من الخيمة إلى الجامعة: البداوة تربة خصبة لتطبيع التزوير في المحاضر الرسمية. 2586 يوم على تزوير محضر رسمي في جامعة جزائرية

بوناب كمال

الحوار المتمدن-العدد: 8356 - 2025 / 5 / 28 - 00:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

مقدمة:
في الوقت الذي يُفترض أن تشكّل الجامعة فضاءً للمعرفة، والنزاهة، والعقلانية الحديثة، نجد في بعض البيئات الجامعية العربية ممارسات تعيد إنتاج بنى تقليدية راسخة، أبرزها التزوير في المحاضر الرسمية. حين تُنشأ الجامعات في فضاءات ذات خلفية بدوية دون المرور بعملية تحوّل ثقافي عميق، فإن هذه المؤسسات قد تتحوّل، رغم مظهرها العصري، إلى نسخ بيروقراطية من الخيمة. هذه الورقة تحاول تفكيك العلاقة بين البداوة كمحدد ثقافي والتزوير كممارسة إدارية، لتكشف كيف أن النشأة البدوية تُسهم في تطبيع سلوكيات إدارية تقوّض قيم الشفافية والجدارة.

1. منطق الشفوية وغياب الوثيقة
الثقافة البدوية، بطبيعتها الشفوية، لا تمنح الوثيقة المكتوبة سلطة نهائية، بل تُعلي من الكلمة والنية والانتماء. في هذا السياق، لا تُعد المحاضر الرسمية وثائق ملزمة بقدر ما هي "صيَغ شكلية" قابلة للتكييف مع موازين القوة والعلاقات الشخصية. هذا الإرث الثقافي، حين يدخل الجامعة، يُنتج إدارة هجينة تتعامل مع الوثيقة كوسيلة خاضعة للتفاوض لا كمرجع ثابت.


2. الجامعة كامتداد رمزي للخيمة
عندما يُستنسخ نمط الخيمة داخل الجامعة، يتحول المسؤول الإداري أو الأكاديمي إلى "شيخ" يُطاع أكثر مما يُسائل. المحاضر لا تُكتب لتوثيق الحقيقة بل لتثبيت رواية تُرضي التوازنات المحلية. وبدلاً من أن تكون الجامعة قطيعة رمزية مع نمط التسيير التقليدي، تصبح غطاءً مؤسسيًا لممارسات قبلية.


3. التزوير كتعبير عن الولاء لا الكفاءة
في ظل هذا السياق، يصبح التزوير سلوكًا مبررًا في نظر الفاعلين، خصوصًا حين يُوظف لصالح "ابن المنطقة" أو لحماية "السلم الاجتماعي". لا يُنظر إليه كخرق للأخلاق الإدارية، بل كخدمة لعلاقات الانتماء. هذا التطبيع يجعل من التزوير آلية ضمنية لإدارة الجامعة، لا استثناءً مرفوضًا.


4. غياب التحول الثقافي كمشكلة بنيوية
تأسيس الجامعات في بيئات بدوية لم يكن متبوعًا بإستراتيجيات ثقافية تعيد تشكيل العقل الجامعي. بقيت الهياكل جامعية، بينما ظلت العقليات محلية تقليدية. وبدلاً من أن تؤسس الجامعة لثقافة الجدارة، أصبحت هي ذاتها رهينة لنمط الوجاهة، والقرابة، والانتماء الضيق، فتم ترييف المؤسسة بدل تمدين المجتمع.

خاتمة:
إن بناء جامعة في وسط بدوي دون زحزحة البنية الثقافية السائدة، يشبه زرع نبتة حديثة في تربة تقليدية موبوءة. التزوير في المحاضر ليس خللًا تقنيًا، بل عرضٌ لبنية أعمق ترى في الوثيقة أداة سلطة لا أداة حق. الإصلاح يبدأ من الاعتراف بأن الجامعة ليست فقط بناية، بل مشروع حضاري يتطلب تفكيك البداوة الذهنية، لا فقط تجاوز البداوة الجغرافية.

#بوناب_كمال (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل