت منها النواة الأولى للتنظيم النقابي فيما بعد.
في عطبرة تم انشاء نادي خريجي المدارس الصناعية بالقرب من دار الرياضة، ولاحقا تم انشاء نادي عمال السكة الحديد بجواره من الناحية الجنوبية، حسب سياسة الانجليز يومئذ القائمة علي الفصل بين العمال والفنيين بهدف تفتيت وحدة الحركة النقابية، ومعلوم أن هذا النادي تم إغلاقه في عهد الديكتاتور نميري وتم تحويله الي دار الاتحاد الاشتراكي، وبعد انتفاضة مارس – ابريل 1985م، استعاد عمال السكة ناديهم، وبعد انقلاب الإخوان المسلمين في يونيو 1989م، تمت مصادرة النادي وتشريد الآلاف من العمال من العمل، ومن منازلهم بعد اضراب عمال السكة الحديد عام 1990م، وتمت مصادرة النقابة وتدمير ارثها التاريخي وتمت خصخصة ونهب السكة الحديد نفسها.
ذكريات من نادي عمال السكة الحديد بعطبرة:
اذكر أنني كنت في فرقة الجمباز أو التربية البدنية التى كانت في نادى عمال السكة، كان نادى عمال السكة الحديد في عطبرة " اتبرا" مركزا للإشعاع الثقافي ، كانت توجد به اضافة لرياضة التربية البدنية كرة السلة ، الملاكمة رفع الاثقال، كرة القدم ، اضافة لفرقة مسرحية ومكتبة، اضافة لالعاب الورق والشطرنج والضمنه ، كان ناديا عامرا ومخضّرا بالاشجار الضخمة التى تحيط به مثل اشجار "الذنيا "و"اللبخ" و"الخريم" ، وكانت به نجيلة تضفى على الجو برودة في الامسيات وخاصة في صيف اتبرا القائظ ، وكانت تقدم لنا في النادى اكواب ذات طعم لذيذ من الشاى والتمرى هندى والكاكاو، وكانت بأسعار زهيدة، قضيت فيه اجمل سنوات شبابي في الفترة :1963 – 1973 وحتى مغادرتي مدينة عطبرة للدراسة في جامعة الخرطوم عام 1973م، بعد أن اصبحت من الماهرين في الجمباز وكمال الأجسام.
لازلت اذكر تاج السر حسن آدم (شقيق بروفسير فرح حسن آدم ) بصوته الجهور الذي كان رئيسا للنادى وبقية أعضاء لجنة النادي مثل: صديق ادريس، واحمد حسن، وحسين سنادة ،وعوض "طرقه"، وبقية الرياضيين مثل: النور الطيب حسن ( ابن النقابي الطيب حسن الذي ساهم في تأسيس هيئة شئون العمال عام 1946م)، كان النور فنانا، وعبد الغفار محى الدين، وشقيقه بكرى محى الدين الذي كان يطلق عليه شمشون عطبرة، لما مُنح من قوة خارقة في رفع الاثقال وجر العربة باسنانه!! حتى أصبح رياضيا على المستوى العالمي .
اذكر ايضا مشاركتنا في مهرجان الشباب في صوفيا عام 1968 ، ومساهمتنا في هذا الحدث بارسال خيرة الرياضيين في النادي لذلك المهرجان.
كما لاانسي استاذنا في عطبرة الثانوية حسن على عبيدي(رحمه الله) الذي كان يقدم محاضرات ثقافية وسياسية رفيعة في نادي العمال .
ولاانسي الرحلات التى كنا نقوم بها مع اعضاء نادى العمال ، والتى نقضى فيها يوما كاملا في احد المزارع مع البرامج الترفيهية الثقافية التى كانت تقدم فيها ، اذكر تاج السر حسن آدم بصوته الجهورعندما يقدم لنا قصيدة صلاح بشرى والتى كتبها الشاعر المصري كمال عبد الحليم بعد استشهاده في أحد السجون المصرية والتى يقول فيها :
يا صلاح آه آه
ياصلاح آه آه
بين صخر وحديد وأعاصير وسل
عذبوه قتلوه
قتلوا منا بطل
الى أن يقول :
حسبوه سيساوم حينما يدنو المصير
وجدوه حرا يقاوم
وهو في الرمق الأخير
كنا نردد هذا النشيد مع تاج السر حسن آدم باصوات عالية .
وصلاح بشرى من ابناء عطبرة حيث كان يسكن في حى المربعات، وهو من أوائل الشيوعيين السودانيين ، ودرس مع عبد الخالق محجوب في مصر وكان مناضلا من اجل استقلال السودان حتى تم استشهاده في احد السجون المصرية عام 1951 م ، وتم تشييعه في عطبرة في موكب مهيب كانت الجماهير فيه تهتف : عبد الهادى .. كلب الوادى ، (وعبد الهادى كان رئيس وزراء مصر آنذاك) ، اضافة للهتافات بسقوط الاستعمار ، والكفاح المشترك بين الشعبين المصري والسوداني ضد الاستعمار .
لازلت اذكر تلك الايام الجميلة في نادي العمال وتلك الرحلات بطرائفها وقفشاتها ، كان ذلك في الاعوام : 63 – 73 19م ، وانا طالب في المرحلتين الوسطي والثانوية.







6
ذكريات من مكتبات مدينة عطبرة
خلال حياتي في مدينة عطبرة "اتبرا" في الفترة (1952- 1973م)، كانت توجد بها مكتبات عامة مثل: مكتبة البلدية، مكتبة الخدمات الاجتماعية بالسكة الحديد، ومكتبة الجامع الكبير ، هذا اضافة للمكتبات التجارية مثل مكتبة عوض الله دبورة، والثقافة الاسلامية، وأحمد البشير حنتبلي،..الخ وكانت تلك المكتبات من أهم المواقع التى شكلت وجداني في مدينة اتبرا، علي أن اهمها مكتبة بلدية عطبرة التي كانت تقع جوار مدرسة الكمبونى وجوار حديقة البلدية ، كان المسئول عن المكتبة الاخ بشرى الذي ربطتنا معه صداقة حميمة، وكذلك العم على الذي كان عاملا في المكتبة ، وكان ايضا عم على صديقا لأخى الأكبر إبراهيم ، كان يسألنى عنه دائما في حالات غيابه من المكتبة، وكان اخى ابراهيم من المواظبين علي الحضورالى المكتبة، نشأت بيننا وبين بشرى وعم على علاقة قوية من كثرة التردد على المكتبة واستلاف الكتب بالبطاقة المشهورة وارجاعها لاستلاف الآخر.
في مكتبة بلدية اتبرا توسعت مداركي الثقافية والأدبية والسياسية والفلسفية، اطلعت على مؤلفات سلامة موسى مثل :" عقلى وعقلك" ، و"حرية الفكر في التاريخ" و"الاشتراكية"، و"الانسان قمة التطور"..الخ ، كما اطلعت على مؤلفات احمد زكى الذي كان رئيسا لتحرير مجلة العربي مثل :" لحظات حاسمة في تاريخ العلم" ، و"مع الله في السماء" ، كما اطلعت على مؤلفات مونتجمرى حول الحرب العالمية الثانية ، ومؤلفات سيد قطب ومحمد قطب التى لم اكن ارتاح لها لأنها تخاطب العاطفة اكثر من العقل مقارنة بمؤلفات خالد محمد خالد وسلامة موسى وطه حسين، اضافة لتاريخ الثورة الصينية والثورة الروسية والثورة الكوبية وكتابات كاسترو وجيفارا، ومؤلفات ناقدة للتجربة الاشتراكية السوفيتية مثل : "خروتشوف وشبح ستالين" ، اضافة لمؤلفات فلسفية لارسطو وافلاطون والفلسفة العربية الاسلامية مثل: كتابات ابن رشد والكندي ودراسات متنوعة في الفلسفة المعاصرة ( اذكر اننى بعد القراءة الكثيرة في الفلسفة كتبت بحثا فلسفيا في كراس عن الدين والفلسفة ، كنت في الصف الثاني للمرحلة الثانوية ، ولكن للاسف فقدت هذا البحث)، والمؤلفات الفلسفية مثل: مؤلفات عبد الرحمن بدوى، وكتابات ديفيد هيوم، وروسو، وسارتر،ورفيقة عمره سيمون دى بوفوار، اضافة الى روايات كولن ويلسون، والبير كامو، التى كانت تعبر عن الفلسفة الوجودية من أهم مؤلفات سارتر التى اطلعت عليها مؤلفه "الوجود والعدم" وحواره مع الماركسية ، ومناقشة الفيلسوف الماركسي المجرى جورج لوكاتش لسارتر في مؤلفه:" وجودية أم ماركسية"، اذكر انه كان لى حوار مع صديقي صلاح المبارك والذي كان ينتمى لى بصلة القرابة ، كان صلاح وجوديا وقارئا نهما لمؤلفات كولن ويلسون، والبير كامو.
هذا اضافة للمؤلفات الأدبية باللغة الانجليزية فقد كان بها مكتبة انجليزية غنية بها الكثير من المراجع العلمية ، وكانت تلك المكتبة هدية من المجلس البريطانى والذي حول مكتبته الى مكتبة بلدية عطبرة بعد أن أغلق مكاتبه ومكتبته في اتبرا.
لم اكتف بمكتبة بلدية اتبرا بعد أن التهمت اغلب كتبها، بل تحولت الى مكتبة الخدمات الاجتماعية التابعه للسكة الحديد التى كانت تقع في حى السودنه، وقامت المكتبة على اطلال مبانى كنيسة قديمة في حي السودنة بالسكة الحديد ، كانت المكتبة عامرة بمختلف الكتب الحديثة السياسية والأدبية والاجتماعية .. الخ. من اهم المؤلفات التى اطلعت عليها في تلك المكتبة مؤلف :"راس المال"، لماركس ، والذي ترجمه الى العربية محمد عيتانى، اذكر انها كانت ترجمة سائغة لم اجد صعوبة في قراءتها ، وقد ساعدنى في قراءة الكتاب اهتمامى بمادة الرياضيات فقد كنت مبرزا فيها في المرحلة الثانوية ، كان ذلك في اجازة طويلة كانت جامعة الخرطوم فيها مغلقة لفترة قاربت السته أشهر بعد احداث كلية الطب التى احتفلت بيوبيلها الفضى في ديسمبر 1974 م، والتى واجه فيها الطلاب الرئيس السابق جعفر نميري بالهتافات المعادية.
وهل ينسي الانسان مكتبة عوض الله دبورة الذي اسهم في نشر الاستنارة والوعى في مدينة اتبرا؟ ، كنت اقضي الساعات الطوال في تصفح الكتب في المكتبة ، وكان يقابلنا بابتسامته الجميلة، وكان لايضج ولايثور، كما كانت المكتبة ملتقى للناس باهتماماتهم السياسية المتنوعة والفنية والرياضية والثقافية، وكانت اشد ما تكون ازدحاما قرب موعد وصول القطار الذي يحمل الصحف والمجلات من الخرطوم، قبل أن تحل البصات محل القطارات حاليا.
في مكتبة عوض الله دبورة تابعنا الجديد من مطابع بيروت من كتب ثقافية وسياسية وروايات ، اضافة للمجلات مثل مجلة الطليعة المصرية، ومجلة الكاتب، والفكر المعاصر، والسياسة الدولية، ومجلة دراسات اشتراكية ، اضافة لمؤلفات اليسار الجديد مثل مؤلفان ماركوز( الانسان ذو البعد الواحد ،...)، ومؤلفات غارودى الذي كان قد ترك الحزب الشيوعي الفرنسي وقتها وكتب مؤلفات مثل:" ماركسية القرن العشرين" ،" اشتراكية بلا ضفاف"،...الخ)، اضافة لكتابات المنشقين عن الحزب الشيوعي اليوغسلافي مثل ميلوفان دوجلاس الذي اصدر كتاب :" الطبقة الجديدة" ينتقد فيه التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا..الخ ، لقد كان عوض الله دبورة( رحمه الله صديقا لكل الوان الطيف السياسي في عطبرة ورمزا للتسامح رغم أنه كان وطنيا اتحاديا ، كما كان مراسلا ممتازا للصحف مثل: الرأى العام ، الايام، .. الخ.
كما لاانسي ايضا مكتبة الثقافة الاسلامية التى كانت تقع في شارع السلك وتواجه ورش السكك الحديد والتى كنت اتردد عليها كثيرا، كما لاأنسي مكتبة الجامع الكبير العامة التى كنت اتردد عليها ، والتى اطلعت فيها على مؤلفات: أحمد امين وطه حسين ، اعجبت بطريقتهما الجذابة في عرض احداث التاريخ الإسلامي مثل مؤلفات أحمد أمين :" ضحى الاسلام" و"فجر الاسلام "ومؤلفات طه حسين :" الفتنة الكبرى"، وفي الأدب الجاهلي ... الخ.
نخلص من ذلك الي أن مدينة عطبرة ، كانت مدينة حديثة بمعني الكلمة، تركت اثرها في وجدان كل من عاش بها في تلك الفترة، لم تكن عاصمة الحديد والنار فقط، بل كانت عاصمة للثقافة والمعرفة الحديثة، قبل أن يهجم عليها التتر الجدد من الإسلامويين بعد انقلاب 30 يونيو 1989م، وحاولوا أن يحيلوها الي حطام ورماد يذروه الرياح، وتحطيم أهم معالمها من سكة حديد ومكتبات وغيرها، ولكنهم فشلوا،وكانت عطبرة رائدة في تفجير ثورة ديسمبر 2018 التي أطاحت بهم. .


















7
ذكريات من نادي الصبيان بمدينة عطبرة
كما هو معلوم أن معهد التربية في بخت الرضا دخل في تجربة جديدة لتطوير مواهب الاطفال الذين اكملوا المراحل التعليمية الابتدائية في مجال الاطلاع والقراءة الحرة والتثقيف الذاتي ، والاستفادة من اوقات الفراغ في انشطة موجهه، ولتحقيق هذا الهدف أُنشئت أندية الصبيان تحت اشراف معهد التربية ببخت الرضا، وقد بدأ النشاط بمدينة الدويم، ثم انتشرت أندية الصبيان في المدن الأخري.
حتي تحقق هذه الأندية رسالتها التثقيفية، تم انشاء مكتب النشر التربوي في عام 1946 في بخت الرضا، وكانت مجلة الصبيان من أوائل اصدارته والتي صدرت في العام نفسه كأول مجلة تخاطب الأطفال في المنطقة العربية،واستمر اصدارهذه المجلة لفترة طويلة ثم توقفت، وعاودت الصدور اخيرا تحت اشراف إادارة النشاط الطلابي بالوزارة. وقد اصدر مكتب النشر بعد نقله للخرطوم عددا من الكتيبات في مجال القصة والرواية والتاريخ والسيرة الذاتية لبعض أبطال السودان.
اذكر ونحن أطفال في مدينة عطبرة في خمسينيات القرن الماضي تابعنا مجلة الصبيان من خلال اشتراكنا الدوري فيها، وتابعنا شخصياتها النمطية مثل "عمك تنقو " ومغامراته المختلفة، التي كان يعد رسوماتها بعض الفنانين مثل: شرحبيل أحمد،..الخ، كما تابعنا كتيبات مكتب النشر التربوي التي كان عرضها سهلا ومبسطا يناسب فعلا عقول الأطفال وتنمي خيالهم وحبهم للمعرفة، اضافة لحفزهم علي القراءة ومواصلة التثقيف الذاتي، وهي من التجارب الرائدة التي اندثرت بدلا من تطويرها.مثلما اندثر كل ماهو جيد وايجابي بعد انقلاب 30 يونيو 1989م.
في مدينة عطبرة قام نادي الصبيان تحت اشراف المجلس البلدي، وكان النادي واسعا وكبيرا، يقع في حي المربعات قرب السينما الجمهورية وجوار المدرسة الانجيلية الامريكية من ناحية الجنوب ، ونادي المريخ الرياضي من ناحية الشمال. كان نادي الصبيان يعج بأنشطة مختلفة مثل: التدريب الحرفي الذي كان يشمل: الحدادة والنجارة.الخ، اضافة لانشطة رياضية "كرة قدم، كرة طائرة، تنس،...الخ"، وفنية ، وكانت به فرقة للتربية البدنية ( الجمباز) مزودة بكل أدواتها من: " حصان، ومرتبة، وياي، وعقلة ، ومتوازي"، اضافة للنشاط المسرحي، وكان بالنادي مكتبة بها كتب ثقافية متنوعة. كانت فترات النشاط بالنادي صباحية ومسائية،والنادي مزدحما بالنشاط وخاصة في فترات الإجازات المدرسية، اذكر أنني كنت من المواظبين علي الحضور للنادي في الفترة: 1963- 1970م.
تلك اياما مضت لن ننسي ذكراها في نادي الصبيان الذي كان - كما اشرنا سابقا- يعج بمختلف الأنشطة المهنية والفنية والرياضية والثقافية، وكان به مكتبة ادبية وثقافية غنية كان مسؤولا عنها الأخ عامر عبد النبي، ابن عبد النبى عبد الله الذي كان من رموز حزب الامه ومرشحه للانتخابات البرلمانية في عطبرة ، اذكر اننى في فترات الاجازة المدرسية التهمت كل الكتب التى كانت موجودة في المكتبة بالنادي، كنت استلف الكتاب واعيده خلال يومين من أهم الروايات التى كانت في تلك المكتبة والتى اطلعت عليها روايات نجيب محفوظ، يوسف السباعي، واحسان عبد القدوس، وروايات فكتور هوجو: مثل (البؤساء)..الخ ،وتولستوى وراوئعه مثل : (الحرب والسلام)..الخ، وروايات بلزاك، وشارلس ديكنز ، هذا اضافة لمؤلفات طه حسين مثل: "الأيام"، و"دعاء الكروان" وبقية مؤلفاته ، اضافة لعبقريات العقاد مثل : "عبقرية محمد" ، "عبقرية عمر"، " عبقرية على"..الخ ، ومؤلفات خالد محمد خالد مثل : "من هنا نبدأ" ، و"رجال حول الرسول" ...الخ.
اضافة للاطلاع والاهتمامات الفنية مارست رياضة التربية البدنية ( الجمباز) في نادي الصبيان، ساعد علي المواظبة في النادي أنه كان قريبا من سكني..
وبعد انقلاب 25 /مايو/ 1969 م تغير اسم نادى الصبيان الى مركز الشباب وواصلنا العمل فيه ضمن نشاط اتحاد الشباب السوداني.
خلاصة القول أن تجربة نادي الصبيان كانت من التجارب التربوية الناجحة لبخت الرضا سواء كان ذلك بصفة عامة أو علي مستوي التجربة الشخصية، فقد اسهمت في اعدادنا للحياة الاجتماعية والعامة ، وغرست فينا حب الاطلاع المستمر، وحب تعلم الجديد، اضافة الي تنمية روح العمل الجماعي والتواجد في النادي التي واظبنا عليها في حياتنا.
الآن نحس بالتراجع الكبير عن تلك التجارب بدلا من تطويرها وتنميتها، في ظروف يزداد فيها حدة الفقر والفاقد التربوي، وتزداد فيها الحروب التي اتسع نطاقها بعد انقلاب الإسلامويين في 30يونيو 1989م، الذي تدهورت فيه خدمات التعليم والصحة وانهارت كل المرافق الخدمية والتربوية مثل التي نعيشها الآن.








