أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابو يوسف الغريب - حين يتحدث التراب.














المزيد.....

حين يتحدث التراب.


ابو يوسف الغريب
كاتب وشاعر

(Zuhair Al Shaibani)


الحوار المتمدن-العدد: 8347 - 2025 / 5 / 19 - 11:06
المحور: الادب والفن
    


حين يتحدث التراب
إلى أمي التي فهمت قبل الجميع

بعد غربةٍ طويلة،
غربةٍ بلا معنى،
عدتُ لا لأبحث عن شيء،
بل لأقف على ما تبقى من الذكرى،
وأتلمّس أطلال بيتٍ
كان يومًا حضنًا،
وصار، كما أرى،
أثراً باهتًا في ذاكرة الحجارة.

في أول أيام عودتي،
قررت زيارة قبر أمي،
في مقبرة المدينة.

عند المدخل،
رفعت لافتةٌ تقول:
“مرحباً بكم في مدينة السلام”
فتساقط السؤال من عيني:
أيُّ سلامٍ هذا؟
والقبور متراصة، متشابكة،
كجذور القرع الوحشي،
تنبت في كل اتجاه
دون نظامٍ أو وداع.

هل يُقال للسلام:
أن يكتظّ بالصمت؟
أن يأوي الموتى
دون أن يسأل عن أسمائهم؟

واصلت سيري،
وعند البوابة لافتة أخرى:
“نحن السابقون وأنتم اللاحقون”
فشعرتُ أنني أقف بين زمنين
كأن الموت يقرأ علينا
سِفرَ انتظارٍ طويل.

حين بلغت قبرها،
جلست.
وضعت خدي على التراب،
كمن يبحث عن قلبٍ
يدقّ تحته.
فإذا بالتراب يهمس:
“عُد، يا ولدي…
عدْ كما كنت،
طفلاً بلا جدران،
وتعال لحضني.”

ارتجفتُ،
قمتُ مسرعًا،
كأن الأرض تلفظني أو تفتحني،
أدرت ظهري ومضيت،
وحين مررتُ بالبوابة من جديد
وجدت لوحةً تقول:
“المقبرة ترحب بكم ثانية.”

عدت إلى بيت أخي،
الوحيد الذي ما زال
يصارع الغياب،
ويسكن فوق الأرض.
استقبلني،
لكن في صوته شيء…
جمود،
ثم باغتني بسؤال:
“متى تغادر؟”

تلعثمت،
انكمشت حواسي،
وصمت المكان إلا من نبضي.
قلت بعد لحظةٍ باهتة:
“غداً.”

تهلل وجهه،
وكأن ثقلاً انزاح عن صدره.
رأيت في عينيه ارتياحًا
لا يليق بعودةٍ
تنتظر الاحتضان.

فهمتُ أخيرًا
لماذا نادتني أمي من تحت التراب،
لماذا همست لي بذلك الحنين العتيق.
كانت تعرف أن من بقي
ليس كمن مضى.
أن بعض الأحياء
أشدّ موتًا من الأموات.

ومنذ تلك اللحظة،
قررتُ أن أبحث لي عن قبر،
لا يكون فيه أحدٌ
ينتظر رحيلي.

ابو يوسف الغريب



#ابو_يوسف_الغريب (هاشتاغ)       Zuhair_Al_Shaibani#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدفء.
- موسم الكمأ.
- سُلَيمى.
- آخر المحطات.
- زنزانة رقم : 18.
- زنزانة ، 18.
- غُربَةٌ متوحشة.
- العشق.
- هذيان مواطن سابق.
- نشكرهم على المعاول.
- هادي وزهرة ،. قصة قصيرة.
- عيناك خادعتان.
- سالة تحذيرية.
- حين يصبح الظل وطناً.
- وهج الشوق.
- مرثية اليُتْم
- حبكِ فرض عين.
- على أسوار البوهيمية.
- بيان الحمار الاول
- ياليت …وليت .


المزيد.....




- أبرز إطلالات مشاهير الموضة والسينما في حفل مهرجان البحر الأح ...
- رغم حكم بالسجن بتهمة -القيام بأنشطة دعائية-... المخرج الإيرا ...
- المشاهير العرب يخطفون الأنظار في المهرجان الدولي للفيلم بمرا ...
- خمسون عاماً على رحيل حنة آرنت: المفكرة التي أرادت إنقاذ التف ...
- احتفاء وإعجاب مغربي بفيلم -الست- في مهرجان الفيلم الدولي بمر ...
- عيد البربارة: من هي القديسة التي -هربت مع بنات الحارة-؟
- افتتاح معرض فن الخط العربي بالقاهرة بتعاون مصري تركي
- عام فني استثنائي.. 5 أفلام عربية هزت المهرجانات العالمية في ...
- صناع فيلم -الست- يشاركون رد فعل الجمهور بعد عرضه الأول بالمغ ...
- تونس.. كنيسة -صقلية الصغيرة- تمزج الدين والحنين والهجرة


المزيد.....

- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابو يوسف الغريب - حين يتحدث التراب.