بوناب كمال
الحوار المتمدن-العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 16:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"نفسية المُزوِّر: بين الدونية والطمع والتكيّف المرضي"
مقدمة:
يُعد التزوير من أخطر أشكال الفساد الإداري والأخلاقي، كونه لا يكتفي بانتهاك القانون بل يتعداه إلى تقويض معايير الثقة والعدالة. غير أن فهم هذا السلوك لا يكتمل من دون تفكيك البنية النفسية التي تدفع الفرد لارتكابه. من هو المُزوِّر نفسيًا؟ ما دوافعه العميقة؟ وهل هو مجرد انتهازي، أم شخصية مضطربة تبحث عن تعويض أو تكيّف مرضي مع محيط فاسد؟
أولًا: التزوير كعرض لدونية نفسية مكبوتة
غالبًا ما يُعاني المُزوِّر من شعور عميق بالنقص، سواء على صعيد الكفاءة، المكانة، أو القبول الاجتماعي. ولأن مواجهة هذا الشعور تتطلب جهدًا وتطويرًا ذاتيًا، يلجأ إلى الطريق القصير: التزوير، لتعويض فشله أو ضعفه الشخصي. التزوير هنا يُصبح وسيلة "لصناعة الذات الزائفة" التي تعطيه الإحساس المؤقت بأنه أصبح جديرًا بالمكانة أو الفرصة.
ثانيًا: الطمع وانعدام الضمير كوقود للسلوك التزويري
شخصية المُزوِّر كثيرًا ما تتسم بانخفاض الحس الأخلاقي، وغلبة الطمع على القيم. هو لا يشعر بالذنب حيال سرقة جهد الآخرين أو تزوير وثائق تضرّ بالصالح العام. يُبرّر أفعاله دائمًا بخطاب الدفاع النفسي: "الكل يفعل ذلك"، أو "لو لم أفعل، لسبقني غيري". هذه التبريرات تُشير إلى شخصية نرجسية نفعية، تُقدِّم مصلحتها الضيقة على أي اعتبار جماعي.
ثالثًا: التكيّف المرضي مع بيئة فاسدة
في بعض الحالات، لا يكون التزوير دافعًا ذاتيًا خالصًا، بل سلوكًا مكتسبًا من محيط يُكافئ الفساد ويقصي الكفاءة. المُزوِّر هنا يتكيف مع منظومة مختلّة تفرض عليه أن يكون "مزوّرًا" ليبقى أو يصعد. هذا لا يُعفيه من المسؤولية، لكنه يكشف عن سلوك مرضي قائم على الخضوع للأمر الواقع بدل مقاومته، وغالبًا ما يشعر داخليًا بالعار، وإن لم يُظهره.
رابعًا: اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع
في الحالات المتقدمة، قد يُشير التزوير المتكرر إلى اضطراب في الشخصية (antisocial personality disorder)، حيث يغيب الضمير تمامًا، ويصبح التلاعب والكذب والتزوير جزءًا من نمط حياة. هؤلاء الأشخاص يبدون في الظاهر طبيعيين أو حتى جذّابين، لكنهم في العمق لا يشعرون بتأنيب ضمير، ويستخدمون الآخرين كأدوات لتحقيق مصالحهم.
خاتمة:
المُزوِّر ليس فقط مخالفًا للقانون، بل هو غالبًا ضحية مشاعر دونية، أو شخص نرجسي، أو مُتكيّف مرضي، أو حتى مُصاب باضطراب في الشخصية. ومواجهة ظاهرة التزوير لا تتطلب فقط قوانين رادعة، بل أيضًا بيئة تُكرِّم الجدارة، وتُقصي المزورين بدلًا من ترقيتهم. فالمعركة الحقيقية ضد التزوير تبدأ من إعادة الاعتبار للقيم، والإنسان، والحق.
#بوناب_كمال (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