الطاهر المعز
الحوار المتمدن-العدد: 8353 - 2025 / 5 / 25 - 11:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يُمثل "الشرق الأوسط" وبالأخص الخليج العربي أحد مصادر تمويل الإمبريالية الأمريكية ومصدرا لازدهار أعمال دونالد ترامب، ولذلك كانت أول رحلة رسمية ( باستثناء قَوْس زيارة روما بعد وفاة البابا) له إلى الخليج ( كما كانت أول رحلة له خلال رئاسته الأولى)، وقبل وصوله أرسل ابنَيْه دونالد جونيور وإريك اللّذَيْن وقّعا عددًا من الصفقات التي عزّزت ثروة ونفوذ عائلة ترامب، كما وقّع صهره جاريد كوشنر عقود استثمارات بمليارات الدولارات، وأعلن شيوخ "أبو ظبي" استثمار ملياري دولار في شركة "وورلد ليبرتي فاينانشال"، شركة العملات المشفرة التي تُمكّن عائلة ترامب من جني عشرات الملايين من الدولارات سنويًا من فوائد هذا الاستثمار، وعمومًا لا هَمّ لدونالد ترامب سوى تعظيم ثروته الخاصة بالإضافة إلى الإستثمارات في الإقتصاد الأمريكي، وكانت العائلة المالكة لمشيخة قَطَر قد قدّمت هديّة لدونالد ترامب تمثّلت في طائرة فاخرة بقيمة 400 مليون دولار، وتعهدت المملكة العربية السعودية باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، مقابل موافقة الولايات المتحدة على صفقة أسلحة بقيمة تقارب 142 مليار دولار، وهي واحدة من أكبر الصفقات العسكرية الأمريكية...
تميزت الزيارة بالضبابية وغياب الشفافية لكن أشارت البيانات والإعلانات إلى سَعْي دونالد ترامب إلى إعادة تشكيل جيوسياسي للمنطقة قد يؤدي إلى تخفيف الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة المُسمّاة "الشرق الأوسط" ( ذات الحدود غير المضبوطة )، وإلى "رفع العقوبات طويلة الأمد عن سوريا"، خصوصًا بعد اجتماعه مع زعيم الإرهابيين محمد الجولاني ( أحمد الشّرْع)، وتجاهل ترامب الطّلبات المائعة لشيوخ السعودية وقَطَر بشأن الاعتراف باحتياجات وحقوق الفلسطينيين، في إطار إعادة هيكلة السياسة الخارجية الأمريكية، واعتزامه تقليص الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، بالتزامن مع أعلان وقف إطلاق النار مع المقاومة اليمنية، وسبق أن تم تسريب أنباء عن احتمال انسحاب حوالي 1000 جندي أمريكي من شمال شرق سوريا ( بما إن الكيان الصهيوني يحتل أجزاء من سوريا، وتحقيق "تعايش سلمي" مع الإحتلال التركي لأجزاء أخرى من سوريا) وعن احتمال خفض التّوتّر مع إيران، لكن لن تخفض الولايات المتحدة دعمها للكيان الصهيوني، رغم عدم مرور دونالد ترامب بتل أبيب خلال هذه الرّحلة "الجِبائية"، إذ صرّح ترامب إنه يريد تعزيز اتفاقيات أبراهام التي تم توقيعها سنة 2020، خلال ولايته الأولى، وأدّت إلى تطبيع العلاقات بين دولة الإحتلال وعدة أنظمة عربية، ولا تزال السعودية غير مشمولة بالتطبيع العلني.
على أي حال لم يُبْدِ دونالد ترامب ولا صهاينة العربي ( شُيُوخ نفط الخليج ) أي اهتمام بالإبادة الجماعية التي يُمارسها الكيان الصهيوني مما يجعلهم جميعًا مُتواطئين مع الجزّار الذي يغتال عشرات الآلاف ويُدمّر أي أَثَر للحياة، ويمنع وصول الطعام والماء والدّواء أو غيرها من الضروريات، ولولا الدّعم المُطلق الذي يحظى به الكيان الصّهيوني لما تمكّن من ارتكاب إحدى أخطر جرائم الحرب، ولم يستَحِ مُرتزقة إعلام الخليج الذين يتنافسون في مَدْح الإمبريالية الأمريكية ورموزها، وهجاء المُقاومة مع التّعبير عن التّشفِّي أو عدم المبالاة في أحسن الأحوال...
رافق دونالد ترامب نخبة من كبار رجال الأعمال الأميركيين، ومن بينهم ستيفن شوارزمان من مجموعة بلاكستون وجين فريزر من سيتي كورب وروث بوريت من غوغل وأليكس كارب من بالانتير، وصرّح دونالد ترامب، بنهاية جولته في مزارعه الخليجية "إنها جولة مُربحة مكّنتْنِي من جَمْع ما بين 3,5 و أربعة تريليونات دولار"، وتمثل الجانب السياسي لجولة دونالد ترامب في مباركته تقاسم المجموعات الإرهابية السيطرة على سوريا مع تركيا والكيان الصهيوني، وباركَ تنصيب الجولاني وكيلا للمصالح الأمريكية والخليجية في سوريا التي تتأهّب للإنظمام للأنظمة العربية المُطبّعة، مما قد يعزل المقاومة اللبنانية...