8
ذكريات : إذا ما آخر العلاج الكي..

من أروع قصائد الشاعر الراحل محمد الحسن سالم حميد "سني علي النضال إيدي" التي يقول فيها:
سني علي النضال إيدي
سوكي بالهتاف فمي
شوارعك لي دروبها علي
إذا ما آخر العلاج الكي
مراوديك حمر عيني...
وكلما أسمع " آخر العلاج الكي.. مراويدك حمر عيني" ، اتذكر تجربتي في مرحلة الطفولة مع الكي، والكي شكل من العلاج المحلي متداول في السودان لعلاج بعض الأمراض مثل: " فكك" مفاصل اليد أو القدم، أو لعلاج مرض " الغرقان الذي من مظاهره صفار العيون"..الخ ، والمراويد هي جمع مرواد ، والمرواد هو قطعة من الحديد رقيقة اسطوانية الشكل طولها لايتجاوز 30 سم ، تحمي في النار حتي يصبح لونها أحمر ، ليتم وضعها علي ذلك الجزء من جسم الإنسان المراد معالجته.
وتجربتي مع الكي كانت علي النحو التالي:
اذكر أثناء لعبي لكرة القدم، في فترة الطفولة ، وقعت علي يدي اليسري مما أدي الي تغير في وضع المفصلين " فكك"، ذهبت الي المستشفي، وتم وضع "الجبص" علي اليد الذي كان مؤلما لفترة طويلة، ولم يحقق ذلك نتائج واضحة في الشفاء ، ورجوع اليد الي وضعها الطبيعي.
بعد ذلك ذهبت مع والدي الي "البصير" ود طلب الذي كان يسكن بقرية كنور التي تقع شمال مدينة عطبرة، كان أغلب مزارعي كنور علي معرفة بالوالد الذي كان تاجرا مشهورا للخضروات بسوق عطبرة، وكانوا يمدون عطبرة بالخضروات كل صباح، ويعودون في نهاية اليوم بعد استلام نصيبهم من الرزق. وكان والدي من "زبائنهم"، يستلم الخضروات في الصباح الباكر، ويحاسبهم آخر اليوم.
بعد مقابلتي لود طلب فحص اليد اليسري، وارجع المفاصل الي وضعها الطبيعي وتم كيها " أربع كيات" بمراود أحمر ، لم أشعر بسخانة النار من شدة الألم.
بعد فترة زالت آثار الكي، وعادت اليد الي طبيعتها وقوتها العادية.
مرة أخري أثناء لعبي لرياضة الجمباز بنادي عمال السكة الحديد بعطبرة في منتصف العام 1969م، وقعت علي رجلي اليسري ايضا!! ، وحدث ايضا " فكك" في مفاصل القدم ، ذهبت الي المستشفي وحدث الشئ نفسه ، "جبص " بدون نتيجة واضحة في العلاج مع الم شديد.
مرة أخري ذهبت الي ود طلب في "كنور"، حيث ارجع المفاصل الي وضعها الطبيعي وكيها، وبعد فترة عادت لوضعها الطبيعي.
كان ود طلب إنسانا فاضلا، كان يسميني الشقي، عندما حضرت له للمرة الثانية قال: " تاني جيتني ياشقي الحال"، كما كان زاهدا وورعا ومتصوفا لايأخذ أجرا من عمله ك"بصير" ، كان عمله الأساسي في الزراعة، وهو والد إبراهيم طلب رجل الأعمال المشهور في ستنيات وسبعينيات القرن الماضي.
رحم الله الانسان الفاضل والبصير ود طلب.

















9
ذكريات أدبية وفنية
اتذكر منذ مرحلة الطفولة كان الفن والأدب محورا مهما في حياتي، بدأ ذلك الإهتمام بالسينما ، فقد كنت مداوما علي مشاهدة الإفلام العربية والايطالية والأمريكية والهندية..الخ. كان في مدينة عطبرة في الفترة :52 – 1973م، ثلاثة دور للسينما: الجمهورية ، الوطنية، وعطبرة الجديدة، كانت السينما الجمهورية تقع علي شارع كسلا شمال شرق حي امبكول، والسينما الوطنية تقع شمال شرق السوق الكبير بالقرب من حي الفكي مدني، والسينما الجديدة تقع بالقرب من دار الرياضة في حي السكة الحديد، وقد تأثرت كثيرا بعد أن اصبحت المباريات ليلية بعد دخول الكشافات الكبيرة التي اثرت علي عرض الأفلام. قبل أن تتدهور دور السينما كلها كما نراها الآن في البلاد.
من أهم الأفلام التي مازالت عالقة في ذهني، "من أجل ابنائي " والذي يعتبر من روائع الأفلام الهندية، وفيلم "أفواه وأرانب" والتي أدت بطولته فاتن حمامة، وفيلم " زد"، و"منيتورا وحش كريت"..الخ. كما كنت متابعا الدراسات الناقدة للسينما وكتابات رؤوف توفيق عن مهرجانات السينما في صحيفة روزاليوسف المصرية.
بعد دخولي جامعة الخرطوم كنت منتظما في مشاهدة الأفلام بسينما النيل الأزرق التي تقع بالقرب من داخلية " البركس" التي كنا نسكن فيها، اضافة لبقية دور السينما مثل : الوطنية غرب، وكلوزيوم ..الخ. كما كنت مشتركا في نادي السينما في الفترة : 1975- 1978م الذي كان تابعا لمصلحة الثقافة، والذي كان يقع بالقرب من الجامعة، حيث كان يتم فيه عرض الجياد من الأفلام ، وبعد العرض تتم مناقشة الفيلم من مختلف الجوانب.
وبعد تخرجي في الجامعة سكنت في مدينة بحري وتابعت افلام سينما الصافية، وكوبر ، وقاعة الصداقة..الخ، الي أن تدهورت دور السينما، وحلت الأفلام السينمائية التلفزيونية، وحاليا افلام الانترنت محلها.
كما اهتميت منذ طفولتي بالاطلاع علي القصص والروايات المحلية والعالمية، لازلت اذكر روايات مهمة مازال لها الأثر في حياتي مثل: " ذهب مع الريح"، " البؤساء"، " وديفيد كوبر فيلد"، وغيرها من روايات : تولستوي وفيكتور هوجو، ونجيب محفوظ ، وبلزاك، والطيب صالح،ومكسيم جوركي،آرنست همنغواي، ماركيز.الخ ، كنت قارئا نهما للروايات التي كانت موجودة في مكتبات عطبرة العامة" البلدية والسكة الحديد.الخ".
كما شكل الشعر محورا مهما من حياتي منذ مرحلة الطفولة، اهتميت بالشعر العربي الكلاسيكي مثل دواوين : المتنبي ، المعري، ابونواس،ابوتمام..الخ، والشعر العربي الحديث مثل دواوين: الجواهري، درويش، سميح القاسم، توفيق زياد، أمل دنقل، الشابي، كمال عبد الحليم..الخ. ومنجزات الشعراء السودانيين مثل: خليل فرح، التيجاني يوسف بشير، الفيتوري، تاج السر الحسن ، جيلي عبد الرحمن، صلاح احمد ابراهيم، محمد المكي ابراهيم..الخ.
اضافة للشعراء الأجانب مثل : ناظم حكمت، لوركا، نيرودا، بريخت، ..الخ.


















10
ذكريات من الأندية الرياضية والإجتماعية والثقافية
شهدت فترة الحكم الإستعماري للسودان "1898-1956م" تحولات اقتصادية مهمة مثل : قيام السكك الحديدية، ومشروع الجزيرة والمشاريع الزراعية الأخري في النيل الأبيض والنيل الأزرق، والقاش وطوكر وجبال النوبا، وفي المديرية الشمالية، ومشاريع الزراعة الآلية..الخ، كما قامت مصلحة النقل النهري والمخازن والمهمات، والخطوط البحرية السودانية، والخطوط الجوية، وقيام بعض الصناعات الخفيفية التي انتشرت في المناطق الصناعية بالمدن الرئيسية " الخرطوم بحري، ،الحصاحيصا، عطبرة ، بورتسودان..الخ"
كان من الطبيعي أن يلازم التطور الإقتصادي الذي حدث تطور اجتماعي وثقافي وفكري وسياسي ، وأدي انتشار التعليم الحديث إلى تطور واضح في حياة الناس الفكرية والثقافية والاجتماعية وقيام وعى جديد ، فكل تحول في قوى وعلاقات الإنتاج ( البنية التحتية للمجتمع ) يلازمه تحول في الوعي الاجتماعي، وتظهر بنية فوقية جديدة تعبر عن هذا التحول، ولكن هذه العملية معقدة ولاتتم بصورة آلية، ولا يجوز التبسيط فيها، فالوعى الاجتماعي الجديد الناتج من الوجود الاجتماعي الجديد يؤدى بدوره إلى التأثير في هذا الوجود نفسه ويعمل على تحويله وتغييره . وقد تستمر بنية فوقية قديمة تعبر عن علاقات قبلية وإقطاعية سابقة ، رغم زوال أساسها المادي والاقتصادي ، وقد تظهر بنية فوقية جديدة تعبر عن واقع جديد في شكله الجنيني داخل التشكيلة الاجتماعية المعينة وتتصارع أو تتعايش مع البنية الفوقية السائدة في هذه التشكيلة حتى تصبح هي السائدة .
فالتحولات الاقتصادية والسياسية التي تمت أدت إلى تفكك المجتمع القبلي ، وقامت المدن والأسواق وظهرت تنظيمات سياسية واجتماعية أرقى من رابطة القبيلة والطريقة الصوفية ، وبدأت الأشكال الجنينية للطبقات تظهر: الطبقة العاملة، المزارعون على أساس الزراعة الحديثة، التجار، الرأسمالية . وحدثت خلخلة في البنية القبلية القديمة ، وازدادت موجة الهجرة من الأرياف إلى المدن، كما ظهرت الصحافة .
كل هذه التطورات كان لها الأثر في تطور وعى شعب السودان، وقامت حركات للتجديد والنهضة الفكرية علي مختلف المستويات. .
نتيجة للتطور الاقتصادي والاجتماعي الذي تم، ظهرت أساليب جديدة في الكفاح والصراع السياسي ضد المستعمر لم تكن موجودة منذ هزيمة الدولة المهدية ،وخاصة بعد القضاء على انتفاضات القبائل في جنوب السودان وجبال النوبة، والانتفاضات الدينية في أواسط وشرق وغرب السودان والتي كانت مستمرة في السنوات الأولى للحكم الثنائي وبعد الحرب العالمية الأولى وحتى عام 1926 حيث تم إخضاع آخر القبائل الجنوبية المتمردة ( التبوسا )، وعام 1929 عندما تم قمع المعارضة نهائيا بقمع قبيلة الليرى في جبال النوبة، وقبل ذلك كان إخضاع دار فور بهزيمة السلطان على دينار عام 1916 .
من هذه الأشكال والأساليب الجديدة :
_ إنشاء الجمعيات والاتحادات السرية (جمعية الاتحاد السوداني ، وجمعية اللواء الأبيض)
_ تأسيس الأندية الاجتماعية والرياضية والثقافية مثل: أندية الخريجين وأندية العمال ، وأندية الجاليات الأجنبية.
_ ظهور وتطور الصحافة.
_ المظاهرات والمنشورات والكتابة في الصحف بأسماء مستعارة.
_ الخطب في المساجد وليالي المولد.
_ انتفاضات وتمرد الضباط والجنود: تمرد ألأ ورطة السودانية 1900، وثورة العسكريين المسلحة في 1924.
_ ثورة 1924.
_ الجمعيات الأدبية والثقافية التي تكونت بعد هزيمة ثورة 1924 مثل: جمعية أبى روف، وجمعية الفجر ، وظهرت مجلتا النهضة السودانية والفجر .
_ إضراب طلاب كلية غردون عام 1931 ، وإضرابات العمال، وتكوين مؤتمر الخريجين كتنظيم اجتماعي وإصلاحي.
_ظهور الأحزاب السياسية بعد الحرب العالمية الثانية وانفراط عقد مؤتمر الخريجين.
_ انتزاع الطبقة العاملة السودانية لتنظيمها النقابي في مصلحة السكة حديد عام 1947 ( هيئة شئون العمال ).
دخلت هذه الأساليب الجديدة بتأثير النهضة وظهور أجيال جديدة من المتعلمين والخريجين والقوى الحديثة التي عبرت عن نفسها وعن مطالبها بهده الأشكال الجديدة التي ابتدعتها من خلال تجربتها واحتكاكها بالعالم الخارجي ووصلت المواجهة إلى قمتها في الثورة المسلحة في عام 1924 .
ما يهمنا هنا هو ظهور الأندية كشكل جديد من الحداثة التي ظهرت في السودان مثل: الأندية الرياضية ، واندية العمال والخريجين، وأندية الجاليات الأجنبية، ودور النقابات والاتحادات والجمعيات التعاونية والمهنية، واندية وزوايا ابناء القبائل في المدن، واندية الشباب والصبيان..الخ.

