|
كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 8358 - 2025 / 5 / 30 - 12:20
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
تطور المرأة السودانية وخصوصيتها تأليف : تاج السر عثمان الحاج طبعة ثانية منقحة ومزيدة الخرطوم : مايو 2025 الإهداء الي المرأة السودانية
المحتويات الموضوع الصفحة مقدمة الطبعة الثانية مقدمة الطبعة الأولي 1- المرأة في السودان القديم 2- المرأة في حضارة النوبة المسيحية. 3- المرأة في مملكة الفونج 4- المرأة في سلطنة دارفور. 5- المرأة في فترة الحكم التركي – المصري. 6- المرأة في فترة المهدية. 7- المرأة في فترة الحكم البريطاني – المصري. - التنظيمات النسائية - عادات وتقاليد المرأة السودانية. 8- المرأة بعد الاستقلال. - خاتمة - ملاحق - المصادر والمراجع
مقدمة الطبعة الثانية عندما صدرهذا الكتاب عن دار عزة للنشر 2007 م، وجد تجاوبا واسعا من القراء كما في الملاحظات الشفوية التي وصلتني والتعليقات في الصحف (مرفق مع الملاحق في نهاية الكتاب علي سبيل المثال تعليق الأستاذ عبد الكريم جري في جريدة الصحافة ) والتي أهمها التامين علي ضرورة مواصلة التوثيق لمسيرة المرأة السودانية التي يُعتبر الكتابة عن تاريخها ومسيرتها شحيحة، كما هو واضح من الرصد لمصادر الدراسات عن المرأة السودانية التي تيسر لنا الاطلاع عليها كما في قائمة المصادر والمراجع في نهاية الكتاب ، وهنا اتفق مع ملاحظة د. مختار عجوبة الذي أشار الي أن " الأدبيات التي كُتبت الي نهاية السبعينيات من القرن العشرين الميلادي ، سواء في مجال الاقتصاد أو الاجتماع أو التاريخ أو الانثروبولوجيا انصبت جميعها علي الرجال" ( راجع مختار عجوبة : المرأة السودانية ظلمات الماضي واشراقاته ، دار عزة 2008، ص 5)، أي أن المرأة السودانية مهمشة حتى في كتابة تاريخها ومسيرتها من أجل التحرر والانعتاق. كما نفدت الطبعة الأولي مما جعلني اقدم علي هذه الطبعة الثانية والمنقحة والمزيدة. لا شك كما اشار الكتاب أن النساء لعبن دورا مركزيا في السودان القديم لايقل عن دور الرجال في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية ، فهن الآلهات و المحاربات (الكنداكة) والملكات، والملوك لا يردون لهن شفاعة ، ودور الملكة الأم كان واضحا في السودان القديم، واستمر دورها في الفترات التاريخية المختلفة قوة وضعفا كما اوضحت الدراسة ، حتى بداية الحركة الوطنية الحديثة في بداية الحكم الثنائي الانجليزي - المصري ، فشاركت في مظاهرات ثورة 1924م وشجعت بالزغاريد وحماية المتظاهرين ، وتأمين وثائق ثوار 1924 ، وكانت العازة محمد عبد الله زوجة علي عبد اللطيف أول إمرأة سودانية تشارك في المظاهرات والنشاط السياسي في تاريخ الحركة السياسية الحديث. اضافة لصالون السيدة" فوز" التي لعبت دورا كبيرا في تأمين نشاط الثوار من خلال صالونها الأدبي والثقافي ( للمزيد من التفاصيل عن السيدة فوز، راجع د. حسن الجزولي : نور الشقائق، دار مدارك للنشر 2012 م). مؤكد بعد مرور أكثر من اربعة عشر عاما من صدور الطبعة الأولي حدثت متغيرات أهمها الدور الكبير الذي لعبته المرأة السودانية في ثورة ديسمبر 2018 امتدادا لدور (الكنداكات ) منذ السودان القديم، وقد اوضحنا بتفصيل دورها في ثورة ديسمبر كما في الدراسة مع الملاحق في نهاية الكتاب. ولا شك في أن تحرير المرأة السودانية، وانتزع حقوقها رهين باستمرار الثورة ، ومواصلة الصراع من أجل استكمال وتحقيق أهدافها في: الحرية والعدالة والسلام ، وتحقيق مهام الفترة الانتقالية في مختلف الجبهات الاقتصادية والسياسية والثقافية والنوعية ، فتحرير المرأة كان ولازال مرتبطا بتحرير المجتمع من كل اشكال الاضطهاد الطبقي والقومي والثقافي والديني والاثني والنوعي. علما بأن تقدم المجتمع كما أشار ماركس يُقاس بمدى تقدم وتحرر المرأة ، وأن عمل النساء في حد ذاته تقدمي باعتباره الشرط المسبق لتحرير النساء من الحدود الضيّقة للمنزل والأسرة، والطريق الوحيد لتحرر النساء وجميع فئات المجتمع المضطهدة يمر عبر القضاء علي النظام الرأسمالي، ويتطلب الوحدة بين الرجال والنساء في النضال ضدها ، والوقوف ضد صراع المرأة ضد الرجل، وأن التحولات الاجتماعية العظيمة مستحيلة دون مشاركة النساء في الثورة. كما أن عملية تحرير المرأة كما أشرنا في الكتاب لا ننظر إليها فقط من الزاوية الاقتصادية ، بل من الجانب الثقافي المكمل الذي يتمثل في الصراع ضد المفاهيم البالية التي تكرّس دونية المرأة الممتدة من اضطهاد القرون في مجتمعات العبودية والإقطاع والشكل الحديث للاستغلال الرأسمالي الذي انبثق مع فجر الرأسمالية، والتي تحتاج لصراع فكري متواصل ضدها. صحيح أن المرأة في نضالها الطويل حققت نجاحات مثل : الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية، والتمثيل في المجالس التشريعية والوزارية والوظائف العليا في الإدارة والخدمة المدنية والعسكرية، ورئاسة بعض الدول ، ومواثيق أعلنت عنها الأمم المتحدة رصدناها في الكتاب. لكن إعلان المواثيق شئ وتحقيقها فعليا علي أرض الواقع شئ آخر، مما يتطلب الصراع من أجل تحقيقها. كما أنه لا يكفي تحقيق انجاز (الكوتا) أو التمييز الايجابي للنساء ،ورغم أنه مكسب انتزعته المرأة في نضالها الطويل ، لكن يجب مواصلة النضال من أجل تغيير الأنظمة الديكتاتورية والقمعية التي تضطهد الكادحات من النساء في المصانع والمزارع ، وتبقيهن في سجن الجهل والأمية وثقل العادات الضارة بصحتهن وجسدهن والعمل المنزلي المفسد للعقل والجسد، والاستغلال الرأسمالي الفظيع للنساء العاملات لاستحواذ أكبر فائض قيمة منهن، وتقليل أجورهن بعدم تحقيق الأجر المتساوي للعمل المتساوي، ومصادرة حقهن في العمل النقابي، واجبارهن علي العمل لساعات طويلة بما فيها أثناء الليل، ، وتحقيق المساواة الفعلية مع الرجال ، وتحريرهن من الاستغلال والعبودية ، ورفض اعتبار المرأة سلعة ولترويج الإعلانات الجنسي وتجارة البشرللاستغلال الجنسي. معلوم أن المرأة السودانية لعبت دورا كبيرا في ثورة ديسمبر، وقاومت نظام لإنقاذ الديكتاتوري الفاسد المعادي للنساء ، والذي مارس الاعتقال والتعذيب والتشريد من العمل والاغتصاب وكل أشكال القمع من جلد وفرض الحجاب والنظام العام الذي كان سيفا مسلطا علي الشابات لارهابهن من المشاركة في النشاط العام ، ومنعهن من الانخراط في الحركة الجماهيرية الهادفة الي انتزاع الحقوق والحريات الديمقراطية، ورفع الغلاء وتحسين الأحوال المعيشية، وتوفير المستقبل ألافضل لفلذات اكبادهن، وعدم ارسالهم لمحرقة الحرب. كما يتم حرمان النساء من العمل الشريف بمطاردتهن في الأسواق لكسب العيش الكريم.، اضافة لحرمان أو تقليل عدد الطالبات في الجامعات من القبول في تخصصات محددة( الهندسة، الطب) ومعاناتهن في السكن والمعيشة، والتمييز ضد النساء في الترقي للمناصب العليا في الخدمة المدنية بمختلف الدعاوى. اضافة لقانون الأحوال الشخصية الذي حرم حق المرأة من حرية اختيار الزوج، والسفر ولو لمهام رسمية الا بموافقة الزوج، كما عانت في مناطق الحروب من كوارث مثل: النزوح والجرائم ضد الانسانية مثل: حرق القري، والاغتصاب، والابادة الجماعية، ومآسي فقدان الأبناء والأزواج ( الأرامل). كما رفض نظام الانقاذ التوقيع علي اتفاقية "سيداو " التي طرحت وضع حد لكل أشكال التمييز ضد المرأة. كما عانت النساء العاملات من سيف التشريد المسلط علي رقابهن، حيث بلغت نسبة المشردات أكثر من 55% من مجموع المشردين أغلبهن في سن العطاء (25- 35 سنة) وفي مصانع المناطق الصناعية بالعاصمة وبقية المدن تعاني العاملات صغيرات السن من استغلال فظيع ، حيث أن عقود عملهن باجور متدنية وبلا حقوق نقابية أو تنظيم نقابي، إضافة الي ضيق فرص العمل للخريجين والشباب ( حيث يقدر عدد الخريجات العاطلات باكثر من 53% من العاطلين)، هذا اضافة لانتشار ظاهرة الطلاق وظاهرة النساء السجينات حتي نشأ جيل جديد من المواليد في السجون. وبرغم أن المرأة تشكل نصف المجتمع (49% من السكان)، الا أنه وبعد 30 عاما من حكم الانقاذ ، كانت الأمية بين النساء في الريف 85% وفي المدن 60%، رغم ازدياد عدد الطالبات في الجامعات. اضافة الي رفض نظام الانقاذ التوقيع علي اتفاقية سيداو التي طرحت وضع حد لكل أشكال التمييز ضد المرأة. كان نضال المرأة السودانية ضد نظام الإنقاذ الظلامي امتدادا لنضالها ضد الاستعمارمن أجل انتزاع حقوقها منذ بداية القرن العشرين، وبعد الاستقلال ، فقد ضربت بسهم وافر في ثورة اكتوبر 1964م، وانتزعت حق الانتخاب الذي قررته أول وزارة بعد الثورة وفازت فاطمة أحمد ابراهيم كأول امرأة سودانية تدخل البرلمان في دوائر الخريجين. وفي عام 1965م، انتزعت حق الأجر المتساوى للعمل المتساوى للرجل والمرأة ، وارتفعت مشاركة المرأة في القوات النظامية والسلك القضائي والدبلوماسي والتعليم العالي وارتفاع عدد الطالبات في الجامعات، في النشاط السياسي والثقافي والفني والمسرحي والرياضي. بعد ثورة ديسمبر تواصل المرأة السودانية الصراع من أجل حق تمثيلها في المؤسسات الحكومية والتشريعية بنسبة لا تقل عن 50%.. . وأخيرا، رغم النجاحات التي حققتها المرأة السودانية في انتزاع بعض حقوقها، والدور التاريخي الرائد الذي لعبه الاتحاد النسائي السوداني في ذلك، الا أنه ينتظرها الكثير من المعارك من أجل نجاح الثورة وتحقيق أهدافها في: - الحكم المدني الديمقراطي ، وتحسين الأحوال المعيشية ، ورفض رفع الدعم عن السلع الأساسية والتعليم والصحة والدواء والخضوع لتوصيات صندوق النقد الدولي التي افقرت شعب السودان، وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات، والقصاص للشهداء وضحايا مجزرة فض الاعتصام، السلام الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة ، ووقف الحرب والانتهاكات ضد المرأة والاغتصاب، والسيادة الوطنية وقيام علاقات خارجية متوازنة. - النضال من أجل تحقيق مساواتها الفعلية التامة مع الرجل أمام القانون. - التوقيع علي الاتفاقات الدولية الخاصة بالمرأة مثل: "سيداو" والالتزام بتنفيذها. - انتزاع قانون ديمقراطي للأحوال الشخصية يضمن حقوقها في القوامة والحضانة والشهادة والارث وعقد الزواج والطلاق والنفقة والأجر المتساوي للعمل المتساوي، والغاء القوانين التي تحط من كرامة المرأة مثل: قانون العقوبات للعام 1991م ، والغاء كل القونين والممارسات التي تبيح الاعتداء علي جسدها وكرامتها، والعادات الضارة، واعتبار الاغتصاب جريمة من جرائم الحرب. - تحسين اوضاع المرأة النازحة بتوفير خدمات الرعاية الصحية ورعاية الأمومة والطفولة، وتأهيل ضحايا الاغتصاب، وعودة النازحين لقراهم، وإعادة الاعمار بتوفير خدمات التعليم والصحة والماء والكهرباء والخدمات البيطرية، وتحقيق السلام المستدام العادل والشامل الذي يخاطب جذور المشكلة ، وجمع السلاح ، وحل جميع المليشيات وجيوش الحركات وقيام جيش مهني قومي موحد، والمحاسبة علي جرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية في مناطق الحروب، وتسليم البشير ومن معه لمحكمة للمحكمة الجنائية الدولية. - والتوسع في تعليم المرأة وتدريبها وتأهيلها ، ومحو الأمية ، وتجاوز مناهج التعليم التي تكرّس دونية المرأة،. وأخيرا كما أشرنا سابقا، أن تحرير المراة وانتزاع حقوقها، لاينفصل عن تحقيق أهداف الثورة ، وتحرير المجتمع من كل اشكال الاضطهاد الطبقي والقومي والجنسي والديني والاثني والنوعي. تاج السر عثمان 6 نوفمبر 2021 م
مقدمة الطبعة الأولي: 1- نبعت فكرة هذه الدراسة من حاجة موضوعية كانت في نفس كاتب هذه السطور ، وهي التعرف علي الأرض وبذهن مفتوح علي واقع وسمات وخصائص تطور المرأة السودانية، وهذا باب واسع ومفتوح علي مصراعيه ، فليتنافس فيه المتنافسون. ولتحقيق هذا الهدف كان لا بد من دراسة تطور المرأة السودانية في عروة وثقي لا انفصام لها بتطور المجتمع السوداني ، لأن التقدم الاجتماعي يُقاس بتقدم النساء ،ودرجة اسهامهن في تطور ورقي المجتمع. علي أن متابعة تطور المرأة السودانية لا يمكن النظر اليه بدون تشريح المجتمع وارجاعه الي عوامله الأولية بدراسة التفاوت الاجتماعي والطبقي والتنوع في سبل كسب العيش ، وتوضيح التقسيم الاجتماعي للعمل بين الرجال والنساء ، والنظر في الجذور التاريخية لتهميش واضطهاد المرأة، ومتابعة الأشكال الثقافية التي تكرّس التمايز بين الرجال والنساء، فلا يكفي أن نشير فقط الي العوامل الاقتصادية لاستغلال المرأة ، بل لا بد من الاشارة للعوامل المكملة الثقافية والاجتماعية التي تسهم في إعادة إنتاج اضطهاد المرأة. 2- دون التقليل من أهمية وحصاد الفكر النظري الذي درس الجذور التاريخية لتطور واضطهاد المرأة مثل: مؤلف ف. انجلز " أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" الذي اعتمد علي منجزات عالم الاجتماع مورغان في دراسته للقبائل البدائية في أمريكا ( الهنود الحمر)، وما توصل اليه حول المجتمع الأمومي ( راجع علي سبيل المثال بعض المصادر النظرية الأخري في قائمة المصادر والمراجع في نهاية هذا الكتاب)، وكذلك ما توصل اليه علم الانثروبولوجيا ، وما أكده علي أهمية الدراسة المتخصصة حول المرأة وقضايا النوع ، كل ذلك مفيد ويشكل خلفية ضرورية ، لكن ذلك لا يعفينا من بذل الجهد المستقل للتعرف علي خصوصية تطور المرأة السودانية ، وبهدف الاسهام في الفكر النظري العالمي من خلال تجربتنا المحلية، وفي تفاعل وأخذ وعطاء متبادلين ، فدراسة حصاد الفكر النظري ليس بديلا لدراسة خصوصية وتاريخية تطور المرأة السودانية ، وبذل الجهد المستقل الذي يشكل جوهر المفهوم المادي للتاريخ لمعرفة الأوضاع التاريخية التي تجلت فيها تهميش واضطهاد المرأة واسهامها في تطور المجتمع. 3- تناولت الدراسة تطور المرأة في السودان القديم، وفي حضارة النوبة المسيحية ، ومملكة أو سلطنة الفونج ، وسلطنة دارفور ، وفترة الحكم التركي – المصري ، وفترة المهدية ، وفترة الحكم الثنائي أو البريطاني – المصري ، وبعد الاستقلال ، وخاتمة بأهم النتائج والتحديات التي تواجه المرأة السودانية، والملاحق والمصادر والمراجع في نهاية الكتاب. - كما لا يفوتني أن اشكر أسرة تحرير صحيفة "الأيام "التي قامت بنشر هذه الدراسة في حلقات ، واشكر كل الذين اتصلوا بي وابدو بعض الملاحظات ، واقترحوا جمع هذه الحلقات ونشرها في كتاب لتعميم الفائدة ولصعوبة متابعة البعض كل الحلقات في صحيفة سيارة. كما أشكر زوجتي الأستاذة عفاف عثمان التي اطلعت علي هذه الدراسة قبل نشرها وابدت بعض الملاحظات ، والشكر لكل الذين ساهموا في أن يري هذا العمل النور ، والشكر لدار عزة للطباعة والنشر التي قامت بالجمع الالكتروني والنشر. تاج السر عثمان 2 / 12/ 2004م.
1 المرأة في السودان القديم
المقصود بالسودان القديم هنا، هو الفترة التي تغطي العصور الحجرية ، وحضارات المجموعات، وحضارة كرمة ونبتة ومروي. معلوم أنه في العصور الحجرية، شأن كل المجتمعات التي مرت بهذه الفترة، كان نشاط سكان السودان البدائيين يقوم علي تقسيم العمل بين الجنسين، الرجال ينصرفون الي الصيد أو القنص، بينما تنصرف النساء الي التقاط الثمار والحيوانات الصغيرة غير المؤذية، إضافة للعمل المنزلي وتربية الأطفال وصناعة الفخار والأواني المنزلية وصناعة النسيج أو الملابس من الصوف أو جلود الحيوانات، وإستخدام تقنية النار والمحافظة عليها. وفي خواتيم العصر الحجري الحديث "3500 -3100 ق.م" بدأ السودانيون يستقرون علي جانبي النيل ومارسوا صيد الأسماك، والفوا الضأن والماعز، ولم يلبثوا أن مارسوا الزراعة بعد ذلك بقليل. كان إكتشاف الزراعة وتربية الحيوان " الثورة النيولتية" نقطة تحول مهمة، فقد حققت " الثورة النيولتية" لأول مرة منذ فجر البشرية وسائل لرقابة الإنسان مباشرة، وتلك أهميتها الرئيسية، فطرائق جمع الثمار والصيد هي طرائق سلبية، ولكن طريقة الزراعة وتربية الحيوانات هي طريقة فعَالة تمون وتزيد الموارد. وكذلك فإن "الثورة النيولوتية" تحقق لتطور أدوات العمل دفعا كبيراإلي الأمام، فهي بخلقها نتاجا فائضا دائما تخلق إمكانية الصناعة الحرفية المحترفة. ومع قيام "الثورة النيولوتية" تظهر الشعوب الزراعية والشعوب الرعوية. وإذا كانت الزراعة هي أساس الحضارة ، يمكن القول أن حضارة المجموعة "أ"، " وج" ( 2500- 2800 ق.م) هي بداية الحضارة السودانية، ففي هذه الحضارة عرف الإنسان السوداني الزراعة والرعي. كما عرفت القبائل السودانية القديمة ظاهرة تقديس وتقدير المرأة " الملكات الأم"، كما عرفت نظام الأمومة الذي عرفته شعوب أخري ، وأديان كانت قائمة علي عبادة الهات الخصب ، ويري البعض أن نظام الأمومة الذي يمكن البرهان علي وجوده لدي شعوب شتي بالغة مستوي واحدا من التطور الإجتماعي مرتبط أيضا بالدور الذي لعبته النساء في إكتشاف الزراعة ( أنظر ماندل : النظرية الإقتصادية الماركسية 1972م). كما يعدد بعض علماء الإجتماع والإقتصاد من أمثال: سومر وكبلر وفرينز وهابشلهايم عددا كبيرا من أنظمة الأمومة التي اقيم البرهان علي وجودها لدي شعوب زراعية بدائية ( ماندل : 31). وفي المجتمعات البدائية كانت الزراعة تمارس في إطار نظام يقوم علي الملكية المشاعية للأرض ، وأن البنية الإجتماعية كانت تقوم علي الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، ولم تعرف الفوارق الطبقية والفوارق الإجتماعية بين الرجال والنساء، كما لم تعرف الدولة وأدوات قمعها وحمايتها مثل : الجيش والسجون.الخ. كانت مملكة كرمة نقطة تحول حاسمة في تطور الحضارة السودانية ، فقد قامت أول دولة سودانية ، ونشأ جهاز دولة يتكون من : الحكام والكهنة ، والموظفين والسياسيين، وظهر أول انقسام طبقي يتلخص في طبقة الحكام والكهنة والموظفين والملاك، وطبقة أصحاب الحرف والمزارعين والرقيق. وبظهور مملكة كرمة بدأت تنحسر أو تتقلص الملكية المشاعية للأرض التي كانت سائدة في حضارة المجموعة "أ" والمجموعة"ج". ومنذ تلك اللحظة بدأت تظهر عدم المساواة بين الرجال والنساء، وبدأ الرجل يتفوق علي المرأة من زاوية التفاوت في ملكية الماشية وملكية المحصول، وأصبح دور المرأة يقل تدريجيا في النشاط الإقتصادي في المجتمع ، واستمر هذا الاتجاه يتعمق مع تطور الدولة والانقسام الطبقي في حضارتي نبتة ومروي. كان للمرأة دور بارز في حضارة السودان القديم ، وكانت تقاليد المرويين الراسخة القديمة تقتضي أن تلعب والدة الملك دورا فعَالا في حكم البلاد. فكان لقبها ( كنداكة) والتي ربما تعني الأم العظيمة، وإذا توفيت والدة الملك فبوسعه أن يختار سيدة من الأسرة المالكة تحل محل الملكة الأم. كما نري علي الآثار رسوم بعض هذه الملكات يقدَمن القرابين للالهة أو يمثلن ابطالا منتصرين. من العادات الثقافية ، عرف السودان القديم عادة الختان الفرعوني الذي مازال مستمرا حتي الآن، كما عرف الشلوخ التي تحمل مدلولا جماليا وفنيا خاصة بالنسبة للمرأة في العهد المروي، فضلا عن عادة ( المشاط) أو تصفيف الشعر التي كانت سائدة في بلاد النوبة منذ عهود سحيقة ( د. يوسف فضل: الشلوخ، 1976م، ص 24- 46). وفي مؤلف صلاح عمر الصادق "نساء حكمن السودان قديما: نساء وملكات مملكة مروي" ، إشارة للدور المهم الذي كانت تقوم به المرأة في الحياة الإجتماعية والدينية والسياسية والحربية في مملكة مروي مثل: الملكة شنكدخيتو، واماني شاخيتو ، واماني تيري..الخ. كما يشيربازل دافيدسن " أن الملوك الآلهة والملكات في مروي كانوا علي حظ من الثقافة وسعة الافق ويعلمون كثيرا عن عظمة القصور في مصر وينتفعون بعلمهم في عيشهم الباذخ، كما تصوره نقوش معابدهم وحماماتهم ، وأنهم يصرفون من فراغهم ومالهم الكثير في إقامة الصروح وتنمية ذوقهم في الفنون" ( بازل دافدسن: أفريقيا تحت أضواء جديدة، ترجمة جمال محمد أحمد، بيروت 1961م). يواصل" دافدسن" ويقول: كان لأهالي مروي ثقافة محلية أصيلة أصالة الفنون التي أتقنوها كالحلي الفاخرة لنسائهم والعقود من الحجارة النفيسة كالعقيق حيث لايجد الباحث في هذه الصناعات والفنون اثرا لتقليد الأمر الذي جعل علماء الآثار يظنون أن حليهم ومجوهراتهم كانت من صنعهم وخلفهم ثمانية قرون من الزمان. ويشير" دافدسن" إلي أن : مروي قد لعبت الدور نفسه الذي لعبته أثينا فطورت مثلها فنونها المميزة التي عرفنا طرفا منها ووزعت المعرفة واذاعت إلي افريقيا ما اذاعت من خبرة الثقافة والصناعة والعمران. وقد تكون مروي آنذاك علي صلة برصيفتها اثينا ، وهذا شاعر يوناني يدعي " هيلودروس" وقد عاش في القرن الثالث الميلادي يحكي قصة غرام شب في قلب فتاة مروية لشاب يوناني وسيم ، وحسب" دافدسن": قد تكون الفتاة شاعرة كتبت شعرها باللغة المروية. وفي فترة حكم " الفراعنة" للسودان بعد سقوط مملكة كرمة ، ربما يكون السودان تأثر بهذا القدر أو ذاك فيما يختص بتطور المرأة بما كان الحال عليه في مصر ، حيث كانت المرأة تساهم بقسط وافر في العمل المنزلي والحقل والصناعة الحرفية والنسيج..الخ، ولعبت أدوارا بارزة في الدين والسياسة والحكم وتولي العرش ، واشتركت المرأة في الحياة الدينية ، فكانت هناك آلهات تقدم لهن القرابين وتقام لأعيادهن حفلات رائعة ، فمنهن : آلهة العدل وآلهة الحقول وآلهة السماء وآلهة الكتابة وآلهة الحصاد وآلهة الحب والجمال والخصب وآلهة الموسيقي وآلهة الولادة. ومن العادات ايضا كانت المرأة كثيرة البكاء والنحيب واللطم علي الخدود وصيغ وجهها بالنيلة وتلطيخ رأسها بالوحل أو التراب حزنا علي وفاة ذويها هذا إضافة للازياء مثل : الرحط " الرهط" والرقص شبة عارية في الحفلات ، وغير ذلك من العادات الثقافية للمرأة التي ترجع إلي عهود موغلة في القدم ( للمزيد من التفاصيل راجع وليم نظير : المرأة في تاريخ مصر القديم ، دار القلم ، القاهرة 1965م).
2 المرأة في حضارة النوبة في السودان الوسيط (1م500-500م) المقصود بحضارة النوبة في السودان الوسيط هي التي شهدت قيام ممالك النوبة "نوباطيا ، المقرة،علوة” التي اصبحت مسيحية فيما بعد، وقد شهدت تلك الممالك حضارة كانت مزدهرة اقتصاديا وثقافيا ، وكانت البنية الاقتصادية مترابطة تقوم علي الزراعة والرعي والصيد والصناعة الحرفية والتجارة. كما تميزت البنية الطبقية للمجتمع النوبي بالتفاوت ، فقد كان المجتمع يتكون من طبقة الحكام والاداريين وقادة الجيش ورجال الدين والتجار والحرفيين" الحدادين، النجارين،..."، والمزارعين والرقيق. اما فيما يختص بالبنية الثقافية للمجتمع، فقد تميزت بتطورات مهمة حيث ازدهرت الثقافة النوبية التي تجلت في التحف الأثرية القيمة من التصوير وتصميم الكنائس وصناعة الاواني الفخارية التي تدل علي مستوي رفيع للثقافة النوبية، كما تم التوصل الي تأليف ابجدية من الحروف القبطية واليونانية ، تم استخدامها في كتابة اللغة النوبية التي اصبحت لغة القراءة والتجارة والأدب والعبادة. معلوم أنه في كل المجتمعات القديمة التي انبثقت أو تطورت من المشاعة البدائية نتيجة لاكتشاف الزراعة والرعي، وبالتالي ظهور الفائض الاقتصادي والملكية الفردية، وما يلازمها من انبثاق أول إنقسام طبقي ونشؤ الدولة والطبقات ،وانفصال العمل اليدوي عن العمل الذهني والريف عن المدينة، ظهرت عدم المساواة بين الرجال والنساء نتيجة لانفصال المرأة عن الإنتاج وتحكم الرجال في الإنتاج الفائض في الزراعة وبدأ عمل المرأة يتقلص تدريجياً إلي الأعمال المنزلية. ولتوضيح ذلك أكثر نشير إلي أنه عند الشعوب الأكثر بدائية ( أو المشاعة البدائية) كان للمرأة دور في التقسيم الاجتماعي للعمل مساوي لدور الرجال، فحياة الشعوب البدائية كانت تعتمد علي الصيد وجني الثمار قبل اكتشاف الرعي والزراعة، فكان التقسيم الاجتماعي للعمل علي النحو التالي: الرجال ينصرفون إلي الصيد والقنص بينما يلتقط النساء الثمار والحيوانات الصغيرة غير المؤذية، وعند المجتمعات البدائية الأكثر تطوراً كان النساء يعملن بالقرب من المسكن في رعاية النار، الغزل والنسيج، صنع القدور ، أو صناعة الفخار، بينما كان الرجال يعملون في الصيد، وصنع أدوات العمل من الحجر والعاج والقرون والعظام، من هذه الصورة نرى أن المرأة لها دور لا يقل عن دور الرجال في التقسيم الاجتماعي للعمل، بعد اكتشاف الزراعة والرعي ظهر ما يسمى بالفائض الاقتصادي أو النتاج الإجمالي للفائض، وهذا بدوره أدى إلي تقسيم أرقي للعمل، فتم انفصال الصناعة الحرفية عن الزراعة وانفصال المدينة عن الريف، وانقسام المجتمع إلي طبقات ، وتقلص دور النساء ليختصر في الأعمال المنزلية والناتج الاجتماعي الفائض أدي إلي:- 1 السماح بتكوين احتياطي من الأغذية لتجنب عودة المجاعة علي نحو دوري أو التخفيف من شرها. 2 إتاحة المجال أمام نمو أسرع للسكان ، قبل ذلك نتيجة لنقص الطعام كان يتم تحديد النسل أو قتل الأطفال أو قتل أسرى الحرب، بالتالي شكل ذلك مؤشراً للنمو الاقتصادي والاجتماعي وأدى إلي تطور القوى المنتجة، وأصبح أسرى الحرب يعملون كرقيق في مزارع الأسياد أو رعي ماشيتهم أو في الأعمال المنزلية وغير ذلك وبالتالي ظهر نظام الرق. إذن، يمكن القول، أن اكتشاف الزراعة وتربية الحيوانات أدي إلي أول تقسيم اجتماعي للعمل، وظهرت الشعوب الزراعية والشعوب الرعوية ”ماندل: النظرية الاقتصادية الماركسية”. تشهد تجارب الشعوب التي في مرحلة المشاعة البدائية أن المرأة التي كانت تنقطع إلي التقاط الثمار وتبقي في أغلب الأحيان بالقرب من المسكن هي أول من بدأ بزرع بذور الثمار الملتقطة تسهيلاً لتموين القبيلة، وفي بعض القبائل “ مثل قبيلة وينباغو الهندية “ كانت النساء مرغمات علي إخفاء الأرز والذرة المخصصين للزراعة وإلا أكلها الرجال. وفي المشاعية البدائية كان هناك نظام الأمومة “ الانتساب إلي جهة الأم) الذي كان له الارتباط بالدور الذي لعبته النساء في اكتشاف الزراعة هذا إضافة لدور النساء في اكتشاف التجارة أو تبادل المنتجات” المصدر السابق” ،أي أن المرأة هي أول من اكتشفت الزراعة والتجارة . إذن يمكن القول أنه في المجتمعات المشاعية البدائية واكتشاف الزراعة والرعي تقلص دور المرأة في الحياة الاقتصادية وأصبح الرجل هو المهيمن فيها “ تملك الرجال للفائض من الزراعة والرعي “ وانقسام المجتمع إلي طبقات وبالتالي تراجع دور المرأة إلى الأعمال المنزلية التي كانت تشمل إعداد الطعام وتربية الأطفال ومساعدة الرجال في الأعمال الزراعية، وصناعة النسيج والفخار وهلمجرا… مجتمع النوبة كمجتمع زراعي رعوي تطور من مجتمعات بدائية منذ حضارة المجموعة ( أ) قبل 3.000 ق.م، وقبل ذلك كانت عصور ما قبل التاريخ التي كان النشاط الاقتصادي الأساسي فيها يقوم علي الصيد والتقاط الثمار. بعد اكتشاف الزراعة منذ حضارتي المجموعة (أ) ، (ج)، ومع تطور هذه العملية نسمع عن قيام أول مملكة سودانية سنة 2000 ق. م هي مملكة كرمة التي عرفت ظهور المدن والقوى والطبقات الحاكمة والجيش والتجارة، ومع تطور المجتمع الزراعي الرعوي ظهرت ممالك أخرى مثل نبتة ومروي والنوبة المسيحية، واستمرت بقايا نظام الأمومة في تلك الممالك. النشاط الاقتصادي للمرأة النوبية: رغم الدور المهيمن للرجل في عملية الإنتاج في المجتمع الزراعي الرعوي في بلاد النوبة إلا أنه كان للمرأة النوبية أيضاً دور في الحياة الاقتصادية نذكر منه ما يلي: - الأعمال المنزلية من طحن للذرة (بالمرحاكة ، والهون ، والفندك) وصناعة الخبز وصناعة الخمور وصناعة النسيج وصناعة الأدوات الفخارية “قواديس السواقي ، أفران الطين”. - تربية الدواجن “دجاج ، حمام” والأغنام. - هذا إضافة للمساعدة في بعض الأعمال الزراعية، أما الرجال في مجتمع الساقية فكانوا يقومون بصناعة الأدوات الزراعية مثل :الأربل والواسوق والطورية والمنجل وصناعة الحبال وصناعة السواقي وصيانة أجزاءها، وصناعة المراكب والعناقريب والأسراج من خشب السنط والسيال والحراز، هذا إضافة إلي حفر الآبار “ الكفرية”، وغير ذلك من أعمال البناء وأعمال الحدادة والنجارة ومتابعة العمليات الزراعية المختلفة البذر، النظافة، إستخدام السماد ، حتى الحصاد، إضافة إلي الأعمال التجارية والصيد والعمل في الخارج لتجهيز البيت ولزوم الزواج. - بهذا الشكل يمكن تصور التقسيم الاجتماعي للعمل بين الرجال والنساء في مجتمع النوبة. ونلاحظ دور المرأة الكبير في النشاط الاقتصادي. عادات وتقاليد المرأة النوبية: كان من عادات المرأة النوبية في كثير من المناطق النيلية أنها إذا كانت والدة لا تخرج من البيت قبل أن تتم أربعين يوماً، وفي عشية اليوم الأربعين يبدأ الاحتفال بالمولود وتحمله أمه إلي نهر النيل لتقوم بغسله هناك وفقاً للطقوس المطلوبة. ويعتقد الأهالي أن عقوبات وشروراً ستنزل بالمرأة التي تهمل هذه الطقوس وترافق الوالدة إلي النيل نساء أخر يحملن أغصان النخيل، ويغنين بعض الأغاني الشعبية المحلية وغسل الوالدة وجهها ويديها ورجليها وتقوم بغسل وجه الوليد بينما تطلق رفيقاتها الزغاريد ولا زالت هذه العادة مستمرة حتى اليوم.ويرى د. ج. فانتبني أنها من آثار المسيحية في ممالك النوبة القديمة صحيح أنها ربما تكون كذلك عادة أقدم من المسيحية اتخذت شكلاً جديداً في النوبة المسيحية لارتباط النيل بالحياة. والخير والخصب كما يسبب الدمار والخراب في حالة الفيضان أو الانحسار وبالتالي لابد من تقديم الضحايا والقرابين له. ومع التطور اتخذت العادات تجاه النيل أشكالاً مختلفة. وهناك عادة أخرى من آثار المسيحية أشار لها د. ج: فانتبني وهي في بعض القرى ما بين وادي حلفا ودار سكوت ودار المحس حتى ضواحي دنقلا احتفال ويسمى هذا الاحتفال “ مارية “ بعد الولادة يومين أو ثلاثة، تحمل النساء المولود إلي النيل ليغسلن وجهه ويديه ورجليه وتقود الموكب القابلة “الداية” حاملة الوليد، وتحمل امرأة أخرى طبقاً مصنوعاً من الأعشاب وفيه أدوات الولادة والنفايات المجموعة بعد كنس البيت ويضاف إليها قرص من الخبز ويرمى الطبق بمحتوياته في النهر وتأخذ النساء قليلاً من الماء إلي البيت ويحفظنها بعناية بضعة أيام ثم يرمينها وتذبح بهذه المناسبة ضحية يحرص الأهالي علي ألا يكسر منها عظم ويوضع علي حائط البيت رسم يد تحمل دم الضحية. وهناك عادة أخرى في المنطقة المعروفة ببطن الحجر ربما تعزي إلي النوبة المسيحية إذا كانت الولادة صعبة ترفع النساء أصواتهن بالدعاء المتكرر ويذكرن مراراً باللغة النوبية اسم مارية “مريم”. ويورد نعوم شقير خبراً ربما كان له علاقة بهجرة النوبة من شمال السودان إلي جبال النوبة بعد دخول الإسلام واندثار المسيحية، يقول شقير " إن بعض العوائد الوثنية تمتزج بالمسيحية في بعض الجهات جبال الغرب (جبال النوبا) إذ يروى أن تاجراً من الأقباط الذي كانوا يترددون إلي جبال النوبة قال: " إن أهل تلك الجبال إذا ولد لهم وكان عمره أربعين يوماً أخذته أمه إلي الكجور وهو رئيس ديانتهم وسأله أن يخرج منه الأرواح النجسة فيغطسه بالماء ويدفعه إلي أمه وقال ذلك من التقاليد المحفوظة عن النصرانية والله أعلم.” شقير : تاريخ السودان”. من عادات النوبة في الأعراس استخدام الجرتق والعلجة والبرش والسوميت والسباتة. يقول د. يوسف فضل " ولعل خير ما يحكي عن تلاقح العادات المختلفة ما يسجله حفل عرس سوداني" فالعقد والحنة والضريرة والبطان مثلاً تدل علي التيار التبداوي " البجاوي" وتدل الدلوكة والطبل علي أصل إفريقي. من العادات أيضاً التي عرفت في بلاد النوبة التي كانت تشمل المرأة والرجل منذ العهد المروي هي الشلوخ ، كما أشار د.يوسف فضل، حيث اكتشف علماء الآثار بعض التماثيل والنقوش والأشخاص مشلخين ترجع إلي ذلك العصر، وتمثل تلك الشلوخ أنماطاً مختلفة فبعضها علي هيئة خطوط أفقية مستقيمة وأخرى مائلة وبعضها هلالية الشكل وقد استمرت هذه العادة منذ التاريخ حتى شملت معظم أجزاء السودان الشمالي، تحدث القسيس سيمون سموليس الذي زار البلاد المقدسة بين (1322م – 1324) عن مصر وبلاد النوبة وقال عن النوبيين أنهم يتميزون عن الهنود بالخطوط الطويلة التي يضعونها علي وجوههم حتى أصبحت سمة تدل عليهم وتعمل هذه الشلوخ أو العلامات بمرواد محماة بالنار ويعتقد النوبة أنهم بكي وجوههم إنما ( يعمدون أنفسهم) يأملون أن تخلص نيران الكي والأمة أرواحهم من الآثام التي لحقت بهم وتطهرها من الذنوب.”يوسف فضل الشلوخ 1976 “ وأخذ العرب بعد دخولهم السودان الشلوخ عن النوبة، وأن تغيرت أشكالها ووظائفها بعد ذلك ومن عادات المرأة النوبية أيضاً كانت عادة المشاط أو طريقة تصفيف الشعر أو التي كانت سائدة في بلاد النوبة منذ عهود سحيقة . مراجع:- تاج السر عثمان : تاريخ النوبة الاقتصادي – الاجتماعي، دار عزة 2003م. د. الاب جون فانتيني : تاريخ المسيحية في ممالك النوبة القديمة والسودان الحديث، الخرطوم 1978م.
3 المرأة في مملكة الفونج (1504- 1821م) بقيام دولة الفونج حدث تطور في وضع العائلة ووضع المرأة نتيجة لسيادة الدين الإسلامي وانتقلت الوراثة من جهة الأم إلى جهة الأب حسب ما تنص الشريعة الإسلامية (أنظرسورة النساء الآية: 11) وكانت تلك الخطوة متطورة في حقوق المرأة ومقارنة عما كان عليها الحال سابقاً. وبحكم أن دولة الفونج كانت مرحلة أنتقالية فقد استمر الوضع السابق عند بعض القبائل التي تحرم النساء من الإرث رغم إثبات الشريعة الإسلامية لحق المرأة في الإرث (لازالت بعض القبائل في السودان حتى يومنا هذا تحرم النساء من الارث مثل الكبابيش ) كما تم تحديد الزوجات بأربع بعد أن كان الزواج مفتوحاً في النظام السابق ، ولكن هذا الوضع الانتقالي أستمر في داخل نظام الفونج الاجتماعي كما رأينا أن بعض الصوفية مثل الشيخ الهميم خّمس وسّدس وجمع يين الأختين وكان هذا أمتداداً للتقاليد السابقة . وعندما تتناول وضع المرأة في تشكيلة الفونج نأخذ في الأعتبار أن تشكيلة الفونج كانت متعددة الأنماط الإنتاجية نمط الإنتاج البدائي ، العبودي ، الأقطاعي ،السلعي الصغير ، قوة وضعفاً وتبعاً لتلك الأنماط الإنتاجية المتعددة والمتنوعة ومانتج عنها من تركيب طبقي ، وبالتالي من الصعب معالجة وضع المرأة كما كان عليه الحال في مجتمعات العبودية في روما أو مجتمعات الإقطاع في أوربا القروسطية ،بل نأخذ خصوصية تشكيلة الفونج في الاعتبار ،ونلاحظ تطور أو تخلف المرأة في المستويات المختلفة لتلك الإنماط . في نمط الإنتاج البدائي كان دور المرأة كبيراً في المجتمع ولها مساهمات ملموسة في النشاط الاقتصادى ، زراعة ، أعداد الطعام ، أعمال النسيج ، بناء المنازل ، تربية الأطفال . الخ حسب التقسيم الاجتماعي للعمل بين النساء والرجال . والمرأة عند الفونج كانت على جانب من السلطان الروحي والاجتماعي فمن ما يرويه مؤلف الطبقات من أن فاطمة بنت سالم كانت صاحبة دنيا عريضة عبيدها تجار الهند والريف . ومن أولاد جابر فاطمة أم الشيخ صغيرون من سرحان التي كانت نظيرة أخوانها في العلم والدين ، وهذا مثال يوضح أن المرأة كانت مشتركة في النشاط التجاري الذي تطـور أيام الفونج (وأن كان بدرجة أقل) كما أن المرأة لها نصيبها من النشاط العلمي والديني الذي أزدهر أيام الفونج . وفي قبيلة الرباطاب تشارك المرأة في جميع شئون الحياة ويسمح لها بأن تسافر مع الرجال أن كان عملها يقتضى ذلك ، وقد تنوب عن زوجها في التعزية د. عابدين ، تاريخ الثقافة العربية في السودان، ص 83- 84 ).) . كما أنعكست تقاليد القبائل العربية التي وفدت إلى السودان في تعاملها مع المرأة على عهد الفونج حيث كان الرجال يحترمون المرأة وكان حرصهم على عقوبة الزنا أشد اللهم إلا ما جرت به العادة والتقاليد عند بعض البدو . ويقول شقير " وعرب السودان كعرب مصر والشام يحترمون العرض فوق كل احترام " وليس للزانية عندهم من قصاص سوى القتل ، ولكن عند عرب البقارة في غرب السودان عادة تعرف " بالحضن " وهي المرأة تسمح لمن أعجبها من الرجال أن يحضنها ، أي ينام معها على طهارة حتى يتزوجها أو تتزوج بغيره ، وأهل المرأة لا يعترضونها أما إذا وطئها فترزل هي ومعشوقها . (شقير ، مرجع سابق ) وفي مجال العلم يبدو أن النساء كن يحضرن تلك المجالس فمثلاً ورد في الطبقات : كان للشيخ حمد ولد أم مريوم تلميذات أكثر من الرجال أضعافاً مضاعفاً (طبقات ود ضيف الله، ص 176 ) . وذاع في توتي حيث الشيخ خوجلي عبد الرحمن الذي تلقي تعليمه على يد عائشة الفقيرة بنت ود قدال تلك المرأة المتفقهة في الدين ( محمد عمر بشير، تطور التعليم في السودان). أما الختان الفرعوني فقد ظل سائداً أيام الفونج ، ويرد في الطبقات خبر عن الشيخ حمد ود أم مريوم الذي " أمر بترك بكارة النساء وقال هو السنة : ويعلق د. يوسف فضل على ذلك بقوله : يعتقد عامة السودانيين أن إزالة بكارة الفتاة أو الطهور أو الخفاض الفرعوني من السنة وهو خطأ ، ولعل دعوة الشيخ حمد ود أم مريوم أول دعوة من نوعها فقد تنبه الناس إلى مضارها ودعوا إلى نبذها في السودان في الربع الثاني من القرن الحالي . وتشكيلة الفونج عرفت نظام الرق أو نمط الإنتاج العبودي وبالتالي كان الرجال يمتلكون السراري ، والسراري هي جمع سرية أي الأمة أو الخادم التي يمتلكها الرجال ويحل له معاشرتها كزوجته . وبالرغم من أن عرب السودان كانوا يعاملون الأرقاء معاملة حسنة ، وكانت المرأة الحرة ترضع أبناء خدمها وكذلك تفعل الجارية بأبناء سيدتها فيقوم الأبناء أخواناً بالرضاع إلا أن الحرائر كن لا ينظرن إلى السرارى اللائي يتسراهن أزواجهن من الرقيقات بعين الرضا أحياناً ،ومن ذلك ما يرويه نعوم شقير من أن بنت الشيخ إدريس الهميم تزوجت من (حوش بانقا) ثم اقتني السراري حسب عادة الأعيان في السودان فأنكرت عليه ذلك وسألته أن يترك جميع سراريه ولما لم يفعل أقتنت من العبيد المرد وقالت لزوجها : أن طلقت سراريك طلقت عبيدي ، وإلا نحن في الحق سواء فطلق سراريه (شقير ، المرجع السابق). والمرأة السرية في مجتمع الفونج كانت تعاني من اضطهاد مزدوج وهو أضطهادها كرقيق وإضطهادها كجنس . حول الأحوال الشخصية ومشاكلها ما ورد في مقدمة الطبقات : أنه في أرض النوبة كان يطلق الرجل منهم المرأة ويتزوجها غيره في نهاره من غير عدة حتى قدم محمود العركي فعلم الناس العدة ، وبالتالي تم تنظيم الزواج والطلاق والعدة بعد الطلاق ، والميراث حسب الشريعة الإسلامية . ومن عادات النساء عند العبدلاب ما أورده شقير قائلاً " أن النساء إذا التقين بأحد مشايخ العبدلاب في الطريق كشفن عن روؤسهن وخلعن نعالهن في الطريق إلى أن ينصرف (شقير ،ص 131 ) . ودور المرأة في الشجاعة والحماس كان معروفاً عند الفونج في حروبهم حسب ما أوردت الروايات الشعبية ، ونذكر مثال دور المرأة عند الشايقية مثل مهيرة بنت الشيخ عبود شيخ السواراب التي صاحت في الرجال لمقاومة الغزو التركي وركبت حصانها وصاحت هيا بنا للدفاع عن استقلالنا ، مما آثار حماس الشايقية لمقاومة العدو . وكذلك شغبة شاعرة البطانة المشهورة وغيرهم من نساء الفونج الباسلات .