ترمي جولة دونالد ترامب كذلك إلى استعادة مكانة الولايات المتحدة وإزاحة الصين التي وقّعت بعض الإتفاقيات الإقتصادية وتمكنت من تهدئة التّوتّر بين إيران والسّعودية، وتوقيع بعض عُقُود التبادل التجاري بالعملة الصينية، فضلا عن إدماج بعض بلدان المنطقة في مبادرة الحزام والطّريق، وتحاول الولايات المتحدة منافسة هذا المشروع الصيني من خلال الهند وزعيمها الفاشي ناريندرا مودي وحزبه اليميني المتطرف، غير إن المعركة الخاطفة بين الهند وباكستان في إقليم كشمير أظهرت تفوق السلاح الصيني على السلاح "الغربي" بهذه المنطقة الحساسة بالنسبة للصين ومَمرُّها التجاري عبر ميناء غوادار الباكستاني، ورغم انتكاسة السلاح "الغربي"، لم يتردّد حاكم السعودية في إنفاق 142 مليار دولار لشراء السلاح والعتاد الأمريكي الذي لم يتمكّن من حماية المواقع الإستراتيجية للكيان الصهيوني التي طالها القصف اليَمَنِي، وبلغ إجمالي العقود الإستثمار للسعودية في الإقتصاد الأمريكي، خلال هذه الزيارة ستمائة مليار دولارا شملت مجالات الطاقة والبنية التحتية وغيرها وبذلك يُساهم محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وتميم بن حمد في "جعل أمريكا عظيمة مُجدّدًا"، وعمل دونالد ترامب على مساعدة مُمَوّل حملته ( إيلون ماسك) باستعراض سيارات سايبرترك في الدّوحة، من تصنيع شركة تسلا التي ركدت مبيعاتها وتُقدّر قيمة السيارات غير المباعة بقيمة 800 مليار دولار في وكالات البيع، كما أنقذت قَطَر شركة بوينغ الأمريكية لصناعة الطائرات بشراء 210 طائرات من طراز 787 دريملاينر و777x بقيمة 96 مليار دولار أمريكي، وتمثل هذه الصفقة جرعة أكْسجين لشركة بوينغ بعد سلسلة من الحوادث وتساؤلات حول جودة تصنيعها، وأعلن مكتب دونالد ترامب إن عقود الإستثمارات القَطَرِيّة في الإقتصاد الأمريكي بلغت 1,2 تريليون دولار (صفقة طائرات بوينغ ومحركات جنرال إلكتريك ونظام الطائرات المسيرة عن بُعد MQ-9B من شركة جنرال أتوميكس، واتفاقية لشراء نظام رايثيون المتكامل لهزيمة الطائرات الصغيرة بدون طيار)، وبذلك تَخَلَّى دونالد ترامب عن اتّهام دُوَيْلة قَطَر سابقًا "برعاية الإرهاب"...
كانت الإمارات، المحطة الثالثة والأخيرة في جولة الرئيس الأمريكي بالخليج وأكّد محمد بن زايد آل نهيان إستثمار 1,4 تريليون دولار في الإقتصاد الأمريكي على مدى عشر سنوات، فضلا عن التعاون في مجال الذكاء الإصطناعي والتقنيات المتقدّمة، وتسمح الصّفقة للإمارات بإستيراد 500 ألف شريحة سنويًا خلال ثلاث سنوات من شركة "إنفيديا" الأمريكية ، كما تسعى الشركات الأمريكية، ومن ضمنها شركة ("G42" ) إلى بناء مراكز بيانات في دُوَيْلات الخليج بهدف تطوير الذكاء الإصطناعي، وَإنشاء وَحدات لمعالجة الذّكاء الإصطناعي والحَوْسَبَة، وعلّق أحد المُحلّلين بوكالة بلومبرغ ( 18 أيار/مايو 2025) على قيمة الصّفقات البالغة 3,6 تريليون دولارا ( 1,4 تريليون دولارا من الإمارات و 1,2 تريليون دولارا من قطر و تريليون دولارا من السعودية) أو حوالي نصف ميزانية الولايات المتحدة، بأنها مُبالغ فيها ولا تستند إلى ضمانات، لأن انخفاض أسعار النّفط الخام جعل دُويلات الخليج في حالة عجز، وإن معظم الصفقات مخصّصة لشركات صناعة الطائرات والأسلحة، لكن الهدف الرئيسي ( وفق وكالة بلومبرغ وموقع صحيفة نيويورك تايمز ) هو هدف سياسي يتمثل في إنجاز مراحل جديدة من برنامج "الشرق الأوسط الجديد" تحت الهيمنة الصّهيونية، مع مساعي لإدماج إيران في الإقتصاد النيوليبرالي العالمي تحت الهيمنة الأمريكية، وتقريب إيران من الهند وإبعادها عن روسيا والصّين، وإعادة رسم خريطة التحالفات في المنطقة في ظل القيادة الإيرانية الحالية المُستعدّة للتوافق مع الإمبريالية الأمريكية...
بينما كان شيوخ الخليج يُوقّعون عقود إنقاذ الإقتصاد الأمريكي، استمر الكيان الصّهيوني في حصار الشعب الفلسطيني وقصفه في الخيام والمستشفيات والطرقات وما تبقّى من المباني، في غزة وفي الضفة الغربية واعتقال فلسطينيِّي الجزء المحتل سنة 1948، لذا يكون موقعهم في صف الأعداء.
#الطاهر_المعز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