اذكر أن مدينة عطبرة في الفترة التي عشت فيها (1952- 1973م) كانت تعج بالأندية الرياضية والإجتماعية والثقافية والتعاونية والزوايا ودور النقابات والاتحادات، وأندية الحرفيين، وتلك كانت السمات الأساسية لمدينة عطبرة كمدينة اجتماعية وحديثة.
وكان بعد مغيب الشمس( المغرب) يذهب أغلب المواطنين للنادي الذي ينتمون إليه، حتي الساعة العاشرة مساءً حيث يمارسون الأنشطة المختلفة من لعب الورق أو الطاولة أو جلسات الإنس، أويستمعون للمحاضرات الثقافية والرياضية. هذا طبعا إضافة للذهاب للسينما أو دار الرياضة، او الحفلات،وبقية المناسبات.
أذكر أنني بحكم اهتمامي الثقافي وممارستي لرياضة الجمباز ارتبطت بعدة أندية منها:
1- نادي الصبيان ، وقد لخصت ونشرت تجربتي فيه في ذكرياتي عن نادي الصبيان بعطبرة.
2- نادي عمال السكة الحديد الذي لخصت ونشرت ذكرياتي عنه سابقا
3- نادي الهدف الرياضي الذي كان يقع شمال شرق حي امبكول، اذكر أننا كنا نتابع فيه رياضة رفع الأثقال التي كان من الماهرين فيها بدر الدين علي حسن وغيرهم. وظلت صلتي بنادي الهدف الرياضي مستمرة حتي بعد مغادرتي لعطبرة الي الخرطوم، وفي الإجازات دائما ما كنت أزور نادي الهدف، حيث كنت التقي بالمرحوم الاستاذ عبد السلام سيقيرم الذي كان إداريا بالنادي وبقية الأصدقاء من أبناء امبكول.
4- من الأندية الرياضية بعطبرة التي مارست فيها التربية البدنية لفترة وجيزة نادي النسر الرياضي الذي كان يقع شرق عطبرة جوار المقابر، أذكر من الذين مارست الرياضة معهم: زروق ، صهري ، الياس طربوش. الخ.
5- من الأندية التي مارست فيها التربية البدنية كان نادي الخريجين الذي كان يقع غرب عطبرة في حي" السودنه" ، اذكر أنني كنت مدربا للتربية البدنية في النادي في العام 70/1971م،وكانت التمارين فيه تبدأ من الساعة الخامسة وحتي الساعة السابعة مساءً.
من الذكريات التي عالقة في ذهني اثناء عملي في التدريب يوم الأثنين 19 يوليو 1971م، جاءني اصدقائي من الزملاء وأخطروني بوقوع انقلاب قام به الرائد هاشم العطا، وأنه سوف يذيع بيانا فترقبوه، وقطعت عملية التدريب بعد الاعتذار للمشاركين، وذهبنا إلي منزل احد زملاءنا وانتظرنا طويلا حتي تم إذاعة البيان.
6- من الأندية التي ارتبطت بها ايضا كان نادي الشبيبة الرياضي الذي كان يقع جنوب شرق السوق الكبير جوار موقف "حاج الريح"، الذي ارتبطت مع اصدقائي من عطبرة الثانوية مثل: جعفر أحمد، عبدالله القطي أمين سعد، عادل محمد الخضر..الخ، واولادي السناري" محمد ، صلاح.." من امبكول ، وأولاد النور" عمر، عوض، ابراهيم.." من حي امبكول..الخ، الذي كنا نمارس فيه لعبة " البنق بونق"، اضافة للانشطة الأخري من لعب الورق.الخ، وكنت مواظبا علي الحضور في النادي في الإجازات، أذكر من الإداريين في النادي المرحوم بابكر أحمد محجوب " كروكر" من أبناء امبكول، وكنت مع الزملاء بابكر، وعبد الله القطي، نصدر صحيفة حائط ثقافية.
7- كما ارتبطت بدار اتحاد الفنانين بعطبرة الذي تأسس عام 1951م بمبادرة من الفنان حسن خليفة العطبرواي، كنت مهتما بالغناء السوداني منذ الطفولة، كان دار اتحاد الفنانين يقع بالقرب من السينما الجمهورية، اذكر من المواظبين في النادي كان: الشاعر حسب الباري ، والفنان حسن " بانجس"، وعبد القادر ، وحسن خليفة العطبراوي.الخ ، اضافة الي فناني الحقيبة وغيرهم في عطبرة في ذلك الزمان، كنا نستمع للبروفات والتعليقات..الخ. كنت اغني وسط "الشلل" الا أنني لم اواصل في الغناء، وإن كنت قد واصلت اهتمامي بالإغنية السودانية، ووثقت لتطور الأغنية السودانية في بحث انجزته ولم يطبع عن : التاريخ الأجتماعي للفترة 1898- 1956م، كما انجزت دراسات قمت بنشرها عن: خليل فرح، ومحمد بشير عتيق، ومحمد ود الرضي ، ودراسة عن الشاعر الغنائي عبد الرحمن الريح.
بعد انتقالي الي الخرطوم واصلت ارتباطي بالأندية بعد التخرج في الجامعة في العام 1978م مثل :
1- نادي عمال السكة الحديد بالخرطوم الذي كان فيه عدد كبير من ابناء امبكول، اذكر من الإداريين النشطين فيه ، كان النقابي حسن كنترول.
2- بعد انتفاضة مارس – ابريل 1985م وانتزاع حرية تكوين الأحزاب والحريات الديمقراطية، تم فتح دور الأحزاب، ارتبطت بدار الحزب الشيوعي بمديرية الخرطوم الذي كان يقع في حي الشهداء بام درمان، كنت مسؤولا عن ادارة قيادة المديرية وعن إدارة الدار.
3- بعد خروجي من المعتقل في العام 1996م، وممارستي للعمل السري من علي السطح، ارتبطت بدار رابطة ابناء امبكول الذي يقع بالسجانة قرب نادي العلمين بالقرب من نادي المحس.
تابعنا في دار الرابطة مشاكل قرية امبكول بالولاية الشمالية مثل: توصيل الكهرباء ، وبناء المركز الصحي، وتوفير الكتب والمعينات للمدارس ، ..الخ، إضافة للسفر لزيارة امبكول بهدف ربط أبناء الخرطوم بالقرية الأم. هذا اضافة لعقد الجمعيات العمومية في الدار ومتابعة العمل الخيري مثل : توفير مستلزمات الأفراح والأتراح بأسعار تكلفة الترحيل التي يقوم بها العضو، وجلسات الانس والسمر ، وقيام مناسبات الأفراح والعزاء في الدار، ومتابعة النشاط الثقافي والاجتماعي والرياضي.
وبعد اتفاقية نيفاشا وفتح دور الأحزاب السياسية، ارتبطت بالمركز العام للحزب الشيوعي السوداني الذي يقع في الخرطوم 2.
تجربة العمل المبكر في الأندية الرياضة والثقافية والاجتماعية ساهمت في أن يكون الانسان اجتماعيا، وساعدت ايضا في الانتقال الي المساهمة في العمل العام في النشاط السياسي. كما ساعدت في تحسين وصقل منهج العمل الجماعي المفيد.

11
ذكريات من الحركة السياسية والوطنية بعطبرة
معلوم أن مدينة عطبرة ضربت بسهم وافر في الحركة السياسية والنقابية والفنية والرياضية والثقافية، فمنذ العام 1908 نشأت فيها الحركة المسرحية، وساهم عمال السكة في مظاهرات ثورة 1924م ضد الاستعمار، وفي العام 1946م قامت هيئة شؤون العمال التي طالبت بحق التنظيم النقابي حتي تم انتزاعه في العام 1948، وتم انتزاع قانون النقابات للعام 1948م الذي كفل حق التنظيم النقابي، كما نشأت الحركة السودانية للتحرر الوطني( الحزب الشيوعي فيما بعد) في العام 1946م وساهمت في ادخال الوعي النقابي والسياسي في صفوف العمال، وكذلك نشأت الأحزاب الاتحادية وغيرها في عطبرة، ونشأت الحركة الرياضية والفنية والأدبية التي اسهمت بشكل كبير في رفع الوعي والحركة الوطنية، وكان للجو العام في عطبره اثره في متابعتي للحركة الوطنية والسياسية في البلاد.
اذكر أن مدينة عطبرة في خمسينيات وستنيات القرن الماضي كانت تعج بالنشاط الوطني والسياسي والنقابي والثقافي والرياضي والفني. كنت اسكن مع اسرتي في حي امبكول بالقرب من ميدان المولد الذي كان يقع جنوب السوق الكبير وشرق الجامع الكبير، وغرب موقف التاكسي وطلمبة شل في ذلك الزمن.
كان ميدان المولد اضافة لمناسبات المولد النبوي الشريف يعج بالندوات والليالي السياسية والعمالية ، كانت مواكب العمال والموظفين تتجمع في ميدان المولد لتنطلق في مظاهرات هادرة من أجل مطالبها النقابية والوطنية. أذكر أنه كان من ابرز المتحدثين في تلك الليالي : قاسم أمين، الحاج عبد الرحمن، هاشم السعيد ، وعلي محمد بشير ، ومن الزعماء السياسيين الذين يصلون من الخرطوم: عبد الخالق محجوب، عبد الرحمن عبد الرحيم الوسيلة، محمد أحمد المحجوب، الشفيع أحمد الشيخ..الخ. كان دار "الجبهة المعادية للاستعمار" مواجها لميدان المولد، وبعد ثورة اكتوبر كان دار الحزب الشيوعي ايضا مواجها لميدان المولد، أما دار الحزب الوطني الإتحادي فقد كان بالقرب من دكان محمد خير خوجلي التاجر المشهور في عطبرة، ودار حزب الأمه يقع بالقرب من دار نقابة عمال السكة الحديد غرب المقابر ودار الختمية.
كان مواطنو عطبرة يحرصون علي حضور الليالي السياسية والعمالية، التي كانت تبدأ بعد صلاة العشاء، كانوا يخرجون لليالي السياسية بملابسهم النظيفة وأحذيتهم اللامعة، وكانوا مستمعين جيدين لتلك الندوات غض النظر عن اختلافهم أو إتفاقهم مع المتحدثين، وكانت لهم ملاحظاتهم الناقدة.
أذكر وأنا طفل في حوالي السنة الرابعة من عمري ذهبت مع أخواتي واخوتي الي حديقة البلدية لحضور الإحتفال بذكري الإستقلال عام 1956م، كانت جماهير مدينة عطبرة في حالة فرحة ونشوه بمناسبة خروج الإنجليز،وسط أناشيد حسن خليفة العطبراوي : ياغريب يالله لبلدك ياغريب ، لمم عددك ، انتهت مددك ..الخ، وأناشيد محمد وردي : اليوم نرفع راية استقلالنا، ويسطر التاريخ مولد شعبنا..الخ،وكان النشيد الذي نردده كل عام في ذكري الاستقلال في المدارس ، والإحتفالات السنوية بالاستقلال في حديقة البلدية ودار الرياضة حيث كانت تقام المهرجانات والكرنفالات السياسية والفنية والرياضية بمناسبة عيد الإستقلال.
لازلت أذكر في المدرسة الاولية نشيد : علمي انت رجائي ، وعنوان الولاء ، لونك الأزرق ماء ، ولونك الأصفر صحراء، ولونك الأخضر زرع..الخ، وكانت اشارة لعلم السودان، الذي رفعه إسماعيل الأزهري رئيس الوزراء عام 1956م، وبجواره زعيم المعارضة محمد أحمد المحجوب، بعد أن سلم الحاكم العام يومئذ روبرت هاو علم الدولة الاستعمارية. كان علم السودان يتكون من ثلاثة الوان هي : الأزرق ، والأصفر ، والأخضر، قبل أن يتم تغييره إلي شكله الحالي بعد انقلاب 25 مايو 1969م.
من الأناشيد التي مازالت عالقة في ذهني كان النشيد الذي ردده تلاميذ مدرسة الداخلة الأولية في مناسبة الإحتفال بدار الرياضة بمناسبة الذكري الثانية للاستقلال عام 1958م، والذي يقول:
افرح وهلل نحن في عهد السرور
شعبنا اليوم بنهضته فخور
أرضنا صجراء كانت من سنين
انظروها اليوم قد نبتت زهور..الخ.
كما لازال عالقا بذهني حديقة البلدية التي كانت تقام فيها إحتفالات الإستقلال، كانت تمتاز النظافة والخضره وحسن التنسيق والتي تسر الناظرين، كانت الحديقة تقع بالقرب من عمارة عباس محمود، وشرق المحكمة وسجن عطبره الذي أٌعتقلت فيه سياسيا عام 1977.
كما لازلت اذكر النصب التذكاري، تلك المسلة الهرمية الشكل والتي علي قمتها حمامة السلام البيضاء اللون التي تحمل في منقارها غصن زيتون أخضر، تلك الحمامة التي ظهرت بعد أن رست سفينة نوح علي جبل الجودي كما جاء في رواية "التوراة "، حاملة غصن الزيتون الأخضر كدليل علي وصول اليايسة أوالوصول الي بر الامان.
لازلت أذكر زيارة الرئيس اسماعيل الأزهري لمدينة عطبره عام 1957م، والذي تم استقباله بحضور جماهيري حاشد من المحطة ، كانت الجماهير تهتف : "حررت الناس.. ياسماعيل، الكانو عبيد ياسماعيل..الخ "، تابعنا الموكب ونحن أطفال حيث زار قبر شهداء الجمعية التشريعية، واستمر الموكب حتي وصل در الحزب الوطني الإتحادي الذي كان رئيسه.
لازلت أذكر ايضا مواكب ومظاهرات عمال السكة الحديد وطلاب المدارس الثانوية التي كنا نشترك فيها وهي تهتف : لن يحكمنا البنك الدولي ، البنك الدولي بنك افلاس ، لا للمعونة الامريكية...الخ، وكان ذلك في إطار الحملة الدعائية الكبيرة التي قام بها الشيوعيون والوطنيون والحركة النقابية في عطبرة دفاعا عن السيادة الوطنية ورفضا للمعونة الأمريكية المشروطة التي تربط البلاد بالأحلاف العسكرية، وتفتح الطريق للتغلغل الأمريكي في السودان وافريقيا بعد افول نجم الامبراطورية البريطانية التي غاب عنها الشمس، بعد نهوض حركات التحرر الوطني في افريقيا وآسيا بعد الحرب العالمية الثانية، وكان من ضمنها استقلال السودان.
أذكر ايضا حملة الانتخابات العامة عام 1958م، وحملات المرشحين الدعائية الكبيرة بالندوات والليالي السياسية، و شعارات الأقمشة علي الجدران والأماكن العامة، وكانت المنافسة قوية بين مرشح الحزب الشيوعي : قاسم أمين، ومرشح الحزب الوطني الإتحادي : المحلاوي. اذكر بعد نهاية الانتخابات كنا نجمع تلك الشعارت من الأقمشة من الجدران والأماكن العامه ونقوم بتنظيفها جيدا ، ونصبغها ، ونصنع منها ملابس لكرة القدم. وكانت تلك الأقمشة من نوع " الدبلان" الناصع البياض ، " والدمور" الأغبش.
اذكر بعد انقلاب 17 نوفمبر 1958م، وأنا في المدرسة الأولية منشورات الشيوعيين التي كانت توزع ليلا وتملأ الشوارع، كنا نصحو في الصباح الباكر في حي امبكول بعطبرة، ونشاهد البوليس الذي كان يركب " الكومر" المشهور، يجمع تلك المنشورات من الشوارع، وأحيانا ينظف شعارات الحائط التي كان يكتبها الشيوعيون ليلا التي تندد بالنظام وتدعو إلي إسقاطه. وكنا نسمع تعليقات سكان الحي " الليلة الشيوعيون مالين البلد منشورات، وكتابه علي الحيط".".
أذكر ايضا مظاهرات طلاب مدرسة عطبرة الثانوية الحكومية التي كانت تتحرك من المدرسه التي كانت تقع غرب السكة الحديد بالقرب من الأورطه، وتمر بشارع " السلك" نحو ميدان المولد، وكانت تهتف بسقوط العسكر، وكنا ننتظرها بالقرب من مدرسة العمال الوسطي ونشارك فيها والتي كان يقمعها البوليس بعنف بالغاز المسيل للدموع، والهراوات.
أذكر ايضا مظاهرات عمال السكة الحديد واضراباتهم المشهوره، التي كانت تطالب بتحسين أحوالهم المعيشية وضد الديكتاتورية العسكرية.
لازال عالقا بذهني اشتراكي في مظاهرات العمال والطلاب ومواطني عطبرة ضد مؤامرة اغتيال قائد حركة التحرر الوطني في الكونغو "باتريس لوممبا" التي كانت تهتف " خالد..خالد ..يالوممبا"، " خائن..خائن.. ياتشومبي" ، ولوممبا اغتاله المستعمرون البلجيك في 17 يناير 1961م، وتشومبي من عملاء الاستعمار البلجيكي الذي ساهم في اغتيال لوممبا، كانت صور لوممبا بمحياه الجميل تزين كثيرا من جدران منازل عطبرة.
كما أذكر مشاركتي في مظاهرات ابناء النوبة ضد تهجيرهم من حلفا، شاركنا مع النوبيين الذين كان حيهم قريبا من حي امبكول في عطبرة، وكانت المظاهرات تهتف بسقوط الحكم العسكري، " حلفا دغيم ولا باريس " ،" بعتم حلفا ياللعار"،..الخ. كانت المظاهرات يومية، كنا نشارك فيها ونتعرض للضرب بالغاز المسيل للدموع، وكانت جماهير عطبرة تشارك في المظاهرات وتتضامن مع الشعب النوبي الذي عاني من التهجير وتدمير حضارته وثقافته وكنوز آثار النوبة الثقافية والتاريخية.
أذكر ايضا حملات الاعتقالات الواسعة ضد الشيوعيين في حي امبكول، واكتشاف المخبأ السري الذ ي كانت تطبع منه منشورات الحزب الشيوعي بالقرب من حي السوق.
ظلت المقاومة للديكتاتورية مستمرة حتي اندلعت ثورة اكتوبر 1964م، اذكر مشاركتي فيها مع زملائي ونحن في المرحلة الوسطي ،تلك المظاهرات التي شارك فيها مواطنو عطبرة بكل فئاتهم.
كما لازلت اذكر زيارة الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم لعطبرة عام 1965 التي فازت في الانتخابات للجمعية التأسيسية كأول امرأة في تاريخ السودان، عن دوائر الخريجين،كان استقبالا حاشدا، عبر عن دعم جماهير عطبرة لحقوق المرأة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
بعد ثورة اكتوبر تابعنا الانتخابات العامة التي اجريت عام 1965 التي فاز فيها المرحوم علي محمد بشير عن الحزب الوطني الإتحادي، وعلي محمد بشير ينتمي لنا بصلة القرابة، وهو في الأصل كان شيوعيا، ومن مؤسسي الحزب الشيوعي بعطبرة وهيئة شؤون العمال، اختلف مع الحزب الشيوعي أيام ديكتاتورية عبود،كنت اقابله كثيرا بحكم صلة القرابة، لاحظت أنه كانت له مرارات شخصية مع المرحومين الشفيع أحمد الشيخ، وقاسم أمين.
ثم جاءت الانتخابات التكميلية في العام 1968م التي فاز فيها مرشح الحزب الشيوعي الحاج عبد الرحمن عن دائرة عطبرة، أذكرأننا في حي امبكول تابعنا مظاهرات الشيوعيين احتفالا بالنصر التي طافت حي امبكول بهتافاتها الهادرة.
في مدينة عطبرة كانت المنافسة أساسا بين الشيوعيين والاتحاديين، وكان نفوذ الحزب الشيوعي في عطبرة قويا، وكان له قادة عماليين بارزين مثل: هاشم السعيد، والحاج عبد الرحمن، ومحجوب علي " النقابي العجوز"..الخ.
لقد كانت مدينة عطبرة مدينة عمالية حديثة بمعني الكلمة، وبها حركة سياسية وفكرية ونقابية، ورياضية وفنية وثقافية متقدمة، مما ترك اثرا في تكويني الفكري والسياسي فيما بعد.