التقسيم الاجتماعي للعمل بين المرأة والرجل :
كان الطابع الغالب لمجتمع الفونج أنه كان مجتمعاً زراعياً رعوياً ، ورغم ظهور اقتصاد السلعة – النقد ، إلا أنه كان محدوداً ، ولذلك ظل اقتصاد الفونج في أغلبه الأعم اقتصاداً معيشياً أو تقليدياً ، وبالتالي أتسم بالتقسيم الاجتماعي المعروف للعمل بين المرأة والرجل في العمليات الزراعية والرعوية (هذا التقسيم لا زال سائدا حتى اليوم في القطاع التقليدي ) فكانت تشارك في العمليات الزراعية (نظافة ، وتجهيز الأرض ، قلب التربة ، البذر ، الحش ، الحصاد) هذا إضافة للأعمال المنزلية الأخرى مثل إعداد الطعام وطحن الحبوب (بالمرحاكة) ، ورعاية الأطفال وصناعة الأدوات المنزلية ، وبناء المنازل ، والغزل والنسيج ، وفي المجتمعات الرعوية كانت تساهم في رعى الإغنام أو الجمال أو الماشية وتربي الدواجن ، هذا إضافة لأعمال النسيج .... الخ وبالتالي فإن المرأة كانت عاملة ومنتجة حقيقية في مجتمع الفونج ، وكانت لها مساهمة كبيرة في النشاط الاقتصادي . ومن حيث العادات والتقاليد ومقاييس الزينة والجمال فقد أستمرت بعض العادات السابقة التي كانت موجودة في تشكيلة النوبة مثل : المشاط ، الشلوخ ، الوشم على الشفتين واللثة ، هذا إضافة لأدوات الزينة التي عددناها سابقا ، هذا إضافة للعادات الأخرى الممتدة من تشكيلة النوبة مثل أربعين الولادة ( تاج السر عثمان، تاريخ النوبة الاقتصادي – الاجتماعي ، ص 214). الخ . هذا إضافة للوافد من تقاليد وعادات القبائل العربية ، وعن زي المرأة أشار بركهارد في زيارته لبربر وشندي عام (1813-1814) أن البنات صغار السن كن يلبسن غطاءاً صغيراً يسمى (الرحط) يتدلى من الخصر وحتى منتصف الفخذين أما نساء الطبقات العليا فكن يلبسن غطاءاً أحمر بخطوط بيضاء فوق التنورة . كما أشار شقير إلى أنه بين عرب السودان أن البنت من نحو سن الخامسة تستتر (بالرحط) وعرفه على أنه سير من جلد يعقد حول الخصر تتدلي منه قدد دقيقة إلى ما فوق الركبتين وقد يلبس فوقه (شقة) من الدمور أو تبقي عارية لا يسترها إلا الرحط إلى أن تتزوج فتخلعه وتلبس بدلاً عنه فوطه كفوطة الحمام تعرف (بالقرقاب) وفوقها شقة أكبر منها قليلاً بحواشي من الحرير تعرف (بالقرن) وفوقها ثوب من الدمور أو الدبلان أو الشاش يشتملن به اشتمال الصماء ، وتستر رأسها على إلا يظهر إلا عيناها والمقتدرات منهن يلبسن فوطه أو يرصه من الحرير الملة . (شقير، المرجع السابق ، من التفاصيل حول زي المرأة، راجع سامية الهادي النقر " زي المرأة السودانية والتغيير الاجتماعي" ، مجلة الدراسات السودانية، المجلد "11" أكتوبر 1991م) وللمزيد من التفاصيل حول زي المرأة في سلطنة الفونج ، راجع تاج السر عثمان ، لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي ، مركز محمد عمر بشير 2004).. نظام الأمومة : عرفت القبائل السودانية أيام الفونج أشكالاً مختلفة من حق الأمومة حيث كان كثير من قبائل السودان تسير على نظام الإنتساب إلى الأم أو نظام الخؤولة ( النسب الي الخال أو شقيق الأم). (Avancate) ولهذا النظام مظاهر منها أن تعيش المرأة مع زوجها في عشيرته فإذا طلقت عادات إلى أهلها وحملت معها أولادها أو يعيش الرجل في عشيرته على أن يزورها متي شاء ، فإذا طلقت أحتفظت هي بالأولاد ، فلدينا هنا ثلاث حالات في الزواج ينتسب فيها الأولاد إلى عشيرة الأم ويستطيع الرجل أن ينتسب إلى أمرأته ويتسمى بأسمها في حالة ما إذا هجر عشيرته وراح يعيش مع زوجته في عشيرتها إليها كما ينتسب الأولاد (انظر د. عبد المجيد عابدين ، المرجع السابق ، ص 81). ولا يزال نظام الأمومة يمارس بين مصر والسودان إلى وقت الحاضر عند قبائل العبابدة والبشاريين فيذهب الرجل عقب زواجه فيعيش بين عشيرة زوجته ، ويبقي هناك إلى أن يولد ولده الأول على الأقل ، وفي السودان نجد أن المرأة المطلقة من البقارة تذهب إلى خالها ، لا إلى والديها وكثير من القبائل والأفراد ينتسبون الى أمهاتهم وجداتهم كما هو الحال عن الهدندوة والمناصير (عابدين، المرجع السابق، ص 82). وعرفت القبائل العربية قبل الإسلام في الجاهلية نظام الأمومة وإن أقدم الأخبار التي وصلت إلينا من عرب الجاهلية هي ما نقلها السائح اليوناني الشهير سترابو في معجمه الجغرافي المشهور حيث جاء عن أمر الزواج الأملاك عندهم مشتركة أي تخص جميع أعضاء العائلة التي يرأسها شيخ وهو أكبرها سناً ولهم جميعاً امرأة مشتركة يختلفون إليها فمن جاء منهم قبلاً دخل عليها وترك في الباب الخلا عصاه ليشير بذلك إلى اختلائه بها ، لكنها في الليل لا تجامع إلا أكبرهم سناً . ويواصل سترابو يقول " وهم يجامعون أمهاتهم ويعاقبون الزاني بالموت والزاني عندهم من جامع أمرأة من غير عشيرته (راجع بندلي صليبا الجوزي ، نظام الأمومة عند العرب، في دراسات في تاريخ العرب الاجتماعي ، ص ، 1320 133) Strabo, XVI) أي أنه مباحاً لرجال القبيلة الواحدة أن يجامعوا نسائها بدون تقييد ولا حصر بمعني أن المرأة عندهم لم تكن تخص رجلاً معيناً أو جماعة معلومة بقطع النظر إلى صلة الرحم التي كانت تربطها معهم كما يظهر جلياً من الحديث الذي رواه سترابو بعد ذلك وهو أن خمسة أخوة تعشقوا أختاً لهم وهي بنت أحد الآمراء العرب فكانوا يختلفون إليها الواحد بعد الآخر حتى سئمت ذلك وتوصلت بحيلة إلى التخلص منهم ، وهذا يشير إلى زواج الاشتراك عند العرب أكثر مما يشير إلى تعدد الأزواج (نفسه ، ص 132 ). وصفوة القول ، نخلص إلى أن القبائل العربية قبل الإسلام في الجزيرة العربية عرفت نظام الأمومة . وأستمر ذلك النظام بشكل من الأشكال بعد الإسلام وسط القبائل العربية التي دخلت السودان .
4
المرأة في سلطنة دار فور كانت المرأة تلعب دورا هاما في مجتمع سلطنة دار فور، وتقوم بأعمال الزراعة ، أعمال النسيج ، تربية الأطفال ، إعداد الطعام صناعة الفخار ، صناعة الخمور ، بناء المساجد ، وتشترك في الصيد أحيانا ، ويذكر التونسي أن الرجال لا يستقلون بأمر إلا في الحروب . وكانت هناك عادة تعرف بالحضن وهي أن المرأة تسمح لمن أعجبها من الرجال أن يحضنها ، أي ينام معها علي طهارة حتى يتزوجها أو تتزوج بغيره ، وأهل المرأة لا يعترضونها ، أما إذا وطئها فترذل هي ومعشوقها ( 1 ) . ومن العادات التي لاحظها التونسي إبان رحلته إلى دار فور أن الرجل لا يتزوج المرأة حتى يصاحبها مدة وتحمل منه مرة أو مرتين ، وحينئذ يقال أنها "ولود" فيعقد عليها ، ومن عوا ئدهم أن النساء لا يحجبن عن الرجال حتى أن الرجل يدخل داره فيجد امرأته مختلية بآخر فلا يكترث ( 2 ) ، ويري د . عبد الحميد متولي : أن هذه العادات هي من رواسب نظام العشيرة الطوطمية التي تسود فيها الشيوعية (المشاعية) الجنسية ، حيث تعد جميع نساء العشيرة مشاعة من الناحية الجنسية بين رجالها ولذلك ينتسب الابن إلي أمه ( 3 ) . ولكن في تقديري ، أنه لا يجوز النظرة التبسيطية ، أو النظر من الخارج والحكم علي شيوعية جنسية أو فوضي جنسية ، فقبائل دار فور شأنها شأن جميع القبائل في العالم حكمتها أعراف وتقاليد كانت تنظم العلاقات الجنسية بين الرجال والنساء وهي لها تنظيمها الداخلي . ويري إدوارد وستر مارك أن الحياة الزوجية الحقة في الحقيقة لا تبدأ بين كثير من الشعوب عند الأشخاص الذين تزوجوا أو خطبوا رسميا أو لا يصبح الزواج نهائيا حتى يولد الطفل ، وتظهر دلائل الحمل بينما في حالات أخرى كما أوضحنا فعلا ، تكون العلاقات الجنسية ، وهي المؤدية إلي الحمل أو مولد الطفل يتبعها الزواج أو تجعل الزواج اضطراريا ( 4 ) . إذن قبائل دار فور ليست نشازا عما كان سائدا عند القبائل والشعوب الأخرى ( مثل ايرلندا ) . وللحبو بات نفوذ في حفلات تنصيب الملوك في غرب السودان ( 5 ), وربما ترجع تلك إلى نظام الأمومة الذي كان للمرأة فيه احترام ونفوذ كبير كما كان الحال عند ملوك مروي حيث كان لهم نظام الملكة الأم ، وكذلك ملوك النوبة كان لأمهاتهم دور كبير في تسيير شئون الحكم ، والنساء في غرب السودان يشاركن الرجال في كل شئ إلا في الحروب ، ولا يتم عرس ولا حزن الابهن ، فترى النساء يحضرن في الأمور المهمة ، ومن ذلك الأذكار فتحضر حلقة الذكر امرأة تنشد لهم والنساء خلفها وقوف لا يتكلمن ، بل ينظرن أزواجهن وأقاربهن ليعلمن أيهن أحسن إنشادا ، وقد ينشد رجل والنساء يسمعن كبقية الرجال . وكانت لأخوات السلطان والحبو بات جدات السلطان والزوجة في دار فور نفوذ قوى في السلطنة ، ومثال لذلك ما أورده شقير أنه كان للسلطان حسين أخت تسمي أياباسي زمزم اشتهرت باتساع الثروة وكان لها نفوذ قوي في السلطنة ( 6 ) . وكانت المرأة المطلقة من البقارة ( مثل النوبة ) تذهب إلى خالها ، لا إلى والديها ، وربما كان ذلك من بقايا نظام الأمومة الذي كان للخال فيه دورا كبيرا ، وأهل دار فور لم يعرفوا عادة الختان الفرعوني حتى القرن التاسع عشر ، فالتونسي يقول عن أهل دار فور ( ومن عاداتهم ختن البنات ، ولكنهم في ذلك علي أقسام فمنهم من لايرى ذلك أبدا وهم أعجام الفور ، ومنهم من يخفض خفضا خفيفا كعادة أهل مصر وهو أكابر الناس ( يعني الخفض ) السني ، ومنهم من ينهك الخفض حتى يلتحم المحل ببعضه ( يعنى الخفض الفرعوني ) ، ثم سري الختان الفرعوني إلى عرب البقارة ، وكانوا من قبل يستخدمون الختان السني فقط ) . وعند قبيلة الميدوب عادة ممتدة من نظام الأمومة ، وهي في حالة وفاة الملك عندهم كان يليه ابن أخته وهو النظام نفسه الذي كان سائدا في ممالك النوبة القديمة في شمال السودان ، وكما ذكرنا سابقا فإن الرجل في قبيلة البديات كان يرث ما خلفه المتوفى من مال ونساء كما أن للرجل الحق عندئذ في أن يتزوج النساء أو يسرحهن حسب حالته المالية ، فإن عدد النساء يتوقف علي غني الرجل أو فقره . أي أنه عند قبيلة البديات كان عدد نساء الرجل يتناسب طردا مع ثروته وعند قبائل دار فور أيضا ظاهرة عدم الاعتراف بتوريث النساء فالنساء ليس لهن الحق في الميراث حسب ما أوردنا في موضع سابق عن القضاء العرفي عند الفور ، وعند قبائل البقارة كانت المهور تدفع بالبقر ، فالبقر عندهم رمز الثروة والوجاهة الاجتماعية ومقياس الثروة يقاس بعدد ما يملكه الفرد من قطعان البقر وعند قبائل ألا بالة ( رعاة الإبل ) كانت المهور تدفع في شكل جمل أو ناقة ، فالجمل عند ألا بالة تدور حوله كل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفنية . وكان في دار فور عادة تسمي (الحنبقة ) وهى أن يتفق الولد والبنت على الزواج ، وعندما يعترض الأهل يهربان إلى بلد آخر ويبرمان عقد الزواج بواسطة المأذون ، وهذه العادة نجدها عند قبائل أخري مثل الأنقسنا وقبائل جبال النوبة ( النيمانغ ، المورو ،. الخ ) في جنوب كردفان . وفي دار فور عادة تسمي الخلع ، ويعني طلب المرأة الطلاق من زوجها مقابل دفع مبلغ معين من المال . وهكذا نلاحظ الدور الكبير الذي كانت تلعبه المرأة في مجتمع سلطنة دار فور . المصادر والهوامش 1- د. عبد المجيد عابدين ، تاريخ الثقافة العربية في السودان ، 1967، ص 84. 2- التونسي ، ص 159، يري المؤرخ محمد عبد الرحيم في كتابه " النداء في دفع الافتراء" أن التونسي يبالغ أحيانا ، فحسب تجربته في دارفور كانت هناك غيرة من الرجال علي النساء ، وليس كما أورد التونسي. 3- د. عبد الحميد متولي ، تطور نظام الحكم في السودان من أقدم العصور ، الجزء الأول ، الخرطوم 1969 ، ص 58- 59. 4- ادوارد وسترمارك ، قصة الزواج ، ترجمة عبد المنعم الزيادي ، مكتبة النهضة بدون تاريخ ، ص 36. 5- د. عبد المجيد عابدين ، تاريخ الثقافة العربية ، ص 84. 6- انظر شقير ، ص 180- 182 ، ود. ابوسليم ، الفور والأرض ، وثائق تمليك، الخرطوم ، معهد الدراسات الافرو- آسيوية ، جامعة الخرطوم 1975م ، ص 89- 142.
5 المرأة في فترة الحكم التركي – المصري (1821- 1885م) شهد المجتمع السوداني تحولات اقتصادية واجتماعية في هذه الفترة ، أهم هذه التحولات : اصبحت كل امكانيات السودان البشرية والاقتصادية موظفة لخدمة دولة محمد علي باشا في مصر ، كما شهد السودان بذور نمط الإنتاج الرأسمالي والذي نشأ مع اتساع التعامل بالنقد والارتباط بالتجارة العالمية وتحول قوة العمل الي بضاعة بعد اقتلاع الاف المزارعين من أراضيهم نتيجة للقهر والضرائب الباهظة. كما عرفت التشكيلة الاجتماعية التفاوت الطبقي والاجتماعي وعرفت البلاد بذور الصناعة والزراعة الحديثة والتعليم المدني والقضاء المدني ، كما شهدت البلاد دخول خدمات التلغراف وادخال البواخر النيلية. كان لتلك الأوضاع الجديدة انعكاسها علي تطور المرأة ، فقد شهدت الفتاة السودانية في هذه الفترة بذور التعليم الحديث من خلال مدارس الارساليات التي فتحها المطران كمبوني للبنين والبنات ، وفي ميدان تعليم البنات السودانيات اللواتي نلن تعليمهن الأولي والثانوي في ايطاليا ( معهد مازا) ثلاثين فتاة ، وعمل بعضه في المدارس التي اسسها المطران كمبوني في مصر ثم الخرطوم ( الأب فانتيني: ص 243- 244)، وفي عام 1877م بلغ طلاب مدرسة الخرطوم 200 بنتا ، 300 ولدا أكثرهم سودانيون ( محمد عمر بشير : تطور التعليم في السودان ، ترجمة هنري رياض وآخرون ، 1970 م ، ص 54). تقول حاجة كاشف : نشط المبشرون في ابتكار طريقة الطواف علي البيوت بعد أن كان مجهودهم محصورا في مراكزهم في الكنائس ، وذلك بعد أن عرفوا أن التقاليد السودانية في بعض الأماكن لا تسمح بخروج المرأة في وضح النهار ، وعلّمت المبشرات النساء والفتيات في بيوتهن فن الطبخ والخياطة والتطريز . كما علمنهن مبادئ الكتابة والقراءة والحساب ، قبلت كثير من الأسر السودانية هذا النوع من التعليم وساعدت المبشرات المسيحيات بعد الغاء تجارة الرقيق والاسترقاق علي تعليم كثير من الاماء بعد تحريرهن وتدريبهن فن التوليد والتمريض ، الا أنه تعليم شفوي وليس فيه تدريب كافي ، ولم يقم علي اسس حديثة . ونستطيع أن نعتبر هذا العهد بداية لاحتراف المرأة مهن التوليد والتمريض ( حاجة كاشف بدري : الحركة النسائية في السودان ، الخرطوم 1984 ، ص 6 ). تواصل حاجة كاشف وتقول : الا أن المفهوم العام بالنسبة للمرأة ظل مكانها داخل البيت ولا تساهم في أي نشاط اقتصادي أو اجتماعي ، ولقد تبلور هذا الوضع في شكل نظام متكامل هو نظام الحريم الذي كان سائدا في الدولة العثمانية والبلاد التي كانت تتبع لها ، وساعد علي انتشار الحريم نشاط تجارة الرقيق والاسترقاق ، وكانت المرأة داخل ذلك النظام أداة لمتعة الرجل وراحته الجسمانية وأداة لحفظ النسل ( حاجة كاشف ، المرجع السابق ، ص 5). وفي هذه الفترة ايضا وجه العلماء والحكام عناية خاصة الي أحوال الأسرة ونظامها راجين أن يدفعوا بها الي الأمام نحو النظام الشرعي الصحيح ، ويروي أن عبد اللطيف باشا أحد ولاة العهد جدّ في ابطال عادة الخفاض الفرعوني وقاضي كثرا من النساء اللواتي يتولين أمرها ن ولكنه لم يفلح ( د. عبد المجيد عابدين : ص 119). في هذا العهد أيضا نجد أن المرأة تلعب دورا هاما في الحياة الدينية ، وفي شرق السودان ينتسب عدد كبير منهن الي طريقة الختمية ويحضرن مجالس السيد محمد عثمان ( د . عبد المجيد عابدين ، مرجع سابق). وكانت الطريقة القادرية السمانية تسمح للنساء في حلقات الصوفية في غرب السودان. وفي تلك الفترة أيضا وفد رفاعة رافع الطهطاوي الي السودان والذي أنشأ مدرسة الخرطوم ( كفرع لمدرسة الالسن بمصر) لتخريج كتبة يعملون في دواوين الحكومة ، وعند مروره بمنطقة الشايقية قدم لنا وصفا لنموذج إمرأة عند الشايقية تجمع بين العلم والعمل يقول فيه: " ولقد رأيت في طريقي ببلاد الشايقية بمديرية دمقلا حرم سنجق يدعي الملك الأزيرق تسمي أمونة تقرأ القرآن الشريف ومؤسسة مكتيبن احداهم للغلمان والآخر للبنات كل منها لقراءة القرآن وحفظ المتون تنفق علي المكتبين من كسبها بزراعة القطن وحلجه وغزله وتشغيله ، ولا ترضي أن يشوبه شئ من مال زوجها ، وبجانب المكتبين خلوات لمن يختص من العبادة والزهاد الحاضرين من اقصي البلاد لأداء فريضة الحج ومنزلها كالتكية للفقراء وأبناء السبيل القاصدين بيت الله الحرام ، وأ مثال ذلك كثير هناك( في السودان) في ظل الحكومة المصرية". ويصحح الطيب محمد الطيب في كتابه " المسيد" ويقول: تبين بعد حين أن رفاعة ربما وقع في التباس وخطأ بذكره أنه شاهد ببلاد الشايقية بمديرية دنقلا ، والشاهد أن أمونة وخلاويها ونشاطها االتعليمي بمركز شندي مديرية بربر ، فالتمست للشيخ رفاعة عذرا للسبب التالي : فمنطقة وادي بشارة وأغلب "خط ود حامد يسكنه الشايقية غرب النيل وجنوب المتمة والمنطقة الشرقية المقابلة " البسابير" وايضا يسكنها الشايقية ، ولعل الالتباس نشأ من هنا ، اذ لم يميز رفاعة بين شايقية مديرية دنقلا وشايقية شندي ، والله أعلم" ( الطيب محمد الطيب ، المسيد ، 1991 ، ص 250). مهما يكن من شئ ، ما يهمنا هنا ظاهرة هذه المرأة التي جمعت بين العلم والعمل ، وهو نموذج يوضح الدور الذي كانت تلعبه المرأة في المجتمع السوداني. ظل المجتمع السوداني خلال فترة الحكم التركي – المصري في غالبيته العظمي يعيش في القطاع المعيشي (التقليدي ) ، رغم الحداثة التي ادخلها الحكم التركي ، وكان مجتمعا زراعيا رعويا ، مازالت فيه قوي الإنتاج وعلاقات الإنتاج متخلفة . وكان للمرأة نشاط اقتصادي بارز ، فلم يكن عملها قاصرا فقط علي الأعمال المنزلية ، بل كان لها دور في النشاط والتعليم الديني كما اوضحما سابقا ، وكانت المرأة تمارس العديد من الأنشطة الاقتصادية مثل: الغزل والنسيج ، كما كانت تساهم في العمليات الزراعية ( نظافة وتجهيز الأرض ، البذر – والحش والحصاد ، التخزين ، كما تعمل في بناء المنازل وخاصة وسط القبائل الرعوية. أي أنها كانت عاملة في الحقلين الزراعي والرعوي ، ومن هذا الموقع كان لها نشاطها الاجتماعي والثقافي والفني في ذلك المجتمع التقليدي. في هذه الفترة استمرت العادات والتقاليد الاجتماعية والثقافية للمرأة السودانية الممتدة من التشكيلات الاجتماعية السابقة مثل: الخفاض الفرعوني الذي حاول العلماء والفقهاء منعه ، ولكنهم لم يفلحوا مما يشير الي أن العادات التي تتعلق بالبنية الثقافية الفوقية ليس من السهل ازالتها بقرارات ومنع وزجر ، انما نحتاج لمواجهتها بعادات ثقافية بديلة ارقي منها . كما استمرت عادات المشاط والشلوخ وعادة الدلكة، ووضع الحناء علي الكفوف والقدمين والدخان وعادة الزآر ، والتحلي بالذهب ، ولبس الفتيات غير المتزوجات للرحط ( الرهط). ويبدو أن المهور كانت غالية ، ويظهر ذلك من تخفيض الامام المهدي لتكاليف الزواج بعد الاطاحة بالحكم التركي. كما نجد بيوت الدعارة التي أشار اليها الرحالة الايطالي ( مجهول الاسم) الذي كتب وثيقة " علي تخوم العالم الإسلامي" ، وأشار اليها سلاطين باشا في كتابه " السيف والنار في السودان" في بعض المدن مثل: المسلمية والتي كان يديرها بعض التجار الذين كانوا يحققون ارباحا كثيرة ويتهربون من تسديد الضرائب. هذا اضافة لانتشار الدجل والشعوذة والتواكل والاستسلام للقدر ، كما نجد العادات والتقاليد الممتدة من الممالك السابقة التي تتعلق بالافراح والأتراح وأربعين يوم الولادة. هكذا نلاحظ أن فترة الحكم التركي لم تحدث تغييرا جذريا في وضع وثقافة المرأة السودانية. المرأة في جنوب السودان : في تلك الفترة تم ضم المديريات الجنوبية للسودان ، والتي بها اعراف وأحوال شخصية تختلف عن أحوال المسلمين والمسيحيين. مع ظهور التفاوت الطبقي والاجتماعي في المجتمع الزراعي الرعوي اصبح دور المرأة في الجنوب يقل في الحياة الاجتماعية ، وعلي سبيل المثال : لا يوجد في المديريات الجنوبية باسرها عرف يحدد عدد الزوجات التي يمكن للرجل الاقتران بهن ، وقد جرت العادة علي أن يكون للرجل أكثر من زوجتين أو ثلاث ، بل أن بعض السلاطين من الأثرياء في بعض القبائل يمكن أن يتزوجوا بمائة أو مئتين زوجة علي الأكثر ، كما توجد أعراف متفاوتة في كل قبيلة عن الزواج والطلاق "زواج عرفي وثني" ( د. س. فارن : أحكام الزواج والطلاق في السودان ، 1984 ، ص 46 وما بعدها). وتتفاوت نظم العائلة والزواج بين القبائل الجنوبية ، فهناك القبائل البدائية جدا التي يمارس أفرادها حرية المعاشرة الجنسية ، ويبدو أنها لا تعترف بأي نظام مؤسس دائم أو شبه دائم كالزواج ( المرجع السابق، ص 7). كان للمرأة دور بارز في النشاط الاقتصادي في الجنوب حيث تشارك في كافة النشاطات مثل العمليات الزراعية ، نظافة الأرض ، الحش ، الحصاد ، جمع المحصول ، المشاركة في قطع الغابات ، بناء المنازل في بعض المناطق ، هذا اضافة الي جميع نشاطاتها المنزلية ، كما تقوم بجلب الماء وحطب الوقود ن وتقوم ببعض الصناعات اليدوية من مقاطف السعف ، وبعض الأواني الفخارية ( أزيار. الخ). وتقوم بتسويق تلك المنتجات في الأسواق القريبة ، وفي القبائل التي تقطن بالقرب من النهار تقوم المرأة بالمشاركة في عملية صيد ومظافة الأسماك. وفي منطقة الزاندي يلاحظ أن كل العمليات الزراعية لبعض المحاصيل مثل: البطاطس والبام تقتصر علي النساء فقط ، ولا يقوم الرجل بأي مساهمة في تلك المحصولات، كما أن الحش هو من اختصاص المرأة ايضا ، و نجد أن للمراة مزرعتها الخاصة كتلك التي في غرب السودان ، وهي مسؤولة عنها لوحدها ، وايضا تقوم المرأة بصناعة بعض الخمور البلدية وتقوم بتسويقها بدون تدخل الرجل ( محمد العوض جلال الدين : بعض قضايا السكان والتنمية في السكان والعالم الثالث). المرأة في جبال النوبا : في منطقة جبال النوبا التي تمّ ضمها للادارة التركية ،كانت المرأة تلعب دورا هاما في التقسيم الاجتماعي للعمل ، وكانت النساء يقمن بأعمال النسيج وطحن الغلال والعمليات الزراعية ، وكان للمرأة مكانة خاصة في الزراعة ، بل أن محصول السمسم خاص بها ، وهي تحصل علي عائده لذاتها ، كما تشارك المرأة بنشاط في عمليات العمل التعاوني ( النفير) سواء كان ذلك باعداد الطعام أو صنع المريسة أو بالمشاركة في العمليات الزراعية في تنظيف الأرض وعمليات البذر والحصاد. الخ. المرأة في منطقة الأنقسنا: كان دور المرأة الاقتصادي والاجتماعي في مجتمع الأنقسنا كبيرا ، فهي تقوم بكل الأعمال المنزلية وتربية الأطفال ، أو عمليات طحن العيش وصناعة المريسة ، وصناعة الفخار وادوات الطعام ، وبناء المنازل ، ونسج الدمور ، وأعمال نسيج الصوف الأخري ، كما تقوم بصناعة البروش ، اضافة لتربية الدجاج والأغنام. كما كان النساء يشاركن في العمل التعاوني ( النفير) في الأعياد أو الاحتفالات المرتبطة بقدوم الأمطار للزراعة ، ويشاركن في الرقص الجماعي مع الرجال.
