أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابو يوسف الغريب - هادي وزهرة ،. قصة قصيرة.














المزيد.....

هادي وزهرة ،. قصة قصيرة.


ابو يوسف الغريب
كاتب وشاعر

(Zuhair Al Shaibani)


الحوار المتمدن-العدد: 8338 - 2025 / 5 / 10 - 12:17
المحور: الادب والفن
    


يروي أهل الريف، حين تميل الشمس إلى المغيب، وتُسكب القهوة على نار الحطب، حكايةً ما عادت الأيام تُنجب مثلها، عن زهرة وهادي… أولاد عمٍ لم يكن بين داريهما سوى خطوات، ولكن بين قلبي والديهما كانت مسافات من جفاء، لا تُقاس بالخطى، بل بالحقد الموروث.

يقولون إن الخصومة بدأت يوم اختلف الأخوان على حدود حقل القمح. زعم أحدهما أن الآخر تعدّى بذر حبوبه، وكبرت البذور خلافًا وغُصصًا في القلوب. لم تندمل القصة، بل صارت عقدةً تُروى مع كل موسم حصاد، حتى باتت زرعًا من الكره، يرثه الأبناء كما يرثون الأرض.

لكن هادي وزهرة لم يعترفا بذلك. كانا طفلين ينبتان في ظل الشجرة ذاتها، يركضان خلف الجراد، ويتقاسمان الماء من النبع، كأنّ النبع لا يعرف العداوات.

كبر الطفلان، وكبر معهما الحُب. صار هادي شابًا يحمل الفأس في الصباح والحلم في المساء. نظراته لزهرة كانت أكثر صدقًا من وعود الرجال، وصمتها حين تراه كان أكثر بلاغة من القصائد.

لم يكن بينهما إلا النظرات، واللقاءات الخاطفة خلف أشجار الصفصاف، حيث تحكي زهرة عن قلقها، ويعدها هادي بأن يصبر، أن يزرع بيتًا لهما على أطراف القرية، حيث لا يصل صوت الخصام.

لكن الأب، وقد هدّه العناد كما يهُدّ النمل الجدار، قال كلمته الأخيرة:
“زهرة ليست له.”

لا سبب… فقط إرث من الغضب، فُرض على قلبين لم يخطئا.

في ليلة ساكنة بعد مطر، جلست زهرة قرب النافذة، تحدق في الحقل الذي بدا كمرآة من الطين. كانت الأشجار تقف كأشباح في الضباب، وشيء في قلبها يهمس أن هادي لا يزال هناك، بين الندى والماء. تتذكر يده حين لمس كفها أول مرة، وهمسته حين قال:
“سأبنيكِ بيتًا من الحطب والنار، فيه دفء لا ينطفئ.”

كانت على يقين أن الفراق آتٍ لا محالة.
لكن قلبها ردد بعفوية ريفية مؤمنة، وأمل قيس وليلى قد بلغ فطرتها صداه:
“قد يجمع الله الشتيتين بعدما
يَظُنّانِ كُلَّ الظّنِ ألّا تَلاقيا "

في صباح كئيب، حين كان النسيم لا يحمل سوى رائحة التبن، أشعلت زهرة حطب الحقل، ووقفت في وسطه. لم تصرخ، لم تودّع. فقط أغمضت عينيها، وسلّمت قلبها للنار، بعدما حرموه من الحب.

أما هادي، فلم يبكِ. مشى على دروب القرية كمن لا يعرف الأرض، شد عباءته ومضى. كان يهذي باسمها، يحدث الريح، يضحك وحده، يركض نحو التلال في المساء، ويسأل الغروب عن عينيها.

وفي إحدى ليالي الشتاء، بعد أشهر من الغياب، عثروا على بقاياه في مغارة نائية، تفرّقت بين أنياب الذئاب.

قالوا:
“مات هادي كما عاش… صادقًا، وحيدًا، عاشقًا.”

ومنذ ذلك اليوم، لا يُشعل أحد الحطب في ذلك الحقل عند المساء، خشية أن يظهر له خيال فتاةٍ وسط النار، تنادي بصوت موجوع:
“هادي…”



#ابو_يوسف_الغريب (هاشتاغ)       Zuhair_Al_Shaibani#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيناك خادعتان.
- سالة تحذيرية.
- حين يصبح الظل وطناً.
- وهج الشوق.
- مرثية اليُتْم
- حبكِ فرض عين.
- على أسوار البوهيمية.
- بيان الحمار الاول
- ياليت …وليت .
- في حضرة العبث.
- الرقص مع الذئاب.
- تجلي المساء.
- غرائب البنفسج.
- مرثية مستبد.
- تفاحة تأكل تفاح.
- في الحفرة نغني.
- بأيدينا نحفر قبورنا
- دعوني أعيش
- دفاتر مسروقة - الدفتر الحادي عشر.
- دفاتر مسروقة - الدفتر الثاني عشر


المزيد.....




- اكتشاف طريق روماني قديم بين برقة وطلميثة يكشف ألغازا أثرية ج ...
- حوارية مع سقراط
- موسيقى الـ-راب- العربية.. هل يحافظ -فن الشارع- على وفائه لجذ ...
- الإعلان عن الفائزين بجائزة فلسطين للكتاب 2025 في دورتها الـ1 ...
- اكتشاف طريق روماني قديم بين برقة وطلميثة يكشف ألغازا أثرية ج ...
- من الجو..مصور يكشف لوحات فنية شكلتها أنامل الطبيعة في قلب ال ...
- التمثيل الشعري للذاكرة الثقافية العربية في اتحاد الأدباء
- الكوتا المسيحية: خسارة ريان الكلداني وعودة الجدل حول “التمثي ...
- مؤرخ وعالم آثار أميركي يُحلل صور ملوك البطالمة في مصر
- -المعرفة- في خدمة الإمبريالية والفاشية والاستبداد


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابو يوسف الغريب - هادي وزهرة ،. قصة قصيرة.