12
ذكريات من البحر
1- البحر
كلما استعرض شريط ذكريات البحر اتذكر قصيدة إيليا ابو ماضي التي يقول فيها:
قد سألت البحر يوما هل أنا يابحرمنك؟
هل صحيح مارواه بعضهم عني وعنك؟
أم ترى مازعموا زوراً وبهتانا وافك؟
ضحكت أمواجه مني وقالت:
! لست أدري
إلي أن يقول:
يرقص الموج وفي قاعك حرب لن تزولَ
تخلق الأسماك لكن تخلق الحوت الأكولَ
قد جمعت الموت في صدرك والعيش الجميلَ
ليت شعري أنت مهد أم ضريح؟..
لست أدري !
كنت اسكن في طفولتي بالقرب من مقرن نهري عطبرة " الاتبراوي"ونهر النيل من الجهة الشمالية لنهر عطبرة والجهة الشرقية لنهر النيل في حي امبكول المشهور بعطبرة..
كنا نطلق علي نهر النيل أونهر عطبرة كلمة " البحر"، كان "البحر" يشكل جزءا مهما من حياتنا، كنا نذهب اليه للسباحة وخاصة في العطلات الدراسية الصيفية التي تتميز بحرارة الجو في صيف عطبرة القائظ، وكانت العطلات الصيفية تمتد لمدة تقارب الأربعة أشهر تبدأ في أول مارس وتنتهي في أول يوليو. كنا نقضي الساعات الطوال في السباحة، ونجلس علي الرمال الفضية علي ضفتي النهر، ونغسل ملابسنا ونقوم بطيها وندفنها في تلك الرمال الساخنة، وحين العودة للمنازل نخرجها لنجدها نظيفة ولامعة.
رغم المحاذير من الأسرة بعدم الذهاب للبحر، الا أننا كنا نصر علي الذهاب، رغم حالات لغرق بعض زملائنا أذكر منهم : محمد عمر سلمان وشقيقه، وهما شقيقا الزميل المناضل المرحوم الأستاذ والزميل صديق عمر سلمان القيادي في الحزب الشيوعي بعطبرة، الذين غرقا في نهر اتبرا، وكذلك زميل الدراسة في المرحلة الوسطي هاشم نصرالله الذي كان مصابا بداء الصرع، أذكر أنه كان يسبح في نهر عطبرة، وداهمة الصرع اثناء السباحة ومات غرقا وحزنا عليه كثيرا ، مثلما حزنا علي شقيقي المرحوم صديق عمر. وفي بعض الأحيان تمكنا من إنقاذ بعض الأصدقاء ، اذكر منهم :عبد الله عبد الكريم سقيرم شقيق المرحوم الزميل والاستاذ عبد السلام سقيرم الذي كان إداريا في نادي الهدف الرياضي وقياديا في الحزب الشيوعي بعطبرة. كما أنقذنا إبن الخال المرحوم صلاح عبدالرحمن تكة الذي كاد أن يغرق في نهر النيل. رغم تلك المحاذير كنا مداومين علي السباحة ، وكنا نسبح لمسافات طويلة، وكان من زملائي السباحين لمسافات طويلة:هاشم عبد الباقي، عمر ميرغني برسي..الخ، كنا نقطع نهر النيل حيث كنا نبدأ من قرب مدرسة عطبرة الثانوية شرقا ونقطع النيل حتي نصل غربا الي المكان الذي به " بنطون" أو باخرة الفاضلاب.
بعد مغادرتي عطبرة في العام 1973م للدراسة بجامعة الخرطوم، واصلت رياضة السباحة في حوض الجامعة الذي كان يقع خلف كلية العلوم من الجهة الشمالية، إضافة للسباحة في نهري النيل الأبيض والأزرق ، خاصة في الرحلات التي كنا نقوم بها في المناسبات المختلفة. وكذلك السباحة في ساحل البحر الأحمرعند زياراتي ألي بورتسودان.
حتي في خارج السودان في الخليج" ابوطبي، الشارقة.." وشرق اوربا" بلغاريا.."، كنت اذهب كثيرا للتأمل أمام البحر وخاصة مع غروب الشمس.
كنا نذهب للبحر ايضا لصيد السمك ، كنا نصنع أدوات الصيد من " جبادة" ، " ونشاقة"، وكان الطعم مزيجا من مسحون دقيق مع لحم وثوم، او دود "صارقيل" الذي كنا نستخرجه من الطين" الطمي" الذي يتراكم في جداول المياه التي تروي بها المزارع والحياض، كنا نقضي ساعات طويلة في الصيد احيانا نأتي بسمك وفير، وأحيانا نرجع بخفي حنين.
كنا ايضا زوارا للمنتجات الزراعية علي ضفاف النهرين التي كنا نطلق عليها " الجروف" الخصبة بطمى الاتبراوى، وخاصة بعد إنحسار فيضان النيل ونهر عطبرة، لنقتطف ثمار " البطيخ" ، " العجور"، وبقية الخضروات، وكنا احيانا نتسلل للجنائن الخاصة والحكومية الممتدة علي ضفاف النهرين لالتقاط ثمار " البرتقال" ، و " المانجو" ، " والبلح" و" التمري هندي"، و"الذنيا" و " والجوافة"..الخ، كنا نمتلك أدوات تتكون من قناة طويلة علي رأسها خطاف من السلك القوي لالتقاط الثمار ، أحيانا يتم القبض علينا ويتم تحويلنا إلي العمدة " السرور السافلاي" الذي كان من شيوخ عطبرة ويأمر بجلدنا، وكان يصفنا " ببطان امبكول الشواطين"، وأحيانا بعض حراس الجنائن يقولوا لنا " اكلوا فقط ، لكن لاتحملوا ثمار معكم خارج الجنينة".
كان نهر اتبرا في "الدميرة" يأتي مندفعا هادرا من الجبال الشرقية جارفا طمى كثير كما نسميه " طمى الأتبراوي"، وكان أيضا يجرف الأشجار والخشب، في تلك الأيام كنا نجمع كمبات كبيرة من الخشب ونجلبه إلي المنازل الذي كان يستخدم وقودا للطعام، وبعد قيام خزان "خشم القربة " في أوائل ستينيات القرن الماضي قلت كمية الأخشاب.
كما ذكرت سابقا، كان نهر عطبرة يأتي مندفعا وهادرا في الفيضان، وكان يحمل معه طمي خصب، وهو سماد طبيعي لزراعة " الجروف" بعد إنحسار الفيضان، ، وكان" طمى الأتبراوي" يتشقق شقوق كبيرة، وتنمو فيه أعشاب كثيرة ، إضافة لزراعة الخضروات والدخن والذرة، والذرةالشامية. الخ، إضافة لنمو النباتات الأخري مثل: الحلفا ، والدفرة " النجيلة"،و " والعشر"..الخ.
كان البحر مصدر سعادة لي، فهو بالاضافة لرياضة السباحة مصدرا للالهام ، وكثيرا من الأفكار التي دونتها كانت بعد جلسات طويلة أمام البحر.















13
ربط الدراسة بالعمل
أذكر اثناء مرحلة الدراسة في الابتدائي والوسطي والثانوي كنت مواظبا علي العمل في العطلات الصيفية، وهي تجربة كانت مفيدة واكسبتني خبرة ومعرفة كبيرة بالحياة وأسهمت في توسيع مداركي وأفقي في الحياة من خلال التعامل مع أنماط متنوعة من البشر.
أ ول تجربة لي في المرحلة الأولية كانت العمل مع الوالد في التجارة " كان الوالد تاجرا للخضروات بالسوق الكبيربعطبرة"، اذكر أن الوالد عندما تكون له مهمة خارج السوق ، كان يكلفني بمتابعة الدكان لبيع الخضار وتسليم طلبات " الزبائن".
كان سوق الخضار عامرا في تلك الأيام، كانت الخضروات تأتي يوميا طازجة من القري المجاورة لعطبرة " كنور ، دارمالي ، ام الطيور ، الفاضلاب..الخ"، إضافة للخضروات التي تأتي من كسلا وشندي.الخ. وكانت الخضروات تزرع في السواقي أو المزارع التي تروي بالوابورات أوزراعة الجروف مثل: الجرجير، الطماطم، الشطة الخضراء ، البصل ، الجزر ، الملوخية، الورق، السبانخ، الرجلة، الفاصوليا الخضراء ، الشمار..الخ. وهي تجربة زادتني معرفة بأنواع الخضروات والفواكة واماكن زراعتها ، حتي انني في المرحلة الأولية لم أجد صعوبة في ملء " المدونة الطبيعية" التي كنا نعني فيها بتدوين حالة الطقس، وأنواع الخضروات والفواكه الموجودة يوميا في السوق،وذكر الإسم بدقة في الرسوم المخصصة لها.
بعد أن يحضر الوالد من مهمته أقوم بتسليمه قيمة ما تم بيعه ويعطيني مصاريف كنت اذهب بها للسينما والعشاء خارج المنزل في نهاية الاسبوع. أذكر أنني كنت سكرتيرا ومديرا للألعاب في فريق الدفاع الرياضي، ، وعندما حان وقت التمرين الذي كان يبدأ الساعة اربعة ونصف عصرا وكنت حارسا للدكان ولم يصل الوالد، وقمت باغلاق الدكان، وتمكنت من تجهيز الكرة والملابس للتمرين..الخ، عندما حضر الوالد ووجد الدكان مغلقا غضب من هذا التصرف.
التجربة الثانية للاحتكاك بالحياة العملية، كانت عملي في المنطقة الصناعية بعطبرة في ورشة علي سعيد، وقد لخصت تلك التجربة سابقا، وكانت تجربة مفيدة في حياتي.
في المرحلة الوسطي تقدمت خطوات غير العمل في التجارة مع الوالد، اذ استقليت عنه، وعملت في البنيان أو في " المونة"، اذكر أننا عملنا في بناء مساكن الإمتداد الشرقي بعطبرة والإمتداد الشمالي التي بدأ العمل فيها في منتصف ستينيات القرن الماضي. وتلك ايضا كانت تجربة مفيدة تعلمنا فيها نسب خلط " الاسمنت" ب"الرمل" و" الخرصان" حتي يكون البنيان صلبا ومتماسكا، كما تعلمنا طلاء الجدران الداخلية، إضافة لمعرفة ادوات البناء مثل : الخلاط، ميزان الموية، القدة، ميزان الخيط الذين يساعدان في إستقامة البنيان، المسطرين، و الطالوش..الخ.
التجربة الثالثة كانت العمل في حفر المجاري استعدادا للخريف، ونظافة الخيران الكبيرة في عطبرة التي تصرف المياه إلي البحر، وكان هذا عمل روتيني ودقيق كانت تقوم به بلدية عطبرة في شهر مايو من كل عام استعدادا للخريف، وكان شهر مايو متوافقا مع الإجازة المدرسية التي تبدأ في أول مارس وتنتهي أول يوليو. كان العمل بالمقطوعية يبدأ الساعة 7 صباحا وينتهي الساعة 10 صباحا، أذكر بعدها ارجع للمنزل ، افطر واستحم وأغير ملابسي واذهب إلي مكتبة بلدية عطبرة، أو الي مكتبة نادي الصبيان لاستلاف كتب وروايات.
تلك ايضا كانت تجربة مفيدة تعرفنا فيها علي الطريقة المثلي للحفر ب " الأزمة" والنظافة ب " الكوريك"، وطريقة الحفر السليم الذي يسمح بانسياب وتصريف المياه سريعا للخيران الكبيرة ومنها إلي البحر دون تراكم للمياه الذي يؤدي الي خسائر أو توالد بعوض وذباب..الخ.
وفي إجازات المرحلة الجامعية كنت أعمل متطوعا في فصول التقوية في مادة الرياضيات لطلاب المرحلتين الوسطي والثانوي، وتلك تجربة اكسبتني خبرة في اسهل طريقة لتوصيل المادة للمتلقي والعرض الذي يساعد في الفهم والذي يكتسب من خلال الممارسة. ومن خلال الممارسة الطويلة لم أجد صعوبة عندما اصبحت معلما للرياضيات في المدارس الثانوية في توصيل المادة للطلاب.
اذكر ايضا في أثناء اجازتي في المرحلة الجامعية قررت وزارة التربية والتعليم في العام 1976م إدخال مادة الرياضيات الحديثة في المدارس الوسطي، كنت وقتها أدرس في كلية العلوم رياضيات " تخصص"، اتصل بي مدير المرحلة الوسطي الأستاذ " عبد الرحمن ابيض" الذي كان مديرا لمدرسة حى السوق السوق الأولية التي درست فيها، وصديقا للوالد وعرف منه انني متخصص في الرياضيات، ذكر لي عبد الرحمن: أنهم في إدارة المرحلة الوسطي با لمديرية الشمالية بصدد تنظيم كورس تدريبي لمعلمي المرحلة الوسطي في الرياضيات الحديثة، ونطلب منك العمل كمدرب معنا في الكورس الذي مدته شهرين ، وافقت للعمل كمدرب ومعلم ، وتم الكورس في مدرسة الخدمات الإجتماعية. وقد كانت تجربة مفيدة في التدريس وتقديم المادة بطريقة منهجية حول مبادئ الرياضيات الحديثة، من خلال سبورة ، ومستمعين ، لم اجد صعوبة في توصيل المادة للدارسين والتي كانت باللغة العربية، وكنت مستوعبا للرياضيات الحديثة، إضافة الي أنها من الأساسيات التي درسناها في الصف الاول. كانت تجربة مفيدة خلقت فيها علاقات مع المعلمين جميلة مازالت عالقة في ذهني.
تجربة العمل في الإجازات اكسبتني خبرة واسعة بالحياة، وربطت الدراسة النظرية بالحياة ، اي ربط العمل الذهني بالعمل اليدوي، ما يشكل الاساس المتين للتعليم الشامل.
اضافة لمساعدة الاسرة في توفير مصاريف الدراسة، وتفصيل ملابس المدرسة والجامعة قبل بداية العام الدراسي، وتوفير مصاريف الترفيه البسيطة" :سينما، دار الرياضة، عشاء،..الخ".
تجربة أخري خضتها وهي " المتاجرة في تذاكر السينما"، وخاصة تلك الأفلام التي يكون عليها اقبال كبير، كنا نتابع حركة الأفلام التي عليها إقبال كبير في دور السينما في نهاية الإسبوع في دور السينما الثلاثة بعطبرة " الجمهورية والوطنية، والجديدة" ، اذكر في تلك الأفلام المزدحمة كنت أحضر مبكرا واشتري 20 تذكرة بجنية " سعر التذكرة ب 5 قروش" ، وابيع التذكرة ب 6 قروش ، اي اربح 20 قرش ، ادخل منها السينما إضافة لمصاريف العشاء. اذكر من زملائي في تلك المتاجرة : عمر برسي، حسن خضر"عجوز" له الرحمة المغفرة، عثمان العمدة " الطوافى"، صلاح عبد الرحمن..الخ.
كانت تلك من الذكريات الرائعة، وكانت متابعتنا للسينما لصيقة ، اضافة لدورها في الترفيه والتثقيف كانت مصدرا لعمل تجاري.
من التجارب ايضا عملي اثناء العطلات الصيفية في تجارة المانجو والبلح والتمري هندي والذنيا والنبق..الخ.
كما كنا نصنع الآيسكريم في المنزل، وكنا نبيعه للأطفال.
من الأنشطة العملية التي كنا نقوم بها في الاجازات صناعة النسيج ، كنا نصنع " الشالات" من الصوف لفصل الشتاء، و" فنايل " الصوف"، كنا نستفيد من " اللفات" من الصوف بالسكة الحديد والتي كان ينظف بها العمال الماكنات " الاسطبة"، وكنا نشتري المغازل واحيانا الصوف الناعم من السوق، واثناء اللعب والجلوس في الشارع نمارس عملية النسيج، وتستمر عملية النسيج لايام حتي نكمل العملية. وهي ايضا كانت تجربة عملية مفيدة.
اذكر ونحن في المدرسة الاولية، كانت هناك حصة الأعمال، التي كنا نصنع فيها "الطوب" الصغير من طين الصلصال ، ونقوم بعمل غرف منه، وكنا نزرع احواض ونتابع الزراعة حتي حصاد المحصول في منافسة مع الآخرين..الخ.
كل تلك التجارب العملية كانت مفيدة، وكانت ممارسة عملية للتعليم الشامل الذي يتم فيه ربط العمل الذهني بالعمل اليدوي