6 المرأة في فترة المهدية تناول الإمام المهدي قضية المرأة، و حدد موقف الدولة منها ، فقد أمر الإمام المهدي بحجر النساء ومنعهن من الخروج إلى الشارع والمشي بطرقات الرجال الذين لاعصمة لهم إلا بهذا الحجر، يقول في إحدى منشوراته : ( وما دام أن طلب الله هذا معلوم ، وأن أكثر الناس في هذا الزمن لايقفون إلا بالحجر والحجاب وجب أن نحجر جميع النساء من الخروج والمشي بطرقات الرجال الذين لاعصمة لهم ولهن إلا بهذا الحجر ، سيما وقد قال ( ص ) : باعدوا بين أنفاس الرجال والنساء ، وقد قال ( ص ) لابنته فاطمة عليها السلام ( ما أحسن ما تكون عليه المرأة ؟ فقالت الايراها رجل ولاترى رجلا ) فعجبه ( ص ) هذا الجواب فقال ( ذرية بعضها من بعض ) . ثم يبين الإمام المهدي من يجوز لها الخروج إلى الأسواق مثل البنت الصغيرة التي لاتشتهى أو متجاله، ومن انقطع ارب الرجال عنها . ثم يوضح الإمام المهدي أن من خرجت بعد التنبيه بثلاثة أيام تضرب مائة سوطا زجرا لها وعبرة لغيرها ، ثم يسند أمر القيام بذلك إلى حاكم السوق في السوق ، وكل أمير فيما يخصه من نساء الذين هم مأمورون بإتباعه وإذا خرجت امرأة عن ذلك كان حكم أمرها عند القاضي ) ( منشورات المهدية : 298 ) . وفي منشور أخر يتعرض المهدي إلى تخفيض نفقات الزواج وعدم المباهاة في الأعراس لأن ذلك ليس من الدين في شئ .. يحدد المهدي وليمة الزواج بتمر أسوة بوليمة فاطمة بنت رسول الله ( ص ) أو مع طعام كوليمة أم المؤمنين.. يقول المهدي ( ومن يتبع فعل النبي ( ص ) في ذلك لم يجد ولم ير ما يفعلونه الناس في هذا الزمن، ومن لم يقدر ولم يطب قلبا بما ذكر ، فلا يزيد على خروف وذلك إسراف ) ( نفسه : 300 ) . ويحدد المهور على أساس لاتزاد العزبة على خمسة ريال ولا البكر على عشرة ريال واللباس لايزيد على ثوبين ، وكل ذلك خروجا من المباهاة وحب الدنيا ، فما زاد على ما ذكرت – مادام أن المال لله ومبذول لله ومبذول للجهاد في سبيل الله وعليه البيعة ، فلا يخلو من سرقة ، حيث لا إذن منا على ذلك ، فلازم أن يؤخذ منه للمساكين والمجاهدين في سبيل الله والسلام ( نفسه : 300 ) . وفي منشور آخر في مسائل الطلاق وخاصة ماهو واقع قبل المهدية وموقع ذلك من نسائه يوضح المهدي ما يلي : ( إن الطلاق قبل المهدية لايحسب لمن تمت الثلاثة ولو بعد المهدية وسبق طلاق قبل المهدية ، وبعد المهدية لاتكون الفتاوى التي كان العلماء يفتون بها في مطلقة الثلاث ، وقد وقع في قلبي حينئذ – اعني وقت ذاك – الوارد لنا من رسول الله ( ص ) إننا لما نخرج من ابا إلى الغرب والناس يدخلون في دين الإسلام جديدا على أو كما قال .. ). ( نفسه : 302 ) . وحول موقع ذلك من نسائه يوضح : ( وقد وقع لبعض نسائي تمام عدد الطلاق ، وقد وقع قبل المهدية وقد تضرروا بأنفسهم وبأهلهم وبعض الأصحاب وإمرتهم بأن يتزوجوا فلم يرتضوا حتى ورد الخبر بمنع ذلك بالخصوصية التي يأتي ذكرها ولازالوا يتضررون ، فقلت لاسبيل إلى ذلك إلا بشئ يأتي لنا من الله ورسوله ( ص ) مع وقوع بعض حضرات في حسبتها من نسائي ووقوعها معهم في التصفية وبعض حضرات حصل فيها الأمر برجوعها مع كثير راوي صالحه حسبتها من نسائي وبكل ذلك كنت أجد في نفسي الحرج من الرجوع لها مع تمام حسبة الطلاق حتى ورد لي الوارد فيها مع ذلك الوارد المتقدم ذكره ) ( نفسه : 302 – 303 ) . وفي منشور آخر عن عصم زوجات الذين كانوا بمدينتي الأبيض وبارا قبل أن يتم فتحها ولزوم تجديد العقد لهن ورد ما يلي: ( ما دام لايخفاكم احبابي ان المرء على دين خليله وان النبي ( ص ) قال : من كثر سواد قوم فهو منهم وان الله قال : ( ولاتمسكوا بعصم الكوافر ) اى زوجاتكم لقطع اسلامكم لها فقد تحرر هذا اليكم بوجه العموم ليعلم بطرفكم : ان كل امرأة تخلفت باحدى الفقرتين المذكورتين بعد خروج زوجها وانضمامه على الانصار المحاصرين أو حضوره لطرفنا فهى طالق ، وكل من هاجرت ولو بالانضمام الى الانصار كما مر وتخلف زوجها عنها فهى طالق ايضا وعلى هذا فينبغي انكم تحددوا عصم نسائكم السابقات والمتأخرات عنكم في الخروج ولاتقولوا على العصم السابقة وتقيموا معهن بدون تحديد فان ذلك محظور ( المنشورات : 305 – 306 ) . وفي منشور آخر من المهدى في الناشزة ( اى التي ترفض أن تدخل في طاعة الزوج ويحكم عليها بأنها رفضت الطاعة ولذلك تسقط عنها النفقة ، وفي اللفظ العامى : الناشرة ) ، والخطب يوضح المهدى ما يلى : (احبابي ، فقد تسألون عن الناشرة والكارهة لزوجها فانها ما كان دفعه الزوج من صداق وغيره ، وان بعض عنها لابأس بها ولافايدة فيه والله اعلم) . ثم يواصل ويقول : (وتسألون عن من كان خطيب ودفع اموالا عديدة في تلك المرأة ، ولم تعد عليها عصمة ومتوقف تلك العقد لاجل نظر واتي اليها احد غير الاول وعقد عليها ، أى الحومة التي دفع فيها تلك الاموال المتقدم ذكرها ، هذا لايرضاه الله ولارسوله ومخالف للمهدية ، حرام والحرام لم يتبع أن صاحب ذلك يضرب ويحبس وتفسخ تلك العصمة) (المنشورات: 307 ) . وتناول المهدى اجراءات الزواج نفسها ، فالزواج لايتم باكراه المرأة ، فأمر بطلاق امرأة تزوجت وهى مرغمة ، فالعلاقة بين الناس روحية وليس مادية ، فالرجل لايتزوج المرأة التي ترفض الزواج ، ولكنه في بعض الحالات اعطى الام الحق في أن تزوج ابنتها لمن تشاء ، كما تحدث عن صفات الزوجة الصالحة ( ابوسليم : المرشد ، 1971 ، 130 ) . كما أشار المهدى الى أن المرأة التى طلقت قبل المهدية فلاتطالب بمؤخر صداق ( نفسه : 334 ) . كما حرم على النساء لبس الذهب وحثهن على التبرع به للجهاد ، اما الفضة ، فان استعمالها غير مستحب ، وكان النساء يتزين بالعاج الذي كان استعماله منتشرا في ذلك الوقت ، فحرم لبسه لأن العاج يؤخذ من الفيل بعد قتله وهو ( ميته ) ) فطيس ) واجاز للنساء استعمال الدلكه لأنها من الذرة وهى تنظف الجسم ، اما الدخان فيمكن استعماله بشرط الايكثرن فيه حتى لايحول بين البشرة وماء الوضوء ( المرشد : 324 ) . أشار المهدى الى عدم جواز طلاق الرجل لزوجته ثلاثة طلقات في وقت واحد ، كما تحدث عن عدة المرأة وعن الحيض ، واسقط الرضاعة عن الأم المطلقة ، ومنع زواج اخوات الرضاع .. وفي غرب السودان كان هناك نوع من الطلاق شائعا يعرف ( بالخلع ) وهو طلاق مقابل مال تدفعه الزوجة ، اما المهر أو جزء منه أو أى مال آخر ، فيتم الطلاق بعد اجراءات قانونية فرأى المهدى أن هذا ليس بطلاق الا اذا تلفظ الرجل به ، واستحسن الايأخذ الزوج اى مال مقابل الطلاق ( المرشد : 197 ) . كما حدد عقوبة المرأة التى تقف كاشفة الرأس، أو تتحدث بصوت عالى ب 27 جلدة ( نفسه : 298 ) . وحرّم سلام النساء على الرجال وقرر 100 جلدة للسلام بالكتف، و500 جلدة مع صيام شهرين أو عتق رقبة للسلام بالعناق ، ولكنه اجاز خروج بعض النساء للسوق ولكن تحت شروط ( نفسه : 302 – 178 ) . وفي منشور صادر بتاريخ 19 / 10 / 1884 م ، نهى المهدى عن الملاهى مثل : المعازيف والدلاليك والنقاقير والنحاس لايضرب الافي وقت الحاجة اليه في دعاء الجيش للجهاد ( المنشورات 166 ) . ما يهمنا هنا منع الدلاليك والتى كانت تخص المرأة في غالبها. سردنا اعلاه تشريعات المهدى حول المرأة والاحوال الشخصية ، ولكن الافكار والتشريعات شئ والنظام الاقتصادي الاجتماعي الذي نتج من الثورة المهدية شئ آخر ، فهذا النظام نفسه والذي تميز بالحروب والتفاوت الطبقي والاجتماعي والتمايز الصارخ في الثروة والغنى دفع بالمرأة للنشاط التجاري والذي كان من السمات الأساسية لمجتمع المهدية .. أى أن المرأة خرجت الى العمل في فترة المهدية ويهمنا هذا الجانب الجوهري اكثر من الاجراءات الشكلية من حجاب أو غيرها. اشرنا في بحث عن "التاريخ الاجتماعي للمهدية" أن الخليفة عبدالله عين للنساء مكانا خاصا بالسوق ، ونعلم أن المهدى سمح للنساء اللائى خرج ازواجهن للحرب بالسعى لكسب رزقهن ، وجاء الخليفة فاصدر امرا محددا سمح فيه للنساء بالاشتراك في التجارة ، فقد كتب لأحد عماله في الشرق عندما منع عثمان دقنه النساء الخروج الى السوق قائلا : ( حيث ان منع الحبيب عثمان دقنه النساء الخروج، وتذكروا انه موجود بالبلد نساء الجهادية المشغولين بخدمة الدين ، وأن امور معاشهم متعلق بالاسواق وترغبوا صدور الأمر بما تقتضيه المصلحة العامة ، والحال ياحبيبنا النساء اعملوا لهم سوق لوحدهم والرجال ايضا ( قدال : 79 ) . وكانت النساء الكبار في السن هن اللائى يقمن بالعمل في السوق ، حيث يقمن ببيع الزيت والشحم والفواكه والتوابل والأدوية والذرة والبلح والخميرة والماء ونادرا ما كانت الفتيات يمارسن التجارة .. وحسب ملاحظة اهرولدر : ان نساء البقارة لهن فطرة تجارية اقتحمن بها مجال السوق واجدن فن التجارة ، ولكن الامر لايتعلق بفطرة تجارية خاصة بنساء البقارة وحسب ، ولكن كما أشار الرحالة التونسي عندما زار دارفور ، ان نساء دارفور يشاركن الرجال في كل عمل وكل شئ الا الحرب ،وبالتالى ، فان نساء دارفور كانت لهن خبرة سابقة بالتجارة .. واصبحت تلك الأسواق نواة لما يعرف اليوم ( بسوق النسوان ) . ويقدم د .قدال ملاحظة جيدة وهى أن عنصرا اجتماعيا جديدا دخل مجال النشاط الاقتصادي وساهم فيه بفعالية ، وأن تلك المساهمة كانت من مدخل متخصص اذ أن النساء كن يبعن المنتجات المنزلية التى كانت تنتج في الماضي للاستهلاك المنزلي ( نفسه : 80 ) . ونلاحظ ايضا وبصورة محددة أن الظروف الاقتصادية هى التى دفعت بالنساء للعمل في السوق ، وخاصة نساء الجنود والانصار ، فقد كان مرتب الجندى الانصارى خمسة قروش ، وكما يشير قدال ، ولعل ضعف الدخل الشهري للاسرة هو الذي دفع النساء للعمل في السوق. ( نفسه : 176 ) . وكانت المرأة تعمل في صناعة النسيج وخاصة في ارض الجزيرة وبربر وصناعة الحصير والاطباق ، ويشير سلاطين الى أن نساء دارفور على مهارة خاصة في صنع الحصر المذكورة التى توضع بين ثناياها بعض الخرزات الزجاجية مما يؤدى الى اكتسابها رونقا جميلا جدا ( سلاطين : المرجع السابق ) . كما اشار سلاطين الى أن: تخفيض نفقات الزواج ساعد على الاغراق في بحار الشهوات والميل الى حب النساء حبا بهيميا لاينتهى عند حد .. وأورد مثالا : أنه كان من السودانيين من يتزوج في بحر عشر سنوات باربعين أو خمسين سودانية ( مع مراعاة أن هناك طلاقا مستمرا في حياة مثل ذلك السودان ) ، كما أن من النساء من تزوجت هذه الفترة الخمسة عشر أو العشرين زوجا ،على أن قانون الزواج الاسلامي ينص على انقضاء فترة بين الطلاق والزواج الجديد لاتقل عن ثلاثة شهور، أما فيما يختص بالمحظيات ( السرارى ) فيبيح القانون السوداني الديني تمتع الرجل السوداني بأى عدد منهن ، ولاريب في أن اباحة التمتع بالمحظيات ادى الى انتشار الامراض الخبيثة من خلال انتقال المحظية من بيت الى آخر ، كما كان الانتشار كبيرا خاصة في دوائر الضباط والجنود السودانيين ( نفسه ) . ويعزى سلاطين ذلك الاستغراق في الملذات الى عدم وجود حياة اجتماعية أو تبادل بين النفوس ، وكان الحل الوحيد هو الاغراق في حب النساء والشهوات ( نفسه ) . ويؤكد ذلك منع المهدية بعض الالعاب التى كان يمارسها الناس يومئذ مثل المنقله والطاب والطاوله ومنع الغناء والطرب ومنع (المعازيف) و(الدلاليك) و(النقاقير) و(التورى) و(البورى) و(الطرنبيطه) لأنها كلها أدوات تركية تعلن الترفه والتعلق بالمظاهر .. هذا اضافة لاغلاق الخليفة عبدالله للمقاهى وخاصة في سوق امدرمان منعا للتجمع .. وبالتالى لم يكن غريبا اشتداد الميل للشهوات والميل للنساء. ولكن الجانب الايجابي والذي لايراه سلاطين : ان المرأة لعبت دورا كبيرا في انتصار ودعم الثورة المهدية ، ويحدثنا شقير في تاريخه : أن امراة كنانيه تدعى رابحه رأت حملة راشد ايمن ( والتى كانت تعتمد على الكتمان والمباغته ) فقامت مسرعة حتى وصلت محمد احمد في الثلث الأخير في ليلة الخميس 16 محرم سنة 1299 ه ، 8 / ديسمبر سنة 1881م، واخبرته بمسيره اليه ( شقير : 657 ) . واستعد المهدى لها وهزمها شر هزيمة وهذه واحدة من اسهامات المرأة كمصدر للمعلومات والتى تعتبر مهمة وحاسمة في الحروب والمعارك .. ويحدثنا محمد احمد المحجوب عن دور النساء والناس العاديين في المهدية ويقول ( مثال على ذلك انه في بلد لم يكن للنساء فيه سوى دور أدنى منذ زمن طويل ، كانت النساء السودانيات الجاسوسات الجالسات يتسولن هن اللواتى كشفن دفاع غردون حول الخرطوم ، وتسللن ليخبرن المهدى بذلك وساعدنه على مهاجمتها واحتلالها في سنة 1885 م ( المحجوب : الديمقراطية في الميزان : 20 ) . اى أن االمرأة لعبت دورا مهما في العمل السرى وفي مد الانصار بالمعلومات الهامة عن العدو ودفاعاته وهذه واحدة من ابداعات المهدية. هذا اضافة لدورها في المعارك ، ودق النحاس من اجل التجمع والثبات في المعارك بالنسبة للمحاربين السودانيين سواء كانوا في صف المهدية أو في صف المعارضين لها ، يقول د . شبيكه عن زوجة طه ابوحيدر ( الذى قتل في احدى المعارك فضربت زوجته النحاس وظلت تنادى بجنده للتجمع والثبات وابدت بساله لم تعهد في امرأة مثلها ( السودان والثورة المهدية : 63 ) . ويرى د.