14
تجربة في مقاومة البعد والغربة
في سبعينيات القرن الماضي بدأت تضيق الأوضاع الاقتصادية والمعيشية نتيجة لموجة الغلاء وتدهور الأوضاع المعيشية والسياسية وتشريد الالاف من العاملين والكفاءات المهرة وخاصة بعد انقلاب 22/ يوليو 1971م الدموي. وبدأت موجة من الهجرة للعمل ي دول الخليج التي انتعشت اقتصاديا بعد ارتفاع أسعار البترول عالميا بعدحرب اكتوبر 1973م، واصبح لها فوائض ضخمة من الأموال استثمرتها في مشاريع خدمية وصناعية وزراعية ، وبالتالي احتاجت الي عمالة واسعة.
كانت لي تجارب مع مقاومة الغربة، رغم الفرص التي جاءتني أذكر منها:
• في العام 1975م تم ترشيحي لدراسة الهندسة في جامعة اكرا بغانا ، كان ذلك في إطار تعاون جامعة الخرطوم مع إتحاد الجامعات الإفريقية ، وكانت تلك الفرص لدراسة الطب والهندسة تأتي لطلاب كلية العلوم الذين يرغبون في دراسة الطب والهندسة ولم يجدوا الفرصة في جامعة الخرطوم. فكرت في الترشيح ورفضت الذهاب بسبب أنه كان قد تم قولي في كلية الهندسة بجامعة الخرطوم، ولكني فضلت دراسة الرياضيات " تخصص" وواصلت في كلية العلوم، سبب آخر أنني كنت السكرتير السياسي للجبهة الديمقراطية بالجامعة ، وكانت ظروف العمل ضاغطة مع شح الكادر القيادي بعد حملة الاعتقالات الواسعة التي حدثت وسطه، وخاصة بعد انتفاضة أغسطس 1973م، وأحداث كلية الطب 1974م، ومحاولة إنقلاب سبتمبر 1975م.
• بعد التخرج مباشرة ، رشحني مركز الحزب للسفر الي براغ للعمل مندوبا للجبهة الديمقراطية في إتحاد الطلاب العالمي بديلا للزميل فتحي فضل، فكرت في الموضوع ولم اتحمس له، وقدمت للعمل في وزارة التربية والتعليم وتم قبولي معلما للرياضيات في المدارس الثانوية بالعاصمة، اضافة لتسجيلي للدراسة العليا بالجامعة لنيل درجة الماجستير والدكتوراة في الاحصاء، وصرفت النظر عن السفر لبراغ، وبعد فترة سافر بدلا عني الزميل عبد السلام سيد أحمد.
• الفرصة الثالثة جاءتني بعد التخرج ، وعملي لفترة معلما للرياضيات في المدارس الثانوية بالعاصمة. أذكر وصلت لجنة للوزارة من السعودية للتعاقد مع معلمين للرياضيات ، وتم ترشيحي ، ولكني اعتذرت، بسبب رفضي لموضوع الإغتراب وإنخراطي في العمل السري والعمل القيادي في الحزب أثناء المقاومة لديكتاتورية مايو.
• لم يكن لي رغبة في مغادرة البلاد، كنت مسكونا بحب الوطن، رغم سفري لفترات محددة للخارج لمهام محددة مثل السفر لبلغارية لحضور دورة دراسية لفترة 3 شهور ، وسفري الي مينسك وموسكو لفترة شهر مندوبا للحزب الشيوعي السوداني لحضور المهرجان بمناسبة الذكري ال 90 لثورة اكتوبر الإشتراكية والمشاركة بورقة حول دروس التجربة الاشتراكية في الندوة التي أقامتها الأحزاب الشيوعية والإشتراكية والعمالية حول ذكري الثورة. اضافة لسفري الي الإمارات للعلاج لمدة حوالي العامين بسبب مرض الفشل الكلوي.



















15
تجربتي في دراسة التاريخ الإجتماعي للسودان
أذكر بعد تخرجي في جامعة الخرطوم في ابريل 1978م "كلية العلوم – رياضيات"، سجلت في كلية الدراسات العليا للتحضير لدرجة الماجستير والدكتوراة في علم الإحصاء، ولكن كان اهتمامي قد تغير لدراسة التاريخ الإجتماعي للسودان.
بطبيعة الحال، لم يأت هذا الإهتمام فجأة أو من فراغ أو رغبة ذاتية لاأساس موضوعي لها، بل كان نتاجا لاطلاع واهتمامات ثقافية سابقة كنت قد سجلتها في ذكرياتي عن مكتبات عطبرة ونادي الصبيان، وقراءتي في المرحلة الثانوية والجامعية، وكنت قد كونت مكتبة كبيرة اشتملت علي مراجع أساسية في التاريخ والثقافة السودانية، ومؤلفات فلسفية واقتصادية واجتماعية وفي التراث العربي الاسلامي ، أثناء تجوالي في مكتبات العاصمة والأقاليم وزياراتي الراتبة لمعارض الكتب التي كانت تقيمها دور النشر العربية والأجنبية الأخري في الخرطوم في سبعينيات القرن الماضي. وكنت قد بدأت أسجل وأدون ملاحظاتي وتعليقاتي ودراساتي للتاريخ الإجتماعي للسودان في القترات التاريخية المختلفة في كراسات " كراسات لكل فترة" ، من العام 1980 م، وبدأت بدراسة تجربة الثورة المهدية، وقبل ذلك كنت قد أنجزت دراسات في كراسات عن رواد التنوير السودانيين مثل : معاوية محمد نور، التيجاني يوسف بشير، وعرفات محمد عبد الله...الخ. وتطورت هذه العادة ونمت مع مرور الأيام ، حيث أقوم بتصنيف المواضيع ووضعها في ظروف محددة وبفهرس لكل موضوع.
لكن في العام 1983م اتت الرياح بما لاتشتهي السفن، ولاسيما في ظروف السودان واوضاعه المضطربة سياسيا، والذي عاني من الديكتاتوريات العسكرية التي عطلت مسيرته نحو التنمية والاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي. حيث تراجع تركيزي في دراسة التاريخ الاجتماعي وتفرغت للعمل السياسي في الحزب الشيوعي، وقتها كنت السكرتير التنظيمي والاداري لتنظيم الحزب بالعاصمة الخرطوم، وحدثت اعتقالات عطلت عددا كبيرا من الكادر القيادي ، وكان لابد من الاندفاع للانضمام لحلقة الكادر المتفرغ والذي كان ضرورة للعمل في حجم منطقة كبيرة مثل الخرطوم. في تلك الفترة كان الحزب يعمل سرا لاسقاط ديكتاتورية النميري الذي اصبح حاكما مطلقا بعد التعديلات الدستورية وقوانين سبتمبر 1983م التي كرَست الدولة الدينية وتم اعدام الاستاذ محمود محمد طه بسبب معارضتها ، والتي فرضها في ذلك العام بهدف المزيد من قهر الحركة الجماهيرية التي كانت متنامية ضده مثل : اضرابات العمال والمزارعين والاطباء والقضاء والفنيين، والمعلمين، وانتفاضات الطلاب، واحتجاجات المحامين ضد انتهاكات حقوق الانسان، وانتفاضات المدن ،والتمرد المسلح في جنوب السودان بعد ظهور الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق ..الخ
واستمرت مقاومة الحزب للنظام في عمل سري دؤوب مع أطراف المعارضة السياسية والنقابية الأخري ، حتي تم النجاح في اسقاط النظام في انتفاضة مارس – ابريل 1985م.
وبعد الانتفاضة انخرطنا في نشاط واسع من اجل اعادة بناء الحزب ، والنشاط السياسي الجماهيري مثل: انتخابات 1986م، وانتخابات نقابات العمال والموظفين والمهنيين والمعلمين، ومقاومة قانون الترابي الذي يعيدنا لمربع الدولة الدينية حتي تم اسقاطه في الجمعية التأسيسية، والتحضير للمؤتمر الخامس والعيد الأربعين للحزب، وتصفية آثار مايو والغاء قوانين سبتمبر والحل السلمي الديمقراطي لمشكلة الجنوب، وفضح مخطط الجبهة الاسلامية لعمل انقلاب عسكري بعد أن ضاقت بالديمقراطية بعد اتفاق الميرغني – قرنق لحل مشكلة الجنوب، والاضراب العام للنقابات احتجاجا علي الزيادات في الأسعار ومذكرة القوات المسلحة واسقاط حكومة الوفاق التي كانت تشمل الجبهة الاسلامية، واستبدالها بحكومة واسعة، وحذر الحزب مرارا وتكرارا في صحيفة الميدان من الجبهة الاسلامية التي تحضر لانقلاب عسكري..الخ.
اذكر أنني كنت مزدحما بعملي كسكرتير اداري لقيادة تنظيم الحزب بالعاصمة، ومتابعة عمل قطاع العمال بالمنطقة الصناعية الخرطوم، وقطاع المعلمين ، ومدينة بحري..الخ، بعدها تم تحويلي لمسؤولية السكرتير الاداري للجنة المركزية للحزب، اضافة لعملي في لجنة اعداد مشروع دستور الحزب للمؤتمر الخامس، ولجنة البعثات الأكاديمية..الخ.
وفي 30 يونيو 1989م حدث ما توقعه الحزب اذ وقع انقلاب الجبهة الإسلامية، وبعد الإنقلاب اختفيت اختفاءا كاملا حسب قرار قيادة الحزب ، وتم تنظيم العمل السري لمقاومة الانقلاب.
اذكر أن فترة الإختفاء كانت مفيدة اذ وجدت وقتا كافيا لمراجعة كل كتاباتي السابقة عن التاريخ الإجتماعي للسودان، وتمكنت من تنقيحها واضافة المزيد من المعلومات بعد الاطلاع علي مراجع جديدة، اذكر أن الراحل د. محمد سعيد القدال كان يمدني في فترة الاختفاء بالمراجع التي اطلبها منه، وكذلك الراحل د. سيد احمد محمود... وغيرهم.
كما تمكنت من وضع الإطار النظري للدراسة، ووضعت المخططات العامة لها بعد معاناة طويلة من اضافة وحذف ، ووضعت عناوين لكل دراسة عن التشكيلات الاجتماعية للسودان القديم، النوبة المسيحية، السلطنة الزرقاء " الفونج" ، دارفور ، الحكم التركي- المصري، المهدية ، الاستعمار الانجليزي – المصري، فترة مابعد الإستقلال.وجمعت معلومات كل فترة في كراسات بهذه العناوين.
ثم بعد ذلك استزدت في دراسة مناهج البحث العلمي الحديثة، لأن دراسة التاريخ الإجتماعي معقدة وتعتمد علي دراسة العلوم المتداخلة مثل: الاقتصاد والاجتماع، والتاريخ، وعلم النفس..الخ. وبالتالي كان لابد من التعمق في دراسة التاريخ الاقتصادي والاجتماعي في العصور القديمة والوسيطة والحديثة، ودراسة الاقتصاد السياسي ، وتاريخ الأديان، ودراسة مناهج الاقتصاديين الماركسيين المحدثين عن ظاهرة التخلف مثل : بول باران، وعمانويل سويزي، وسمير أمين...الخ، ساعدني كثيرا منهج هيغل الديالكتيكي الذي ينظر للظواهر في حركتها وتطورها وشمولها وترابطها وفي تناقضاتها،كما ساعدتني دراستي للاقتصاد السياسي الماركسي ، حيث اعتبرت دراسة ماركس في مؤلفه " رأس المال" مثالا عمليا لربط ديالكتيكي شامل بين علوم التاريخ والاجتماع والاقتصاد والفلسفة في دراسة نشأة الرأسمالية وتطورها، واكتشاف تناقضاتها وسر الاستغلال الرأسمالي..
كما كان لابد من الدراسة الناقدة لمناهج كتابة التاريخ السوداني التي كانت تعتمد التصنيف الزمني وترتيب الملوك ، دون الإهتمام بدراسة البنية الاجتماعية والاقتصادية في ارتباط بالافكار السياسية والدينية والفلسفية للمجتمع المعين، وتصوير تاريخ السودان وكأنه تاريخ الملوك، دون اهتمام بحياة الجماهير التي صنعت ذلك التاريخ.
رغم استفادتي من المناهج الحديثة والمتنوعة في دراسة التاريخ، الا أنني اعتمدت الدراسة بذهن مفتوح دون أفكار مسبقة نحشر فيها الحدث التاريخي حشرا، وذلك اعتمادا علي جوهر المنهج الديالكتيكي الذي يستخلص الحقائق من الواقع ، وليس من تصورات ذهنية مسبقة. أي أنني حددت الهدف من الدراسة وهو اكتشاف خصائص وسمات المجتمع السوداني في الفترات التاريخية المتنوعة بذهن مفتوح.
وبالتالي كان لابد من توسيع مدي المفهوم المادي للتاريخ ليستوعب حقائق الواقع السوداني المتنوع وتشكيلاته الاجتماعية المتداخلة، وتوسيع مدي المفاهيم والمصطلحات مثل: التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية..الخ، لأن هذا اجدي من حشر الواقع السوداني في مفاهيم ضيقة ومسبقة التي ربما عبرت تعبيرا صحيحا عن واقع مجتمعات أخري.
وكانت حصيلة هذه المعاناة والألم إنجاز الدراسات التالية:
1:- أول دراسة أنجزتها كانت عن "التاريخ الاجتماعي لفترة النوبة المسيحية" ، اذكر بعد إنجاز الدراسة اطلع عليها بعض المتخصصين في التاريخ والمهتمين اذكر منهم : المرحوم البروفيسور فتحي حسن المصري الذي كان استاذا في الجامعة الأهلية، ود. علي صالح كرار الذي كان مديرا لدار الوثائق المركزية بالخرطوم، والمرحوم د. أسامة عبد الرحمن النور عالم الآثار المشهور، ..الخ، وابدوا ملاحظات مفيدة ساعدت في تحسينها وتطويرها. وبعد خروجي من المعتقل عام 1996م قمت باعادة صياغتها عدة مرات في ضوء ملاحظات المؤرخين والمتخصصين والمهتمين، ودفعت بها للطباعة، والتي صدرت عن دار عزة للطباعة والنشر 2003م بعنوان " تاريخ النوبة الاقتصادي – الإجتماعي 550م – 1500م "، وشكرت في المقدمة للكتاب الذين اطلعوا عليها وابدوا ملاحظات ساعدت في تحسينها.
2:- الدراسة الثانية، كانت "عن التاريخ الاجتماعي لسلطنة الفونج : 1504- 1821م" ، بعد صياغتها في 4 كراسات كبيرة، ارسلتها في العام 1994م عن طريق د. سيد أحمد محمود الذي كان استاذا في جامعة الأحفاد للمرحوم بروفيسور يوسف بدري، اذكر أن المرحوم يوسف بدري رغم أعبائه الكثيرة اطلع عليها باهتمام، وبتأني شديد حيث أنها استغرقت معه فترة طويلة، اذكر كنت استعجله لاعادة البحث مع ملاحظاته، كان يقول : اصبر لاتستعجل هذا البحث مثير للاهتمام، وبالفعل ابدي ملاحظات مفيدة ، وأجاز صدور البحث في كتاب، مع توصيه باختصار بعض الصفحات وتجنب التكرار. كما اطلع عليها د. محمد سعيد القدال الذي اشاد بها وأجاز ايضا نشرها في كتاب فهي تفتح شهية الباحثين للمزيد من دراسة التاريخ الاجتماعي للسودان ، وابدي بعض الملاحظات في تعديل ترتيب الفصول وملاحظات فنية أخري ساعدت في تقوية وتحسين البحث، وطلب مني تقديم البحث لطلبته في الدراسات العليا بجامعة الخرطوم، وبالفعل لخصت الدراسة وقدمتها في محاضرة لهم.
وبعد ذلك قمت باعادة صياغة البحث وتنقيحه ودفعت به للطباعة في مركز محمد عمر بشير للدراسات، وأجازها المركز وتمت طباعة الكتاب الذي صدر بعنوان " لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الإجتماعي، مركز محمد عمر بشير 2004م".
كما صدرت طبعة ثانية منقحة مع مقدمة ثانية لها عن مكتبة الشريف الأكاديمية 2006م.
3- الدراسة الثالثة كانت عن "التاريخ الإجتماعي لسلطنة دارفور"، وبعد انجازها في كراسين كبيرين ، سلمتها الي البروفيسور محمد ابراهيم ابوسليم لابداء ملاحظاته عليها ، اذكر أن ابوسليم اطلع عليها بدقة ، وأشاد بمنهج الدراسة، وتمت إعادة صياغتها في ضوء ملاحظاته الفنية المفيدة. وبعد ذلك تم نشرها بواسطة دار عزة للنشر بعنوان " تاريخ الفور الإجتماعي ، دار عزة 2001م"، وتمت طبعة ثانية منقحة لها من مكتبة الشريف لها بعنوان" تاريخ سلطنة دارفور الإجتماعي ،مكتبة الشريف الأكاديمية 2006م".
4- الدراسة الرابعة كانت عن" التاريخ الإجتماعي لفترة الحكم التركي" ، والتي أجازها مركز محمد عمر بشير ، ونشرت بعنوان " التاريخ الاجتماعي للحكم التركي ، مركز محمد عمر بشير 2006 م"
5- الدراسة الخامسة كانت بعنوان " التاريخ الإجتماعي لفترة المهدية" ، والتي أجازها مركز عبد الكريم ميرغني، ونشرت بعنوان " دراسات في التاريخ الإجتماعي للمهدية ، مركز عبد الكريم ميرغني 2010م".
كما أنجزت مؤلفات أخري عن التاريخ الإجتماعي للسودان في مواضيع محددة مثل :
أ – خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية: 1900-1956م ، والتي صدرت في كتاب عن الشركة العالمية للنشر 2009م.
ب- الدولة السودانية : النشأة والخصائص ، والتي صدرت في كتاب عن الشركة العالمية للنشر 2007م.
ج – النفط والصراع السياسي في السودان، بالاشتراك مع عادل أحمد ابراهيم ، والتي صدرت في طبعتين عن مكتبة الشريف 2005، و2007م، وطبعة ثالثة عن مطبعة جزيرة الورد، القاهرة.
د- تطور المرأة السودانية وخصوصيتها ، والتي صدرت عن دار عزة للنشر 2006م.
• وخلال المناقشة العامة التي فتحها الحزب الشيوعي السوداني حول متغيرات العصر في الفترة : 1990- 2009م، اصدرت مساهمات حول التاريخ الإجتماعي ، من خلال متابعة تجربة وتاريخ الحزب الشيوعي السوداني في قضايا محددة وهي:
أ‌- تقويم نقدي لتجربة الحزب الشيوعي السوداني: 1946- 1989م، والتي صدرت منها طبعة في مجلة " الشيوعي" التي تصدرها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني 1993م ، وصدرت طبعة ثانية عن دار عزة للنشر 2008م.
ب‌- دراسة في برنامج الحزب الشيوعي السوداني، والتي صدرت عن الشركة العالمية للنشر 2009م.
ت‌- - أوراق في تجديد الماركسية، والتي صدرت في كتاب عن الشركة العالمية للنشر 2010م
ث‌- الجذور التاريخية للتهميش في السودان ، والتي صدرت عن مكتبة الشريف الأكاديمية 2006م
ج‌- قضايا المناطق المهمشة في السودان، والتي صدرت عن الشركة العالمية للنشر 2014م
كما أنجزت مخطوطات عن " مدخل لدراسة التاريخ الإجتماعي للسودان القديم" ، والتاريخ الإجتماعي لفترة الحكم البريطاني – المصري :1898 - 1956" ، والتاريخ الإجتماعي لفترة السودان المستقل : 1956- 1985م"
آمل أن أجد الوقت لمراجعتها وتنقيحها وادفع بها للنشر.






16
تجربتي في العمل الصحفي
معلوم أن الصحافة لعبت دورا بارزا في تطور وعى الشعب السوداني ، وقد شهدت الصحافة تطورا خلال فترة الاستعمار البريطاني :1900-1956م :
_ في عام 1899 صدرت "الغازيتة السودانية" ، وفى عام 1903 صدرت جريدة "السودان" ، كما صدرت مجلة "الغرفة التجارية" في سنة 1908 و"الخرطوم" سنة 1909 و"كشكول المساح" سنة 1911 ، و"رائد السودان" عام 1915 و"حضارة السودان" عام 1919 ( محجوب محمد صالح : الصحافة السودانية في نصف قرن ، الجزء الأول ، وحسن نجيلة : ملامح من المجتمع السوداني ، الجزء الأول ) ، كما صدرت" الجريدة التجارية "سنة 1926 لصاحبها سليمان داؤد منديل وتحولت سنة 1931 إلى جريدة "ملتقى النهرين "التي اندمجت عام 1934 مع "حضارة السودان" ، كما قامت مجلة "النهضة السودانية "التي أسسها محمد عباس أبو الريش في أوائل الثلاثينيات وتبعها مجلة "الفجر" التي أسسها عرفات محمد عبداللة عام 1934 .
وفى عام 1935 تأسست جريدة "النيل" اليومية التي كانت تعبر عن لسان حال طائفة الأنصار . كما تأسست جريدة "أم درمان" كجريدة اجتماعية ، وفى عام 1939 تأسست "صوت السودان " التي عبرت عن طائفة الختمية ، كما تأسست جريدة "المؤتمر" 1942 التي عبرت عن الخريجين ، وتأسست "السودان الجديد "عام 1943 التي رأسها أحمد يوسف هاشم .
وفى عام 1944 صدرت جريدة "الأمة" لسان حال حزب الأمة ، كما صدرت "السودان" التي اشرف عليها على البرير ، وفى عام 1945 صدرت "الرأي العام" ، وفى عام 1945 صدرت "أمد رمان" التي كانت تعبر عن الاتجاهات الشيوعية والوطنية في مصر وكان رئيس تحريرها محمد أمين حسين ، وفى عام 1947 صدرت "السودان الجديد" و"الأخبار" و"الرائد "و"التلغراف" ، وفى عام 1948 صدرت "الأديب" و"اللواء" و"الجهاد" ، وفى عام 1949 صدرت" المستقبل" و"الجزيرة" ، وفى عام 1950 صدرت "الصراحة و"الأحرار" و"صدى الجنوب "، وفى عام 1951 صدرت "الشعب" و"الحقيقة ، "السودان في أسبوع" ، "الهدف" و"أخبار الأسبوع ."
وفى عام 1952 صدرت "وادي النيل" التي رأس تحريرها محمد نورا لدين ، وفى عام 1953 صدرت "الأيام" و"إفريقيا "،و"الطليعة "( لسان حال اتحاد العمال ) ، "الأخبار اليومية "( إنجليزية ) و"الاتحاد" ، و"السودان الحديث "..، وفى عام 1954 صدرت "الميدان " ( لسان حال الجبهة المعادية للاستعمار- الحزب الشيوعي فيما بعد) ، و"الشروق "و"العلم "، وفى عام 1955 صدرت "الاستقلال" و"صوت المرأة" و"المنار" و"الصباح الجديد" ، و"الفجر الجديد " .
وبعد الاستقلال صدرت صحف أخري ، كما تعرضت الصحافة الي قمع ومصادرة وتم اعتقال ومحاكمة الصحفيين في عهود الإستعمار والنظم العسكرية ( عبود، النميري، البشير الاسلاموي الحالي)، وكان أشرسها في عهد انقلاب الاسلامويين الحالي، حيث تتم المصادرة والاغلاق اليوميين للصحف وتشريد واعتقال وتعذيب الصحفيين ، وتعريض الصحف لخسائر كبيرة حيث يتم مصادرتها من جهاز الأمن ويمنع توزيعها بعد الطباعة!!.
كان إهتمامي بالصحافة مبكرا ، فمنذ الطفولة كنت مواظبا علي الإطلاع علي مجلات "الصبيان" و"سمير" و"ميكي"..الخ، اضافة اي مجلة "هنا امدرمان " ، وفي المرحلة الوسطي والثانوية في عطبرة اهتميت بالاطلاع علي ارشيف الصحافة السودانية التي كانت توجد في مخازن اقرباءنا شأنهم شأن مثقفي وعمال عطبرة الذين كانوا يهتمون بحفظ ارشيف الصحف والوثائق مثل: أرشيف "الصراحة" التي كان يصدرها عبد الله رجب ، و"الجهاد" التي كان يصدرها عبد المنعم حسب الله، و"السودان الجديد"، اضافة الي ارشيف مجلة "النهضة" التي كان يصدرها ابوالريش، ومجلة "الفجر" التي كان يصدرها عرفات محمد عبد الله، و"الايام" التي كان يصدرها محجوب محمد صالح ومحجوب عثمان وبشير محمد سعيد، و"صوت المرأة "التي كانت رئيسة تحريرها فاطمة أحمد ابراهيم..الخ.
وفي جامعة الخرطوم كنت مداوما علي الاطلاع علي ارشيف الصحف في دار الوثائق المركزية التي كانت قريبة من الجامعة. هذا اضافة لمداومة الاطلاع علي الصحف المصرية مثل: "صباح الخير" و"روز اليوسف" ، و"الطليعة" ، و"الكاتب"، و"السياسة الدولية"، ومجلة "دراسات اشتراكية" التي كانت ترجمة لمجلة "قضايا السلم والاشتراكية "التي كانت تصدر من براغ ، ومجلة "الآداب "البيروتية، ومجلة "الدوحة"، و"الطريق" اللبنانية، و"الثقافة الجديدة" العراقية..الخ.
اضافة للمجلات السودانية مثل: مجلة "الثقافة السودانية"، و"الخرطوم"، و"الفجر الجديد التي كان يصدرها عبد الخالق محجوب،.....الخ.
هذا اضافة للاطلاع علي الصحف اليومية التي كانت تصل كاملة في مكتبة البلدية عطبرة ومعها المجلات السودانية والأجنبية.
اضافة الي اهتمامي بتاريخ الصحافة السودانية، أذكر أنني اطلعت عدة مرات علي كتاب " الصحافة السودانية في نصف قرن" الذي صدر عن دار النشر بجامعة الخرطوم لمحجوب محمد صالح، وكتاب" ملامح من المجتمع السوداني" لحسن نجيله الذي فيه توثيق لتاريخ نشأة الصحافة السودانية.
علي المستوي الشخصي بدأت تجربتي في العمل الصحفي منذ دراستي في مدرسة عطبرة الثانوية، اذكر أنني كنت عضوا في جمعية التاريخ ، وكانت الجمعية تصدر صحيفة حائط باسمها ، اذكر أنني كنت من الخطاطين والمحررين في الصحيفة، اضافة لكتابة مقالات لها . اذكر من أساتذة التاريخ الذين حببوا لنا مادة التاريخ: عثمان السيد ، وخلف الله مصطفي، ومبارك..الخ. وكانت مساهمتي في اصدار مجلة الجمعية من التجارب المبكرة في العمل الصحفي.
التجربة الثانية في مدينة عطبرة ، كانت المشاركة في تحرير صحيفة حائط ثقافية في نادي "الشبيبة الرياضي" في منتصف سبعينيات القرن الماضي ، كانت الصحيفة تهتم بالقضايا الثقافية والرياضية والإجتماعية، والنقد لنظام مايو الديكتاتوري ، كان يشرف علي الصحيفة من إدارة النادي المرحوم بابكر أحمد محجوب " كروكر"، وكان يشارك في تحريرها معي ايضا الزميل عبد الله الحاج "القطيني".
بعد دخولي جامعة الخرطوم ، شاركت في تحربر عدة صحف حائط منها " الطريق" التي كانت تصدرها الجبهة الديمقراطية بكلية العلوم، وكنت اضافة للمشاركة في التحرير اكتب لها مقالات.
كما شاركت في تحرير وكتابة مقالات لصحيفة " مساء الخير" الصحيفة المركزية للجبهة الديمقراطية التي كانت تصدر بمقهي النشاط. اضافة لكتابة مقالات ثقافية وفكرية لصحف حائط ثقافية مثل " أعاصير" التي كان يصدرها المرحوم أزهري عبد الرحمن الذي كان طالبا بكلية القانون.

أذكر بعد تخرجي في جامعة الخرطوم ، واصلت العمل السري ضد ديكتاتورية النميري ، وعملت في سكرتارية الحزب الشيوعي بمديرية الخرطوم، ومن ضمن مهامي القيادي شاركت في تحرير مجلة " الطريق " التي كانت تصدرها لجنة المديرية، اضافة للتحرير كنت اكتب لها مقالات، وتلخيص لتجارب العمل الحزبي الداخلي والجماهيري.
في فترة الديمقراطية الثالثة كنت اكتب في" الميدان" صحيفة الحزب الشيوعي باسم مستعار حسب منهج شبه العلنية في ذلك الوقت اذ كان متوقعا أن يحدث انقلاب عسكري ، وكان مقررا من قيادة الحزب أن أختفي في حالة وقوع الإنقلاب.
وبعد انقلاب الجبهة الاسلامية في 30 يونيو 1989م، ساهمت في الكتابة في "الميدان" السرية ، ومجلة " الشيوعي" التي تصدرها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، ومن مساهماتي التي نشرت في الشيوعي "159" تقويم نقدي لتجربة الحزب الشيوعي السوداني ، 1946- 1989م "، التي قدمتها في اطار المناقشة العامة التي فتحها الحزب الشيوعي حول متغيرات العصر. كما شاركت في هيئة تحرير" الشيوعي".
بعد خروجي من المعتقل في مايو 1996م ، كان قرار المركز مواصلة النشاط من علي السطح دون أن اختفي نهائيا، وواصلت الكتابة في الصحف اليومية التي كانت تصدر في ذلك الوقت مثل:
- صحيفة "الرأي الآخر".
- وكتبت مقالات منتظمة في صحيفة " الأيام" بعد معاودة صدورها.
- وكتبت مقالات ودراسات في صحيفة " الصحافة
- كما كتبت مقالات في صحيفة " أجراس الحرية".
- وبعد صدور صحيفة "الميدان" العلنية واصلت الكتابة بها حتي اليوم
وبعد ظهور الصحافة الالكترونية طرقت هذا المجال الجديد السريع الايقاعات وكتبت مقالات ودراسات في الآتي:
- الحوار المتمدن، الموقع اليساري الواسع الانتشار في المنطقة العربية
- سودانايل.
- سودانيز اونلاين.
- الراكوبة، الواسعة الانتشار
- الحوش السوداني
- كما انجزت موقعي الخاص علي " الفيسبوك" ، ونشرت فيه دراساتي ومقالاتي وتعليقاتي علي الاحداث المحلية والعالمية، اضافة للتواصل الإجتماعي