عبد المجيد عابدين : أن هناك تشابها بين تعاليم المهدى وتعاليم الوهابيه والسنوسيه في موقف المهدى من المرأة في تخفيض قيمة المهر ومنع النساء من لبس الذهب والفضة وشعر العاريه وخروجهن مكشوفات الروؤس وخروج الحديثات السن منهن بين الناس ، ولكنه سمح لهن بالتحلى في منازلهن بالسوميت والمرجان والصدف واللؤلؤ ( تاريخ الثقافة العربية في السودان : 136 ) . على أنه بالاضافه لتأثر المهدى بالسنوسيه أو الوهابيه ، يجب اخذ خصوصية الواقع السوداني ومرونة المهدى والخليفة في السماح بخروج المرأة الى السوق. كما يجب الأخذ في الاعتبار تقاليد المرأة السودانية التى كانت اصلا عاملة في الزراعة والتجارة والنسيج. الخ . كما يجب أن نأخذ تجربة المهدى الشخصية في الاعتبار ، فالمهدى عاش في الخرطوم لبعض الوقت في فترة الحكم التركي ، وكان سكان الخرطوم عدا السودانيين – يتألفون في الأغلب من سوريين ويونانيين وارمن واتراك وعرب ومصريين ، وكان كثيرا من هؤلاء قد اتخذوا لانفسهم زوجات ومحظيات من فتيات ( الجالا ) الحبشيات ، حسان تلك البلاد ، وكذلك كان يعيش في الخرطوم اوربيون لهم ارتباطهم بالعالم الخارجي وتقاليدهم الخاصة في علاقة الرجال بالنساء تختلف عن تقاليد السودانيين، وكانوا يستخدمون أو يستهلكون منتجات الاسواق الاوربية مثل الخمور والعطور ، كما كان كبار الاتراك والمصريين يحبون اقامة ولائم كبيرة فخمة تنتهى عادة برقص تقدمه فتيات افريقيات. ( مورهيد : النيل الابيض : 89 ) . ويصف ستراش زيارة غردون للخرطوم في طريقه للاستوائية بهذه العبارات: ( استقبله في الخرطوم الحاكم العام المصرى للسودان رئيسه المباشر استقبالا رسميا ، انتهى بمأدبة طويله، اعقبها حفل راقص اختلط فيه الجنود بشابات عاريات تماما كن يرقصن في حلقة ويحفظن الايقاع باقدامهن ويحدثن فرقعة غريبة مع حركاتهن) ( نفسه : 173 ) . ولاشك أن رد المهدى على هذا المجتمع كان بالرفض أو على الاقل يشكل خلفية لموقفه اللاحق من تشريعاته حول المرأة . وجذور موقف المهدى من المرأة ايضا ، يمكن أن نلحظها في فترة مبكرة قبل اعلان المهدية في خلافه وصراعه مع شيخه محمد شريف نور الدائم ، فقد كان الشيخ محمد شريف نور الدائم كما جاء في تاريخ شقير يقّبل النساء في مجلسه ويسمح لهن بتقبيل يده ، فاخذ محمد احمد يندد بذلك ويجاهر بانه مخالف للشرع والاسلام ، واحتفل الشيخ محمد شريف بختان بعض اولاده فدعا جمعا غفيرا من تلامذته واذن لهم في الرقص والغناء وكان محمد احمد حاضرا فنهى اصحابه عن ذلك وقال ان الشريعة تمنع الرقص والغناء فليس في وسع احد ان يجيزهما ولو انه شيخ الطريقة ، وبلغ ذلك محمد شريف ، وكان قد بلغه تنديده عليه بقبوله النساء في مجلسه ، فاتخذ تطاوله هذا ذريعة لشفاء غليله منه واستحضره ووبخه توبيخا شديدا ومحا اسمه من الطريقة ( شقير : المرجع السابق ) . وجذور هذا الموقف ايضا نلحظه في زواجه الاول من ابنة فاطمة بنت حاج ، ففي حفل زفافه كان له موقف، فقد اجتمع الرجال والنساء ليرقصوا مختلطين كعادتهم في مثل تلك الليالي فمنعهم ( قدال: لوحة : 39 ) . ، ثم تشاجر مع زوجته ، يبدو أن طول تنقله بين خلاوى العلم دون عمل منظم وبداية انعطافه نحو التصوف قد قعدا به عن ممارسة عمل ثابت يكسب منه قوته ، وكان يقضي جل وقته في المنزل مكبا على القراءة ، وفي مرة كان منهمكا في قراءة القرآن فدخلت عليه زوجته واختطفت منه الكتاب وحثته للبحث عن عمل ، فما كان منه الا أن طلقها ( نفسه : 39 ) . وفي زيارة المهدى الاولى للابيض لاحظ تفسخ وتحلل مجتمع الابيض التجاري ، ويروى أن المهدى في الابيض سمع في احدى الليالى طبولا وموسيقى وعلم أن احد تجار الرقيق سيتزوج غلاما اسمه ( قرفه) ، فصحب معه بعض اصحابه الى مكان الحفل، وهناك امسك سيفه وهم بضرب عنق الرجل ، لولا أن حال اصحابه دون ذلك ، فاتجه من فوره الى مامور ( الضبطيه ) يشكو الأمر ، فقابلهم المامور بالاهانه والازدراء وصاح فيهم ( الدنيا حرة ). ( ابراهيم فوزى : 73 ) . وهكذا يمكن أن نخلص الى الآتى فيما يختص بتطور المرأة في المهدية : 1 – النظام الاقتصادي – الاجتماعي الذي نشأ بعد الثورة المهدية وما اكتنفه من حروبات وفوارق اجتماعية فرض على المرأة الخروج بشكل واسع في المدن بهدف العمل التجاري وانتاج المنتجات المنزلية من اجل السوق ، وهذا هو التطور الاجتماعي للمرأة في هذا الجانب .. 2 – هناك الكثير في تشريعات المهدى لم تأخذ في الاعتبار واقع المرأة في المجتمع السوداني يومئذ والتى كان لها دور كبير في النشاط الاقتصادي ، وخاصة في قطاع اغلبه تقليدي (معيشي ) فكانت المرأة تعمل بالزراعة وبناء المساكن والتجارة ( نساء البقارة ) ، اى أن خروج المرأة كانت تفرضه الضرورات الاقتصادية ، وبالتالي واجهت المهدية صعوبه في حجر النساء وحجابهن ، وأخيرا كان المهدى – ومن بعده الخليفه – مرنا حين سمح للنساء بالعمل التجاري في السوق .. 3 – ولكن هناك ايجابيات في تشريعات المهدى مثل منع الزواج بالاكراه واصراره على أن العلاقة بين الناس روحية وليست مادية ، فالرجل لايتزوج المرأة التى ترفض الزواج ، وأمر بطلاق امرأة تزوجت وهى مرغمة ، وكذلك تخفيض نفقات الزواج . ولكن كانت هناك تشريعات وضعيه سلبيه تجاه المرأة مثل : جلد المرأة التى تخرج للسوق وفي الطرقات "100" جلدة ، وجلد التى تقف كاشفة الرأس أو تتحدث بصوت عالى" 27" جلدة، وحرّم سلام النساء على الرجال، وقرر" 100" جلدة للسلام بالكتف، و"50" جلدة مع صيام شهرين للسلام بالعناق ، وحرّم حتى خروج بنت الخامسة على أن يقوم اهلها بسترها ، فان اهملوا يعاقبوا بالجلد ، هذا اضافة لعدم واقعية تلك التشريعات وخاصة في المجتمع السوداني يومئذ والتى كان للمرأة فيه دور اجتماعي كبير ، كما لاحظنا في مجتمعات الفونج والفور والحكم التركي .. بل حتى أن شيوخ الطرق الصوفية امثال محمد شريف كاموا يتعاملون مع هذا الواقع دون حساسية ، ويحدثنا ودضيف الله في طبقاته عن قبول كثير من شيوخ الصوفية مثل الهميم واسماعيل صاحب الربابه والشيخ حسن ودحسونه للغناء بالربابه والدلوكه . اما الشيخ حمد ود امريوم فقد كانت النساء موجودات في حلقاته الدراسية ، اى أن هؤلاء الشيوخ تعاملوا مع هذا الواقع الموضوعي. 4 – لعبت المرأة دورا بطوليا في الثورة المهدية ، في تثبيت المقاتلين والمحاربين ، وفي اتقانها فنون العمل السرى والاهتمام بالمعلومات ونقلها للقيادة في الوقت المناسب ، والتى كانت حاسمة ومهمة في كثير من معارك المهدية.
7 المرأة في فترة الحكم الثنائي ( 1898- 1956) في هذه الفترة حدثت تطورات اقتصادية واجتماعية ، وقامت مشاريع القطن وخزان سنار ومؤسسات التعليم المدني الحديث والسكك الحديدية وميناء بورتسودان . وكان لهذا الواقع الجديد اثره في ظهور حركات سياسية وفكرية جديدة ، ودعوات تحررية كثيرة ومن ضمنها كانت الدعوة لتعليم المرأة ولخروجها للعمل ، ولتلعب دورها في المجتمع وتحريرها من اسر العلاقات الاقطاعية والعبودية المختلفة. دار صراع بين المجددين الذين دعوا الي تعليمها ونهضتها ، لأن البلاد لا يمكن أن تنهض وتتقدم بدون تعليمها ، وبين القوي المحافظة التي قاومت ذلك الاتجاه، ودارت المناقشات علي صفحات مجلة النهضة السودانية ومجلة الفجر ، وقبلهما صحيفة الحضارة ، وقبل ذلك كان بابكر بدري قد بادر وفتح أول مدرسة لتعليم البنات في رفاعة عام 1907 ( بابكر بدري : تاريخ حياتي ، الجزء الثاني ، ص 63 وما بعدها). علي سبيل المثال : نجد في مجلة النهضة السودانية العدد (26) الصادر بتاريخ : 27 / 3/ 1932 م مقالا بعنوان " النهضة وتربية الفتاة " لعزيز الطالب ، كما نجد في العدد (25) من المجلة نفسها الصادر بتاريخ : 20 / 3/ 1932 م مقالات عن تعليم المرأة " لكشاجم" / كما نجد في العدد (20) من المجلة نفسها مقالا لوليم نسيم بعنوان " لولا تقدمها لما تمّ عمران". ودار نقاش مستفيض في الصحف والمجلات حول ذلك ، فنجد في مجلة النهضة العدد الثالث ص 16 مقالا لعرفات محمد عبد الله مشاركا الرأي حمدي الذي دعا في مقال سابق لتعليم المرأة في دعوته لتعليم المرأة كواجب مقدس ويقول : " كل اصلاح يتعرض لما جري بين الناس مجري العرف والعادة تقابله صعاب جمة ، بل ومقاومة عدائية في أول مرة ، لكن بالحكمة يستطيع الطبيب الماهر أن يخلص مدمن المخدرات من دائه العصي، والصخب والجدل وتسفيه آراء الأقدمين لا يطهر المجتمع من خرافاته وترهاته". ثم يستعرض الظروف التي احاطت بالمرأة وواقعها ويأخذ في اعتباره العادات والغيرة علي العرض والدين ، ويخلص الي أن الظروف المتغيرة تحتم تعليمها لتحقيق وظيفتها الاجتماعية ، وهي أن تكون زوجة صالحة وأما صالحة ، واعدادها لتكسب قوتها في أوقات الحاجة بالطرق الشريفة". ويلاحظ القارئ أن عرفات كان يعالج الموضوع بالحكمة والموعظة الحسنة ، ويسلك سبيلا واسلوبا مختلفا هادئا ومتزنا وموضوعيا راعي فيه عدم إثارة حفيظة المتمسكين بالتقاليد. كما دار النقاش حول الحجاب ، فنجد حمدي يكتب في العدد الرابع من النهضة تحت عنوان " الزواج في السودان ولماذا يجب أن يختار الزوجان بعضهما؟"، فيهاجم الحجاب المضروب علي المرأة ويطالب باعطاء المرأة والرجل حرية الاختيار ، ويعترض علي تدخل الأب ليفرض علي ابنه أن يتزوج فتاة معينة " والفتي والفتاة يجب أن يتركا أحرارا في اختيار بعضهما ، والا نشأت من مخالفة ذلك أمراض نفسية عصية علي العلاج وأمراض اجتماعية نريد أن نتحاشي ونحتاط لها". وهو يري أن الحجاب المضروب علي المرأة نفاقا لأن السفور يمارس في بيوت الأعراس ، وهو يري أن تتغير طريقة السفور هذه بطريقة أخري ، تمكن الراغب في الزواج من البحث وراء ضالته واختيار من تهواها عواطفه ويقرها عقله ، الشئ الذي يقتضي مدة أطول بطبيعة الحال ، مدة تسهل التجربة ويضمن اصدار حكم صادر من كل جانب علي الآخر". ويرد البعض معترضين علي ما كتبه حمدي ، وعلي سبيل المثال: يكتب أ. م . ع من الأبيض مشيدا بالنهضة وكتابها " ما عدا الأديب حمدي فقد شذّ عنهم ويؤكد في مقاله الأخير قد خرج فيه عن حدود الدين ، ولم يراع الشعور القومي ولا الغيرة الشرقية " ( للمزيد من التفاصيل ، راجع محجوب محمد صالح ، الصحافة السودانية في نصف قرن ، الجزء الأول ، ص 130 – 132). وعلي صفحات جريدة الحضارة برزت ايضا الدعوة الي تعليم المرأة ، وكان من ابرز الداعين لذلك الأمين علي مدني والشاعر الغنائي خليل فرح ، علي سبيل المثال : نشر خليل فرح في عدد جريد الحضارة الصادر بتاريخ 27 / يناير / 1921 قصيدة بعنوان " في تعليم المرأة " جاء فيها : ارشدونا ياولاة الأمر في أمرنا ذل جهول خامل واستعينوا العلم إن ارشدتم غافلا بالعلم يرضي العاقل. وانصفونا من حياة نصفها حائر والنصف جسم جاهل الي أن يقول : علموها إنها مدرسة لحياة وما اليها طائل ودعوها روضة في بيتها يحسن العلم عليها الوابل وتم فتح مدارس للبنات وعلي سبيل المثال: في عام 1931 بلغ عدد مدارس البنات 32 مدرسة ضمت 2095 طالبة ( محمد عمر بشير تطور التعليم في السودان ، ص 169). هذا اضافة للجهود الخاصة وجهود الجمعيات الارسالية التي ساعدت في تلبية النقص في تعليم البنات، فتم تاسيس مدرستين أوليتين خاصتين بأم درمان في عام 1924 ، ومدرستين في الدويم والقطينة نتيجة لتبرعات الأهالي. في عام 1927 قامت الارسالية الانجليزية بتأسيس مدرسة أولية لتعليم السودانيات بأم درمان ، كما أسست ايضا مدارس الاتحاد العليا لكي تكون مدرسة ثانوية علي نهج المدارس المسيحية الانجليزية لتعليم البنات. في عام 1930 اسست ارسالية الرومان الكاثوليك مدرستين إحداهما بعطبرة ولأخري ببورتسودان ( المدارس الارسالية تضمنت في مناهج تدريسها جوانب كانت ناقصة في التعليم الحكومي مثل: الاقتصاد ، التدبير المنزلي ، تربية الأطفال. الخ). كما تم انشاء مدارس الأحفاد 1931 م قسم التعليم الأوسط ، وتأسست أول مدرسة اوسطي للبنات في أم درمان عام 1940 ( محمد عمر بشير ، المرجع السابق). وفي عام 1949 أُنشئت مدرسة أم درمان الثانوية بنات ، وكان هناك قبلها مدرسة ثانوية خاصة ( قطاع خاص) هي مدرسة الاتحاد العليا ، وظلت مدرسة أم درمان الثانوية بنات تمثل المدرسة الحكومية الوحيدة في البلاد حتى العام 1956 م ، وكانت تستوعب (265) طالبة . أما في مجال التعليم العالي فكانت الفرص محدودة ، وفي رواية د. خالدة زاهر تذكر أنها كانت أول سودانية تدخل الثانوي عام 1940 ، مدرسة الاتحاد العليا الثانوية الوحيدة قبل انشاء مدرسة أم درمان الثانوية بنات عام 1949 ، وتشير الي أنها كانت أول سودانية تدخل الجامعة سنة 1946 ( مذكرات د. خالدة زاهر ، مجلة الشيوعي ، العدد 154). كما نشير للتعليم الأهلي والتعليم المصري الذي شمل البنات ، اضافة لميدان التعليم الفني الذي اقتحمته المرأة مثل : مدارس التمريض والدايات والزائرات الصحيات وكلية المعلمات ( حاجة كاشف : الحركة النسائية ، ص 21- 22). كما نشير الي تجربة بيوت الخياطة التي نشأت في مدن السودان المختلفة وتجارب المدارس المسائية التي فتحتها فروع الاتحاد النسائي في أقاليم السودان المختلفة. ومع ذلك فقد ظل تعليم المرأة محدودا ، وفي مطلع الاستقلال عام 1956 م ، كانت نسبة الأمية وسط النساء 96%. خروج المرأة للعمل كان التعليم المدني الحديث هو المدخل لخروجها الي العمل ( نقصد العمل بأجر في المؤسسات الحديثة ، لأن المرأة السودانية قبل ذلك كانت اصلا عاملة في الزراعة والرعي وصناعة الأدوات المنزلية وصناعة الغزل والنسيج . الخ ، كما اوضحنا في الحلقات السابقة). وكانت النافذة الأولي لخروج المرأة السودانية للعمل هي حقل التعليم والحقل الصحي ، ونظرا للتوسع في تعليم البنات كانت الحاجة ماسة لمدرسات سودانيات لتعليم البنات. وفي ابريل 1921 ، تمّ تأسيس كلية المعلمات التي بدأت بستة عشر طالبة في السنة الأولي ، وفي عام 1930 كان عدد الطالبات 61 معلمة ( محمد عمر بشير المرجع السابق ، ص 170). بالاضافة لعمل المرأة في حقل التعليم ، كان هناك عملها في الحقل الطبي حيث بلغ عدد الدايات المؤهلات عام 1946 (477) داية ، وعدد الممرضات 137 ممرضة. ) The Sudan Arecord of progress “ 1898- 1947” , Page 80 ). كانت المرأة العاملة في تلك السنوات الباكرة من عملها مضطهدة ، وكان مرتبها يساوي اربعة أخماس مرتب الرجل ، ولم يكن لها فرص متساوية مع الرجال في مجال التدريب خارج البلاد. وبعد ذلك اقتحمت المرأة العمل الديواني ، وتشير حاجة كاشف الي أن السيدة حياة رضوان كأول سيدة سودانية تشترك في العمل الديواني أو المكتبي في منتصف الأربعينيات حيث التحقت بمصلحة الاحصاء والتجارة (حاجة كاشف ، ص 89). كما اقتحمت المرأة ميدان العمل الصحفي حيث اصدرت الآنسة تكوي سركسيان عام 1947 م وهي سودانية من أصل أرمني مجلة (بنت الوادي ) ، واصدرت فاطمة أحمد إبراهيم عام 1955 مجلة " صوت المرأة " ، واصدرت حاجة كاشف مجلة "القافلة" عام 1956. اصدرت سعاد الفاتح مجلة " المنار" عام 1956. ( المرجع السابق ، ص 92- 93). وكانت من أول العاملات في الاذاعة السودانية فاطمة طالب وسعاد عبد الرحمن ، وكانت محاسن عثمان أول إمرأة مذيعة عام 1947م ( حاجة كاشف، ص 94).
التنظيمات النسائية ( 1898- 1956) نتيجة لتعليم المراة وخروجها للعمل وبروز الأحزاب السياسية والنقابات بعد الحرب العالمية الثانية ، واشتداد عود الحركة الوطنية ، بدأت تظهر التنظيمات الحديثة للنساء. وفي رواية خالدة زاهر يرد أنه في اواخر عام 1946م تكونت رابطة الفتيات الثقافية ضمت فاطمة طالب وبنات الفاتح الثلاث وزكية مكي وعزيزة مكي من بيت المال وبنات الأمراء وبنات داؤود الخليفة وبنات عماتهم وفريدة زاهر وبنات من الهاشماب. وتحددت عضوية الجمعية بالتعليم ، وتمّ عمل مدرسة نسائية ( تعليم نسائي أهلي) ، وكان يدرس في المدارس المسائية ( عربي ، حساب ، تدبير منزلي) ، وكان ذلك بدار الرابطة التي تمّ تأجيرها ب (12) جنيها شهريا في حي برمبل وراء الارسالية. العمل في الجمعية كان تطوعيا ما عدا معلمات الخياطة عزيزة رجب وحليمة رجب كن يأخذن (3) جنية ، وكنا نجمع (10) قروش من كل بنت في الشهر. وفي عام 1948 حدث انقسام في الجمعية وخرج منها بنات المهدي وكونت المنقسمات جمعية نهضة المرأة السودانية التي كانت رئيستها رحمة والدة الصادق المهدي. ويرجع سبب الانقسام في الجمعية في عام 1948 بعد تأسيس الجمعية التشريعية ، كان رأي بعض العناصر في قيادة الجمعية أن تقوم الجمعية بالمشاركة في المظاهرات ومقاومة الجمعية التشريعية ، ووجد هذا الاتجاه معارضة العناصر الأخري بحجة ابعاد الجمعية عن العمل السياسي أو لأنها مرتبطة بالدوائر السياسية المؤيدة للسياسة البريطانية في السودان ، واضطرت هذه المجموعة بحكم أقليتها للانسحاب من الجمعية وتكوين جمعية المرأة السودانية ، بالطبع كان لهذا الانقسام تأثيره في اضعاف الحركة النسائية الناشئة وقتها ، ولذلك لم يستطع أي من التنظيمين القيام بنشاط ملموس في الفترة ( 1949- 1952م). وفي سنة 1950 انتهي نشاط الرابطة ، وكانت رئيسة التنظيم فاطمة طالب وسكرتيرته خالدة زاهر( مذكرات خالدة زاهر، المرجع السابق ، انظر ايضا فاطمة أحمد إبراهيم ، طريقنا للتحرر ، فبراير 1962م). وفي عام 1948 كونت المعلمات اتحادا ثقافيا خاصا ، وحاولت جمعية نهضة المرأة التابعة لحزب الأمة ضم هذا الاتحاد اليها ، لكن المعلمات رفضن وتحول هذا الاتحاد الي نقابة للمعلمات منفصلة عن المعلمين ، وكان قد تكون من عدد من مدرسات المدارس الأولية حين تقدمن للسلطات الإدارية للتصديق لهن بتكوين اتحاد ثقافي حيث تحولت الي نقابة عام 1949 برئاسة نفيسة المليك ، وضمن ما طالبت به النقابة تعديل الكادر الوظيفي والمعاشي ومساواة المدرسات بالمدرسين وتحسين شروط الخدمة ( فاطمة أحمد إبراهيم ، طريقنا الي التحرر وحديث مسجل لها في : د. زكي البحيري : التطور الاقتصادي والاجتماعي في السودان ، القاهرة ، 1987). أما جمعية المرشدات التي وجدت في السودان منذ 1928 م فقد اقتصرت علي الأجنبيات ، ولم يسمح بدخول السودانيات فيها أو في جمعية الهلال الأحمر ، الا مؤخرا في عام 1948م . وفي الأبيض تكونت الجمعية الخيرية برئاسة نفيسة كامل وقيادة كبار الموظفات ونساء الموظفين والتجار في الأبيض ، وكانت الجمعية تهدف الي رفع مستوي المرأة اجتماعيا وثقافيا. وفي عام 1951 قامت طالبات السنة النهائية بمدرسة أمدرمان الثانوية للبنات (كانت أول دفعة تصل السنة النهائية في مدرسة حكومية، وكانت الدفعة تتكون من عشر طالبات هن : عزيزة مكي ، فاطمة أحمد إبراهيم ، سعاد الفاتح ، حاجة كاشف ، سلمي سليمان ، ثريا امبابي، رقية سراج ، فاطمة عبد الرحيم ، سكينة عبد القادر ، سكينة زروق ( حاجة كاشف ، المرجع السابق ، ص 108). قامت بتقديم مذكرة تنتقد فيها تعسف الناظرة وتطالب بتوفير الكتب والأدوات والمعلمات ، وكان قرار الناظرة البريطانية (مس كلارك) فصل جميع الطالبات اللائي تقدمن بالمذكرة ، وكان رد فعل الطالبات الاعتصام بالداخلية والاضراب عن الدراسة كتعبير عن عن احتجاجهن علي تعسف الناظرة وطرد طالبات الفصل النهائي وحرمانهن من الجلوس لامتحان الشهادة ، وفشلت ثورة الناظرة وتهديدها ووعيدها ، كما فشلت وساطة المعلمين عن اثتائهن عن الاضراب واستمر الاضراب رغم تهديد وزارة المعارف بتعطيل الدراسة وقفل أبواب المدرسة لأجل غير مسمي. تقول فاطمة أحمد إبراهيم التي كانت إحدي الطالبات المفصولات "هذا ولما كان الاضراب يمثل أول معركة مباشرة تدخلها الطالبات السودانيات ضد الإدارة البريطانية من أجل حقها في التعليم ، فقد كان بحق حدثا تاريخيا عظيما توجه انتصار الطالبات بعودة المفصولات وتدمير قرار الناظرة والمسؤولين في مصلحة المعارف ( فاطمة أحمد إبراهيم ، حصادنا ، ص 7- 47). في يوم 31 / يناير / 1952 م تاسست لجنة تمهيدية للاتحاد النسائي ، وفي أبريل من العام نفسه تكونت أول لجنة تنفيذية للاتحاد النسائي من الاتية اسماءهن : د. خالدة زاهر- طبيبة، فاطمة طالب – معلمة، نفيسة أحمد الأمين – معلمة ، سعاد الفاتح – طالبة بالجامعة ، بتول أدهم – ممرضة ، ثريا امبابي – معلمة ، سعاد عبد الرحمن – معلمة ، حاجة كاشف – طالبة بالجامعة ، عزيزة مكي – معلمة ، خادم الله عثمان – ممرضة ، فاطمة عبد الرحمن – معلمة ، محاسن عبد العال – معلمة ، فاطمة أحمد إبراهيم - معلمة "( فاطمة أحمد إبراهيم ، المرجع السابق، ص 35). وفي أول برنامج للاتحاد النسائي احتلت حقوق المرأة في التعليم والتثقيف ومحاربة الخرافة والعادات الضارة مركز الصدارة. ونشير هنا الي أن الاتحاد النسائي استفاد من تجربتة في رابطة المرأة السودانية ، ففتح عضويته لكل النساء السودانيات وبهذا وفر امكانية تحوله الي منظمة جماهيرية. وبعد اتفاقية 1953 اضاف الاتحاد النسائي الي أهدافه المطالبة بالحقوق السياسية ، تقول فاطمة أحمد إبراهيم " عندما طرحت لجنة الاتحاد التنفيذية مسألة إثارة قضايا المرأة السياسية والمطالبة بحقوقها في الانتخاب والترشيح ، حدث خلاف حاد داخل اللجنة ،ووقفت عضوتان هما سعاد الفاتح وثريا امبابي تعارضان بشدة بحجة أن عمل المرأة بالسياسة معارض للدين والتقاليد ، وعندما حسم الأمر عن طريق التصويت ضد رايهما ، استقالتا من عضوية الاتحاد واعلنتا انضمامهما لجمعية نهضة المرأة التابعة لحزب الأمة" ( فاطمة أحمد إبراهيم ، المرجع السابق ، ص 44). واجه الاتحاد النسائي معارضة من القوي المعادية مثل: حملات الأستاذ شوقي الأسد والشيخ حسن طنون أمام جامع الخرطوم والشيخ الفيشاوي ، ثم السيد أمين بابكر والعم (الرجعي- اسم مستعار لأحد الكتاب السودانيين، وكان يكتب بهذا الاسم المستعار في معارضة الحركة النسائية وتحرر المرأة). هذا غير معارضة آل بيت المهدي ومعارضة الإخوان المسلمين بقيادة بابكر كرار وميرغني النصري للحد الذي جعلهم يقفون وهم يحملون العصي الغليظة لمنع النساء من دخول حفل كان قد نظمه الاتحاد النسائي ( أقام الاتحاد ليلة ساهرة عالمية اشتركت فيها الجاليات الأجنبية بالخرطوم في اليوم الأول من ديسمبر 1954 ، مما اضطر أعضاء الاتحاد للجوء الي المؤيدين لحراستهن. كما ساندت نقابات العمال والطلاب والمزارعين والمعلمين والأدباء والفنانين وقطاعات واسعة من المتعلمين الاتحاد وبعض أساتذة الجامعة مثل: الدكتور النويهي ود. عبد المجيد عابدين والدكتور معوض استاذ الشريعة الإسلامية بالكلية الجامعية ( حاجة كاشف ، ص 111- 112). وفي دورة 54/ 1955 بدأ صراع داخل لجنة الاتحاد التنفيذية حول تنفيذ قرار لجنة الاتحاد في دورتها الأولي بتكوين فروع لها في الأحياء بكل مدينة حتى يتمكن الاتحاد من الوصول الي النساء في بيوتهن بدلا من انتظارهن في مركزه، وكان من وجهة نظر فاطمة احمد غبراهيم وزميلاتها أن التنظيم المركزي لا يلائم ظروف المرأة السودانية ، بالتالي لا يساعد علي توسيع الاتحاد النسائي وتحويله الي تنظيم جماهيري ، وفي الوقت نفسه لا يفتح الفرص أمام كوادر جديدة للقيادة والعمل وسط جماهير النساء. لكن الأغلبية من أعضاء اللجنة التنفيذية بقيادة السيدة حاجة كاشف كانت تعارض ذلك ، علي أنه سيؤدي الي تعدد مراكز القيادة واضعاف نفوذ اللجنة التنفيذية وفتح نوافذ للاعداء للتسرب وضربه من الداخل ، واحتدم الصراع الداخلي . وفي انتخابات 56/ 1957 م نزلت قائمتان للمرشحات لعضوية اللجنة التنفيذية لأول مرة في تاريخ الاتحاد ، وفازت قائمة الاتجاه القائل ببناء فروع للاتحاد ( فاطمة أحمد ، حصادنا ، ص 46- 47). وتمّ تعديل الدستور وتجديد البرنامج وحدد الدستور أهداف الاتحاد النسائي في الآتي: - رفع مستوي المرأة السودانية. – انعاش الوعي القومي. - الاشتراك في الأعمال الخيرية - الدفاع عن حقوق المرأة السودانية – الاهتمام بالطفل السوداني . ( المرجع السابق، ص 47). ركز الاتحاد علي مطالبه السياسية عام 1954م حيث قدم مذكرة لمجلس الوزراء خلال الحكومة الانتقالية وتابعتها العضوات بحملات ونشرات اظهارا لحقوق المرأة ، وتبع ذلك نضال واسع حيث استجابت لجنة الانتخابات لهن ، وبذلك حصلت النساء علي حق التصويت في البرلمان ، وشاركت في الانتخابات خريجات الثانوي والجامعة والمعاهد وتركزت المشاركة في العاصمة فقط ، وفي عام 1954 طالب الاتحاد النسائي قاضي القضاة ورئيس المحاكم الشرعية باصدار منشور يعتبر بموجبه عقد الزواج باطلا اذا لم يؤخذ رأي الفتاة فيمن تتزوج نظرا لانتشار ظاهرة انتحار الفتيات لتزويجهن من رجال في سن ايائهن ودون رغبتهن وصدر رأي الاتحاد هذا في منشور عام. وفي عام 1955 صدرت مجلة "صوت المرأة" والتي كان الغرض من صدورها : أ – خلق وحدة فكرية من جماهير النساء حول حقوقهن. ب – شرح قضية المرأة لفئات المجتمع الأخري وايضاح أن قضيتها ليست ضد الرجل وحقوقه ، بل أن قضيتها من قضية المجتمع الواجب تعاون الرجل والمرأة في حلها، وكانت رئيسة تحريرها فاطمة أحمد إبراهيم. وفي عام 1956 اصدرت جماعة الأخوات المسلمات مجلة " المنار" التي كانت تعبيرا عن الرأي المحافظ وداعية الي بقاء المرأة بالمنزل ولأن هذا واجبها الأول ، ولكن المجلة لم تستمر طويلا رغم امكانياتها لتناقضها مع مستوي التطور الذي بدأت تلجه المرأة في ميادين التعليم والعمل. وكانت مجلة "صوت المرأة" تُطبع منها حوالي" 300 " نسخة ( تيم نبلوك ، صراع السلطة الثروة ، ص 143). وكانت المجلة ( صوت المرأة) تركز علي محاربة العادات والتقاليد التي تشل حركة المجتمع وتعرقل مشاركتها في المجتمع مثل: عادة الخفاض الفرعوني ، المشاط ، لبس ملابس الحداد ، وغلاء المهور وغير ذلك. وفي النشاط السياسي الجماهيري شاركت عناصر الاتحاد النسائي في المظاهرات التي نظمها اتحاد العمال عام 1953 م ضد قانون النشاط الهدام ومصادر الحقوق والحريات الديمقراطية ، ونتيجة لهذا النشاط كونت نساء حزب الأمة والأخوات المسلمات تنظيما نسائيا آخر مناوئ للاتحاد النسائي ، ولكن الاتحاد النسائي ظل هو التنظيم المؤثر وفشلت التنظيمات النسائية المنافسة له وذلك حتى العام 1956. ومن نشاط الاتحاد النسائي نشير الي دوره في إنشاء عدد من المدارس الأولية للبنات ومدرسة أوسطي في الخرطوم جنوب. وفي عام 1956م انتشرت فروع الاتحاد النسائي في مختلف المدن الشمالية ، وواصلت نشاطها في المجالات المختلفة.
عادات وتقاليد المرأة السودانية ( 1898- 1956) كما اشرنا سابقا الي أن 96% من النساء كن أميات حتى العام 1956 ، كما أن حوالي 90% من سكان السودان كانوا يعيشون في القطاع التقليدي ، بالتالي ظلت العادات والتقاليد السابقة مستمرة مثل : عادة الخفاض الفرعوني التي عرفتها ممالك السودان السابقة. وحول زي المرأة ، فقد كانت الفتيات في البادية يلبسن الرحط ( الرهط)، أما المتزوجات فقد كن يلبسن القرقاب والفركة، ويتم قطع الرحط ( الرهط) في ليلة العرس وفق تقاليد وطقوس خاصة. وفي المدن ظهرت الأزياء الأوربية التي كانت تلبسها نساء الجاليات الأجنبية ( مصريات، اوربيات ، شوام ، أرمن . الخ)، وكذلك نساء الطبقات العليا من السودانيين. أما نساء الطبقات الفقيرة في المدن فقد كن يلبسن ثوب الزراق وينتعلن المركوب ، ونساء الطبقات العليا كن يرتدين الثياب البيضاء وثياب الحرير وغير الحرير مختلفة الألوان ذات الأقمشة المستوردة من انجلترا ومصر، والثوب يغطي جميع أجزاء المرأة ما عدا وجهها ويديها. وفي تلك السنوات الباكرة من الحكم الثنائي ، كان خروج النساء في المدن قليلا الا في الحفلات ، وكذلك استمر الحجاب الذي قررته تشريعات المهدية. أما في جنوب السودان، فالبنات عاريات والنساء كذلك الا من غطاء محدود علي الجزء الأمامي من الجسم ، وفي أواخر الحكم الثنائي بدأ النساء والرجال في ارتداء الملابس في بعض مناطق جنوب السودان، وكذلك استمرت العادات الأخري التي ذكرناها في التشكيلات الاجتماعية السابقة مثل : الدلكة والمشاط والشلوخ ( وإن كانت بدأت تقل بعد أن اصبح الوجه السادة مقياس الجمال) والتي ترجع الي عادات نوبية قديمة. وكذلك عادة التدخين بالطلح وهي ايضا عادة قديمة استخدمتها المرأة في ممالك النوبة القديمة في شمال السودان. وكذلك عادة الزآر الذي مازال اصله موضع جدل ، وأنه اثيوبي، وأن كلمة "زآر" أمهرية وتحريف لاسم جار أحد الآلهة في الديانة الأجاوية القديمة، رغم ذلك فقد عرف الزآر في السودان ايضا " بالبوري" وهو الاسم الذي عرفت به في ممارسات مشابهة في نيجريا ( أحمد الصافي : مدخل لدراسة الطب التقليدي في السودان ، مجلة الدراسات السودانية ، العدد الثاني ، المجلد السادس ، ديسمبر 1982 ، ص 34). ومصدر عادة الزآر أن المرأة كانت تلجأ اليها كحيلة تحقق بها رغباتها التي تعجز عن تحقيقها في مجتمع لم يعترف بشخصيتها ووجودها ، فقد كانت تطلب من زوجها في لحظة الزآر ما تتمناه حيث يقوم باحضاره علي الفور ، وتعبر فيه المرأة عن رغباتها المكبوتة ، وكان الزآر في تصور المجتمع السوداني والمرأة يساعد في علاج الناس من الأمراض. وكذلك استمرت عادة وضع الحناء علي كفوف اليدين والقدمين وهي عادة كانت معروفة لدي القبائل العربية. وكانت زينة المرأة كتلك التي وصفها حسن نجيلة في مؤلفه" ملامح من المجتمع السوداني، الجزء الثاني ، 1991 م ، ص 58- 59 " تتكون من الشريفي (دوائر من الذهب ينظمها خيط من الحرير الأحمر) والجدلة والزمام والتيلة والسبحة والسوران من سن الفيل (العاج) وحجل الفضة أو اللون الأحمر وغير ذلك". ويصف علي المك حفلات الأعراس في تلك الفترة علي النحو التالي: " كانت الأعراس تستمر نحوا من اسبوعين تسبقها ( القيدومة ) ،وتكون اللعبات في الأحواش الفسيحة ،والمقاعد وقتها كانت قليلة وأكثر الحاضرين يجلسون علي العناقريب، وللمغني وجوقته عنقريب خاص ، وكان جلوس النساء السباتة ولاينظرون ناحية الرجال الا اختلاس نظر امعانا في الحياء وربما في تعذيب أخيلة الشعراء . وكانت بيوت الأعراس مجال الاختلاط الوحيد ، وفيها أمل الفتيات بلقاء زوج المستقبل، ومكان تحقيق الأحلام الحلوة ببنت الحلال ( علي المك : مقدمة لديوان الخليل ، ص 16). ونشير هنا الي ظاهرة جديدة في تطور المرأة السودانية ، وهي قيام أول صالون أدبي في دار "فوز -مبروكة" ، وفي ذلك الصالون كان يجتمع الأدباء والشعراء وثوار 1924 ومثقفي العصر – في حلقات للمناقشة والنقد وابداء الرأي في الشعر ، وتلك المجالس علي حد تعبير علي المك يمكن أن نسميها ندوات فكرية سياسية ( علي المك ، ص 15)، وكان من ابرز رواد ذلك الصالون : خليل فرح ، مكاوي يعقوب، توفيق صالح جبريل، عبيد حاج الأمين وغيرهم . وقد وصف حسن نجيلة في كتابه " ملامح من المجتمع السوداني"- الجزء الأول – ذلك الصالون بتفصيل ، ويمكن للقارئ أن يرجع له. من الظواهر التي ناقشتها صحف تلك الفترة غلاء المهور الذي أدي الي عزوف الكثير من الشباب عن الزواج ، عقد كبار القبائل والعمد ومشايخ الدين اجتماعات ناقشوا فيها مسألة المهور وطالبوا بتخفيضها ، لأن هناك بوار للبنات لعدم اقدام الشباب علي الزواج لأنه مرهق في تكاليفه ومهره، ولقد دعا عبد الرحمن المهدي وأخرون الا تزيد المهور عن مبالغ رمزية لا تتجاوز (25) قرشا وحد أقصي مقدار ثلاثة جنيهات ( د. زكي البحيري، ص 401). وكذلك نادي جمع من سكان شندي بالا يزيد مقدار المهر عن عشرة جنيهات مصرية ، ولقد تكونت لجنة مهمتها تسهيل الزواج (صوت السودان ، 22 /4/ 1947). غير أن الآمال التي رغب فيها المصلحون لم تتحقق في الواقع العملي الا لفترة محدودة ، فالمشكلة لم تكن مشكلة المهور فقط ، بل كانت مشكلة ارتفاع تكاليف المعيشة التي ارتفع خلال سنوات الحرب العالمية الثانية وبروز أنماط استهلاكية جديدة متعلفة بالزواج والأثاثات ذات التكاليف العالية. وأدت ظروف الفقر وارتفاع تكاليف المهور والزواج الي انتشار أحياء الدعارة في المدن والتي كانت تدار علنا في أحياء خاصة في المدن ، وقد كانت بعلم الحكومة التي كانت قد خصصت في الخرطوم والخرطوم بحري وامدرمان وغيرها من المدن مكانا للعاهرات ، وارتبط بالأمر نفسه توفر الملاهي الليلية في الخرطوم التي كانت تعرض الفتيات من مختلف الجنسيات من: فيينا ، اليونان، ايطاليا، فنلندا، والبرتغال ( الرقيق الأبيض). وأكدت بعض النساء من السودانيات أن الذي دفعهن الي احتراف البغاء هو الفقر والحاجة وعدم وجود العائل وعدم توفر وسيلة للكسب الحلال ( صحيفة التيل :22/ 4/ 1942، صوت السودان : 7 / 2/ 1935). من العادات الضارة ايضا كان طول مدة الفرح والحزن ، فقد كانت حفلات الزواج تمتد الي اربعين يوما يتم فيه الانفاق باسراف. هذا اضافة لزواج الأغنياء باربع حسب الشريعة ، وفي الجنوب نجد تعدد الزوجات عند الدينكا ، والمهور تدفع بالأبقار التي تعتبر مقياس الثروة والوجاهة الاجتماعية، والشلك لا يتزوجون من الأقارب، وتقبل الفتاة الفتي بعد أن تنسجم معه في الرقص ، واذا تزوج الرجل إمرأة ولم تنجب له اطفالا استرد مهره ، واذا مات الرجل تزوج زوجته أحد إخوانه دون مراسم زواج. والزواج عند الجنوبيين يتم حسب الأعراف المحلية. وعند الطوائف الأخري يتم الزواج وفقا لقانون الزواج لغير المسلمين. وفي وسط السودان كان جمال النساء الدهن و " المشاط" بضم الميم أي ضفر الرأس ضفيرات دقيقات والسرشة وهي جعل أخر كل ضفيرة كالمروحة وتثبيته بالودك ودريرة الصندل ومدقوق المحلب وبالمعزة والمحلب المدقوق ، والنفساء لا بد في رشتها من الصندل والمحلب ، وكان الصندل والمحلب من الشياء العزيزة يجلبان من الهند ( د. عبد الله الطيب : من حقيبة الذكريات ، 1983 م، ص 80- 81). وفي شمال السودان عرفت المرأة طقوس الولادة والختان والزواج ، ففي طقوس الولادة واجراءاتها الطقوسية منذ بداية الشهر السابع حيث تتم اجراءات حماية المرأة من المشاهرة ، وتتم زيارة النيل وتعميد الوليد ورسم الصليب علي جبهته عند الولادة ( وهذا من بقايا عادات النوبة المسيحية)، ويقرع له المرواد بأحد الأواني النحاسية ليخرج صوتا اشبه بالجرس عند الصباح والمساء. وفي ختان البنات والأولاد تجري لهم طقوس الجرتق ، وتشتمل طقوس الزواج علي زيارة العريس والعروس لقبور الأولياء وعلي السيرة لزيارة النهر، وعلي طقوس الجرتق للعريس والعروس، واجراءات درء المشاهرة الي آخر تلك الممارسات المعروفة في شمال السودان. وفي الموت كانت الممارسات الي وقت قريب أن يقام المآتم علي الميت أربعين يوما كاملة ، وتضرب النساء علي النحاس والدنقر (القرع) ويتم نوع من الرقص اشبه بالرقص الجنائزي يسمي (الرديح) حيث تجتمع النساء في أيام معلومة للقيام بالرديح علي الميت. وتتفاوت أوضاع المرأة في شمال السودان ، فعند الرباطاب علي سبيل المثال: هناك مسحة قوية من النظام الأمومي في المنطقة ، ونلاحظ ذلك جليا في طقوس الزواج حيث نجد وضعا وأهمية خاصة لأخوال العريس (أحمد المعتصم الشيخ، مرجع سابق، ص 39 – 40). وفي شرق السودان نجد قبائل البجا ومهر العروس عندهم ناقة وجمل أو أكثر كأساس لحياة زوجية والعروس غالبا ابنة عم العريس اختارها ابواه ، ويقدما لوالدها، وعند شيخ القبيلة يتم عقد قرانها بالعرف وقراءة الفاتحة والإعلان ( أخر ساعة، العدد ، 45 ، بتاريخ 3 / مارس / 1992). في فصول سابقة تحدثنا عن وضع المرأة في دارفور وجبال الانقسنا وجبال النوبا ، ولم يتغير الواقع كثيرا خلال فترة الحكم الثنائي ، بالتالي لا نريد أن نكرر هنا ما أوردناه في الحلقات السابقة. وفي المدن مثل العاصمة المثلثة حدث تطور في زي المرأة في الثلاثنيات من القرن الماضي ، كما ورد في مجلة الفجر العدد (3) مجلد (1) الصادر بتاريخ : أول يوليو 1934 بعنوان "ليلة الميلاد"، فقد أشار كاتب المقال الي الظواهر الجديدة في زي المرأة واختلاطها بالرجال في ليلة الثاني عشر من المولد ، وهو تاريخ مولد النبي (ص) العظيم ، يقدم لنا محرر الفجر تحول زي المرأة الذي كان يتمثل في الثوب الخشن والتي كانت تلوذ بجنبات المحافل عن بعد واستحياء. أما الزي الجديد فهو الثوب الشفاف الذي يظهر ما بطن وجافي القدمين وداعب الركبين ولاذ بالروادف والثدي والحصور، كأنه فستان من آخر المودات الباريسية بألوان مختلفة والنعال ابدت الحناء وغير الجناء وبرزت الأكف والسواعد تعرض خواتمها واساورها وحناءها الحزام والاقراط ويبدو ما زان الرأس والجبين ، هذا اضافة للوجوه اللامعة المترعة بماء الشباب دون ماء الحياء. هذا اضافة لاختلاط الرجال بالنساء في تلك الليلة التي انتقدها محرر الفجر. وهذه صورة أو لوحة رائعة عكسها لنا محرر الفجر ، توضح التحول في وضع المرأة في النصف الأول من الثلاثنيات من القرن الماضي. وفي هذه اللمحة التي نسطرها عن تطور المرأة السودانية في تلك الفترة، لا بد أن نشير الي اقتحام المرأة السودانية لميدان الغناء الحديث ، ودخول المرأة – رغم قوة التقاليد – لحلبة الفن. بدأ ذلك عندما جاءت عائشة موسي ( عائشة الفلاتية) لتغني بالاذاعة التي تأسست عام 1940 ، وقدمت عائشة الفلاتية تضحيات كبيرة في سبيل ذلك ، ثم بعد عائشة الفلاتية جاءت كما هو معلوم أم الحسن الشايقية ( من قبيلة الشايقية) ومهلة العبادية ( من قبيلة العبابدة)، وفاطمة خميس ، وفاطمة الحاج والرحمة مكي ومني الخير والثنائي الكردفاني. وبعد الاستقلال كما هو معلوم ظهرت اصوات نسائية جديدة مثل: ثلاثي البلابل ، وثنائي النغم ، وثنائي السمر ودوانا عبد القادر غيرهن. وهكذا اقتحمت المرأة السودانية مجال الفن الحديث ، وكذلك نشير الي جداية موسي التي كانت أول عازفة علي آلة العود مع شقيقتها عائشة الفلاتية. هذا اضافة الي المجموعة التي كانت تعمل بالاذاعة لتلعب دور (الكورس) ضمن الغرفة الموسيقية في الأربعينيات والخمسيتيات ( جمعة جاير ، الموسيقي السودانية ، ص 114- 115 ). هكذا نكون قد تابعنا تطور المرأة السودانية خلال تلك الفترة في القطاعين الحديث والتقليدي، وتابعنا الملامح العامة لتطورها في ميادين التعليم المدني الحديث وخروجها للعمل مساهمتها في النشاط السياسي والتنظيم النسائي والنقابي ، وكذلك التطور الاجتماعي للمراة ومبادرتها في عمل الصالون الأدبي واقتحامها مجال الأغنية السودانية والفن السوداني والتضحيات الكبيرة من الرائدات الأوائل في هذا المجال وكسرهن لقيود والتقاليد والعادات . وفي اعتقادي أن كل تلك الحلقات مترابطة ومتكاملة من زاوية النظر الشامل لتطور المرأة السياسي والاجتماعي والثقافي.
8 بعد الاستقلال بعد الاستقلال في العام 1956 ، ودون تكرار للسرد المعروف لتطور المرأة السودانية ، كان ابرز المحطات في مسيرة المرأة السودانية كما هو معلوم ثورة أكتوبر 1964م والدور الذي لعبته المرأة في مقاومة الديكتاتورية الأولي ، واشتراك المرأة في ثورة أكتوبر ، فخرجت العاملات والطالبات والمدرسات والممرضات وربات البيوت في المظاهرات ، وسقطت السيدة بخيتة الحفيان من أمدرمان صريعة الرصاص الغادر وجُرحت الكثيرات في المواكب والمظاهرات. وبعد ثورة أكتوبر 1964 انتزعت المرأة السودانية حق الانتخاب الذي قررته أول وزارة بعد الثورة وفازت الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم كأول إمرأة سودانية تدخل البرلمان في دوائر الخريجين ، وكانت تلك خطوة كبيرة في تطور المرأة السودانية. في عام 1965 تم تشكيل لجنتين لمراجعة أجور ومرتبات العمال والموظفين ، ما يهمنا هنا أن تلك اللجنة أوصت بتطبيق مبدأ الأجر المتساوي للعمل المتساوي للرجل والمرأة علي حد سواء. وجدير بالذكر أن المرأة قبل ذلك كانت تنال اربعة أخماس مرتب الرجل ، الا أن هذا المبدأ لم يتم تطبيقه الا في مجالات بعينها التدريس والطب والتمريض ، ولم يتم مساواة أجور النساء والرجال في جميع الوظائف الا في عام 1972م. وهكذا تقدمت المرأة خطوات بعد ثورة أكتوبر في انتزاع حقوقها السياسية والنقابية. - كما كان من المحطات البارزة في تطور المرأة السودانية بعد الاستقلال اشتراك المرأة في القوات النظامية والسلك القضائي والدبلوماسي واشتراكها في مجالس إدارات المؤسسات والبنوك. كما قامت أول جامعة أهلية للبنات ( الأحفاد) عام 1966م ، واُنشئت كلية البنات بجامعة أم درمان الإسلامية 1968م ، اضافة للجامعات مؤسسات العليم الأهلي الأخري. كما ارتفعت نسبة الطالبات في الجامعات حتى بلغت 48% في عام 2000 ، وفي بعض الكليات مثل : الطب والهندسة جامعة الخرطوم تجاوزت النسبة 65%، كما زادت نسبة النساء اللائي يحملن المؤهلات الدراسية العليا. - ارتفعت وتائر مساهمة المرأة السودانية في النشاط السياسي والثقافي والفني والمسرحي والأدبي والرياضي. - كما قاومت المرأة السودانية وتنظيماتها الديمقراطية الأنظمة الشمولية ( مايو والانقاذ) وتمسكت بتنظيماتها الأهلية والديمقراطية في مواجهة تنظيمات السلطة التي فشلت في جذب المرأة السودانية ، كما ساهمت المرأة بنشاط في انتفاضة مارس- أبريل 1985 ، كما تعرضت للاعتقال والفصل والتشريد والتعذيب. - كما شهدت هذه الفترة اهتماما عالميا بقضايا المرأة عبرت عنه مواثيق منظمة العمل العالمية والأمم المتحدة نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر: - اتفاقية مكافحة التمييز في مجال التعليم (1958م)، وقبل ذلك كانت اتفاقية الأجر المتساوي للعمل المتساوي (1951م)، واتفاقية الحقوق السياسية للمرأة (1952م). - إعلان القضاء علي التمييز ضد المرأة (1967م). - اتفاقية القضاء علي جميع أشكال التمييز ضد المرأة (1979) ).CEDAW (سيداو - - الإعلان العالمي بشأن القضاء علي العنف ضد المرأة (1993م). - وثيقة "برنامج العمل " التي اقرها المؤتمر الدولي للسكان والتنمية (1992م). - البيان الختامي لمؤتمر المرأة العالمي (بكين 1995م). - المتابعة والتنفيذ التام لإعلان بكين ومنهاج العمل (1997م). - إعلان حقوق الطفلة (1997م). - إعلان المرأة الريفية (1997م). - إعلان دور المرأة في التنمية (1997م). بروتوكول سيداو الاختياري (1999م). – منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي تنامي النفوذ السلفي وسط قطاعات كبيرة من الطالبات والمرأة، وبرزت اتجاهات لتجريد المرأة من مكتسباتها التاريخية التي انتزعتها بعد نضال طويل مثل ارجاع المرأة الي البيت والعودة الي عصر الحريم واقصائها من مواقع مستحقة لها في القضاء، كما تعرضت المرأة للقمع والجلد والقهر وخاصة النساء من الأقليات العرقية بعد قوانين سبتمبر 1983م ، ومحاكمة فاطمة أحمد إبراهيم في محاكم الطوارئ لمواقفها السياسية ضد النظام ، كما تم ابتداع تهمة الشروع في الزنا لقهر الرجال والنساء. - وبعد انقلاب 30 يونيو 1989م حدثت متغيرات كبيرة في تركيب المرأة السودانية نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر: - اتساع دائرة الفقر الذي شمل 90% من الشعب السوداني ، نتيجة لرفع الدولة يدها عن دعم السلع الساسية وخدمات التعليم والصحة ودعم الصناعة والزراعة وتشريد الالاف من اعمالهم وافقار الالاف من المزارعين والرعاة بعد ارهاقهم واقتلاعهم من اراضيهم بالضرائب الباهظة ، مما أدي الي تركهم مهن الزراعة والرعي والهجرة الي المدن أو الي خارج البلاد. - تصاعدت وتائر الحرب التي شملت الجنوب والشرق ودارفور ، مما أدي الي نزوح الاف النساء والأطفال من قراهم وفقدانهم لأسباب الحياة في مناطقهم الأساسية وهاجروا الي المدن أو للخارج ، وأصبحت اعداد غفيرة من النساء في معسكرات للنازحات أو يتسولن في المدن ، أو يمتهن مهنا هامشية. - حدثت متغيرات في تركيب القوي العاملة في المصانع و المصالح الحكومية واصبحت النساء أغلبية في بعض المهن ، وفي عهد الانقاذ عانت النساء من التجنيد الاجباري لابنائهن ، كما عانين من الاعتقال والقهر والجلد علي سبيل المثال : أصدرت محكمة وسط الخرطوم حكما بالغرامة أو الجلد علي 37 سيدة وفتاة شاركن في مسيرة صامتة من ميدان الأمم المتحدة لتقديم مذكرة احتجاج علي التجنيد الاجباري واستمرار الحرب في الجنوب ومصادرة الحريات ( راجع فاطمة بابكر محمود : المرأة الافريقية بين الارث والحداثة ، 2002م ، ص 293) - هاجرت أعداد كبيرة من النساء للعالم الخارجي طلبا للجؤ السياسي أو بحثا عن عمل أو دراسة عليا ، أي أن المرأة السودانية عرفت اللجؤ السياسي. - كما صدر قانون الأحوال الشخصية للعام 1991 م ، وقد طالب ميثاق المرأة السودانية الصادر في : 18 / 6 / 2000 م بتعديل هذا القانون بما يحقق المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات الأسرية ، وخاصة فيما يتعلق بحق المرأة في اختيار الزوج بنفسها اذا امتنع وليها عن تزويجها ، أو كان غائبا ، وكذلك حقها في التطليق من زوجها بالشروط التي تضمنها عقد الزواج، كما أشار الي أن الامتعة من حق المرأة وأطفالها ( راجع ايضا علي أحمد السيد المحامي : دراسة لبعض أوضاع المرأة في قانون الحوال الشخصية 1991م وتطبيقاته ، مايو 2002م). ورغم القهر والقمع واتجاه التيارات السلفية لتحجيم دور المرأة ، الا أن المرأة السودانية واصلت مسيرتها وتزايد خروجها للعمل بشكل غير مسبوق ، كما تزايد عدد الطالبات في الجامعات واقتحمت النساء ميادين العمل التجاري وإدارة الأعمال ، كما اقتحمت ميادين العمل العسكري سةاء في الدفاع الشعبي أو في الحركات المعارضة المسلحة ، واكتسبت تجارب كبيرة في هذا الميدان. كما أن ظروف الفقر والحرب والتشريد والهجرة دفعت بأعداد كبيرة من النساء للعمل وخاصة أن مرتبات الرجال لا تفي باحتياجات الأسرة الأساسية ، كما نالت المرأة الحق في الترشيح في انتخابات الدوائر الجغرافية منذ العهد المايوي ، بعد أن كان محصورا في دوائر الخريجين عام 1965م. واصبحت المرأة وزيرة ، وفي العهد المايوي تمّ تحديد 25% من المقاعد للمجالس الشعبية ومجلس الشعب للنساء ، ورغم أن تلك المجالس كانت في نظم شمولية ، الا أن ذلك كان مكسبا ومعلما بارزا في تطور المرأة السودانية. كما ساهمت الطالبات في الجامعات والمعاهد العليا والمدارس في النشاط الرياضي والفني والمسرحي رغم معارضة التيارات السلفية لذلك. كما ازداد عدد مراكز ومنظمات المجتمع المدني المهتمة بقضايا المرأة.
خاتمة: تابعنا في الحلقات السابقة الجذور التاريخية لتهميش المرأة السودانية ، وتابعنا خصوصية تطورها ، ولاحظنا أن المرأة السودانية كانت تتطور مع تطور المجتمع السوداني وشقت طريقها نحو التحرر والانعتاق رغم العقبات وثقل التكوينات الاقطاعية ومجتمعات الرق التي كانت تعترض تطورها ومسيرتها. كما عانت المرأة من كل اشكال الاضطهاد الطبقي والاثني والجنسي في التشكيلات الاجتماعية السابقة، كما عانت من استغلالها في البغاء وتحقيق التجار لارباح كبيرة من تلك التجارة ، كما عانت المرأة من ثقل العادات الثقافية الضارة بصحتها البدنية والنفسية مثل الخفاض الفرعوني. ورغم تلك العقبات واشكال الاضطهاد المختلفة ، الا أنه كان للمرأة دور بارز في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما كانت تتأثر بارتباط السودان بالنظام العالمي وارتباط السودان بالسوق الرأسمالي العالمي علي سبيل المثال: تجاوبت المرأة في فترة الحكم التركي مع العادات الجديدة التي دخلت مع تطور المجتمع التجاري ، وأثر ذلك في تقاليدها وزينتها بأشكال متفاوتة ، كما عرف السودان عصر الحريم الذي كان سائدا في الامبراطورية العثمانية. كما عانت المرأة من القهر والجلد والحجاب في فترة المهدية، ورغم ذلك شقت طريقها واقتحمت ميدان العمل التجاري ، وفي فترة الحكم البريطاني تجاوبت المرأة مع حركة تعليم المرأة والعمل الحديث بأجر واقتحمت ميدان العمل السياسي وأنشأت التنظيمات النسائية وانتزعت بعض الحقوق بعد الاستقلال مثل: حق الانتخاب والأجر المتساوي للعمل المتساوي، كما تبوأت المرأة مراكز قيادية في الخدمة المدنية ومجالس الإدارات واصبحت وزيرة واقتحمت ميادين السلك القضائي والدبلوماسي والقوات النظامية. علي أن الصراع الثقافي من أجل تحرير المرأة ما زال شاقا ، لأنه من الصعب تغيير تقاليد وثقل التكوينات الاجتماعية التي تكونت لالاف السنين بين يوم وليلة ، وكما يقول ماركس : "إن تقاليد كل الأجيال الميتة تجثم مثل كابوس علي دماغ الأحياء". علي سبيل المثال : لا بد من تنمية عادات ثقافية طويلة النفس نواجه بها عادات مثل : الخفاض الفرعوني والذي أكدت التجربة صعوبة ازالته بقرارات بين يوم وليلة. كما أن عملية تحرير النساء يقوم بها النساء انفسهن ، وعملية تحرير المجتمع كله بنساءه ورجاله من الاضطهاد الاقتصادي والاثني والثقافي والطبقي هو طريق شاق تشترك في تحقيقه المرأة والرجل ، كما أن حركة تحرير المرأة ليست ضد الرجل. علي أنه ما زالت هناك تحديات كثيرة ومطالب يجب تلبيتها لتحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل مثل: 1- تحويل الحقوق المنصوص عليها في دستور جمهورية السودان واتفاق نيفاشا للسلام(مايو 2004) والمواثيق الدولية والاقليمية الي واقع ملموس. 2- التصدي لمحاولات استغلال الدين لتكريس اضطهاد المرأة. 3- مشاركة المرأة في صنع القرار السياسي . - مناهضة التفرقة بين المرأة والرجل في التوظيف والترقي. - تقنين حق عطلة الولادة وساعات الرضاعة واجازات المومة المدفوعة الأجر. - العمل علي دفع المخدم لتشييد دور الحضانة ورياض الأطفال بالقرب من مواقع العمل لضمان مشاركة المرأة في التنمية الاقتصادية. - تحريم عمل الأطفال وتحديد سن دنيا للالتحاق بأي عمل من شأنه أن يعرض حياة الحدث للخطر. 5 – الحقوق السياسية: - أهمية تولي المرأة مواقع قيادية في الأحزاب السياسية علي قدر كفائها ومؤهلاتها وخبراتها. - مشاركة المرا’ في مجالات العمل النقابي علي كل المستويات. 6- الحقوق الثقافية مثل: - العمل علي محو الأمية والزامية التعليم للبنات والبنين. - مناهج تعليم لا تكرس اضطهاد المرأة. - نشر ثقافة السلام بين النساء. 7- الحقوق الثقافية مثل: - اهتمام الدولة برعاية الأمومة والطفولة. - إعادة مجانية العلاج بمستشفيات الدولة وتاهيل الأطباء والفنيين. 8- حقوق المرأة في الريف: - تمثل المرأة في الريف 80% من نساء السودان، لا بد من من الاهتمام بمحو الأمية والتعليم والطفولة. - حل مشاكل النازحات من المجاعات والحروب وتوفير الدايات والتوعية الصحية والثقافية. 9- في الأحوال الشخصية: ما زال هذا الجانب يحتاج الي اجتهادات دينية تطالب بالآتي: - المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في كافة الحقوق. - الحق المتساوي في الطلاق . - حق المراة في الارث والشهادة. - الاجتهاد حول القوامة وتعدد الزوجات. الخ. - اعتبار القيام بالأعباء الزوجية ورعاية الأطفال والأعمال المنزلية عملا إنتاجيا من الدرجة الأولي وادخالها ضمن الإنتاج القومي. 10- قضايا النازحات : الاهتمام بمشاكل النازحات بسبب الحروب والمجاعات وتوفير ظروف انسانية لهن ولأطفالهن واستيعابهن في أعمال منتجة.
الملاحق : 1- دور المرأة السودانية في ثورة ديسمبر 2018م بقلم : تاج السر عثمان تمر ذكري 8 مارس هذا العام والسودان تشهد ثورة ضد النظام الظلامي الاسلاموي الفاسد التي انفجرت يوم 13 ديسمبر 2018 ، وما زالت مستمرة حتى الآن ، لا شك أن المرأة لعبت دورا كبيرا في هذه الثورة باشتراكها في المظاهرات ويث الحماس وسط الثوار ، وكشف معلومات العدو للثوار، وايواء الثوار من بطش عناصر الأمن والارهابيين ،ونالت نصيبها من الاعتقال والتعذيب والاصابات بالرصاص الحي والتحرش بهدف ارهابها عن المشاركة في الثورة والضرب بالهراوات والغاز المسيل للدموع . الخ ، جاء ذلك امتدادا لارثها في الحركة الوطنية منذ الثورة المهدية وثورة 1924 و ثورة الاستقلال 1956 ، وثورة أكتوبر 1964 ، وانتفاضة مارس أبريل 1985. كان طبيعيا أن تلعب المرأة السودانية دورها في الثورة الحالية ، فقد عانت من كل اشكال الاضطهاد الطبقي والسياسي والاجتماعي والاثني واضطهادها كجنس ونوع، وقاومت قهر النظام الاسلاموي الفاشي الذي تعاظم بمتوالية هندسية حتي وصل الي التعذيب الوحشي للمعتقلات السياسيات والتحرش بهن والاغتصاب. والواقع أن المرأة السودانية واجهت ببسالة النظام الفاسد بعد انقلاب يونيو 1989م ، بمختلف الأشكال ورفضت العودة بها الي عصر الحريم وتعرضت للكثير من صنوف التنكيل والاضطهاد (الاعتقال ، التشريد، القمع، الاغتراب.الخ)،وكان دورها واضحا في المظاهرات والمواكب والاضرابات والحركة الجماهيرية الرافضة لسياسات النظام القمعية وارسال الشباب الي محرقة الحرب. قاومت المرأة النظام الفاسد الذي يعبر عن مصالح الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية التي افقرت شعب السودان حتي اصبح 95% منه يعيش تحت خط الفقر، وسحبت الدعم عن التعليم والصحة ومارست سياسة الخصخصة التي شردت مئات الالاف من العاملين من وظائفهم مثل: تدمير السكة الحديد والنقل النهري والخطوط الجوية السودانية ومشروع الجزيرة وبقية المشاريع الزراعية، اضافة للتفريط في وحدة السودان بانفصال الجنوب، ومصادرة الحقوق والحريات السياسية ، وفرض حالة ومحاكم الطوارئ ، وممارسة التعذيب والقمع الوحشي للمظاهرات والمواكب السلمية التي يكفلها الدستور. مارس نظام الانقاذ ملاحقة النساء بأساليب فظة ومهينة: اما بدعاوي الحجاب وقانون النظام العام الذي اصبح سيفا مسلطا علي رقاب الشابات بمطاردتهن واهانتهن بهدف ارهابهن وتحجيم دورهن في النشاط العام، ومنعهن من الانخراط في الحركة الجماهيرية الهادفة الي انتزاع الحقوق والحريات الديمقراطية، ورفع الغلاء وتحسين الأحوال المعيشية، وتوفير المستقبل ألافضل لفلذات اكبادهن. كما يتم حرمان النساء من العمل الشريف بمطاردتهن في الأسواق لكسب العيش الكريم. كما عانت المراة السودانية من عقوبة الجلد ، تلك العقوبة المذلة للكرامة الانسانية والتي مارسها نظام السفاح نميري منذ قوانين سبتمبر 1983م، وتم التوسع فيها بشكل وحشي تحت نظام الانقاذ بعد أن تم تقنينها في قانون العقوبات 1991م. كما يتم القمع الوحشي للطالبات اللائي يعانين من وضع مزري في المعيشة والسكن في الجامعات والمعاهد والكليات، ويتم حرمانهن من القبول في تخصصات معينة بمحاولات تقليل الأعداد للقبول في مايسمي بكليات القمة (الهندسة ، الطب،..) بصرف النظر عن النسب المميزة التي حزن عليها. كما يتم التمييز ضد النساء في الترقي للمناصب العليا في الخدمة العامة بمختلف الدعاوي. هذا اضافة لقانون الأحوال الشخصية الذي يحرم المرأة من حق اختيار الزوج بحرية، كما يحرمها من السفر ولو لمهام رسمية الا بموافقة ولي الأمر، وهذه حقوق مكفولة حتي بالدستور الحالي مما يضعها تحت رحمة الرجل علما بأنها انسان كامل الأهلية عقليا وبدنيا. كما عانت المرأة في المناطق المهمشة من آثار الحرب الجهادية الدينية التي اشعلها النظام في الجنوب وجبال النوبا والنيل الأزرق وشرق السودان ودارفور وما نتج عنها من مآسي وكوارث مثل: النزوح والجرائم ضد الانسانية مثل: حرق القري، والاغتصاب، والابادة الجماعية، ومآسي فقدان الأبناء والأزواج ( الأرامل). اضافة للحروب أدي التدمير الكبير للقطاع الصناعي و الزراعي والبيئة بممارسة القطع العشوائي للاشجار، الي الجفاف والتصحر وهجرة الالاف من المزارعين والرعاة من الريف الي المدن، مما ادي الي اتساع فئة النساء الفقيرات صانعات الأطعمة والشاي وبيع الملابس المستعملة والأدوات المنزلية زهيدة السعر ، وتقدر هذه الفئة بنسبة 85% من الباعة في بعض أسواق اطراف العاصمة، وأن اغلبيتهن بين سن: 20- 25 سنة، وأن بناتهن الصغار حتي سن 15 سنة يساعدن ويشاركن في البيع، ويعاني هؤلاء النسوة من هاجس : الرسوم ومصادرة أدوات عملهن(الكشات). كما تعاني النساء العاملات من سيف التشريد المسلط علي رقابهن، حيث بلغت نسبة المشردات أكثر من 55% من مجموع المشردين أغلبهن في سن العطاء (25- 35 سنة) وفي مصانع المناطق الصناعية بالعاصمة وبقية المدن تعاني العاملات صغيرات السن من استغلال فظيع ، حيث أن عقود عملهن باجور متدنية وبلا حقوق نقابية أو تنظيم نقابي، إضافة الي ضيق فرص العمل للخريجين والشباب ( حيث يقدر عدد الخريجات العاطلات باكثر من 53% من العاطلين)، هذا اضافة لانتشار ظاهرة الطلاق وظاهرة النساء السجينات حتي نشأ جيل جديد من المواليد في السجون. وبرغم أن المرأة تشكل نصف المجتمع (49% من السكان)، الا أنه وبعد30 عاما من حكم الانقاذ ، لاتزال الأمية بين النساء في الريف 85% وفي المدن 60%، رغم ازدياد عدد الطالبات في الجامعات. اضافة الي رفض نظام الانقاذ التوقيع علي اتفاقية سيداو التي طرحت وضع حد لكل أشكال التمييز ضد المرأة تواصل المرأة السودانية نضالها في الثورة الحالية ضد النظام استنادا لارث ومكاسب حققتها بعد الاستقلال، فقد شاركت المرأة في ثورة اكتوبر 1964م، كما انتزعت حق الانتخاب الذي قررته أول وزارة بعد الثورة وفازت فاطمة أحمد ابراهيم كأول امراة سودانية تدخل البرلمان في دوائر الخريجين. وفي عام 1965م، تم تشكيل لجنة لمراجعة اجور ومرتبات العمال والموظفين ، ما يهمنا هنا ، أن تلك اللجنة أوصت بتطبيق مبدأ الأجر المتساوى للعمل المتساوى للرجل والمرأة علي حد سواء ( طبق في مجالات الطب والتمريض والتدريس)، ولم يطبق في جميع الوظائف الا في عام 1972م، واستمر الوضع حتي اشتراك المرأة في القوات النظامية والسلك القضائي والدبلوماسي والتوسع في التعليم العالي(الاحفاد، الجامعة الاسلامية،..الخ). ارتفاع عدد الطالبات في الجامعات ( علي سبيل المثال كانت نسبة الطالبات في الجامعات عام 2000م 48%)، وفي بعض الكليات مثل الطب والهنديه جامعة الخرطوم بلغت النسبة65%. ارتفعت مساهمة المرأة في النشاط السياسي والثقافي والفني والمسرحي والرياضي. قاومت المرأة الأنظمة الديكتاتورية (عبود، نميري، الانقاذ)، وتعرضت للقمع والاعتقال والتعذيب والفصل التعسفي من العمل، والهجرة للخارج. كما شهدت تلك الفترة اهتماما عالميا بقضية المرأة ( المواثيق الدولية) مثل: الأجر المتساوى، التمييز في التعليم، الحقوق السياسية للمرأة، سيداو1979م، مؤتمر بكين، سيداو الاختياري 1999م. كما أشرنا سابقا ، صارعت المرأة ضد النفوذ السلفي لتجريد المرأة من مكاسبها التاريخية مثل محاولة فرض الحجاب عليها والعودة بها لعصر الحريم ،.الخ. وعانت من مشاكل الحروب والنزوح والاغتصاب ولاسيما في حرب دارفور، اضافة لمعاناتها في المهن الهامشية ( الشاى، الاطعمة..الخ) من المطاردة والقمع. كما عانت النساء من التجنيد الاجباري لابناءهن . اضافة للقهر والجلد. كما صدر قانون الأحوال الشخصية لعام 1991م لتكريس أوضاع التخلف للمرأة. لكن رغم القهر الا أن المرأة هزمت نظام الانقاذ وشقت طريقها في مختلف الميادين. كما دفعت ظروف الحرب والفقر والتشريد بالكثير من النساء للعمل، كما كثرت حالات الطلاق للاعسار ، واتسعت ظاهرة سجن النساء والولادة داخل السجون (أطفال مواليد السجون).كما اتسعت أعداد المراكز ومنظمات المجتمع المدني التي سلطت الضوء المختلفة علي قضايا المرأة من زوايا مختلفة وتعددت أشكال تنظيمات المراة وكانت الحصيلة اهتمام واسع ومتنوع بقضية المرأة وهذا يشكل معلما بارزا في مسيرة المرأة السودانية. رغم النجاحات التي حققتها المرأة السودانية في انتزاع بعض حقوقها، والدور التاريخي الرائد الذي لعبه الاتحاد النسائي السوداني في ذلك، الا أنه ينتظرها الكثير من المعارك من أجل مساواتها الفعلية التامة مع الرجل أمام القانون، والنضال من أجل التوقيع علي الاتفاقات الدولية الخاصة بالمرأة والالتزام بتنفيذها، وانتزاع قانون ديمقراطي للأحوال الشخصية يضمن حقوقها في القوامة والحضانة والشهادة والارث وعقد الزواج والطلاق والنفقة والأجر المتساوي للعمل المتساوي، والغاء القوانين التي تحط من كرامة المرأة مثل قانون العقوبات للعام 1991م وقانون النظام العام، والغاء كل القونين والممارسات التي تبيح الاعتداء علي جسدها وكرامتها، واعتبار الاغتصاب جريمة من جرائم الحرب، وتحسين اوضاع المرأة النازحة، وتجاوز مناهج التعليم التي تكرّس دونية المرأة، وتمثيل المرأة حسب كفاءتها في احتلال المواقع القيادية في جهاز الدولة ومواقع اتخاذ القرار والمؤسسات التشريعية والاحزاب السياسية والنقابات.وأن تحرير المراة لاينفصل عن تحرير المجتمع من كل اشكال الاضطهاد الطبقي والديني والاثني والنوعي
2- تطور المرأة السودانية وخصوصيتها بقلم : الأستاذ / عبد الكريم جري . ( الصحافة ، 11 مايو 2013م) وقع في يدي عن طريق الصدفة كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها لتاج السر عثمان الحاج ، الصادر عن دار عزة للطباعة والنشر والتي دأبت علي اصدار مثل هذه المؤلفات التي يحتاج لها قارئ اليوم، وهذا الكتاب من الكتب النادرة والتي تهتم بمسيرة المرأة السودانية، ويحوي بين سطوره حقائق وأفكارا عن هذه الفئة من المجتمع ، وكفاحها المتميز من أجل حقها في حياة انسانية عادلة، بعد أن عانت من ظلم المجتمع طويلا بمختلف الآساليب والحجج. الكتاب خطوة جريئة ومتقدمة للتوثيق لدور المرأة السودانية في الحياة ، ويتعرض لما عانته المرأة في سبيل حقوقها من كبت وظلم وتهميش وسلب لحريتها وآدميتها، واهانة لكرامتها ، وكل ذلك لارضاء الرجل وترك البحث عن سبل كسب العيش له بمفرده، بينما تظل المرأة خادمة له ليس الا ، ويستخلص القارئ من هذه الدراسة القيمة ، والتي جاءت في وقتها تماما ، وخاصة نحن نشهد ظهور تيارات تعمل علي عودة المرأة الي ما قبل التاريخ ، مما يتنافي مع سنة الحياة في التطوروالتقدم ، وضرورة اسهام المرأة مع الرجل جنبا الي جنب في رقي الحياة ، وازدهارها . وخلافا لما تستند اليه تلك الجماعات من تحريم الأديان علي المرأة المشاركة مع الرجل في صنع الحياة ، واختصارها علي خدمة الرجل ولزومها البيت ، وتحريم خروجها للعمل أو الدراسة. الخ، فقد اسقط المؤلف في ايدي هؤلاء ، عندما أوضح بالدليل دور علماء الدين والفقهاء والمشايخ في فتح دور العلم للجنسين ، بل ومشاركة المرأة في فتح منافذ التعليم للجنسين منذ عهد سحيق ، وأشارت الدراسة الي أن بعض حلقات العلم شهدت الاختلاط بين الرجال والنساء ، كما أن بعض الحلقات كان عدد النساء يفوق عدد الرجال ، كما أن المرأة السودانية شاركت الرجل في العمل في الزراعة والرعي والنسيج والصناعات الخفيفة وغيرها ،والحكم والأمثال الشعبية يؤكد ذلك. تعرّض المؤلف لأكثر المشكلات التي عانت منها المرأة، وهي تلك المتمثلة في العادات الضارة وسيطرة التقاليد البالية والتي تمثلت في الممارسات الخاطئة كالختان الفرعوني ، الزآر ، الشلوخ ، الزواج المبكر . الخ ، ومازالت بعض هذه الممارسات تحد من تطور المجتمع ، مع اندثارها في معظم المدنن ولا يمكن القضاء عليها الا بمزيد من التعليم. كما القي المؤلف الأضواء علي دور التعليم الديني والمدني في نهضة المرأة، وابرز الداعمين لهذه النهضة ، وعلي راسهم الشيخ بابكر بدري الذي كان من المساندين لتعليم المرأة، والذي يستحق أن تبني له البلاد تمثالا في قلب العاصمة، كما أن مجلة "الحضارة " لعبت دورا في هذه النهضة وخاصة وان كتابات الأدباء الأمين علي مدني وخليل فرح خير شاهد علي ذلك. وبنقلنا المؤلف الي دور الناشطات والمتعلمات في هذه النهضة ، ويشير الي الحركات النسائية كروبط الجامعيات والاتحاد النسائي ن وظهور مجلات خاصة بالمرأة " صوت المرأة" ، " القافلة" ، " المنار"، ووصول أول أمرأة الي سدة البرلمان فاطمة أحمد إبراهيم والتي كسرت طوق العزلة عن المرأة وقضاياها ، وأول طبيبة سودانية خالدة زاهر. هذا كتاب مهم وخاصة أن جماعات الهوس الديني ، والتي تتحين الفرص لارجاع المرأة الي عهد الجاهلية والتي كافحت ضدها المرأة حتى وصلت الي ما هي عليه اليوم ، ما زال الطريق طويلا حتى تأخذ المرأة كافة حقوقها ، لتكون عضوا نشطا في المجتمع. الكتاب سياحة رائعة في هذا المجال ، والذي يحتاج الي تضافر جهود الكافة للمزيد من التقدم والتطور للمرأة والتي في تقدمها ونهضتها تقدم للمجتمع و للبلاد. هناك بعض الحقائق والملاحظات أرجو أن ينتبه اليها المؤلف ويأخذها بعين الاعتبار : 1- اغفل الكاتب دور العاملات في مجال محو الأمية وتعليم الكبار ، وخاصة في عهد الاستعمار ، فقد عملت نساء سودانيات أمثال دار الجلال ومعها بعض البريطانيات في أول مشروع لتعليم ومحو امية المرأة في الجزيرة والمناقل والتي انتقلت الي أجزاء الوطن فيما بعد. 2- دور النساء السودانيات في مجابهة المستعمر وتبرعهن بالمجوهرات دعما للمناضلين والمعتقلين. 3 – دور الفنانات الأوائل في بث الأمل والفرح لنفوس الناس ، ودورهن في هزيمة دعاة "صوت المرأة عورة" أمثال عائشة الفلاتية ، مني الخير ، مهلة العبادية، فاطمة الحاج ، ولا ننسي المرأة التي كان لها دور في يقظة الشعب وهي " فوز" التي استطاعت أن تحتوي نخبا ثورية أسست جمعيات لمقاومة المستعمر والتي كان دارها قبلة الثوار والأدباء والمغنين للثورة والكفاح. 4- دور النقابيات في مختلف المهن ودور الصحفيات والأديبات والشاعرات قديما وحديثا. الكتاب بداية لتوثيق جاد للمرأة السودانية ، ونتمني أن يستمر المؤلف في هذا الجهد ، فهو حافز للآخرين ، وعلينا أن نعلي من مكانة المرأة ونساند قضاياها العادلة ، وبمثل هذه الكتب نستطيع أن نغلق للابد تيارات التراجع للمرأة وندفع بها للامام ، حتى تعيش حياتها كما ينبغي. الكتاب من (72) صفحة من القطع الصغير صادر 2007 ، الإهداء للمرأة السودانية . شكرا لدار عزة وللمؤلف علي هذه الوثيقة التي تحتاج الي المزيد من البحث والدراسة حتى تكتمل. عبد الكريم جري – معلم بالمعاش – عطبرة.
المصادر والمراجع أولا: الكتب السودانية: 1- الاثار الكاملة للامام المهدي ، تحقيق د. محمد ابراهيم ابو سليم ، ج1 ، 1990م. 2- الطيب محمد الطيب ، المسيد ، 1991. 3- الآب ج. . فاتيني ، تاريخ المسيحية في ممالك النوبة القديمة والسودان الحديث ، الخرطوم ، 1978 م. 4- ارنست ماندل ، النظرية الاقتصادية الماركسية ، بيروت 1972م. 5- التونسي ، تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان ، تحقيق د. خليل محمود عساكر ود. مصطفي محمد مسعد ومراجعة د. محمد مصطفي زيادة، القاهرة 1965م. 6- بازل دافدسن، افريقيا تحت أضواء جديدة ، ترجمة جمال محمد أحمد ، بيروت 1961م. 7- بابكر بدري ، تاريخ حياتي ، الجزء الأول . 8- تيم نبلوك ، صراع السلطة والثروة في السودان ، ترجمة محمد علي جادين والفاتح التجاني ، الخرطوم 1990م. 9- تاج السر عثمان الحاج - تاريخ النوبة الاقتصادي – الاجتماعي ، دار عزة 2003م. - ملامح من تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي ، دار عزة 2001م. - لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي ، مركز محمد عمر بشير 2004م. - التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي ، مركز محمد عمر بشير 2006م. - دراسات في التاريخ الاجتماعي للمهدية ، مركز عبد الكريم ميرغني ، 2010م. 10- جمعة جابر ، الموسيقي السودانية ، شركة الفارابي ، بدون تاريخ. 11- جاي سبولدنق ، عصر البطولة في سنار، ترجمة أحمد المعتصم الشيخ ، هيئة الخرطوم للصحافة والنشر 2011م. 12- جون اوبرت فول ، تاريخ الطريقة الختمية في السودان ، ترجمة وتقديم محمد سعيد القدال، مركز الدراسات السودانية ، القاهرة 2002م. 13- حسين سيد احمد المفتي ، تطور القضاء في السودان ، الجزء الأول ، 1959م. 14- حاجة كاشف بدري ، الحركة النسائية في السودان ، الخرطوم 1984م. 15- حسن نجيلة ، ملامح من المجتمع السوداني ، الجزء الثاني 1991م. 16- حسن الجزولي : نور الشقائق هجعة في صفاتها ودارها وزمانها، دار مدارك للنشر 2012م. 17- زكي البحيري ، التطور الاقتصادي والاجتماعي في السودان، القاهرة 1987م. 18- د.س. دوليفران فاران ، أحكام الزواج والطلاق في السودان ، 1984م. 19- ديوان خليل فرح ، تحقيق علي المك . 20- صلاح عمر الصادق ، نساء حكمن السودان قديما نساء وملكات مملكة مروي. 21- طبقات ود ضيف الله ، تحقيق د. يوسف فضل ، ط 3 ، 1985م. 22- عبد المجيد عابدين ، تاريخ الثقافة العربية في السودان، 1967م. 23- عبد الله الطيب ، من حقيبة الذكريات ، 1983م. 24 – عبد الخالق محجوب ، لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني ، دار الوسيلة 1987م. 25- مختار عجوبة ، المرأة السودانية ، ظلمات الماضي واشراقاته، دار عزة 2007م. 26 – عمر القراي ، الفكر الإسلامي وقضية المرأة ، دار عزة 2007م. 27- علي أحمد السيد المحامي ، دراسة لبعض أوضاع المرأة في قانون الأحوال الشخصية 1991م وتطبيقاته ، مايو 2002م. 28- فاطمة أحمد إبراهيم ، طريقنا للتحرر ، فبراير 1962م. 29- فاطمة أحمد ابراهيم ، حصادنا في عشرين عاما ، د. ت . 30- فاطمة بابكر محمود ، المرأة الأفريقية بين الارث والحداثة ، دار كنبردج للنشر 2002م. 31- محمد متولي بدر ، حكم وامثال النوبة ، معهد الدراسات الآفرو اسيوية ، شعبة الفلكلور1978م. 32- محمد العوض جلال الدين ، بعض قضايا السكان والتنمية في السودان والعالم الثالث ، الخرطوم د. ت. 33 – محمد سعيد القدال ، السياسة الاقتصادية للدولة المهدية، الخرطوم 1986م. 34- محمد عمر بشير ، تطور التعليم في السودان ، ترجمة هنري رياض وآخرون 1970م. 35 – محمد أحمد المحجوب ، الديمقراطية في الميزان ، د. ت. 36 - محمد إبرهيم نقد ، علاقات الرق في المجتمع السوداني ، 1995 37- محمد مهدي إدريس ، شذرات من من تاريخ المجتمع والثقافة في بلاد النوبة في الفترة ما بعد المروية (350 – 550م)، شركة مطابع السودان للعملةالمحدودة 2018م.. 38- مكي شبيكة، السودان والثورة المهدية ، الخرطوم 1978م 39- مكي شبيكة ، السودان والثورة المهدية ، الخرطوم 1978م. 40- محجوب محمد صالح ، الصحافة السودانية في نصف قرن، 1971. 39- نعوم شقير ، تاريخ السودان ، تحقيق د. محمد إبراهيم ابوسليم ، بيروت 1981م. ثانيا : صحف ومجلات سودانية 1- مذكرات د. خالدة زاهر ، مجلة الشيوعي 154. 2- مجلة صوت المرأة ، أعداد مختلفة 3- مجلة النهضة السودانية ، الأعداد 3 ، 20 ، 25 ، 26. 4- صحيفة الحضارة ، بتاريخ 27 / 1/ 1921م. 5- مجلة الدرراسات السودانية ، العدد الثاني ، المجلد السادس ، ديسمبر 1982م. 6- مجلة الدراسات السودانية، العدد ½ مزدوج ، المجلد الحادي عشر اكتوبر 1991م ، اعداد د. عبد الله علي إبراهيم وزينب البكري : عدد خاص عن المرأة ودراساتها في السودان. 7- صوت السودان ، بتاريخ 7 /2/ 1935 ، 22 /4/ 1947م. 8- صحيفة النيل ، بتاريخ 22 / 4/ 1942م. 9- مجلة الفجر العدد ،2 ج1 بتاريخ 1 / 7/ 1934م. 10 – قضايا سودانية ، أعداد مختلفة 11- كتابات سودانية ، اصدار مركز الدراسات السودانية ، اعداد مختلفة . ثالثا: مصادر نظرية : 1- ف. انجلز : أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة ، موسكو 1972م. 2- الاشتراكية والمرأة ، مجموعة من الكتاب ، ترجمة جورج طرابيشي ، 1971م. 3- الكسندرا كولنتاي ، تحرر المرأة العاملة ، ترجمة طرابلس والحسيني 1972. 4- بوعلي يس ، حقوق المرأة في الكتابة العربية منذ عصر النهضة 1998م. 5- توني كليف ، نقد الحركة النسوانية ، ترجمة اروي صالح ، تقديم فريدة النقاش ، كتاب الأهالي ، ديسمبر 1991م. 6- رايمون رايش ،النشاط الجنسي وصراع الطبقات ، ترجمة محمد عيتاني 1971م. 7- ويلهم رايش ، الثورة الجنسية ، ترجمة محمد عيتاني ، 1972م. 8- ريان قوت ، النسوية والمواطنة ، ترجمة إيمن بكر وسمر الشيشكلي ، مراجعة فريدة النقاش ، المجلس الأعلي للثقافة، القاهرة 2004م. مصادر انجليزية:
1- The Sudan Arecord of Progress, 1898- 1947 2-Karrar, A.S The Sufia Brotherhoods, In the Sudan, London 1992. 3-El Wathig Kamier The state of Women Studies in The Sudan. Univerity of Khartoum Development Sutdies and Research centre, 1985.
السيرة الذاتية للمؤلف : – تاج السر عثمان الحاج - اللقب: السر بابو - من أبناء أمبكول بمنطقة مروي بالولاية الشمالية - من مواليد مدينة عطبرة، يناير 1952م. - تلقي تعليمه الأولي والاوسط والثانوي بمدينة عطبرة. - تخرج في جامعة الخرطوم- علوم رياضيات – ابريل 1978م. - باحث ومهتم بتاريخ السودان الاجتماعي. - صدر له: 1- تاريخ النوبة الاقتصادي – الاجتماعي، دار عزة 2003م. 2- لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي، مركز محمد عمر بشير 2004م. 3 - تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي، مكتبة الشريف 2005م. 4 - النفط والصراع السياسي في السودان، بالاشتراك مع عادل احمد ابراهيم، مكتبة الشريف 2005م. 5 - خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية، الشركة العالمية 2006م. 6 - الجذور التاريخية للتهميش في السودان، مكتبة الشريف 2006م. 7 - التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي في السودان، مركز محمد عمر بشير 2006م. 8- تطور المرأة السودانية وخصوصيتها، دار عزة 2006م 9 - الدولة السودانية: النشأة والخصائص، الشركة العالمية 2007م. 10 - تقويم نقدي لتجربة الحزب الشيوعي السوداني (1946- 1989م)، دار عزة 2008م. 11- دراسة في برنامج الحزب الشيوعي السوداني، الشركة العالمية 2009م. 12- أوراق في تجديد الماركسية، الشركة العالمية 2010م. 13- دراسات في التاريح الاجتماعي للمهدية، مركز عبد الكريم ميرغني 2010م 14- قضايا المناطق المهمشة في السودان، الشركة العالمية 2014 15 – أسحار الجمال في استمرارية الثقافة السودانية ، دار مدارات 2021 . الهوية والصراع الاجتماعي في السودان ، دار المصورات 2021 – 16 17 – في ذكراها المئوية : دور ثورة 1924 في تطور الحركة السياسية والثقافية، الشركة العالمية 2025 18 – اظلرض والصراع الطبقي والاجتماعي في السودان، دار المصورات 2025 . 19 – دراسات ومواقف في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، دار عزة 2023. - كاتب صحفي وله عدة دراسات ومقالات ومنشورة في الصحف السودانية والمواقع الالكترونية، ومشارك في العديد من السمنارات وورش العمل داخل وخارج السودان. - عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني - أعتقل مرتين خلال ديكتاتورية نميري في أغسطس 1973م، ونوفمبر1977م، ومرتين خلال ديكتاتورية الانقاذ في سبتمبر عام 1995م لمدة سنة وتعرض لتعذيب وحشي، وفي مارس 2018 بعد هبة 16 يناير ضد النظام.. - متزوج من الاستاذة / عفاف عثمان، وأب
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب نهب الذهب الدموي في السودان
-
منهج الماركسية متجدد مع تغير الواقع
-
الحرب وتفشي الكوليرا ومصادرةحقوق الإنسان
-
كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة
-
في ذكرى انقلاب مايو ما هي حقيقة التأميمات والمصادرة عام 1970
...
-
في ذكراه ال ٥٦ كيف حدث انقلاب ٢٥ مايو
...
-
العقوبات الأمريكية والمزيد من العزلة والمعاناة
-
كتاب التعليم في السودان : الحصاد والاصلاح
-
تعيين د. كامل إدريس حلقة في المخطط لتصفية الثورة
-
الذكرى ال ٥٦ لانقلاب ٢٥ مايو ١¤
...
-
لا جدوى لتعيين رئيس وزراء من انقلاب غير شرعي
-
في ذكرى رحيله ٨٤ كيف كان معاوية نور شعلة من الإبدا
...
-
في ذكرى رحيله ٨٤ كيف كان معاوية نور شعلة من الإبدا
...
-
لا بديل غير وقف الحرب ومنع تكرارها
-
استمرار فساد ونهب الطفيلية الاسلاموية بعد الحرب
-
أوقفوا التصفيات على أساس عرقى وعنصري
-
عودة لزيارة ترامب لدول الخليج وحرب السودان
-
كيف كشف انقلاب القصر عن طبيعته الديكتاتورية؟
-
زيارة ترامب وضرورة الحل الداخلي
-
وقف الحرب مع دخولها مرحلة خطرة
المزيد.....
-
5 حقائق على كل امرأة معرفتها في مرحلة انقطاع الطمث
-
وفاة الفرنسي بولييه.. مخترع -حبة الإجهاض-
-
-إنها معجزة حقًا-: ممرضة تصف إنقاذ رجل صدفة سقط عن وادٍ من ا
...
-
الجزائر تفقد فضيلة مرابط، صوت المرأة الحرة والمناضلة
-
من النضال إلى الدبلوماسية.. المرأة الفلسطينية تصنع السياسة و
...
-
تعرف على القديسة المراهقة التي قادت جيوش فرنسا وألهمت الحركا
...
-
تحديث.. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2025 نايل سات وعرب سات لم
...
-
“بياناتي مباحة للجميع”
-
من -المرأة الخارقة- إلى -قاتلة الأطفال-.. تخريب نجمة ممثلة إ
...
-
كيفاش تحصلي على منحة المرأة الماكثة في المنزل 2025.. خطوات ا
...
المزيد.....
-
كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها
/ تاج السر عثمان
-
كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات،
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
المزيد.....
|