17
تجربتي مع مرض الفشل الكلوي (1)
الفشل الكلوي من الأمراض التي انتشرت في السودان في الآونة الأخيرة ، فالاحصاءات الرسمية الحكومية، رغم عدم دقتها ،تشير الي أنه يوجد " 8 الآف حالات اصابة سنويا بمرض الفشل الكلوي (صحيفة حريات:8/مارس2015م). وهي احصاءات كما اشرنا غير دقيقة،لأنه
إذا أخذنا في الاعتبار غير المسجلين في الاحصاءات الحكومية، يكون العدد اكبر من ذلك بكثير !!.
بما أن الداء خطير ومنتشر في البلاد بدرجة كبيرة، رأيت أن اسجل أو ادون تجربتي ومعاناتي مع زوجتي الاستاذة/ عفاف عثمان واسرتي واصهاري في مواجهة هذا الداء. تسجيل هذه التجربة تفيد في الوقاية والانذار المبكر قبل أن يستفحل المرض ، لأن تعطيل وظائف الكلي يؤدي الي وفاة الانسان، ولاسيما أن مرض الفشل الكلوي خطير لايحس به الانسان مباشرة، وبالتالي كلما ظهرت الأعراض المشار لها لاحقا، علي المصاب أن يجري فحصا شاملا لوظائف الكلي حتي يقي نفسه من شرور هذا المرض قبل أن يتحول الي فشل كلوي مزمن. وتشير الاحصائيات الي أن نسبة الوفاة من مرضي الفشل الكلوي في مستشفيات السودان بلغت 27% ( المرجع السابق)، وهي نسبة كبيرة، واذا أخذنا في الا عتبار غير المسجلين في المستشفيات الحكومية ، تكون النسبة اكبر بكثير من ذلك.
اضافة لتسجيل التجربة، مهم تحسين وتطوير النظام الصحي في البلاد الذي تدهور كثيرا في السودان، وخاصة بعد انقلاب 30 يونيو 1989م، حيث تمت خصخصة المرافق الصحية، وتقليل الصرف علي الصحة التي لا تتجاوز 1% من الميزانية العامة مقارنة بالصرف علي الأمن والدفاع الذي يصل في الميزانية العامة الي 76%!!. هذا اضافة لتصفية مراكز الكلي في المستشفيات الحكومية ، وهجرة الاطباء واخصائي الكلي بسبب تدهور اوضاعهم المادية وضعف اجورهم، وعدم توفير ادني مقومات العلاج من دواء ، واجهزة طبية متطورة، وقد شاهدت بعيني عندما لزمت السرير بمستشفي الخرطوم التعليمي الظروف الصعبة التي يعمل فيها الاطباء والممرضين والعاملين بالمستشفي، هذا فضلا عن انعدام المعينات الطبية الضرورية للعمل. هذا اضافة لاهمال الدولة للبيئة في البلاد مما ادي لانتشار التلوث ، وانتشار الأغذية والأدوية الفاسدة، وتلوث مياه الشرب التي اصبحت غير صالحة للاستخدام الآدمي، مما يتسسب كثيرا في حالات الفشل الكلوي.
وعليه من المهم أن تكون مراكز الكلي تابعة للدولة، وتوفير كل المعينات للعمل مثل توفير اكبر عدد من ماكينات الغسيل ، وتأهيل العاملين في تلك المراكز، وتحسين اوضاعهم المادية برفع الاجور وتوفير السكن والمواصلات وتحسين بيئة العمل وتوفير المعينات، وتطوير وتحسين اقسام مراكز الغسيل وزراعة الكلي في المستشفيات الحكومية، وتوفير ادوية مابعد الزراعة باسعار معقولة، وتأهيل العاملين في تلك الاقسام من اطباء وممرضين وعاملين واداريين، وتوفير معامل حديثة لاجراء فحوصات ماقبل عملية الزراعة وبعدها
جذور المرض:
ترجع جذور الاصابة بالمرض الي العام 2007م ، عندما بدأت اشعر بمشكلة في تدفق البول ، تمثلت في كثرة البول وشحه ، واحيانا توجد صعوبة في التحكم في البول، مع كثرة التبول ليلا. بطبيعة الحال لم اشعر بآثار الفشل الكلوي. اجريت فحوصات أولية مثل :فحص السكري ولم يظهر ، كما اجريت فحصا للملاريا ولم يظهر شيئا، ولكن الخطأ أنني لم احلل وظائف الكلي او اذهب لأخصائي مسالك بولية لمعالجة مشكلة البول ، ولو تم ذلك في وقته لما تطورت الحالة الي فشل كلوي مزمن كما وضح لاحقا.
في بداية سبتمبر 2013م، بدأت أشعر باعراض مثل : :
الشعور بالتعب والإرهاق الجسدي والذهني*
استفراغ مستمر *
قلة الشهيه للطعام
التهاب رئوي مستمر. *
*صعوبة في التنفس
*حكة .
*تورم وتشقق في القدمين.
*شحوب وانتفاخ في الوجه كان يلاحظه الكثيرون.
*كثرة التبول وشحه (خاصةً ليلاً).
استمرت تلك الأعراض تتزايد مع مرور الايام حتي وصلت الي حدتها في بداية العام 2014م، بعدها قررت بالاتفاق مع د. محمد عبد القادر هلال اجراء فحوصات شاملة لمعرفة أسباب تلك الأعراض خاصة وأن الأدوية التي قررها الطبيب للالتهابات التي سببت الصعوبة للتنفس مع كثرتها مثل المضادات الحيوية، وحبوب منع الاستفراغ لم تكن لها نتائج فعالة، وربما كثرتها أدت الي آثار جانبية.
في يوم الخميس 3/2/2013م، توجهت الي مستشفي "تقي " بام درمان، وقابلت أخصائي الباطنية د. عبد المنعم قرشاب، الذ ي طلب اجراء فحوصات وظائف الكلي ، والموجات الصوتية، ورسم القلب، والضغط والسكري، اشعة للصدر ..الخ. وفي مساء اليوم نفسه قابلت د. ناصر نجم الدين التوم بعيادته الخاصة في الشعبية بحري ، الذي أجري فحص الكلي وعمل الموجات الصوتية ، وكانت النتائج مذهلة، حيث ظهر تضخم غير طبيعي في "البروستات" سد مجري البول مما أدي الي قلته ، ورجوع االمتراكم من البول الي اعلي مما ادي لتراكم السموم في جسمي والتأثير علي الكلي. وفي نفس الليلة حوالي الساعة الواحدة صباح اليوم الثاني لزمت السرير في مستشفي تقي، وتم عمل القسطرة وتم اخراج السموم المتراكمة في الجسم والتي خرجت في شكل دم أسود كثير، شعرت بعدها براحة شديدة، وبعد فترة اصبح البول عاديا في القسطرة.
اظهرت الفحوصات نتائج مذهلة : ارتفاع الكرياتنين الذ ي وصل الي 18 ، وارتفاع البولينا التي وصلت الي 372، كادت أن تودي بحياتي . اضافة للقسطرة تم اعطائي "دريبات" لتعويض نقص الأملاح وسوء التغذية، وتم اعطائي دم لتعويض النقص في الدم.
مكثت في مستشفي تقي يومين: الجمعة والسبت ، بعدها تم تحويلي لمستشفي الخرطوم التعليمي يوم الأحد 6/2014م، وتمت عملية غسيل لأخراج السموم المتراكمة في الدم لمدة ثلاثة أيام علي التوالي هي ايام :الأثنين والثلاثاءالأربعاء تحت اشراف د.أحباب اخصائية الكلي بالمستشفي.
خرجت من مستشفي الخرطوم التعليمي يوم الخميس 10/2/2014م ، وتوجهت الي المنزل.
في مساء الجمعة 11/2/ 2014م رقدت في مستشفي رويل كير بالخرطوم، مكثت في مستشفي رويال كير ثلاثة ايام هي السبت والاحد والاثنين . يوم الثلاثاء 15/2/ خرجت من مستشفي رويال كير .
وفي مساء الثلاثاء 15/2/2014م سافرت الي دولة الامارات برفقة د. آمال عثمان شقيقة زوجتي عفاف ، وسافرت معنا شقيتها وداد، وكانت آمال الطبيبة في مستشفي و"يل كير" في الامارات قد حضرت للخرطوم عندما سمعت بمرضي ووصلتها نتيجة الفحوصات المزعجة.
وصلنا دولة الامارات صباح الأربعاء 16/2/ ، بعدها توجهنا الي مستشفي و"يل كير" التي رقدت فيها لمتابعة العلاج مع د. مصطفي أخصائي الكلي بالمستشفي وهو انجليزي من اصول ايرانية، وبعد خروجي من المستشفي تابعت العلاج مع د. عادل فضل عبيد، الذي كان والده فضل عبيد من أوائل المؤسسين للخارجية السودانية. اضافة الي د. ملباني اخصائي الكلي بمستشفي ويل كير وهو من أصول هندية.
تابعت علاج الكلي مع هؤلاء الأخصائيين وتناولت علاج الكلي ، مع الفحوصات الدورية لوظائف الكلي ، اضافة لفحوصات القلب ، والاشعة ، والاشعة المقطعية
)M R I (
وتمت متابعة الفحوصات الدورية والمقابلة الاسبوعية مع د. عادل حتي تم قرار اجراء عملية ازالة البروستات، والتي حددت لها يوم 28/4/2014م .
وتم الرقاد في مستشفي و"يل كير" يوم 27/4 ، حيث تمت عملية الفحص للقلب والدم والبول وكل الفحوصات اللازم اجراءها قبل العملية.
وفي يوم 28/4/ 2014م ، تمت عملية استئصال البروستات ، كانت عملية ناجحة، وكان حجم البروستات كبيرا ، وصفها الجراح بأنها أكبر حجم من البروستات شاهده !!!، وكان معها اجسام صلبة ، مازلت محتفظا بصورتها حتي الآن، وتم فحص العينة التي كانت حميدة. وتم الرقاد في مستشفي ويل من الفترة 27/4/ - حتي الأثنين 5/5/2014 م،وهي فترة العملية . وفي يوم الأثنين 5/5 / تم فك القسطرة والخروج من المستشفي بعد أن اصبح البول طبيعيا.
ثم بعد ذلك واصلت علاج الكلي المعروف : نلت دريبات، دم ، حبوب بروستات قبل العملية ، صوديوم، بيكربونات الصوديوم، حبوب الفا التي تحتوي علي فيتامين دي ،مضادات حيوية ( حبوب ودريبات)، حبوب لضبط الضغط...الخ.
واصلت علاج الكلي ، وكان الأمل أن ترجع الكلي الي عملها الطبيعي ، صحيح أن العلاج في ايامه الأولي بدأ يأتي اكله، وانخفض الكرياتنين من 18 الي 5 وقت اجراء عملية ازالة البروستات، ولكن بعد العملية ارتفع الي 8 ، وظل متراوحا بين 5 و 8 ، ولم يتراجع االي اقل من 5 ، ولفترة طويلة استقرً في 8 ، اضافة لمواصلة اعراض مرض الفشل الكلوي مثل: الاستفراغ ، والحكة ، والتورم، والدوخة احيانا، والامساك..الخ.
قرار عملية الغسيل والزراعة:
بعد ذلك قرر الأخصائي د. عادل عملية الغسيل، واجراء عملية لزراعة الكلية لأن الغسيل ليس حلا جذريا للمشكلة، كان ذلك يوم 12/7/2014م.
استمرت عملية الغسيل في مركز امسا لغسيل الكلي بمدينة دبي الطبية من يوم الأربعاء 16/7/ 2014 وحتي السبت 28/ /3/2015 .
بعد الاعلان عن اجراء عملية الزراعة تقدم عدد من المتبرعين داخل وخارج السودان، ولكن الفحوصات الأولية اوضحت أن اكثرها تطابقا هي فحوصات شقيقي اسماعيل، وقرر الأخصائي حضوره الي الامارات لمتابعة الفحص والتحضير للعملية.
بعد حضور المتبرع ، يوم 8/11/2014م، توجهنا الي مستشفي الشيخ خليفة بابوظبي التي تم تحويلنا اليها بطلب رسمي من مستشفي دبي مع تقرير طبي.
وتمت كل الفحوصات ، وكانت النتيجة مطابقة بين المتلقي والمتبرع.
الفحوصات قبل العملية التي تمت لي وللمتبرع شملت: تحليل الدم، الفصيلة،كريات الدم الحمراء والبيضاء،الصفيحات الدموية، الهيموجلوبين، فحص نسبة السكر في الدم،ونسبة الكوليسترول،فحص البراز والبول، احضار تجميع البول لمدة 24 ساعة ويتم البدء بالتجميع قبل الموعد بيوم واحد( للمتبرع)، فحص مناعة الجسم ضد الالتهابات، عمل تخطيط للقلب،اشعة فوق الصوتية للبطن ، وظائف الكلي، رسم القلب، اشعة للصدر ،الا شعة المقطعية، الكبد، الموجات الصوتية، القلب ، منظار القولون، الانسجة، البول ، الفسحة، المسالك البولية، فحص عينة من البروستات والتي كانت حميدة، فحص الانسجة..الخ.
في مرحلة ثانية تم تكرار الفحوصات السابقة من تحاليل عدا: فحص السكر والكوليسترول.
وفي يوم الثلاثاء: 3/3/2015م ، اجتمعت اللجنة الطبية لزراعة الكلي في المستشفي ، واجازت اجراء عملية الزراعة من واقع الفحوصات التي كانت ايجابية ومتطابقة بنسبة كبيرة. وتقرر اجراء العملية يوم الاربعاء :1/4/2015م،في مقابلة مع د. عمار محمد استشاري زراعة الكلية، ود. زمان محمد الجراح الذي سوف يقوم بالعملية، وشرحا لي وللمتبرع طبيعة العملية من كل الجوانب واجابا علي كل استفساراتنا، واكدا أن العملية سوف تكون ناجحة لأن نسبة التطابق كبيرة، الا اذا حدث شئ ما في غير الحسبان، وتم التأكيد علي أن يتم اجراء فحوصات ماقبل العملية يوم :23/3/2015م، ويتم دخول المريض المستشفي للعملية يوم 31/3/ 2015م ، اي قبل يوم من العملية بهدف التحضير لها. ويتم دخول المتبرع للمستشفي يوم 1/4/2015م.
وتم يوم 23/3 التحضير للعملية حيث تم اخذ الطول والوزن، واجراء اشعة للصدر ، وتخطيط للقلب، وبعض التحاليل كاجراء خاص بالعملية.
وفي يوم 26/3/ تمت مقابلة اخصائي التخدير الذي اجري الفحوصات اللازمة للتخدير لي وللمتبرع، واشار الي أن التخدير سوف يكون كاملا، وعن طريق حقنة بعد وضع فراشة علي اليد.وأمن علي العملية وتم تحويل اوراقها لقسم العمليات.
. كما تم يوم الأحد 29/3/2015م ، اجراء الاختبار النهائي لتطابق الانسجة مع المتبرع -
دخلت مستشفي الشيخ خليفة يوم:31/3/2015م ، وتم اجراء عملية الغسيل في مساء اليوم نفسه، وتم تحديد علامة الشق الجراحي بطول 2 سم في الجانب الايمن.
وفي يوم :1/4/2015م دخل المتبرع شقيقي اسماعيل المستشفي، يوم العملية، حيث تم اولا استئصال الكلية اليمني من المتبرع، وتمت العملية بسلام. وبالنسبة لي : تم ادخال انبوب في وريد العنق لاعطاء السوائل المغذية للعلاج، تم الشق الجراحي في الجانب الايمن من اسفل البطن، وتمت زراعة الكلية عن طريق توصيل الأوعية الخاصة بالكلية مع الاوعية الخاصة بي، ووصل حالب الكلية بمثانتي، مع ادخال انبوب خاص بتصريف البول من الحالب الي المثان ( انبوب الحالب).وتم ادخال انبوب تصريف الجرح ، وخياطة الجرح. بعد ذلك تم نقلي الي غرفة الافاقة ، وبعد الافاقة تم نقلي الي غرفة العناية المركزة، وكذلك المتبرع، وبعد يوم تم تحويل المتبرع الي غرفة في جناح زراعة الكلي.
في اليوم الثاني للعملية تم تصوير الكلية المزروعة بالاشعة الصوتية ، وتم رسم القلب، وتم السيطرة علي الالم عن طريق جهاز مسكن الالم، وبدأت الحركة في اليوم الثاني ، جلوس مشي، اضافة لانتظام الأكل والبول، وكانت فحوصات وظائف الكلي جيدة حيث نزل الكرياتنين الي 1.6 ، والبولينا " اليوريا" الي 13 ، وبدأت امارس حياتي الطبيعية من براز ..الخ.
بعد يومين تقرر تحويلي الي غرفة في جناح زراعة الكلي، وتمت متابعة العلاج من: تناول الجبوب المضادة للرفض والالتهابات وحماية المعدة والقلب، والمضادات الحيوية لمعالجات الالتهاب في الصدر الناتج عن التخدير..الخ. في اليوم الرابع تمت ازالة قسطرة الغسيل، وازالة قسطرة البول وتمت مراقبة البول الطبيعي وكانت النتيجة ايجابية، وفي يوم 8/4/ تمت ازالة قسطرة وريدالعنق ، وتقرر في اليوم نفسه خروجي من المستشفي للمنزل بعد اعطائي الادوية وشرح طريقة الاستعمال بواسطة الصيدلي بالمستشفي د. وائل النعيم، وتم تسليمي التقرير الطبي النهائي للعملية. وحسب تقدير الاخصائي د. زمان أن العملية تمت في سلاسة ويسر مما ساعد في نجاحها

وأخيرا لايسعني الا أن أشكر الآتي:
د.محمد عبد القادر هلال ، د. عبد المنعم قرشاب، د. ناصر نجم الدين، د. آمال عثمان ، د. مصطفي أحمد، ود. عادل فضل عبيد.
وكل الاطباء والممرضين والاداريين والعاملين في مستشفيات: تقي، والخرطوم التعليمي، ورويال كير بالسودان.
ومستشفيات ويل كير ، ومركز أمسا لغسيل الكلي بمدينة دبي الطبية، والشيخ خليفة بابوظبي بدولة الامارات العربية المتحدة.
و كل الذين تقدموا للتبرع بالكلية وأخي اسماعيل الذي كانت كليته مطابقة.
و كل الذين تبرعوا بمالهم لتغطية تكاليف العلاج والغسيل المرهق ماديا وجسديا.
و كل الذين تابعوا حالتي الصحية سواء بالزيارات أو الهاتف أو مختلف وسائل التواصل، وتحملوا مشاق السفر لحضور العملية.
و زوجتي عفاف عثمان التي تحملت كل المشاق ووقفت الي جانبي.
و اسرتي آل محمد احمد وآل أحمد اسماعيل، وآل نور الدائم اللتين استضافتني طيلة فترة العلاج بالشارقة وابوظبي

تجربتي مع مرض الفشل الكلوي (2)
عند اصابتي بمرض الفشل الكلوي ، شرعت في العلاج كما اوضحت سابقا، ومع العلاج كانت معنوياتي عالية رغم شدة المرض والحالة التي وصلت اليها والتي كانت قريبة من مفارقة الحياة. رغم ذلك تمسكت بالامل في العلاج ، تذكرت كلمات الشاعر ناظم حكمت التي قال فيها:
يااخوتي قد تذبل الشموع
وتعتلي الليمونة صفرة الجفاف
وتسقط شجرة اصابها عفن
ولكنا لسنا من الليمون والشموع والشجر
وانما بشر
نضيف للدواء جرعة من الأمل
ونعرف الاصرار حينما نريد أن نعيش.
وعليه بدأت اتعامل بهدءو وصبر مع الواقع الجديد ، وقررت التخطيط لمستقبل نشاطي وعملي ، ومواصلة العمل مع الاخذ في الاعتبار طبعا ظروف المرض .
وبعد 3 شهور من العلاج بدأت استرجع نشاطي وعملي، واصلت الاطلاع والقراءة، ومتابعة تطورات الحالة السياسية في البلاد، ومواصلة المساهمات في قضايا المؤتمر السادس للحزب..
ويمكن رصد الاعمال الفكرية والنظرية التي انجزتها في الفترة: فبراير 2014 وحتي ابريل 2015م في الاتي:
*نشر أجزاء من مذكراتي الشخصية مثل: تجربة في الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم، ذكريات من نادي عمال السكة الحديد بعطبرة، ذكريات من مكتبات مدينة عطبرة، ذكريات من نادي الصبيان بعطبرة، كما شرعت في تلخيص تجربتي مع مرض الفشل الكلوي، اضافة الي مواصلة استكمال مذكراتي الشخصية لاعدادها ونشرها في كتاب.
* نشرت فصول من كتاب انجزته بعنوان" تقويم نقدي للفكر الجمهوري"، وهي: مصادر الفكر الجمهوري، الجمهوريون وانقلاب 25 مايو 1969م، الجمهوريون والماركسية.
* تابعت دراساتي عن الأغنية السودانية واصدرت دراسة عن الشاعر الغنائي محمد ود الرضي بعنوان " اسهام ود الرضي في الحركة الوطنية وتجديد الأغنية السودانية"، وقبل ذلك نقحت ونشرت دراسة عن الشاعر الغنائي محمد بشير عتيق، وأنجزت دراسة عن الشاعر الغنائي عبد الرحمن الريح..
* تابعت تطورات الحالة السياسية في البلاد، وانجزت دراسات ومقالات عن: الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية، تفاقم الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبديل، لابديل غير الديمقراطية ووقف الحرب، ثم ماذا بعد التوقيع علي وثيقة" نداء السودان"، نداء السودان وتصعيد المقاومة الجماهيرية، "نداء السودان" وتوفر عوامل نجاح الانتفاضة الشعبية، التعديلات الدستورية هل تنقذ النظام؟، الذكري الأولي لانتفاضة سبتمبر 2013م، في الذكري 43 لانقلاب 19 يوليو 1971م، الذكري ال 86 لتأسيس الحزب الشيوعي السوداني، الذكري ال 50 لثورة اكتوبر 1964م، دراسات ومقالات بمناسبة الذكري ال 59 لاستقلال السودان وهي:أضواء علي تجربة النضال من أجل الاستقلال- الذكري ال 59 لاستقلال السودان- الاسلاميون والتقليل من أهمية استقلال السودان، الذكري 130 لتحرير الخرطوم: اسباب وعوامل نجاح الثورة المهدية، الذكري ال 30 لاعدام محمود محمد طه، الذكري ال 30 لانتفاضة مارس – ابريل 1985م.
* كما تابعت قضايا المؤتمر السادس للحزب ونشرت بعد التنقيح الدراسات التالية: الرأسمالية السودانية: المفهوم والمصطلح، الطبقة العاملة السودانية: النشأة والتطور، تفاقم أزمة النظام الرأسمالي، كيف تناولت الماركسية قضية المرأة؟، كيف تناول الحزب الشيوعي السوداني قضية المرأة؟.
*كما اعدت نشر دراسات عن التاريخ الاجتماعي للسودان بعد التنقيح مثل: التشكيلة الاجتماعية لسلطنة دارفور ، والتشكيلة الاجتماعية للسلطنة الزرقاء.
*كما انجزت ونشرت دراسة عن موقع التصوف في الفكر الفلسفي العربي الاسلامي.
الجدير بالذكر أنه تم نشر اعلاه في صحيفة الميدان، والمواقع الالكترونية مثل : الراكوبة، سودانيز اون لاينز، سودانايل، الحوش السوداني، الحوار المتمدن.
* كما راجعت في هذه الفترة دراساتي ومقالاتي السابقة التي نشرتها وقمت بتنقيحها وتصنيفها وتحريرها تمهيدا لنشرها في كتب بعناوين:-
1-لمحات من الثقافة السودانية.
2-جنوب السودان من الحرب الأهلية الي الانفصال: كيف ولماذا؟
3- الاسلام السياسي وتجربته في السودان.
4-أوراق في تجديد الماركسية (الجزء الثاني).
5- دراسات في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني.
6-قضايا البناء والتنظيم في الحزب الشيوعي السوداني.
7- تجربة الصراع الفكري في الحزب الشيوعي السوداني.
8- الرأسمالية السودانية: النشأة والخصائص.
بهذا الشكل وحسب ظروف المرض استطعت أن احول فترة المرض الي نشاط منتج، مما يوضح أن قوة الارادة والصبر الجميل تشكل دافعا معنويا كبيرا في العلاج والشفاء ،وإن الصبر يعني أن يكون الانسان بعيد النظر ويثق في النتيجة النهائية ، وكما يقول المتصوفة " البلايا هدايا"، وإن التفاؤل والصبر ومواصلة النشاط في اصعب الظروف يساعد في العلاج وهزيمة المرض..


















18
تجربتي مع مرض الكورونا

1
أعراض المرض
اذكر أنه في يوم 11 / 12/ 2020 كنت في اجتماع للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني ، عندما شعرت باعراض المرض وهي :
- فتور شديد لدرجة لا يمكنني الجلوس في الكرسي لفترة طويلة .
- كثرة التبول مع سخانة في البول.
- تعب شديد.
اعتذرت في اليوم التالي 12 /12 عن اجتماع اللجنة المركزية الذي ظهرت فيه أعراض جديدة مثل:
- الامساك الشديد.
- الاسهال .
- الكحة والسعال.
- خروج بلقم أحمر وصلب وأخضر .
- ألام في الظهر وأطرافه وفي مناطق الكلي.
- استمرار الالام والأعراض والفتور مع قلة البلغم.
- استمرار السعال .
- الجفاف في الفم والحلق.
- التصاق الفم وكأن به صمغ.
- توقف الامساك والاسهال
- قل خروج البلغم .
2
بعد الفحص كانت النتيجة ايجابية ، أي اصابة بالكورونا ، وبدأ العلاج المعروف بالعزل لمدة 14 يوم ، مع تعاطي فيتامين (سي)، وتم العزل في المنزل ، وصادف أن جاءت د. آمال عثمان شقيقة زوجتى مشكورة في اجازة، واهتمت بالعلاج والمتابعة حنى التحسن كما في :
- توقف الاسهال ، وتوقف البلغم.
- الشعور بشهية للاكل والشراب وتذوق الطعم .
- اصبح البول طبيعيا من كثرة شرب الماء والعصائر.
- اصبحت حركتي بالمنزل طبيعية ، عدت لممارسة الرياضة والقراءة ، وتابعت مستجدات الحالة السياسية وكتبت مقالات عن تدهور الاوضاع الاقتصادية والأمنية في البلاد ، والضغوط التي مارسها الاسلامويون علي رئيس الوزراء حمدوك حتى الغي عمل لجنة المناهج ، مما أدي لاستقالة د. عمر القراي ، وتجربة انقلاب مايو 1969 التي تم التسرع فيها بالغاء السلم التعليمي والنقل الأعمي للتجربة المصرية في المناهج، ولا لدق طبول الحرب مع اثيوبيا .
كما وجدت الفرصة لاكمال دراسة كنت قد بدأتها عن ثورة 1924 ، واطلعت علي المؤلفات الآتية لرموز الثورة مثل:
- رجل من دلقو (رواية) للكاتب الحسن محمد سعيد ، عن تجربة الضابط سيد فرح صالح من قيادان ثورة 1924 ، الذي نجا من حكم الاعدام وهرب لمصر متخفيا.
- كتاب من الاتحاد السوداني الي اللواء الأبيض – البطل عبيد حاج الأمين مفجر ثورة 1924 ، إعداد : مها عبيد حاج الأمين، مكتبة جزيرة الورد ، ط2 2017 .
- كتاب عن خليل فرح: صوت الشعر ونغمة المزمار ، تأليف: جعفر محمد علي بدري ، مركز عبد الكريم ميرغني ، أغسطس 2018 .
- عرفات محمد عبد الله: قل هذا سبيلي " مجموعة مقالات" ، أعداد وتقديم د. قاسم عثمان نور ، مركز الدراسات السودانية ، القاهرة 2000.
3
الظروف التي كنت عليها عند اصابتي بمرض الكورونا أدت لمخاوف الكثيرين ، فقد قمت بعملية زراعة للكلية التي تستوجب أخذ حبوب التي تقلل المناعة لحماية الكلية المزروعة ، ولكن تجاوزت تلك الظروف ، فضلا عن مواجهة المرض بدون قلق ، ومارست حياتي الطبيعية ، وربما كان ذلك مساعدا في مواجهة المرض .
استمر الوضع حتى الشفاء التام من المرض ، وجاءت نتيجة الفحص سلبية.






















السيرة الذاتية للمؤلف :
– تاج السر عثمان الحاج
- اللقب: السر بابو
- من أبناء أمبكول بمنطقة مروي بالولاية الشمالية
- من مواليد مدينة عطبرة، يناير 1952م.
- تلقي تعليمه الأولي والاوسط والثانوي بمدينة عطبرة.
- تخرج في جامعة الخرطوم- علوم رياضيات – ابريل 1978م.
- باحث ومهتم بتاريخ السودان الاجتماعي.
- صدر له:
1- تاريخ النوبة الاقتصادي – الاجتماعي، دار عزة 2003م.
2- لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي، مركز محمد عمر بشير 2004م.
3 - تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي، مكتبة الشريف 2005م.
4 - النفط والصراع السياسي في السودان، بالاشتراك مع عادل احمد ابراهيم، مكتبة الشريف 2005م.
5 - خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية، الشركة العالمية 2006م.
6 - الجذور التاريخية للتهميش في السودان، مكتبة الشريف 2006م.
7 - التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي في السودان، مركز محمد عمر بشير 2006م.
8- تطور المرأة السودانية وخصوصيتها، دار عزة 2006م
9 - الدولة السودانية: النشأة والخصائص، الشركة العالمية 2007م.
10 - تقويم نقدي لتجربة الحزب الشيوعي السوداني (1946- 1989م) ، دار عزة 2008م.
11- دراسة في برنامج الحزب الشيوعي السوداني، الشركة العالمية 2009م.
12- أوراق في تجديد الماركسية، الشركة العالمية 2010م.
13- دراسات في التاريح الاجتماعي للمهدية، مركز عبد الكريم ميرغني 2010م
14- قضايا المناطق المهمشة في السودان، الشركة العالمية 2014
15 – أسحار الجمال في استمرارية الثقافة السودانية ، مدارات للنشر 2021 .
16 – الهوّية والصراع الاجتماعي في السودان، دار المصورات، 2021.
17- دراسات ومواقف في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، دارعزة 2023.
- كاتب صحفي وله عدة دراسات ومقالات ومنشورة في الصحف السودانية والمواقع الالكترونية، ومشارك في العديد من السمنارات وورش العمل داخل وخارج السودان.
- عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني
- أعتقل مرتين خلال ديكتاتورية نميري في أغسطس 1973م، ونوفمبر1977م، ومرتين خلال ديكتاتورية الانقاذ في سبتمبر عام 1995م لمدة سنة وتعرض لتعذيب وحشي، وفي مارس 2018 بعد هبة 16 يناير ضد النظام.
- متزوج وأب



#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ذكرى انقلاب مايو ما هي حقيقة التأميمات والمصادرة عام 1970 ...
- في ذكراه ال ٥٦ كيف حدث انقلاب ٢٥ مايو &# ...
- العقوبات الأمريكية والمزيد من العزلة والمعاناة
- كتاب التعليم في السودان : الحصاد والاصلاح
- تعيين د. كامل إدريس حلقة في المخطط لتصفية الثورة
- الذكرى ال ٥٦ لانقلاب ٢٥ مايو ١¤ ...
- لا جدوى لتعيين رئيس وزراء من انقلاب غير شرعي
- في ذكرى رحيله ٨٤ كيف كان معاوية نور شعلة من الإبدا ...
- في ذكرى رحيله ٨٤ كيف كان معاوية نور شعلة من الإبدا ...
- لا بديل غير وقف الحرب ومنع تكرارها
- استمرار فساد ونهب الطفيلية الاسلاموية بعد الحرب
- أوقفوا التصفيات على أساس عرقى وعنصري
- عودة لزيارة ترامب لدول الخليج وحرب السودان
- كيف كشف انقلاب القصر عن طبيعته الديكتاتورية؟
- زيارة ترامب وضرورة الحل الداخلي
- وقف الحرب مع دخولها مرحلة خطرة
- كيف تقود حرب المسيرات الي تفاقم الصراع الدولي علي الموارد؟
- وقف الحرب لمنع المزيد من الانهيار
- حرب المسيرات وخطر التدخل الخارجي
- كيف تكونت الطبقة العاملة السودانية؟


المزيد.....




- فيديو يرصد وقوع انفجار بقارب وسط الماء وقفز أشخاص منه.. شاهد ...
- سوريا.. -التعب- على وجه أحمد الشرع يثير تفاعلا خلال مراسم تو ...
- لحظة دخول أحمد الشرع.. فيديو وقوف ضابط أمريكي ومبعوث ترامب ل ...
- السعودية.. جريمة مروعة واستدراج أطفال بغية فعل الفاحشة يكشفه ...
- خطأ غير مصير المعركة.. كيف ضلّت مجموعة حماس طريقها إلى الهدف ...
- علماء يدحضون أسطورة المعيار الصحي للنوم
- جنوب السودان تحيي اليوم الدولي لحفظة السلام وسط استمرار التو ...
- كوريا الشمالية تجري تعديلات في قياداتها العسكرية
- الجيش الباكستاني يعلن مقتل 4 من جنوده في اشتباك مع إرهابيين ...
- إصابة جندي إسرائيلي بجروح خطيرة في معارك جنوب قطاع غزة


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - تاج السر عثمان - كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة